كتاب يكشف معلومات مذهلة عن سيرة وأحوال الصحابة وأملاكهم وعدد جواريهم وخلافاتهم جزء3-6

 

Advertisements
Advertisements

عالج الكاتب في هذا الفصل من السفر الثاني موضوع مجتمع الصحابة من خلال ظاهرتي السب و القتل . و قد نجح في استخراج مادة ثرية من كتب التراث ، و اوضح من خلالها ان الصحابة رغم الفترة التي قضوها رفقة الرسول الا ان طباع الجاهلية ظلت راسخة في نفوسهم و لم يتخلصوا منها تماما ، لهذا كان من المألوف ان يسبوا بعضهم بعضا في الخلافات التي كانت تشتجر فيما بينهم و التي كانت تصل احيانا الى الضرب او القتل ، مما يبدد الصورة المثالية التي يرسمها المسلمون عنهم .
فبخصوص موضوع السب ، يوضح الكاتب انطلاقا من العديد من الامثلة ان هذه الظاهرة كانت شائعة عندهم ، فخالد بن الوليد وصف عمار بن ياسر في حضرة الرسول بالعبد و ابان بن سعيد ن العاص وصف ابا هريرة بالوبر و هو لفظ يعني دويبة و مروان بن الحكم سب اسامة بن زيد بن الحارثة الملقب بالحب بن الحب سبا قبيحا لانه رفض الصلاة وراءه و معاوية بن ابي سفيان سب عبادة بن الصامت الخزرجي كما استهان بأسيد بن حضير و لما كتب زيد بن ثابت المصحف قال عبد بن مسعود : لقد اسلمت و انه في صلب رجل كافر (يعني عثمان بن عفان) و عبد الرحمان بن عوف و خالد بن الوليد كانا يتشاتمان و ابي بكر اغضب عمر حتى وصل الخبر الى الرسول و العشرة المبشرين بالجنة ايضا تشاتموا و تقاتلوا فيما بينهم مثلما حدث بين علي و طلحة و الزبير ،و عبد الرحمان بن عوف شتم خالد بن الوليد بسبب ارتكابه مذبحة في حق بني جذيمة رغم اسلامهم . و في النهاية نخلص مع الكاتب الى ان الصحابة تشاتموا في عهد الرسول و بعد وفاته . و هذا دليل على ان تعاليم محمد لم تتغلغل عميقا في نفوسهم و ان الوفاق الذي كان بينهم كان ظاهريا فقط اما النفوس ففيها ما فيها .


ثم ينتقل الكاتب بعد ذلك الى موضوع القتل ، فيوضح ان الصحابة كانت لهم صولات و جولات في هذا المجال (اذا صح هذا التعبير) و يبدأ بخالد بن الوليد الذي قتل مالك بن نويرة بدعوى ارتداده رغم انه ثبت على الاسلام و لكن في الحقيقة ،كان باعثه وراء ذلك هو الظفر بزوجته جميلة الساقين ام متمم التي كان يشتهيها قبل الاسلام ، فضاجعها مباشرة بعد قتل زوجها مخالفا بذلك تعاليم الاسلام . و رضوخا لدواعي السياسة و مصالحها العليا تغاضى ابي بكر عن تطبيق حدود الله على خالد لبراعته في القضاء على المرتدين . ثم بعد ذلك ينتقل بنا الكاتب الى مقتل عثمان و يوضح ان الثوار جاؤوا من مصر و الكوفة و البصرة و انهم حاصروه لمدة اربعين يوما بقيادة الصحابة و ان اربعة منهم كانوا من بين قتلته و انهم منعوا دفنه بالبقيع و لم يصل عليه و دفن دون ذلك في حش كوكب و هو مكان لقضاء الحاجة ! . و في المقابل انتقم صحابة اخرون من قتلة عثمان الذين هم ايضا صحابة ! فقتلوهم شر قتلة .
بخصوص هذا النقطة يوضح الكاتب ان اربعة صحابة كان لهم دور رئيسي في قتل عثمان و هم : محمد بن ابي حذيفة و محمد بن ابي بكر و عمر بن الحمق الخزاعي و عبد الرحمان بن عديس البلوى . و امعانا منه في الحفر التاريخي وراء هذه الشخصيات الميتاتاريخية ، فإن الكاتب تطوع بتقديم سيرة ذاتية عن هؤلاء الصحابة القتلة . ففيما يخص محمد بن ابي حذيفة ، فإن والداه صحابيان مهاجران من عبد شمس من قريش . و بعد وفاة والده كفله عثمان بن عفان و هو ابن خال معاوية بن ابي سفيان و رغم كفالة عثمان له فإن ذلك لم يمنع من ذهابه الى مصر و تأليب الناس عليه و قد كان اول من دخل عليه حين حوصر . و قد هرب بعد قتل عثمان الى الشام ! فوجده رشدين مولى معاوية فقتله عند جبل الجليل بلبنان . أما محمد بن ابي بكر فهو ابن ابي بكر و اسماء بنت عميس و لما توفي ابابكر تزوجها علي فنشأ محمد بن ابي بكر في حجر علي و كان ممن ساهم في قتل عثمان . في المقابل فإنه قتل بطريقة بشعة على يد الصحابيين عمرو بن العاص و معاوية بن حديج ، حيث انه قتل صبرا و احرق في جوف حمار ميت . اما القاتل الثالث ، عمرو بن الحمق الخزاعي ، فهو شخص له صحبة و رواية . بعد قتله عثمان صار من شيعة علي و شهد معه الجمل و النهروان و صفين . لاحقه معاوية ، فاختبأ بغار بالموصل فلدغته حية فمات . و قد قطع رأسه عامل الموصل و ارسله الى زياد بن ابيه الذي بدوره ارسله الى معاوية. و قد كان اول راس حمل في الاسلام من بلد الى بلد . و يذكر المؤرخون انه اثناء ملاحقته سجن معاوية زوجته و حينما اتوا برأسه القي به في حجرها . و يبقى القاتل الرابع عبد الرحمان بن عديس البلوي و هو صحابي شهد بيعة الرضوان و قد قتله معاوية ايضا بفلسطين .
