هل القرآن صالح لكل زمان ومكان؟ نعم ولا فهناك 700 نص مقدس لا يصح العمل بظاهرها!

هل القرآن صالح لكل زمان ومكان؟، حوارات في العمق….700 نص مقدس لا يصح العمل بظاهرها
محمد حبش / كاتب ومفكر اسلامي/ سلسلة مراجعات فقهية عميقة

Advertisements
Advertisements

هل القرآن صالح لكل زمان ومكان؟
الجواب بالايجاب والنفي، وهو محكوم بالسؤال: هل يتعين علينا أن نطبق ظاهر النص أم مقاصده؟
أما النظر في مقاصد الشريعة الكبرى كما حددها الإمام القرطبي في الحفاظ على الدين والنفس والعرض والعقل والمال … فبالتأكيد يصلح القرآن هنا لكل زمان ومكان، لأنه محكوم بمصالح البشر، ويجب تأويله بما يحقق مصالحهم.
أما ظاهر النص فهو في الواقع لا يصلح لكل زمان ومكان، وهو الحقيقة التي أعلن عنها الرسول نفسه بقوله: أنتم أعلم بأمور دنياكم، وأعلن عنها بقوله: الشاهد يرى ما لا يراه الغائب، والتزمها الصحابة في بناء الدولة، ففرضوا حدوداً جديدة وعطلوا أخرى قديمة، ودخلوا في نظم حديثة يعارضها ظاهر النص، وشرعوا أبواباً للزكاة لم يشر لها النص، وأوقفوا حروباً كثيرة أمرهم بها ظاهر النص، وأطلقوا حروباً أخرى نهاهم عنها ظاهر النص.
وكانت هذه الإجراءات الثورية التي نتابعها في حلقات هذه السلسلة صادمة لأهل الظاهر، وقد عارضها الخوارح بشدة عبر شعارهم البيوريتاني: لا حكم إلا لله، ورفضوا التأويل في أي نص من كتاب الله واعتبروا كل تأويل في النص هرطقة وضلالاً ولو كان من اجتهاد أمير المؤمنين علي باب مدينة العلم، ناهيك عن معاوية أو عمرو بن العاص أو عبد الله بن الزبير.
هذه الدراسة ليست مقالاً بل هي قراءة دقيقة لواقع التفكير في الإسلام خلال التاريخ، ويإمكاني أن أصفه بالسطور التالية :
كانت الأمة تحتكم إلى ظاهر النص في غياب الدولة، وكان ظاهر النص ينتعش في الحركات الثورية وفي شبه الدولة، حيث يتم التطبيق بصورة انفعالية ثائرة، حتى إذا تحولت الحركة الثورية إلى دولة فإن التشريع المدني (الفقه) سواء كان يستنبط من النص أو من اجتهاد محض، استحسانا أو استصلاحاً أو عرفاً، هو الذي كان يسود، وبذلك قامت الدول التي أضافت قيمة حضارية للبشرية، الراشدون والأمويون والعباسيون والحمدانيون والسلاجقة والغزنويون والطولونيون والأدارسة والأغالبة ودول الأندلس والفاطميون والمماليك والعثمانيون، تهتدي بالقرآن وتستنير به ولكنها تنظم حياتها في قوانين مدنية.

ووفق ما قامت به الدول الإسلامية التاريخية فإن 54 دولة اليوم من أصل 57 دولة إسلامية تعتمد تشريعات وضعية فقهية، ولا تقبل الاحتكام إلى ظاهر النص وهو ما أعتبره الامتداد الطبيعيً لواقع الحال الذي كان يجري خلال التاريخ في البلدان الإسلامية.

