شحرور: فصل الدين عن السياسة ضرورة لمنع توظيف الدين خدمة للسياسة

فصل الدين عن السياسة ضرورة لمنع توظيف الدين خدمة للسياسة

Advertisements
الدكتور محمد شحرور يرى ضرورة التفريق بين ما يأمر به الرسول وبين ما يحرمه النبي وهو يدعو إلى ضرورة الفصل بين الدين والسياسة في أمور السلطة والحكم حتى لا يوظف الدين في خدمة السياسة.
ويمكن القول إن أفكار الدكتور شحرور لها من يؤيدها وكذلك يوجد من يعارضها، حتى إن معارضي الدكتور شحرور يتهمونه بالتجرأ على المشرعين والفقهاء بمجمل آرائه ومؤيديه يعتبرون آراءه بداية لتطوير فهم جديد لحقيقة الإسلام.
وللدكتور شحرور مجموعة من الكتب تتضمن آراءه حول العديد من القضايا الفقهية وهي:
  1. الكتاب والقرآن- قراءة معاصرة. عام 1990
  2. الدولة والمجتمع. عام 1994
  3. الإسلام والإيمان- منظومة القيم. عام 1996
  4. نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي- فقه المرأة – الإرث – القوامة – التعددية – اللباس. عام 2000
وبسبب معرفتنا وإدراكنا للخلاف القائم بينه وبين العديد من العلماء أجرينا معه هذا اللقاء لنقف على حقيقة أفكاره فكان بيننا هذا الحوار الذي قد يتفق أو يختلف معه البعض وبالأخص حول وجود سلطتين مختلفتين سياسية ودينية في صدر الإسلام الذي عرف أصلا بدولة الإسلام وسيكون لنا رد وشامل على مجمل أفكار الدكتور شحرور في أعداد لاحقة:
ما سبب ظهور الحركات الأصولية في البلاد العربية حسب تصوراتكم؟
السبب الأهم من بين عدة أسباب هو أن الدين أصبح في خدمة السياسة لقد ظهرت حركات أصولية في البلاد الأوروبية أيضاً لكن السبب الجوهري هناك مختلف ففي أوروبا كانت السياسة في خدمة الدين، وكان البابا هو الذي يعين الملوك ويعطيهم الشريعة ليحكموا. أما عندنا فالسلطة الدينية في خدمة السلطة السياسية تحت شعار طاعة الله والرسول وأولي الأمر. عندنا رؤساء السلطة السياسية هم الذين يعينون المفتي وشيخ الأزهر وإمام الجامع.
وهذا الأمر ليس جديداً فقد بدأ منذ أن استولت السلطة السياسية على المسجد في عهد معاوية بن أبي سفيان ثم تابعه الأمويون والعباسيون في هذا إلى اليوم. تقول أخبار التراث أن زياد بن أبيه عامل معاوية على العراق – كان له في مسجد البصرة خمسمائة عين، مثال آخر: لقد قامت شرعية حكم بني العباس بعد الأمويين على أن العم – أي العباس- أحق بالإرث النبوي من ابن العم – أي علي بن أبي طالب – في هذا الجو السلطوي المحموم لم يجرؤ الإمام الشافعي محمد بن إدريس على القول في فقه المواريث بأن الولد في الإرث هو الذكر والأنثى، وإن الأنثى تحجب الميراث عن العم ولو قال ذلك لنزع شرعية الحكم عن أبي العباس وعن أبي جعفر المنصور. لقد ربطت السلطة الدينية طاعة الله بطاعة النبي من جهة وبطاعة أولي الأمر من جهة أخرى وصار الناس محكومين بحديث نبوي يقول:
اسمعوا وأطيعوا ولو كان عبداً أسود رأسه زبية. وبحديث آخر يقول: اسمع وأطلع ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك.
هذا التلاحم بين السلطة الدينية والسلطة السياسية في البلاد العربية والإسلامية أدى إلى ظهور حركات سياسية تستخدم الدين، حركات سياسية بإيديولوجية إسلامية إلا أنها في الوقت نفسه بعيدة عن السلطة الدينية الرسمية المتلاحمة أساس مع السلطة السياسية، ومن هنا نلاحظ أن معظم الحركات الأصولية السياسية إن لم نقل كلها تناضل على جبهتين جبهة السلطة السياسية وجبهة السلطة الدينية المتفقة معها، ومثال ذلك حركة الإخوان المسلمين وكان من الطبيعي أن تواجه مثل هذه الحركات من قبل السلطتين المتحالفتين الدينية والسياسية بالقمع بكل أشكاله.