في نهاية هذه الفقرة الخاصة بمقتل عثمان بن عفان لدينا اضافة بسيطة غفل عنها الكاتب و هي ان اثنان من قتلة عثمان و هما محمد بن حذيفة و عبد الرحمان بن عديس البلوي كانا قد فرا الى منطقة نفوذ معاوية (الشام) ، و هو امر لا نجد تفسيرا له الا انهما مرسلان من طرف معاوية لقتل عثمان و لهذا فهما بعد تنفيذ مهمتهما (قتل عثمان) لجآ الى الشام في اطمئنان تام معتقدين ان معاوية سيكافئهما لكنه انقلب عليهما حتى لا ينفضح سره و يتاجر بقميص عثمان بكل حرية و يجعل لنفسه الحق في القصاص له .
من يراجع قصة مقتلهما يجد انهما سجنا اولا ثم فرا من السجن فتمت مطاردتهما و قتلهما . كتعليق على هذه الاحداث يمكن القول ان معاوية امر بسجنهما اولا و لانه لم يكن له مصلحة في محاكمتهما امام الملأ و الا افتضح سره ، فإنه سهل لهما الهروب من السجن ثم ارسل من يقتلهما تحت ستار مطاردتهما و محاولة القبض عليهما و هكذا يموت سرهما معها (ادار هذه العملية رشدين مولى معاوية المقرب اليه ) و ينجو معاوية من انتقام اسرة عثمان بن عفان المروانية . إن الانتباه الى دور معاوية بن ابي سفيان في قتل عثمان بن عفان لكفيل بإعادة كتابة تاريخ صدر الاسلام برمته ! .
لم يكن مقتل عثمان بن عفان نهاية لجرائم الاغتيال السياسي في عهد الصحابة بل استمر هذا المسلسل من الاعدامات ممثلا في قتل حجر بن عدي ، و هو يعتبر من فضلاء الصحابة و قد شهد مع علي صفين و الجمل و النهروان ، لكنه بعد انتقاده لزياد بن ابيه ، فإن هذا الاخير ارسله الى معاوية مع جماعته فضرب عنقهم في مرج عذراء. ثم تأتي بعد ذلك حادثة سم الحسن بن علي . هذا الاخير كان قد تصالح مع معاوية بن ابي سفيان ، فسمي ذلك العام بعام الجماعة على اساس ان يحكم الحسن بعد معاوية ، لكن هذا الاخير تنكر لاتفاقه و سم الحسن عن طريق زوجته جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندي. ثم ينتقل الكاتب بعد ذلك الى ذكر جريمة اخرى و هي سم عبد الرحمان بن خالد بن الوليد . هذا الاخير كان والي معاوية على حمص و شهد معه صفين و كان يستعمله على غزو الروم و كانت له شعبية كبيرة لدى اهل الشام ، بالإضافة الى اصله المخزومي و هو اصل قرشي رفيع مما جعل معاوية يخشى ان يفسد عليه تولية ابنه يزيد بعده فتخلص منه هو الاخر بالسم .
و في ختام هذا الفصل يورد لنا الكاتب نموذجا فريدا من الصحابة و هو الصحابي بسر بن ارطأة . فهذا الصحابي ارسله معاوية الى اليمن و الحجاز لقتل شيعة علي و اخذ البيعة له فقام بأعمال شنيعة في المدينة بأمر من معاوية ثم ذهب الى اليمن فقتل من رفض مبايعة معاوية و قتل عبد الله بن المدان الحارثي و ابنه و ابني عبيد الله بن العباس الصغيرين ذبحا و قتل كل من يناصر علي باليمن، ثم اضاف الى اعماله ان سبى النساء المسلمات و عرضهن في سوق النخاسة كاشفا عن سيقانهم فسمي هذا اليوم بيوم العورة .
في نهاية هذا الفصل سيصعب علينا الركون الى فكرة السلف الصالح و مثالية الصحابة و عدالتهم . اننا امام ممارسات واقعية لجزء مهم منهم . ممارسات تنم عن حب شديد للذات و استعداد للسير الى ابعد مدى لإرضائها و لو تطلب ذلك ارتكاب ابشع الجرائم تحت شعار الغاية تبرر الوسيلة . ان المعلومات التي اوردها الكاتب هي معلومات تقبع في ثنايا الكتب السنية (الصحاح الستة) و بالتالي لا تملك المؤسسة الدينية عندنا الاعتراض عليها . و في رأينا انه بعد هذا الكتاب سيكون من الغباء و الاستغباء ترديد اللازمة السنية المشهورة : كل الصحابة عدول !.

