المهدي مبروك:#السعودية مصابة بعقدة الإثم..وإيران لم تسرق شيئا بل حصدت مازرعته بحدائقنا الخلفية

#أزاميل/ متابعة:أدناه مقالة من العيار الثقيل كما يقال..تنطلق من بصيرة ابعد من البصيرة السياسية والمذهبية الضيقة..بل من بصيرة ثقافية بعيدة النظر ..وتنطوي على الكثير من الدلالات والرؤى المتفردة..

Advertisements
Advertisements

وهي تثير لكل من يقرأها بتمعن الكثير من الملاحظات والأفكار الجديدة..وننتظر من زوار الموقع مناقشة ماجاء فيها فهو يصلح لأن يكون منطلقا لرؤى من نمط آخر غير مطروق بعد.

 

“عاصفة الحزم” والتداركات العصية

Advertisements

 

#المهدي مبروك 12 أبريل 2015 –

تكاد عاصفة الحزم تطوي أسبوعها الثالث، وسط أجواء من القلق، خصوصاً أن نتائجها المضمرة لم تدرك بشكل واضح وجلي، وهو أمر منتظر، لطبيعة الضربات الجوية عموماً التي لا تكون فيها النتائج جليةً، ما دامت الأرض ليست مكانا للمبارزة الملموسة، لكنها كاشفة لحسابات بطيئة.

الأرض، في هذه الحالة، عداد أهوج، وترجمان لما ترجُمُ به السماءُ الأحياءَ من صواريخ وقنابل. هذه التمرينات هي عادة مقدمات لتدخلات أخرى، تتراوح بين النعومة والقسوة.

وقد يبدو أن هذه الضربات تضغط، حالياً، من أجل حلول سياسية، ليس الحوار سوى شكلها الرسمي. ولكن، من يشعر بالألم الأشد سيأتي إلى الحوار برصيد من التنازل الأكبر.

Advertisements

بقطع النظر عما ستؤدي إليه هذه الحرب، فإن نتائجها لن تغير المشهد طويلاً، لأن عناصر استدامتها ستظل مفقودة. الحلول، في هذه الحالات، هي من صنف بهارات المطبخ اليمني بامتياز، وهي بهارات أنتروبولوجية راسخة، يقتضي تعديلها العمل على أجيال كاملة، لتغير ذائقة التقبل.

ربما يتم ترجيح كفة فريق على فريق آخر، فتكون له الغلبة، ولكن إلى حين. ومع ذلك، لن يحسم المعركة لفائدته، وستظل كل جولة في انتصارها منقوصة، مجبرة على المرور إلى جولات حاسمة، بدورها تبدو عاجزة، في النهاية، عن حسم المعركة. هناك معارك لا تحسم، حتى ولو انتصرنا فيها، أو هكذا خيل إلينا.

 

السعودية مصابة بعقدة الإثم..واليمنيون لا يوحدهم القات فقط 

Advertisements

إنها معارك الهويات والانتماء، ولليمنيين مراجع لا تحصى من تلك الانتماءات: قبيلة، حزب، طائفة، شمال جنوب، وعشرات الانتماءات الأخرى الموزعة على ما فوق الدولة وما تحتها.

ولكن، مع ذلك، يحسب للأشقاء اليمنيين ابتكار أصناف متعددة من التعايش والقدرة الفائقة على التصالح مع أمراض يمنهم المزمنة. ليس القات وحده ميزة أنتروبولوجية لهم.

Advertisements

ولكن، لهم أيضا هذه القدرة العجيبة على تلطيف الصراعات وتعويمها والتعايش معها، ذلك من مآثر اليمن السعيد وسره، السعادة اليمنية هي، أحياناً، تلك القدرة البارعة على اللعب بالشقاء.

ربما لن يستحضر صانعو القرار مثل هذه التخريفات الأنتروبولوجية المثبطة. ولكن، قد سارعوا إلى قرارهم، فإن التفكير النقدي المنصب على منهجهم سيكون أجدى.

هناك إحساس متنام بأن قرار “عاصفة الحزم” هو من قبيل هذه القرارات، التي وردت في سياق من محاولات التدارك شبه المستحيلة. تقول إحدى الحكم إن القرار إذا لم يتخذ في توقيته الأسلم، فإنه قرار خاطئ.

ليس الصواب في محتوى القرار ومضمونه. ولكن، من بنية الصواب التوقيت أيضاً. هناك جملة من العوامل التي جعلت هذا القرار متأخراً.

للحروب سياقاتها وهي ليست مجرد ردود أفعال على تصريحات، أو وقائع، حتى وإن كانت المؤشرات الظاهرة دالة على ذلك.