وبالتالي، كان من الطبيعي بالمقابل أن تتشكل الأجنحة العسكرية في هذه الحركات المعارضة وأن يبدأ العنف هكذا كانت الأمور.
الآن.. بدأت هذه الحركات بعد سلسلة طويلة من العنف والعنف المضاد ترتقي قليلاً وتعلن أنها تؤمن باللا عنف وبالنهج الديمقراطي ولكن إلى الآن لم يتضح مفهوم الديمقراطية لديهم تماماً إذ ما زالت في أحسن أحوالها تعني ديكتاتورية الأكثرية.. فهم يعتقدون أنهم بحصولهم على أكثرية في البرلمان يستطيعون التصويت على فرض عقيدة دينية معينة، وعلى منع صحف معينة، وعلى حظر نشر كتب معينة، بينما هذه كلها أمور لا تخضع للتصويت أصلاً.
حرية العقيدة، وحرية الرأي، وحرية التعبير والنشر أمور لا يجوز منعها أو حتى طرحها للتصويت، ومع ذلك فإني أعتبر خطواتهم الأولى على طريقة الديمقراطية تقدماً جيداً ومؤشراً إيجابياً.
لقد أصبح مفهوم البرلمانات والانتخابات واضحاً ومقبولاً لدى الجميع وهذا من التأثيرات الغربية الإيجابية علينا لم يكن موجوداً في تراثنا التاريخي والسياسي، كان عندنا ما يسمى أهل الحل والعقد لا أكثر ولا أقل، ومن هنا قلنا ونقول لا تبحثوا عن الفقه الدستوري في الأدبيات العربية والإسلامية فهو غير موجود فيها، أي إذا اقتنع الإسلاميون السياسيون بداية بأن الدولة لا علاقة لها بحاكمية الله وأن الدولة سلطة، وأن السلطة عقد بين حاكم ومحكوم، وأن معيار الانتماء هو معيار المواطنة وليس معيار الدين وحاكمية الله، وأن الأساس في هذا العقد هو العدل بين الجميع والمساواة بين الجميع والحرية للجميع. أقول إذا اقتنع الإسلاميون السياسيون بهذا كله فسوف يصبحون حزباً مرموقاً بين الأحزاب الأخرى، له برامجه المحترمة المفيدة وشعبيته المحترمة الواسعة فهل لدى الإسلاميين الجرأة الكافية على إبداع فقه دستوري خاص بهم غير موجود بالتراث؟ كأن ينصوا مثلاً على وجوب تداول السلطة بالانتخابات مرة كل أربع أو ست سنوات، بينما يذهب التراث إلى جواز أن يحكم الحاكم مدى الحياة فأبو بكر الصديق حكم حتى مات، وعمر بن الخطاب حكم حتى قتل، ومثله عثمان وعلي ومعاوية وعبد الملك والمتوكل.
سيقول البعض هذه سنة.. سنة نبوية.. سنة صحابية.. ونقول نحن هذه إجراءات تنظيمات سياسية وعسكرية واجتماعية تمت في ظروف وقتها لتنظيم الدولة في ذلك الزمن، وليس لتنظيم دولتي أنا الآن، صلح الحديبية وإطلاق اللحى ليست شرعاً إسلامياً منصوصاً عليه في كتاب الله تعالى، هذه إجراءات تناسب ظرفها قام بها النبي من مقام النبوة كقائد للدولة وليس من مقام الرسالة، وأنا مأمور وملتزم بطاعة الرسول، وليس بطاعة النبي، فالرسول بمقتضي معصوميته كرسول يحلل ويحرم ما يريد الله تحليله وتحريمه، أما النبي فيأمر وينهي ويسمح ويمنع وهو غير معصوم في مقامه هذا، بديل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}[التحريم : 1]، وقوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَن جَاءهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3)} هناك سنة رسولية ملزمة تحمل الطابع الأبدي وهناك سنة نبوية غير ملزمة يستأنس بها تحمل الطابع الظرفي فالصلاة مثلا سنة رسولية توجب على أن أصلي كما كان الرسول يصلي حرفياً، أما تنظيف الأسنان بالسواك حصراً ولعق الأصابع بعد تناول الطعام فهي سنة نبوية لا تلزم أحداً الأخذ بها. والسؤال الموجه للإسلاميين: هل بإمكانكم التفريق بين التحليل والتحريم الذي يحمل الطابع الأبدي والأمر والنهي الذي لا يحمل الطابع الأبدي؟
المحرمات في كتاب الله ثلاث عشرة لا يوجد غيرها ولا يحق لبشر أن يضيف إليها، أو ينقص منها، والفرق بين الحرام وغيره هو أن الحرام شمولي وأبدي، فقتل النفس بغير حق حرام في القرن السابع وفي القرن الأربعين، وحرام في مكة وفي الشام وفي لوس أنجلوس. أما اليوم فقد صارت المحرمات مئات يقول البعض مثلاً التدخين حرام، ونحن نقول التدخين ممنوع وضار، لأن التحريم يحتاج إلى رسول أما المنع وإثبات الضرر فيحتاج إلى مختبرات وأطباء.