استمرارا منه في تبديد الهالة الموضوعة على الصحابة ، فإن الكاتب يوضح في هذا الفصل العلاقة الوطيدة التي جمعت كبار الصحابة بالمال ، و كيف انهم لم يكونوا من الزاهدين فيه كما يشاع عنهم .
و قد اوضح خليل عبد الكريم كيف كان اتباع محمد في مكة في بداية الدعوة من اراذل الناس و افقرهم و انهم حينما هاجروا الى المدينة قاسمهم الانصار اموالهم، و زوجاتهم . لكن بفضل الغزوات مع الرسول و بعده ستتحسن احوالهم تدريجيا ليصبحوا في النهاية شديدي الغنى .
فالزبير مثلا كان فقيرا لا يملك غير ناضح (جمل يسقى عليه الماء) و فرس و ارض اقطعه الرسول اياها . اما عبد الله بن عمر فيتحدث عن نفسه قائلا : كنت غلاما عزبا ، فكنت انام في المسجد على عهد رسول الله (صلى الله عليه و سلم). في حين كان عبد الله بن مسعود عديم الكسب لا حرفة و لا تجارة له ، فكانت زوجته هي التي تنفق عليه و على اولاده . لكن هذه الاحوال المتواضعة للصحابة ستتغير تماما ، خصوصا في عهد عمر بن الخطاب ، حيث يوضح الكاتب بذكاء ان عمر اغدق الاموال الطائلة التي اتته من خراج البلاد المفتوحة على عوائل قريش الكبرى حتى تسكت عن خروج الخلافة منها الى قبيلة عمر (بني عدي) المتواضعة ، و نحن نضيف ان هذا التوزيع العادل لأموال الخراج على كبار الصحابة بمختلف انتماءاتهم القبلية هو ما صنع اسطورة ” عدل عمر” مقارنة مع عثمان بن عفان الذي مال تماما الى عائلته الاموية و استأثرهم بخيرات الدولة و امكاناتها .
اذن هكذا يوضح الكاتب انطلاقا من المصادر السنية كيف انقلب وضع الصحابة من حال الى حال و تحولوا الى مليونيرات بلغة عصرنا . فابن عمر باع ارضا له بمائتي ناقة و تصدق في جلسة واحدة بثلاثين الفا (درهما او دينارا) و فرق في احدى المجالس اثنين و عشرون الف دينار و توزعت مصادر ثروته بين نصيبه من العطاء لأنه صحابي قديم و قرشي و مهاجر و ما كان يقبله من عطايا الامراء و لو كانوا ظالمين .
اما عن والده عمر بن الخطاب فتشير المصادر ان الرسول اقطعه و ابي بكر ارضا بالمدينة . و ان الرسول كان يعطيه العطاء بشهادة حفيده سالم ، و انه من اجل الاعتناء بأراضيه كان يحضر يوما لمجلس الرسول و يوما للعناية بها و انه شهد جميع الغزوات و حاز الغنائم منها جميعا ، خصوصا غزوة حنين الكثيرة الغنائم ، ثم انه حين صار خليفة لم يتخل عن ثروته بل جعل له عطاء من بيت المال قدره اربعة آلاف دينار/درهم بخلاف راتبه كخليفة . هذا و تذكر المصادر انه دفع لام كلثوم بنت علي صداقا بأربعين الف دينار/ درهم .
إن ما يقال عن تقشف عمر و زهده هو في الواقع محض خيال ، فالرجل عاش يملك الضياع و الاموال ، و تمتع الى جانب ذلك بحياة جنسية ثرية تمثلت في زيجاته المتعددة و تملكه للإماء . و هو ما سنوضحه اكثر في فقرة الصحابة و النكاح .
ثم اذا انتقلنا الى بقية الصحابة فإننا نجد الاتي :
– عمرو بن العاص : خلف 325.000 دينار و الف الف درهم و غلة 200.000 دينار و ضيعة تسمى بالوهط قيمتها 10 مليون درهم.
– علي بن ابي طالب : مات عن اربع زوجات و 19 ام ولد و 24 ولد و بنت و ترك لهم كثيرا من العقار و الضياع . و تذكر المصادر ان فاطمة بنت محمد اعترضت عليه بحجة انه فقير آل طالب .
– عبد الله بن مسعود : صار يملك الضياع بعد ان كانت تتصدق عليه زوجته
– زيد بن ثابت : خلف ثروة تفوق بكثير مائة الف دينار
– سعد بن ابي وقاص : بنى قصرا واسعا العقيق
– عبد الرحمان بن عوف: ترك ثروة تقدر بثلاثة ملايين و مائة الف دينار .
– الزبير بن العوام : كان له الف مملوك يؤدون له الخراج . باع احدى دوره بستمائة الف .أقرض عبد الله بن جعفر مليون درهم . كانت له دور بالبصرة و الكوفة و مصر و الاسكندرية.
– طلحة بن عبيد الله : من قبيلة تيم ، باع ارضا له بسبع مائة الف دينار/درهم. كان يغل بالعراق ما بين اربعمائة الى خمسمائة الف و كان يتكلف مؤونة افراد قبيلة تيم . دخله السنوي هو 365.000 دينار . تزوج سبع حرائر و تسرى بأمتين (ام ولد).
