بالفيديو: تمثالا «علي ونينو» في جورجيا يعيدان قصص الحب المأساوية للأذهان .. وشاهد الفيلم الكامل للقصة

“علي ونينو” قصة حب تجمع سحر الملحمة إلى مغامرات الرومانس
تعددت أبطال القصص الرومانسية حول العالم من بينهم “قيس وليلى” و”روميو وجولييت” وغيرهم من الأسماء المعروفة، الذين انضم لهم حديثًا قصة “علي ونينو” بعد أن خلدت تلك التماثيل المتحركة قصتهما والتى وصفت بالمأساوية. عرف الشعب الجورجي تلك التماثيل المتحركة على أنها تماثيل “رجل وامرأة”، والتى صممها النحات الجورجي تمارا كفيسيتادزي حيث يبلغ طولها 8 مترات من الأسلاك المعدنية الصلبة التى تتداخل معًا بالتفافها فى حركة دائرية، وكأنها تحتضن بعضها البعض، لتستخدم في الرمز إلى قصة حب مأساوية التى وقعت في جورجيا في منتصف القرن الماضي. يقع التمثالان في مدينة باتومي الساحلية بجورجيا التى استخدمها الشعب في التعبير عن قصة حب “علي ونينو” الشهيرة، حيث يرمز تمثال الرجل للشاب المسلم “علي”، والمرأة لحبيبته الأميرة الجورجية “نينو”، وقد أخذت قصتهم من الرواية الشهيرة للمؤلف الأذربيجاني قربان سعيد التى أصدرها عام 1937 التى تم ترجمتها إلى أكثر من 30 لغة

أحمد عمر
يضطلع السرد بقصة حب بين علي خان شيرفانشير الأمير المسلم القوقازي الأذربيجاني المتحدر من (عرق مشكل على سندان باكو) والشيعي الجعفري ابن الصحراء والتقاليد الكربلائية وبين نينو كيباني الجيورجية المسيحية المتأوربة “أجمل فتيات العالم التي تأكل بالشوكة والسكين وتعرض صدرها وشعرها للعيون.. يا لهؤلاء المسيحيين.. ليسوا رجالاً حقيقيين!”.

Advertisements
Advertisements

تجري أحداث الرواية إبان الحرب العالمية الأولى وصراعات سلطان الامبراطورية العثمانية محمد رشيد وجلالة شاهنشاه إيران أحمد شاه وقياصرة الروس آل رومانوف و.. وتنتقل في أربعة فضاءات هي باكو عاصمة أذربيجان المتفجرة بالنفط والثارات وداغستان العصية وبلاد فارس المحتضرة وبلاد الغرب الأوروبي الناهضة حضارياً.

يتدفق السرد الروائي الشاعري والشعري المشدود بسلاسة (كخرزات السبحة في الخيط) من دون توقف في استراحات على الرغم من التفقير الرقمي المشهدي وبأسلوب الترجمة الذاتية الذي يجلي دواخل الراوي ويكشف ثقافته اللاتينية الواسعة وحدسه الحاد وكثيراً من أسرار شعوب منطقة القوقاز وعاداتها وتاريخها المعقد وأساطيرها وخرافاتها وغموضها والفروق والجوامع الطائفية والإقليمية الوطنية بين المسيحيين الأرثوذكس والمسلمين الشيعة الجعفريين والروس والأرمن.

تستهل الرواية بعالم التلاميذ الصبية الجذاب في مدرسة باكو التي يدرس فيها ثلاثون مسلماً وأربعة من الأرمن وبنلديان وثلاثة متعصبين من طوائف أخرى وروسي، عارضاً مشاهد من النهج التعليمي آنذاك.