أنا لم اقتنع بما أوردته من أسباب نشوء الحركات الأصولية فهل لك أن توضح أكثر؟
نعم لقد قلت إن خضوع السلطة الدينية للسلطة السياسية كان واحداً من عدة أسباب أدت إلى نشوء الحركات الأصولية، هناك مثلاً سبب آخر هو فشل مشاريع التحديث فعبد الناصر أراد تحديث مصر، كانت هناك مشاريع تحديث عديدة بقيادة الماركسيين والقوميين والمثقفين الغربيين والشرقيين فشلت كلها وخانت وعودها أمام الناس.. وكان لا بد من بديل.
من المسؤول عن فشل مشاريع التحديث هذه؟ المواطن.. أم السلطة.. أم أجهزة خارجية لها مصلحة بإفشال مشاريع التحديث في كل مناطق العالم وليس في المنطقة العربية فقط. من المسؤول عن الفشل من هؤلاء الثلاثة؟
الثلاثة مسؤولون ولكل منهم دوره في هذا الفشل فالناس ما زال وعيهم بالحرية والديمقراطية ضعيفاً جداً مثلاً حين حصل انقلاب حسني الزعيم أول انقلاب عسكري في العالم العربي صفق له الناس، لم يدركوا وقتها أن إصلاح الفساد الإداري شيء والإطاحة بشرعية الحكم بالقوة العسكرية شيء آخر.
لقد جاء الاستعمار الإنجليزي والفرنسي إلى بعض البلاد العربية حاملاً معه مفاهيم الديمقراطية والليبرالية والبرلمانات والانتخابات، وكانت كلها جديدة علينا ولم تكد تترسخ عندنا حتى جاء الاستعمار الأميركي بمفهوم حكم العسكر بعد أن اختبره في أميركا اللاتينية، فقضي على بدايات وعي الدولة لدينا وعلى الشعور الديمقراطي الذي لم يكتمل رسوخاً عندنا بعد أن تعودنا طويلاً على الاستبداد. هناك مثلاً من يطالب بإلغاء أحكام الطوارئ والقوانين العرفية، ويجتمع حولهم الناس كمنتدى جمال الأتاسي مثلاً ثم يأتي الدكتور البوطي ليؤلف كتاباً يعلن فيه أن الحاكم لا يعزل ولو ظلم وجار وجن فلا يحتج عليه أحد.. ويجتمع حوله من الناس عشرات أضعاف من يجتمعون في منتدى الأتاسي، لقد اعتاد الناس على الأحكام العرفية حتى أصبحوا لا يحسون بوجودها.
هناك بالمناسبة نقطة هامة جداً أود التأكيد عليها هي أن أعداء الأمة الإسلامية في الشرق والغرب، قديماً لم يختلقوا في الأمة شيئاً لم يكن موجوداً فيها أصلاً، بل استخدموا ما هو موجود، فهم مثلاً لم يختلقوا الطائفية والمذهبية بعد إن لم تكن موجودة، بل استثمروها وهي مترسخة عندنا في تثوير الصراعات.