الواضح ان المصادر السنية على علاتها و خضوعها لمنطق السلطة الحاكمة لم تستطع ان تخفي واقع الصحابة المتناقض مع فكرة السلف الصالح . انهم كما سيتضح مما سيأتي من التحليل لم يختلفوا عن اي جماعة ارستقراطية مقاتلة طفت فجأة على سطح الاحداث . فغزت و نهبت و استعبدت و تملكت الإقطاعات . و لم يختلفوا عن نظرائهم الفرس او البيزنطيين . و بالتالي لا يمكن القول انهم اتوا بجديد على المستوى السياسي او الاجتماعي او الاقتصادي او الحضاري . و هذا ما سيتضح في الابواب التالية من هذا الفصل . ففي باب غنائم الفتوحات تذكر المصادر ان سعد بن ابي وقاص وجد بخزائن كسرى ثلاثة الف الف الف الف دينار (3000 مليار دينار) و قدرا كبيرا من التحف و الامتعة و الجواهر مالا تدرى قيمته . كما انه اباح ان يحتل الغزاة مساكن المواطنين . اما عن الجبايات ، فقد كانت تلك التي ترد من العراق في عهد عمر بن الخطاب مائة مليون درهم و التي ترد من مصر في عهد عمرو بن العاص اربعة عشر مليون دينار كضريبة على الرؤوس . كما تذكر المصادر ان ابا موسى الاشعري حمل الى عمر بن الخطاب الف الف درهم و حمل ابو هريرة من البحرين الى نفس الخليفة خمسمائة الف درهم . و السؤال الذي يطرح نفسه : ماذا سيفعل مجتمع الصحابة القابع في مكة و المدينة بكل هاته الاموال ؟ ما هي حاجته الحقيقية اليها ؟ إن هاته الاموال هي اموال الشعوب المفتوحة و هي حق لهم وحدهم و يجب ان تظل داخل بلدانهم و تنفق عليهم ، لأنها من انتاجهم و عرق جبينهم . إلا ان الذي حدث هو ان هذه الثروات التي اجتهدت الشعوب في انتاجها نقلت باستمرار الى مجتمع المدينة لتوزع على كبار الصحابة لينفقوها بسفه على نزعاتهم الاستهلاكية و الترفيهية من دور و ضياع و جوار و عبيد ، في حين تعرضت البلدان المفتوحة الى استنزاف متواصل ، الشيء الذي دفعها الى ان تثور باستمرار على مركز الخلافة . في المقابل فإن هذه الثروات الضخمة المستحدثة على مجتمع الصحابة قد هزته هزا عنيفا و زلزلته زلزالا شديدا ، فتحولوا من اخوان الى اعداء ألداء يتقاتلون من أجل الدنيا مثلما حدث ين طلحة و الزبير و علي ، كما يوضح الكاتب.
اننا حينما ندرس المجتمع الفيودالي في اوربا بعد اكتساح القبائل الجرمانية للدولة الرومانية ، فإننا نجد نقاط تشابه عديدة بين هذا المجتمع القائم على تقسيم الاراضي الزراعية على النبلاء من طرف الملك لكسب ولائهم و مشاركتهم في حروبه و بين المجتمع الصحابي . فهو أيضا قام افراده باقتسام اراضي البلاد المفتوحة فيما بينهم و اعتبروا انفسهم المالكين الوحيدين للاراضي دون غيرهم من اصحاب الارض الاصليين او باقي المسلمين . بل كانوا يفسخون بيع و شراء اي جزء من تلك الاراضي ، لان البيع و الشراء لم يتم عن طريقهم كما يتضح من خلال هذه الرواية :” روى الشعبي قال : اشترى عتبة بن فرقد ارضا على شط الفرات ، فذكر لعمر بن الخطاب فقال ممن اشتريتها ؟ قال من اربابها ، فلما اجتمع المهاجرون و الانصار عند عمر قال : هؤلاء اهلها ، فهل اشتريت منهم شيئا ؟ قال : فاردد على من اشتريتها منه و خذ مالك” كتاب الاستخراج لاحكام الخراج للامام الحافظ ابي الفرج بن رجب الحنبلي.
ان الباحث يجد نفسه امام سادة اقطاعيين بكل معنى الكلمة . و لتوضيح هذه النقطة اكثر لمعرفة الصلة الوطيدة التي ربطت الصحابة بعالم الاقطاع ، يورد لنا الكاتب الامثلة التالية :
– عن عروة عن ابيه ان ابا بكرا اقطع الزبير ما بين الجرف الى القناة (ارض في منطقة الحجاز)
– حدثنا الحسن البصري : قال سمعت عن عبد الله بن الحسن يقول : ان عليا سأل عمر بن الخطاب فأقطعه ينبع .
– عن موسى بن طلحة قال : اقطع عمر خمسة من اصحاب النبي : سعد بن ابي وقاص و عبد الله بن مسعود و خباب و اسامة بن زيد .
بل إن الاقطاع تم بقرى بكاملها مثل اقطاع عمار استينيا و هي قرية بالكوفة و اقطاع خباب بن الارت قرية صنعاء بمن عليها من الفلاحين ، و هذا دليل اخر يؤكد ان النظام الاقطاعي الذي ساروا عليه كان لا يختلف عن نظام القنانة الفيودالي في اوربا في القرون الوسطى كما سبق و اوضحنا . فالخليفة كان لا يختلف عن اي ملك فيودالي ، فقد كان مطلق اليد في المالية العامة و اراضي البلاد يمنحها و يحرمها من يشاء .