تسعى قصة الحب بين النبيل الفارسي والأميرة الجيورجية بلا معوقات. أبوه يوافق على زواجه بعد نصائح جبلية (صلّي ولا تعاقر الخمرة، كن محسناً، وقاتل في سبيل عقيدتك، لا تسامح أعداءك، لا تفكر بالغد لئلا تصبح جباناً..)، وأبوها يحاول إعاقته لكن إغراء مصاهرة الأمراء وحبه لابنته يدفعه للموافقة…. لا يوحي تسارع الأحداث بأي منغص درامي، سوى نذر الحرب العالمية الأولى.. كيف ستقلب الأمور والراوي لن يذهب الى الحرب، أين الحبكة المنتظرة في رواية كلاسيكية مبنية على نسق زمني متتابع وشخصيات صريحة الصوت؟ هل ستحتمل رواية تقليدية الصمود من دون رافعة درامية.. بعد صفحتين من منتصف الرواية ينفجر الحدث المنتظر فقد غدر صديق الراوي الأرمني ناتشاريان الغني وأغوى نينو الصغيرة ذات السبعة عشر عاماً وخطفها في سيارته الحديثة التي لا تستجيب دروب باكو الوعرة لعجلاتها، فيلحق به خان على حصان اسطوري لمينكوف فيصبح مطلوب دم مرتين، مرة لقتله نتشاريان والثانية لركوبه حصاناً أغلى من امرأة من دون إذن، يتطامن السياق الروائي مرة أخرى وتغيّر الرواية مسارها المصبوغ بالرومانسية الى مسار واقعي ببراعة، فنينو تلحق به بمساعدة صديقه (سيد) الى مكان اختبائه في قرى داغستان الوعرة معتذرة عن غلطتها ونزوتها فيغفر حبه لها ويتزوجها وتعيش معه زوجة وخادمة مطيعة كأي واحدة من داغستان، وسعيدة أيضاً، لكن حياتها تنقلب عندما يرحلان الى بلاد فارس بسبب الحرب وتعيش ضجرة في حرملك الأمراء تحت رعاية المخصصين. وتنصعق عندما ترى زوجها يمارس طقوس عاشوراء الدموية (شعرت بالخجل حتى الموت من كوني زوجة أحد المتعصبين البرابرة) وتقوم الرواية بعمل طباق روائي معاكس عندما يرشحه الأمير الفارسي لمنصب ملحق سياسي في الغرب الأوروبي فيعيش ما كانت تعيشه من تناقض ذاتي واجتماعي وعقيدي في إيران عندما يرى زوجته تراقص الضباط وتسامرهم فيكرهها في باريس كما كرهته في عاشوراء فيسوق زوجته الى باكو ليدافع عن بلدته ضد الغزو الروسي. ويشهد سقوط أذربيجان ويستشهد دفاعاً عنها. خبر الاستشهاد يأتي مكتوباً في ثلاثة أسطر في نهاية الرواية على لسان صديقه الياس بيك وهي خاتمة زائدة لم يكن لها من مبرر كبير على الرغم من امتلائها بشحنات العاطفة (انتهت حياة جمهوريتنا كما انتهت حياة علي خان شيرفانشير).
الفيلم كاملا
https://www.youtube.com/watch?v=uQDoZVC6W5Y

تذكر حكايات الرواية الجانبية المضفورة في الرواية وحوارتها الرشيقة من فورها بكتاب القوقاز الأشهر داغستان بلدي وقد نشرت الرواية للمرة الأولى في عام 1937 في فيينا باللغة الألمانية باسم مستعار فالكاتب الحقيقي لا يزال مجهولاً وترجح المترجمة انه كان لاجئاً سياسياً في أوروبا ونشرت بالصدفة بعد ان عثرت عليها جينا غرامان بين كتب مستعملة. تمور الرواية بالأمثال والحكايات الشعبية وتتميّز بنضجها الفني قياساً الى الرواية العربية (والآسيوية) وتخلو من عثرات سردية وتشير الى ان الكاتب استفاد من ثقافته الأوروبية في ذلك الوقت المبكر. وتتميّز حواراتها الحية بتشعبها بالحكمة الجبلية (نتشاريان يقول ساخراً: الصقور تأتي من الجبال والنمور من الأدغال فما الذي يأتي من الصحراء، أجبته: الأسود والمحاربون).