هذا الصراع بدا واضحاً منذ فجر التشريع الإسلامي بين أهل الاجتهاد وأهل النص، ويمكن رصد ثمان مواجهات تناوبت في التاريخ بين التيارات المختلفة تعبر عن هذا المشهد نفسه وهو الانحصار بين ثنائيات متتالية:
الصحابة في مقابل الخوارج
المؤولة في مقابل المفوضة
أهل الراي في مقابل أهل الحديث
أهل العقل في مقابل أهل الأثر
المعتزلة في مقابل أهل الرواية
الفقهاء في مقابل الظاهرية
المذاهب في مقابل السلفية
واليوم هو الصراع نفسه بين: العلمانية في مقابل الأصولية
النص في مقابل الديمقراطية

وحيثما قرأت في التاريخ فستجد نفسك أمام ثنائية منها، كان الأول منها يطالب بعقلنة الفقه، وتأويل ظاهر النص، فيما كان الثاني يطالب بالاحتكام إلى ظاهر النص ويرفض أي تأويل فيه.
وترسم هذه الثنائية وهذا الجدل حيوية الحياة ودفع الله الناس بعضهم ببعض، ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين.
والدراسة هي مطالعة في نحو 700 نص ديني، ذهب جمهور الفقهاء إلى ترك العمل بها، وهي في القرآن والبخاري ومسلم، وحين نقول العلماء فالمقصود علماء الفقه الإسلامي والمفسرون والأصوليون الذين يحظون باحترام العالم الإسلامي وتقدير جماهيره.

ومن أبرزهم علماء الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن عباس وعائشة وابن مسعود ومن التابعين الحسن البصري وابن شهاب وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي، ومن الفقهاء أبو حنيفة ومالك والشافعي، ثم الفخر الرازي والطوفي والقرطبي والآمدي والماوردي والشاطبي وغيرهم كثير، وكلهم كان ينادي بالعمل بروح النص وترك ظاهره، وهو جهد نعتبره موصولاً بمدرسة التنوير والتجديد التي أحياها الأفغاني ومحمد عبده ومحمد إقبال وبيغوفيتش ومالك بن نبي، ونحاول نحن أن ننتمي إلى مدرستهم في الفقه والنور.

إن ما أريد توكيده هو أن تيار العقل والفقه والاجتهاد هو التيار الغالب في التاريخ الإسلامي منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب على الأقل، وأن التيار الرافض للاجتهاد هو دوماً تيار رافض، يعبر عن الأقلية ولا يعبر عن الأكثرية، وغالباً ما يكون جمهور الفقهاء في تيار الاستقرار والعقل والاجتهاد، ولو كتبوا أو خطبوا أو وعظوا بخلاف ذلك.
لم يملك سائر الفقهاء جرأة الإمام مالك ليقولوا: النص صحيح وليس عليه العمل، ولكنهم فعلوا ذلك بكل تأكيد، وذهبوا إلى ترك العمل بظاهر النصوص ولو لم يصرحوا بما صرح به الإمام مالك.. وسنقوم على صفحة السوري الجديد باستعراض 700 مثال واضح ترك فيه الفقهاء العمل بظاهر النص واختاروا العمل بمقاصد الشريعة.

Advertisements

وفي مقدمة عاجلة فهناك نحو 89 آية في القرآن يكاد يتفق فقهاء السنة والشيعة على ترك العمل بما فيها.

إنها قرآن كريم نقرؤه ونرتله ونتلوه ونتعبد به ونصلي، ولكن لا يجوز العمل بما نقرؤه ونتلوه، وهذا مذهب كل فقهاء الإسلام تقريبا باستثناء الظاهرية وبعض المنكرين للنسخ من الباحثين الجدد.
وها نحن نوردها بالإجمال قبل التفصيل الذي سيأتيكم في حلقات لاحقة:
وهي على الشكل التالي:
145 نصا في القرآن الكريم
191 نصاً في صحيح البخاري
304 نصاً في صحيح مسلم
والنصوص التي ترك الفقهاء إعمالها في القرآن الكريم إجمالاُ قبل أن نوردها تفصيلاً هي:
مجموعة النصوص المنسوخة وهي من 21 – 247
وفق السيوطي    21  آية      وهو رأي الجمهور
وفق ابن حزم    214  آية
وفق ابن الجوزي 247  آية