و الواقع ان نقدنا لمجتمع الصحابة لا ينسحب على الرسول . إن قراءتنا المتأنية لسيرة الرسول توضح انه حاول ان يثور على البراديغم السائد، سياسة و عرفا و اخلاقا ، لكن الواقع كان اقوى . فبمجرد ان توفي حتى عاد البراديغم ما قبل الاسلامي بمنطقه اللامساواتي و الاستغلالي . و هو ما يوضحه الكاتب من خلال عقد مقارنة بين مواقف الصحابة في حياة محمد و بعد وفاته .
فمثلا فيما يخص الغنائم فإن الكاتب يوضح ان نظرة الصحابة اليها كانت مستمدة من اعراف الجاهلية ( من قتل قتيلا فله سلبه) . و قد حاول محمد جاهدا محو هذا العرف دون جدوى ، لانه كان راسخا في النفوس كحالة سعد بن ابي وقاص و السيف الذي غنمه بقتله لاخيه في المعركة و استنكار الرسول لهذا السلوك ثم قبوله به على كره منه . بل ان رغبة الصحابة في الغنائم دفعهم الى قتل راع مؤمن و هو مرداس بن نهيك الفزازي رغم نطقه بالشهادتين فنزلت الاية :” و لا تقتلوا لمن القى اليكم السلم لست مؤمنا ” هذا الشخص قتله اسامة بن زيد و قد وبخه الرسول بشدة قائلا له : “هل شققت عن قلبه؟” . و مع ذلك تكررت الواقعة مع عامر بن الاضبط الذي قتله الصحابي محلم بن حتامة رغم انه حيا المسلمين بتحية الاسلام ، فنزلت الاية :” يا أيها الذين امنوا اذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا”. و الواقع ان الرسول عانى بشدة في مراودة الصحابة و كبح جماحهم و تنقية نفوسهم مما علق بها من النشأة ( هذا يدحض فكرة طاعتهم العمياء له كما ادعى الكاتب) و الامثلة على ذلك كثيرة ، نكتفي منها بالاتي : ” عن الاسود بن سريح قال : كنت مع رسول الله (ص) في غزاة فأصاب الناس ظفرا حتى قتلوا الذرية فقال رسول الله : الا تقتلن ذرية الا تقتلن ذرية ” اخرج هذا الحديث بن ماجة و احمد بن حنبل .
إن رغبة الصحابة (او بعضهم) في الحصول على الغنيمة كانت قوية لدرجة انهم تسببوا في هزيمة احد بسبب تهافتهم على الغنائم ، بل إنه في بعض الاحيان كان يحدث ان يستولي الصحابي على سلب صحابي اخر . و لم يقتصر الامر على الصحابة الرجال بل تعداه الى الصحابة النساء ، اللواتي هن بدورهن طمعن في امتلاك الغنائم كما جاء في الرواية التالية :” ثم ان خولة بنت حكيم بن امية بن حارثة بن الأوقص السلمية و هي امرأة عثمان ، قالت : يا رسول الله اعطني ان فتح الله عليك بالطائف حلي بادية ابنة غيلان او حلي الفارعة بنت عقيل و كانتا من احلى نساء ثقيف ” السيرة النبوية لابن هشام. و رد عليها محمد ” و ان كان لم يؤذن لي في ثقيف يا خولة ” الاستيعاب لابن عبد البر.
يخلص الكاتب الى ان الصحابة كانوا يتهافتون على المال و الغنائم في حياة محمد و نحن نوافقه على رأيه فيما يخص المهاجرين اما الانصار فلا يمكن القول انهم كانوا كذلك بدليل ان الرسول لم يمنحهم شيئا من غنائم حنين و بعد اعتراض بسيط منهم رضوا بالامر . و يمكننا ان نرجع هذه الفروق في السلوك بين الانصار و المهاجرين الى الاختلاف في بيئة كل فريق منهما . فالأنصار مزارعون و المهاجرون رعاة ، و المزارع ينمي ثروته عن طريق الزراعة ، اي الانتاج الدوري المتجدد ، اما الراعي فنمطه الاقتصادي قائم على الاستهلاك (الرعي/ استهلاك العشب) و لا يعرف منطق الادخار و الاستثمار كالمزراع ، و لذلك فهو اقرب لنهب الاخرين لتنمية ثروته التي لا يستطيع مضاعفتها عن طريق الادخار و الاستثمار لأنه لا ينتج الكلأ بل يستهلكه فقط و لذلك كان الراعي البدوي الصحراوي نهابا كبيرا .
ثم ينتقل بنا الكاتب بعد ذلك الى الحديث عن مواقف الصحابة بعد محمد لإتمام المقارنة بين مواقف الصحابة اثناء حياته و بعدها. يوضح خليل عبد الكريم ان محمد قام بثورة ناجحة اطاحت بملأ قريش اعتمادا على المستضعفين و التجار المتوسطين امثال ابي بكر و عثمان و طلحة و الزبير و ما يمكن ان نطلق عليهم بالمثقفين المستنيرين امثال عمر بن الخطاب و مصعب بن عمير، على حد قول الكاتب . و يوضح كذلك ان ثورة محمد كانت اشبه بثورة يسارية على اليمين القرشي و انها نجحت بفضل دعم الانصار لها . لكن ثمرات الثورة قطفها اليمين القرشي مرة اخرى بعد وفاة الرسول ممثلا في البيت الاموي الذي سينتصر في النهاية على اليسار الاسلامي ممثلا في البيت الهاشمي ، فانقلبت ثورة محمد الى نقيضها (يسميها الكاتب ثورة مضادة).