لا يمكن، في هذا السياق، أن نغفل أن المملكة العربية السعودية قد أصابها في سياستها العالمية داء التكلس الناجم عن آثار 11سبتمبر/أيلول 2001، وأعتقد أن هذا الحدث كان تاريخاً مفصلياً في السياسة الخارجية لهذا البلد، إذ يبدو أنها لم تفلح في تجاوز عقدة الإثم التي فتكت بها، ليس على اعتبار أن من ارتكبوا هذه الجريمة، في مجملهم، سعوديون، بل لأنهم يعتمدون فقهاً، ينسب إلى تراث هذا البلد.

تم استثمار هذا الشعور بعناية، وتحويله إلى عقدة شالة، أجبرت العربية السعودية على دفع العزيز لشراء براءتها، حتى ولو كان في ذلك انقلاباً على حاضنتها الإقليمية العربية الإسلامية.

الحرب على العراق، الاعتداءات المتكررة على غزة، وأخيرا الثورات العربية، محطات ثلاث تم فيها دفع السعودية إلى اتخاذ مواقف صادمة تماما للمزاج الشعبي العربي العام، فتم تجريدها من هذه الحاضنة.

لم يكن ذلك ناجماً، في اعتقادنا، عن مجرد ضغوط، أو ابتزاز دفعت فيه العربية السعودية من هويتها بما شوهها. ولكن، كانت نتيجة متوقعة، بالنظر إلى “بلقنة” النظام السياسي السعودي المتفاقمة منذ أكثر من عقدين. على خلاف ذلك، استطاع النظام السياسي الإيراني، من خلال المأسسة وتدوير النخب من داخل النظام نفسه، أن يجدد الدماء ويمتلك زمام المبادرة في أكثر من قضية.

التنافس بين المحافظين والإصلاحيين، مثلاً، كان من هذه الزاوية مهماً في تسويق السياسات الخارجية الإيرانية.

“انكفاء الدور السعودي والاكتفاء، أحياناً، بالمناولة، دفع بلداناً عربية أخرى تجاورها، إلى المبادرة ولعب أدوار إقليمية متقدمة”

Advertisements

كلف الإرهاب السعودية المزيد من الشعور بالذنب، وهو شعور قادها إلى مزيد من التنازل حد التبعية، أحياناً، في مجال السياسات الخارجية، والبحث عن شرعيات من خارج الحاضنة العربية الإسلامية، فتم تقليم وتحجيم جل الأدوار التي كانت تلعبها على الأصعدة العربية والإقليمية والدولية.

انكفاء الدور السعودي والاكتفاء، أحياناً، بالمناولة، دفع بلداناً عربية أخرى تجاورها، إلى المبادرة ولعب أدوار إقليمية متقدمة.

في هذا السياق، أبدت إيران من البراعة ما حولت المفاوضات حول برنامجها النووي ممحاة وملهاة في الوقت نفسه، وإذا ابتكرت إيران فن التأجيل واللعب به، حتى غدا مطلبا من خصومها قبل مناصريها، مما جعل المفاوضات قد تمتد على أجيال كاملة، فإنها استطاعت، في ذلك كله، أن تتبنى سياسة خارجية تمددية، فجال بصرها في ما وراء “مجالاتها الحيوية” التي تدعيها.

هل سرقت إيران كل هذه الإنجازات؟

لم يكن ما تحظى به إيران سرقة، ولا خطفاً، إنما كانت، في ذلك كله، تحصد ما زرعت في حدائقنا الخلفية، التي تركناها بواراً سنين.

العودة إلى الحدائق الخلفية المهملة، والخروج من عقدة الذنب، والبحث عن مجال حيوي عربي، تحضنه الشعوب قبل الأنظمة، هي المقدمات الضرورية لهذا التدارك.

خارج هذه المراجعة العميقة، قد تكون “عاصفة الحزم” جولة رابحة، لكنها ليست معركة خاسرة. .. أسوأ القرارات في السياسة التردد، أو تلك القرارات التي لم تتخذ أصلاً.


المصدر:العربي الجديد

المهدي مبروك: وزير الثقافة التونسي عامي 2012 و2013. مواليد 1963. أستاذ جامعي، ألف كتباً، ونشر مقالات بالعربية والفرنسية. ناشط سياسي ونقابي وحقوقي. كان عضواً في الهيئة العليا لتحقيق أَهداف الثورة والعدالة الانتقالية والانتقال الديموقراطي.

شاهد أيضاً

دول غربية تبدي قلقها من احتجاز ناشطات في السعودية

 أعربت عشرات الدول الغربية قلقها, يوم الثلاثاء ,من استمرار احتجاز ناشطات في السعودية ودعت إلى …