“علي ونينو” تحفة أدبية لا تمجّد الحب رومانسياً إنما تختبره في فرن الحياة الحارق وعلى سندان صراعات الطوائف وبين مطارق الأعراق من وجه، وتعرض التاريخ عبر قصة حب من وجه آخر، إنها رواية طباقات روائية بين الإسلام القوقازي والمسيحية الأرثوذكسية وبين الشرق والغرب وبين التخلّف والمعاصرة وبين الصحراء والجبل وبين الولاء للقلب والولاء للعقيدة. (إنها ملحمة التغيير الثقافي التي تبدو وكأنها أقرب للزمن الحالي) كما تقول النيويورك تايمز.
الكتاب: علي ونينو المؤلف: قربان سعيد المترجمة: أميمة البهلول الناشر: دار الحصاد ـ دمشق، 2003

Advertisements

مختصر اخر حكاية «علي ونينو»
تاريخ النشر: 06/08/2016
باسمة يونس
لم أكن قد قرأت حكاية «علي ونينو» من قبل، وما فعله عشق المسلم الأذربيجاني للجورجية المسيحية «نينو» في باكو حتى بحثت قبل زيارتي العاصمة «باكو» عن روايات لمؤلفين من أذربيجان.
الرواية تكشف عن مشكلات الحكم الأوروبي في مجتمع شرقي، وقد جعلتني أحظى بزيارة مختلفة ل «باكو» مع ما سجله الكاتب عنها خلال فترة جمهورية أذربيجان الديمقراطية التي سبقت فترة حكم الاتحاد السوفييتي. لقد أظهرت لي زيارة المدينة روح الشرق في «باكو»، وبأن الغطاء الحديث يبرهن على أرجحتها بين الشرق والغرب.
وربما يكون أجمل من قصة الرواية المكتوبة، حقيقتها، فهي منشورة باسم كاتب مستعار «قربان سعيد» بينما مؤلفها بالأصل يهودي من أبناء الأغنياء الجدد الذين اشتغلوا في صناعة النفط واسمه (ليف نسيمبوم) والمولود عام 1905 في باكو، فر مع أسرته بعد ثورة 1918 إلى إسطنبول فباريس وبرلين، وأكمل (ليف) دراسته الجامعية باسم جديد وهو (أسعد بيك) بعد اعتناقه الإسلام.
كانت الرواية تختفي تحت أكداس كتب أخرى في أحد أكشاك بيع الكتب المستعملة في برلين، وعثرت عليها (جنيا جرامان) وبعد أن قرأتها ذهلت بروعتها، وسعت لنشرها لأول مرة باللغة الألمانية في فيينا وكتبت في المقدمة: «قرأتها وأعدت قراءتها أكثر من مرة، وأخبرت كل أصدقائي بمدى خسارتهم لعدم معرفتهم بالألمانية، وفي النهاية ترجمت الرواية إلى الإنجليزية ونشرتها (دار هتشنسن) ولم يكن أحد يعرف شيئاً عن (قربان سعيد)، لكن كل ما تعرفه أرملة الناشر الأول أنه اسم مستعار ولا أحد يعرف اسم المؤلف الحقيقي».
بعد نشر الرواية في أمريكا تلقت (جينا) رسائل من أصدقائه، أكدوا أن المؤلف الحقيقي لها هو (أسعد بيك) الذي فرت أسرته بعد اشتعال ثورة أكتوبر في وطنه إلى إسطنبول، حيث ماتت أمه المعلمة الألمانية وهو صغير.
من إسطنبول إلى برلين وفي مدرسة لأطفال المهاجرين الروس تعلم (بيك) والتحق بالجامعة وعمل في الصحافة، ونشر كتباً كثيرة مثل: «محمد»، «رضا شاه»، «نيقولا الثاني»، و«لينين» ونشر «علي ونينو» باسم «قربان سعيد» و«الفتاة ذات البوق الذهبي».
إن إسهام (جينا) في نشر الرواية تتابع مع صدورها لاحقاً بأكثر من 30 لغة فهي تسعى لتقديم الحقيقة بين متناقضات مختلفة مثل ممارسات المسلمين والمسيحيين، والشيوخ والشباب، ورؤية واضحة للغرب لفهم ما غمض عليهم في الشرق.قراءة الأدب ستبقى تفتح بوابات التاريخ والذكريات على وسعها، وأكثر مما تفعله زيارة المدن في الواقع.