لا ينفك خليل عبد الكريم يغرف من كتب التراث موضحا في هذا الباب كيف تغيرت مواقف عدد من الصحابة بعد وفاة الرسول و ساهموا بشكل مباشر او غير مباشر في احداث الثورة المضادة . و يبدأ بعثمان بن عفان فيوضح انه تولى منصب الخلافة بدعم واضح من حزب المتمولين (اغنياء قريش) و كيف شعر في عهده الصحابة ذوو الاصل الوضيع بالغبن في حين ان الصحابة الذي حبسهم عمر بن الخطاب و منعهم من مغادرة المدينة قام عثمان بن عفان بإطلاق حريتهم فلجأوا الى تعويض حرمانهم في الفترة الاولى مما ادى الى حدوث ما سمي ب “الفتنة الكبرى” حيث تحلق حول عثمان صقور اليمين من الاعداء السابقين للرسول من الطلقاء و اللعناء و الطرداء مثل الحكم بن ابي العاص و عبد الله بن سعد بن ابي السرح و ابي سفيان و معاوية و الوليد بن عقبة و عمرو بن العاص و شرعوا في فرض سياساتهم و سيطرتهم على مقدرات البلاد و ازاحوا الحرس القديم من الصحابة و هو ما سنوضحه بشيء من التفصيل .
تذكر المصادر بخصوص الحكم بن العاص ، انه كان مؤذيا لرسول الله ، فلعنه و طرده من المدينة لكن عثمان رده حين استخلافه . الحكم هذا كان صعلوكا (قليل المال) و حينما عاد من المنفى و دخل دار عثمان خرج و عليه خز و طيلسان ثم صار بعد ذلك و ابنه مروان من خاصة مستشاري الخليفة و انقلب الى كبار الاثرياء بفضل عطاياه (عثمان بن عفان) الذي زوج ابنته الى مروان بن الحكم و امر له بخمس خراج افريقية . ثم يأتي بعده عبد الله بن سعد بن ابي سرح كشخصية تاريخية جديرة بالدراسة . لقد كان اخا لعثمان بن عفان من الرضاعة و احد كتبة الوحي لكنه ارتد و عاد الى مكة يشهر بالرسول قائلا : ” اني كنت اصرف محمد حيث اريد . كان يملي علي (عزيز حكيم) فأقول او (عليم حكيم) فيقول نعم كل صواب ” (أسد الغابة ، ابن الاثير الجزري، المجلد الثالث ، ص : 259. فنزلت الاية تقول : ” و من اظلم ممن افترى على الله كذبا او قال اوحي الي و لم يوح اليه شيء ، و من قال سأنزل ما انزل الله ” سورة الانعام ،93. و اهدر الرسول دمه يوم فتح مكة لكنه فر الى عثمان الذي شفع له عند الرسول الذي ظل غاضبا عليه لآخر لحظة من حياته. و رغم كل ذلك ، ولى عثمان عبد الله بن ابي سرح على مصر مكان عمرو بن العاص لينعم بخيراتها ، فأساء السيرة ، حيث ضاعف من خراج مصر بإثقال اهلها بالجبايات . و رغم كل ما فعله عثمان من اجله فإنه لم يرسل اي جيش لإنقاذ اخيه (عثمان) من الثوار بل لم يقاومهم حينما انتزعوا منه مصر و كل ما فعله هو انه رحل عنها محملا بثروته الى مدينة الرملة او عسقلان تحت حماية معاوية بن ابي سفيان. و عاش البقية من حياته خامل الذكر ، فلم يشارك في معركة صفين التي دارت بين علي و معاوية و آثر الخلود الى المتعة و الراحة .
ننتقل بعد ذلك الى مروان بن عبد الحكم . هذا الشخص هو ابن عم عثمان و يعتبر اشدهم هيمنة عليه و هو من اورده مورد التهلكة بسبب تصرفاته التي ادت الى الثورة عليه و مقتله. ولد مروان بن الحكم في العام الهجري الثاني و قيل يوم احد او يوم الخندق . كان مستشار عثمان بن عفان الخاص ، فاستولى عليه الى ان قتل ، ثم فر و من معه من بني امية و تركه يواجه مصيره . ثم صار بعد ذلك واليا على المدينة في عهد معاوية ، فجعل مصعب بن عبد الرحمان بن محوف على شرطة المدينة ففعل هذا الاخير بأهلها الافاعيل. صار خليفة بعد وفاة معاوية بن يزيد باتفاق بين آل سفيان و آل مروان على ان يتولاها من بعد خالد بن يزيد بن معاوية لكنه تحلل من عهده و جعله في ابنه عبد الملك و مات على يد زوجته انتقاما منها لابنها خالد . يوم تولى ابنه عبد الملك الخلافة قال محمد الحنفية : ” تسلط الطلقاء و لعناء رسول الله (ص) على الناس ” .
نمر بعد ذلك الى شخصية اخرى و هي الوليد بن عقبة بن ابي معيط و هو أخو عثمان لأمه . اسلم يوم الفتح . كان شديد العداء لمحمد قبل الفتح بعد اسلامه ارسله الرسول الى بني المصطلق ليأخذ منهم صدقات اموالهم فكذب عليهم و ادعى انهم ارتدوا و انهم رفضوا دفع الزكاة و انهم حاولوا قتله لولا ان الاية نزلت تكذبه :” ان جاءكم فاسق بنبأ ..” و حاز الوليد بذلك لقب الفاسق . ولاه عثمان ولاية الكوفة بعد عزل سعد ن ابي وقاص بطل القادسية. صلى اثناء ولايته بالناس و هو سكران ثم تهوع في المحراب و التفت الى من خلفه فقال : أأزيدكم ؟ كان جاهلا بالفقه و العبادات و كان مدمنا على الخمر و كان يحرض معاوية بكتبه و شعره على بني هاشم .
