أميركا أعاقت مرارا اندفاعة “الحشد الشعبي”… أميركا هي التي سمحت بذلك بسقوط الأنبار. أميركا هي التي قالت ان “مصفاة بيجي” أكثر حيوية الآن من المدينة “السنية” الأكثر أهمية في غرب العراق.
هي قبل كل ذلك فككت الجيش العراقي وبعثرته، وقبلها بسنوات طويلة حاصرته ودمرته. أميركا ايضا مساهم كبير في إضعاف جيشي سوريا ولبنان بأساليب مختلفة. أميركا ذاتها، وبعض أدواتها، محليا وإقليميا، تحاول فرض شروط القتال وسير المعارك ووجهتها، من العراق وسوريا.. الى لبنان.
فما العمل؟
في خطابه الأخير، أوضح السيد حسن نصرالله أنه لم يعلن “التعبئة العامة”، لكنه أشار الى انه خيار ممكن مستقبلا. تشير التقديرات الى ان العصابات التكفيرية لتنظيمي “داعش” و “جبهة النصرة” تسيطر بشكل أو بآخر على نحو 50 في المئة من الاراضي السورية. هي الآن على حدود الاردن، وتمتد من مدينة تدمر الى غرب العراق وتطل على العاصمة بغداد وتحتل الموصل. ويمتد انتشار تلك العصابات في مواقع كثيرة داخل الاراضي السورية بالقرب من الحدود اللبنانية، وبعضها وجد ملاذات آمنة في القلمون وجرود عرسال، وهي لها سوابق عدة في الضرب داخل المدن اللبنانية ذاتها.
فما العمل ولبنان بين نداءين؟ نداء الجهوزية التي دعا اليها السيد نصرالله، ونداء الخيانة الذي وجهه أبو محمد الجولاني عبر قناة “الجزيرة” ليل امس الى قوى لبنانية لمساندته في المعركة على لبنان بوجه “حزب الله”!
صار القول ان “حزب الله” استدرج الإرهابيين الى لبنان بتدخله في سوريا، ملهاة سياسية سخيفة. الوقائع الميدانية الممتدة حولنا، والمواقف المعلنة لقيادات الارهاب، وذبح الجنود والمواطنين اللبنانيين في جرود عرسال، تجاوزت مثل هذه الهرطقات الكلامية.
القوى اللبنانية التي تلطت خلف “النأي بالنفس” وسمحت وسهلت الانغماس بالدم السوري طويلا قبل تدخل “حزب الله”، هي ذاتها الآن تندد بمعركة اقتلاع التكفيريين من جرود القلمون وتضع خطوطا حمراء لها.
هي العقلية ذاتها، من لبنان الى العراق. دس الرؤوس في الرمال أمام الخطر المتمدد، الى حين الوقوع في الكارثة. الأنبار نموذجا. عرسال نموذجا. كل المدن السورية المحتلة الآن من عصابات، وصلت الى هذا المصير بشكل أو بآخر عندما كان كل العالم لا يرى إلا المجد في بنادق المسلحين والإرهابيين المأجورين من الخارج. هم أنفسهم لما كان يقال لهم إن مصير لبنان مهدد من الساحة السورية كانوا يسخرون، ثم يرسلون السلاح والمقاتلين. هم أنفسهم لما كان يقال إن الخطر على ساحتي العراق وسوريا متداخل، كانوا يهزأون.
فما العمل والعراق وسوريا ولبنان في مشهد واحد؟ معركة الأنبار والموصل متصلة بالرقة ودير الزور وتدمر وصولا الى دمشق وبيروت. لا مفر من المواجهة الكبرى. كل التكاذب السياسي لم يعد مقنعاً. الوحوش السارحة على امتداد هذه الجغرافيا، طليقة ولا يمكن أن تبقى كذلك عند أبواب بيوتنا. ولا يواجه هذا الوحش الموغل في دمنا، إلا من هو أكثر استعدادا منه للتضحية، وأكثر بأسا وقناعة وإيمانا.
لا مفر، مهما قيل عن “الحشد الشعبي” في العراق من مآخذ وأخطاء. لكن ها هي إنجازاته ماثلة أمامنا في معارك مواجهة “داعش”، ولم يعد ينكرها إلا جاحد.
لا مفر من تعميم الفكرة.
“حشد شعبي” حقيقي وعابر للحدود. خائفون من “انتهاك السيادة” بسبب قاسم سليماني؟ أهذا حقا ما يجب أن نقتنع به فيما شعوب المنطقة وطوائفها تحت سطوة سكاكين العصابات؟ أي بلاهة ترى في ما يجري “معركة صفين” وهناك آلاف المقاتلين المتطوعين من السنّة في “الحشد الشعبي”!
لا مفر من “تعبئة وطنية” شاملة، تثمر استنهاضاً للهمم والطاقات وتتسع لكل المكونات الوطنية والدينية والطائفية والعسكرية، وترفدها شخصيات وطنية أصيلة وجهات دينية لها رزانتها، الى جانب الجيوش الوطنية المكبلة بالألاعيب الأميركية والاقليمية المعادية. إنه نداء من أجل الحياة. فليكن النداء موحداً من أجل المواجهة الكبرى.. الآتية حتماً.