مجموعة نصوص ملك اليمين والعبيد  15 آية
مجموعة نصوص قتل المشركين كافة وحيث وجدتموهم  15  آية
مجموعة نصوص ثبات الأرض ودوران الشمس حولها  9 آيات
مجموعة نصوص الخلود في النار للعصاة من المسلمين 29 آية
والتأويل بروح النص وترك ظاهره هو مذهب جمهور الأمة، وقد بالغ الفقهاء فيه مبالغة عظيمة حتى قال البلقيني: ما من آية في كتاب الله إلا طرأ عليها تقييد أو تخصيص أو تأويل، ولا يعمل بإطلاق ظاهرها، إلا قوله تعالى: والله بكل شيء عليم.
والخلاصة إن الوعي الإسلامي يتعامل منذ قرون مع النص القرآني بنفس الروحية التي يتعامل بها الوعي المسيحي مع نصوص الإنجيل: الاحترام والتقديس والترتيل… ولكن عند التشريع فالتأويل حاضر، والحكم في النهاية للعقل والخبرة ومصلحة الناس….. إلا إذا قرر الاستبداد غير ذلك……..
وتسري هذه الحقيقة اليوم في كل البلدان الإسلامية باستثناء إيران والسعودية، وبنسبة أقل في الصومال والسودان وموريتانياوأفغانستان.
والفارق الجوهري أن الوعي المسيحي يعلن ذلك بوضوح، فيما لا يزال الوعي الإسلامي (الفقه الإسلامي العملي)  يطبق ذلك من دون أن يعلنه بشكل صريح.
فيما يصر التيار الظاهري (أحمد بن حنبل وابن تيمية) على وجوب العودة إلى ظاهر النص، ورفض التطور الفقهي (ابو حنيفة ومالك) لأنه يقع في مصادمة النصوص.
وللحديث متابعات .

Advertisements

….

رأي آخر

Advertisements

هل الإسلام صالح لكل زمان ومكان ؟

 

لقد درسنا في المدارس العربية والإسلامية أن الدين الإسلامي دين ودنيا ، وأنه صالح لكل زمان ومكان . لم نكن نعرف معنى ذلك بالضبط ، ولم تكن لدينا الجرأة لنسأل عن معنى هذه المصطلحات التي كانت أكبر من أن تفهمها عقولنا الصغيرة التي عودت على التلقي والقبول دون نقاش أو اعتراض . وأي صوت نشاز كان يكفر ويتعرض لأشد العقوبات من قبل أقربائه والمجتمع .

 

لم نكن نعرف من تاريخ الإسلام إلا ما كان يروى لنا من أنه شيد حضارة عظيمة في وقت كانت فيه أوربا تغط في سبات عميق . وكنا نتلقى في المدارس أن الدين الإسلامي هو الدين الحق ، وما عداه من الديانات والمعتقدات الأخرى كلها محرفة وغير صحيحة ، وأن غير المؤمنين بالدين المحمدي هم كفار جزاؤهم جهنم خالدين فيها . كانت فرائصنا ترتعد لسماع ذلك .

 

بالنسبة لي أنا شخصيا ، بعد أن كبرت ودرست الفلسفة والمنطق ، صرت أتساءل بيني وبين نفسي عن بعض الأمور دون أن أجاهر بذلك خوفا من أن تلصق بي تهمة المروق من الدين. بدأت أطرح أسئلة كثيرة على نفسي ، مثل :

ـ إذا كان الدين الإسلامي من عند الله ، وكان هو الدين الصحيح ، لماذا لم يؤثر في سلوك المؤمنين به ؟ لماذا ينتشر الفساد والرشوة والمحسوبية والغش وسوء التسيير والنفاق في بلدان الهلال ؟ لماذا تكثر الأوساخ والفوضى في شوارع قرى ومدن المسلمين ؟

ـ إذا كان الدين الإسلامي هو الصحيح ، لماذا لم يتطور المسلمون ولم يخرجوا من تخلفهم الكاتم على أنفسهم ؟ لماذا يهربون من بلدانهم ويطلبون اللجوء إلى بلدان الصليب ؟ هل يهرب الناس من الخير إلى الشر ؟

 

وكنت إذا صرحت بهذه التساؤلات لبعض الأصدقاء كانوا يردون علي بأن سبب ذلك يعود إلى عدم تمسك المسلمين بدينهم .وكنت أرد : هل الإسلام قابل للتطبيق في الحياة العملية ؟ وهل فعلا يصلح لأن يكون دستورا تساس به الدول ؟ وبقيت هذه التساؤلات من دون إجابة في ذهني ، وكنت مترددا.