من خلال هذه الشخصيات يتضح التغير الذي عرفته مواقف عثمان بن عفان . هكذا بعد ولايته صار يوزع المناصب على افراد عائلته رغم سوء سيرتهم ، بل تعدى ذلك الى تبديد اموال بيت مال المسلمين عليهم .” عن ابي موسى قال : كنت اذا اتيت عمر بالمال و الحلية من الذهب و الفضة لم يلبث ان يقسمه بين المسلمين حتى لا يبق منه شيئا ، فلما ولي عثمان اتيت به فكان يبعث به الى نسائه و بناته” و في سبيل ذلك عزل عبد الله بن ارقم و معيقيب عن حراسة بيت المال لأنهما اعترضا على تصرفاته في اموال بيت مال المسلمين و وضع مكانه زيد بن ثابت. و نقل ابن تيمية عن معارضي عثمان قولهم : ” و ولى مروان امره و القى اليه اموره و دفع اليه خاتمه ، فحدث من قتل عثمان ، و كان يؤثر اهله بالأموال الكثيرة من بيت المال حتى انه دفع الى اربعة من قريش زوجهم بناته اربعمائة الف دينار و دفع الى مروان الف الف دينار ” منهاج السنة النبوية ، ابن تيمية.
على هذا النهج سار عثمان ، فبعثر مال المسلمين على اقاربه و اخواله و خدمه و ابناء شركاءه في التجارة ، فمثلا منح خادما له يدعى حمران دارا بالبصرة مثل دار عامله عليها و اقطع العباس ربيعة بن الحارث دارا بالبصرة و اعطاه مائة الف لان والده كان شريكا له بالتجارة . و صار الحال في عهده ان تملك كبار الصحابة و اللقطاء و اللعناء الاقطاعيات و الاموال الكثيرة ، فأوغر ذلك صدور المسلمين العاديين و ملأ نفوسهم بالسخط ، بل زاد عثمان على ذلك بأن كان اول من حول الخلافة الى ملك (على حد قول الكاتب) عندما احاط نفسه بالطلقاء و اللعناء و اقاربه و الفساق يتصرفون بمقدرات الامة كما يشاؤون. يضيف خليل عبد الكريم أن عثمان بن عفان بتصرفاته و سلوكياته كان يعد نفسه ملكا لأن الله هو الذي اتاه الملك و البسه قميصه كما عبر عن ذلك بقوله :” كيف اخلع قميصا ألبسنيه الله” (تتطابق هذه الفكرة تماما مع فكرة الحق الالهي التي كان يحكم بها ملوك القرون الوسطى في اوربا ! ) و بالتالي لا يحق للسوقة ان تحاسبه او تنزعه منه . و قد عبر الوليد بن عقبة عن هذا الامر حينما قال لسعد بن ابي وقاص : ” لا تجزعن ابا اسحاق فإنما هو الملك يتغذاه قوم و يتعشاه آخرون” و رد عليه سعد مؤكدا قوله :” أراكم و الله ستجعلونها ملكا ” . إذن كما يتضح من هذا السرد فإن عثمان ما بعد الرسول هو عكس عثمان ايام الرسول .
ننتقل بعد ذلك الى شخصية اخرى و هي معاوية بن ابي سفيان. اسلم يوم الفتح بينما كان يدعي انه اسلم قبل ذلك و انه لقي الرسول مسلما و كتم اسلامه عن ابيه و امه (اسد الغابة). تألف الرسول قلبه يوم هوازن بمائة بعير و اربعين أوقية . صار هذا الطليق فيما بعد اميرا على الشام لمدة عشرين سنة و خليفة مثل ذلك . و جمع حوله اثناء خلافته اعداء الرسول و مناوئيه و ابنائهم و استبعد الصحابة المخلصين . و حينما زار المدينة جاءه الانصار يشكون إليه ما يلقون فقال لهم : اتذكرون ما قاله محمد لكم ؟ فقالوا : نعم ، قال : ستجدون بعدي اثرة فاصبروا ، فرد عليهم مستخفا بهم : اذن اصبروا ” . إذن كما نرى فإن ثورة محمد آلت في النهاية الى اعداءه . معاوية هذا وصفه الرسول بالصعلوك قائلا : ” اما معاوية فصعلوك لا مال له ” . و من صفاته انه كان نهما الى الطعام لا يشبع ، و في شبابه عانى من بخل ابيه ، فاجتمعت فيه الصعلكة و النهم و الجشع ، و هكذا حينما صار واليا على الشام سمى مال المسلمين مال الله كحيلة للاستحواذ عليه ، و هو ما تفطن له ابا ذر الغفاري ، فظل يعارضه و ينتقده حتى ضاق معاوية به ذرعا فاشتكاه الى عثمان الذي نفاه الى الربذة ، و منذ هذا الحين صار دأبه اكتناز المال و حيازة العقارات للتعويض عن عقدة النقص لديه المتمثلة في احساسه الدفين بالحرمان . و كمثال على ذلك انه اشترى دارا بارعين الف دينار في المدينة و اعتبر الامر عاديا و اشترى دار الندوة التي بناها قصي بن كلاب بمكة بمائة الف درهم . و ما إن مات عمرو بن العاص حتى استصفى ماله . و حينما تولى خليفة نزع فدك من ورثة الرسول و وهبها لمروان ن الحكم . كما ينضاف الى اعماله انه استمال زياد بن ابيه بان نسبه الى ابيه سفيان ، فاحضر خمارا شهد بأنه احضر سمية لأبي سفيان في خمارته و ارخى الستر عليهما فوقع عليها فولدت زيادا ،(مروج الذهب المسعودي). كما يتضح من سيرة معاوية بن ابي سفيان انه كان ميكيافيليا يؤمن ان الغاية تبرر الوسيلة و انه عاش لدنياه لا لآخرته كما هو مفترض في من يحمل لقب صحابي. لقد تميز معاوية بسلوك عملي بعيد عن المثالية الاخلاقية لذلك انتصر على علي بن ابي طالب ، لأنه بكل بساطة استخدم المال لشراء ولاء العديد من القواد و الصحابة في جيش علي .