من المسؤول في رأيك عن عدم نضوج وعي الشارع العربي من بين هذه المحاور الثلاثة ومن الأكثر مسؤولية؟
رجال المؤسسة الدينية الرسمية هم المسؤولون في المقام الأول لقد قلنا إنهم يدعمون السلطة السياسية للبقاء في الحكم، وليشاطروها هذا الحكم وتحقيقاً لذلك فقد تم تحويل الفقه منذ محمد بن إدريس الشافعي إلى دين وإلى شرع بحكم الحياة اليومية للإنسان بكل تفاصيلها، هل الموسيقى حلال أم حرام.. هل تعتبر لعب الأطفال أوثاناً وتماثيل، وهل نشتريها أو لا نشتريها، هل العمولة المصرفية ربا.. هل حمل المصاحف أثناء السفر إلى الدول الأجنبية حرام.. وبعد أن تحولت الثقافة السلوكية السائدة في القرن السابع الميلادي إلى دين أقاموا من أنفسهم حراساً مسؤولين عن تطبيقها ولو بالقوة، مما ساد معه الاستبداد الفكري القامع للناس في قيامهم وقعودهم ومأكلهم ومشربهم وسفرهم وتجارتهم ومنعوهم حتى من حق التفكير والنقاش، فإذا تكلم أحدهم إماماً فلا كلام ولا اعتراض ولا تعليق. هذا النوع من القهر الثقافي حول الناس إلى أقزام أمام أهل السلف ورجال التراث، فأصبح يستحيل عليهم وهم أقزام أمام ابن تيمية والسيوطي، أن يتحولوا في الوقت ذاته إلى عمالقة أمام جورج بوش ومادلين أولبرايت. وفي رأينا إن القزم هو القزم أمام الاثنين، لقد استكمل السادة العلماء تقزيم الأمة، فكم من الناس ولدوا عباقرة وماتوا بفضل السادة العلماء وهو بهائم، بينما هم أنفسهم عاجزون عن شطب حديث الذبابة من كتب السنة النبوية.. وهذا شيء عجيب.
ولكن الخطأ منهم وليس من التشريع أليس كذلك؟
هذا صحيح فالسلبيات التي يطبقونها والثقافة التي يفرضونها هي إجراءات كما قلنا وليست شرائع، خذ مثلاً مسألة الحديث النبوي الذي يقول: (إذا خطب الإمام فلا صلاة ولا كلام) والحديث الذي يقول: (من قال لجاره في الصلاة صه فقد لغا).
وهذه الاحاديث بدأ توظيفها على يد هشام بن عبد الملك الأموي، وتابعه جعفر المنصور العباسي في أخبار تراثية فصلتها كتب الأخبار، والغاية منع الناس من الاعتراض والاحتجاج على كل ما يأتي به الإمام الحاكم، ويقوله الأمر الذي ما زال البعض ينادي به حتى اليوم لكن مبدأ تكميم الأفواه هذا لم يكن سارياً في عصر النبي والصحابة فقد طلب عمر بن الخطاب بالناس أمراً بتحديد المهور، فتصدت له امرأة من آخر المسجد قائلة: ليس هذا لك يا ابن الخطاب، فالله تعالى يقول: {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً ….}[النساء : 20]، فقال عمر: أخطأ عمر وأصابت المرأة!! ومع ذلك لم ينهرها أحد فهل يسمحون اليوم بذلك؟ هذه كلها قرارات وإجراءات سياسية فلماذا نعتبرها شرعا إسلامياً؟
هل إنشاء الدولة أيضاً خارج الشرع والشريعة؟
أمور إنشاء الدولة من قبل النبي والصحابة عبارة عن إجراءات سياسية خضعت في وقتها للظروف السائدة، فلماذا تركزون على الجانب الشرعي منها؟
إن اعتبار هذه الإجراءات شرعاً من حيث الشكل والمضمون سيجعلك غير قادر على تغييرها.
إن ما يرتكب من أخطاء يتهم به الشرع والإسلاميون لماذا لا يقال مثل ذلك على الجيش الجمهوري الإيرلندي؟
على العكس فما قلناه ينسحب تماماً على الوضع في إيرلندا وقد أشرت إلى ذلك في كل محاضراتي وندواتي في أوروبا وأميركا، فمن منظور النزاعات المذهبية والطائفية ما يحدث في إيرلندا اليوم ينطبق تماماً على ما حدث في التاريخ الإسلامي.
فياقوت الحموي في معجم البلدان يتحدث عن حروب حصلت في مدينة الري بين الشوافعة والشيعة والأحناف أدت إلى تدمير المنطقة بكاملها، وهذا ما يحدث في إيرلندا بين البروتستانت والكاثوليك، المشكلة هي أسلحة القرارات السياسية عندنا واعتبارها من الدين وهي تمسيح الإجراءات عندهم واعتبارها من الدين.
دمشق- حوار إبراهيم بيتموني
الراية القطرية

Advertisements

شاهد أيضاً

أبو يعرب المرزوقي بين السلفية المحدثة، وصوفية إبن تيمية وتكفيره والعلمانية و ابن خلدون

محاضرة الدكتور أبو يعرب المرزوقي (أديان قديمة وسياسات حديثة) والتي أقيمت بمعرض أسطنبول السابق الذي …