 

في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن العشرين ، سمح لإسلاميي الجزائر بإنشاء حزب أطلق عليه اسم “الجبهة الإسلامية للإنقاذ”. لقد استقطب أعدادا هائلة من الجزائريين .وبما أن الشعب الجزائري له عاطفة دينية قوية ، فقد صوت في أغلبيته على الإسلاميين في الانتخابات البلدية والبرلمانية . في هذه الأثناء كان الإسلاميون يخرجون في مظاهرات عارمة حاملين لافتات مكتوب عليها بالخط العريض “الديمقراطية كفر” ، وكانوا يحتلون الساحات العمومية ، وكانوا يتوعدون معارضيهم بأشد العقوبات . وكانوا ينادون على رؤوس الأشهاد  بأن حزبهم هو حزب الله ، وأن الأحزاب الأخرى هي أحزاب الشيطان ، وأن من ناصرهم مأواه الجنة ومن عاداهم مثواه جهنم و بئس المصير.

ولحسن الحظ تدخل الجيش وألغى المهزلة الانتخابية ، ولكن ثمن ذلك كان باهظا .

 

رغم كل ذلك كنت مترددا ، وكنت أقول لنفسي أن العيب في المسلمين وليس في الإسلام ، وكنت أسمع ذلك من أسرتي ومن أصدقائي ومن معارفي . قلت لنفسي سيعي المسلمون أخطاءهم وسيسعون لتصحيحها وسيلحقون بركب الحضارة أو على الأقل يقتربون منه.

ولكن أمور المسلمين لم تنفك في التدهور في جميع الأصقاع . بدأت المأساة في الجزائر في بداية تسعينيات القرن الماضي بالقتل والتدمير والحرق . وكان لدى الناس بعض الشكوك فيمن يقوم بهذه الأعمال الشنيعة ، وقد غذى ذلك دعاية الإسلاميين ومن والاهم من طوائف الخليج ومستقبليهم من بلدان الغرب ، وقد راجت عبارة :” من يقتل من ؟ Qui tu Qui ? ” . لقد كنا نعرف بعض من يحرق ويدمر ويقتل ، لأنهم جيراننا وسكان حينا .

Advertisements

استمر التدهور بتفكك العراق وليبيا وسوريا واليمن وأفغانستان ونيجيريا ، وانتشار الإرهاب في تونس ومصر. قد يقول قائل أن سبب ذلك هو حكم الدكتاتوريات لتلك البلدان مدة طويلة ، وأن الأعمال التي يقوم بها الإسلاميون ما هي إلا رد فعل لمواجهة الظلم والقمع . هذا في جزء منه صحيح ، ولكن لماذا يستمر الإرهاب في تونس التي جرت فيها انتخابات ديمقراطية تميزت بالنزاهة والشفافية باعتراف حزب النهضة الإسلاموي ؟

عندها بدأت الأمور تتضح لي . وعندئذ تيقنت أن الدين الإسلامي في صورته الحالية هو عامل لا استقرار وفوضى . لذلك على المسلمين أن يجددوا دينهم، وأن يتخلوا عن فكر “سلفهم الصالح” ، وأن يأتوا بفكر يتناسب وعصرهم الذي يعيشون فيه ، وأن يبعدوا الدين عن الحياة العامة ، وأن يجعلوا منه قناعة شخصية خاصة بين الفرد وخالقه . إن الفكر الإسلامي المجتر ، والذي يمثل عادات وتقاليد البدو في شبه جزيرة العرب في القرون الوسطى،  لن يخرج المسلمين من الهوة السحيقة التي سقطوا فيها .

لو كان الإسلام صالحا لكل زمان ومكان لكان المسلمون أكثر الأمم تقدما وتطورا.

 

شاهد أيضاً

الإلحاد والعنف..وما دور الملحدين و”المؤمنين” في أبشع مجازر وحروب العالم؟

“إن بعض المعتقدات خطيرة جدا لدرجة أنه من الممكن أن يكون قتْلُ الناس الذين يعتقدون …