اذن المتتبع لسيرة الصحابة يكتشف انهم في غالبيتهم كانوا ابعد ما يكونون عن المثالية و هذه هي الفكرة الرئيسية التي يحاول خليل عبد الكريم إيصالها و هو محق في فكرته . ذلك ان عدوى الانانية و الطمع لم تقتصر على الصحابة من اصل اموي بل تعدتها الى نظرائهم الهاشميين ، فها هو عقيل بن ابي طالب الذي هو اخ شقيق لعلي ، و قد كان اعلم قريش بالنسب و بأيامها . فارق اخاه لانه طلب منه ان يقضي عنه دينا من بيت مال المسلمين لكن عليا رفض فما كان من عقيل الا ان ذهب عند عدوه معاوية . و هذا صحابي اخر تنكر لمبادئه يدعى عبيد بن العباس بن عبد المطلب ، و هو ابن عم الرسول و ابن عم علي بن ابي طالب الذي استعمله على اليمن و جعله اميرا على موسم الحج ، لكنه فر من بسر بن ارطأة حينما قدم اليمن و ذهب الى العراق عند ابن عمه علي الذي بدوره سامحه على جبنه و ارسل من انتقم من ابن ارطأة . الغريب ان شخصا بهذا التخاذل ، سيجعله الحسن بن علي قائدا على جيش قوامه اثني عشر الف مقاتل لقتال معاوية لكنه خانه و باع ولاءه لمعاوية بالف الف درهم و انسحب من جيش الحسن في ثمانية الف من اصحابه و انقلب عليه . إن قصة هذا الشخص توضح ان عليا و ابنه الحسن لم يكونا اخلاقيين تماما في تعيينهما للأشخاص في مراكز المسؤولية و انهما كانا ايضا يفضلان عامل القرابة على عامل الكفاءة و الاخلاص للقضية .
لقد كان واضحا ان العامل المادي يمارس جبروته على المثل العليا لكثير من الصحابة ، فهذا عبد الله بن العباس الملقب بحبر الامة ، نجد انه قد نهب بيت مال البصرة و تخلى عن ابن عمه علي و استقر بالطائف و ابتنى بها دارا و اشترى جاريتين ليتمتع بهما . و هذا الحسن بن علي نفسه يتخلى عن الخلافة لصالح معاوية مقابل عين الصيد و هي ارض بالعراق ، اما عائشة فقد اشترى معاوية صمتها بقلادة قومت بمائة الف حتى لا تشغب عليه كما فعلت مع عثمان الذي انقص عطاءها.
و ننهي هذا الفصل بحديث عن ثلاثة صحابة من خارج قريش، و كما سيتضح من سيرتهم ان العامل المادي كان المحدد الاساس للسلوك و انه كان كفيلا بنقل المرء من عالم المثل الى عالم الواقع . فهذا الحتات الذي وفد على محمد مع وفد تميم ثم جارية بن قدامة التميمي السعدي الذي هو من الصحابة الذين نزلوا البصرة ثم اخيرا الاحنف بن قيس الذي رغم انه لم ير محمدا الا انه معدود في الصحابة لانه اسلم على عهده و كان من دهاة العرب و قد خذل عن عائشة و الزبير و طلحة لصالح علي . ” عن ايوب قال : غزا الحتات المشاجعي و جارية بن قدامة و الاحنف ، فرجع الحتات لمعاوية و قال : فضلت علي محرقا(جارية) و مخذلا(الاحنف) قال: اشتريت منهما دينهما ،قال : فاشتر مني ديني . قال نصر: يعني محرقا جارية بن قدامة لانه كان قد احرق دار الامارة بالبصرة ، و بالمخذل الاحنف لانه خذل عن عائشة و الزبير و طلحة يوم الجمل ” ، الاستيعاب لابن عبد البر.
كما يتضح من هذا النص فإن الحتات استنكر ان يجعل معاوية مكافأة جارية و الاحنف اكبر من مكافأته فيرد عليه معاوية انهما قد باعاه دينهما مقابل ذلك فما كان من الحتات إلا ان عرض عليه ان يشتري منه دينه ايضا .

Advertisements

شاهد أيضاً

ما هي نظرية الفعل التواصلي عند هابرماس؟

نظرية الفعل التواصلي عند هابرماس : قراءة في المنطلقات والأبعاد فئة :  مقالات/ مؤمنون بلا حدود …