كتب مؤيد بلاسم العبودي
فيما لازال قادة التحالف الغربي يخفون رؤوسهم مثل النعامة في الرمال، ويكتفون بتصدير مزيدا من الأكاذيب إلى الرأي العام العالمي عن انتصارات وهمية في حربهم (الجوية) ضد داعش، يواصل هذا الأخير تمدده، مثل حمم بركانية، في كل الفجوات التي سببتها حماقاتهم!
في ليبيا، تمدد تنظيم داعش إثر الفوضى التي سببها التحالف الأمريكي–الأوربي-العربي–الاخواني ضد نظام معمر القذافي.
ومع كل يوم يمر، يلتهم تنين داعش منطقة أخرى في ليبيا. وهي بالنسبة لإستراتيجية التنظيم في التمدد، تعتبر الخاصرة الرخوة والجبهة الأسهل لعدة أسباب منها ضعف المقاومة التي تواجهه ولعدم وجود حاضنة شعبية ترفضه ولا نظام قوي يقف بوجهه.
فلا توجد في جوار ليبيا دولة قوية بمستوى إيران مستعدة أن تتدخل بكامل ثقلها لمواجهته وظلت كل المحاولات التي بذلتها مصر ردا على عمليات ذبح مصريين أقباط بعمليات قصف جوي محدودة التأثير، فيما اكتفت الجزائر بإعلان حالة الإنذار القصوى أما تونس، فبقيت مثل ملاكم متقاعد تتلقى على أرضها ضربات الإرهابيين المتدربين ليبيا!
لا يوجد في ليبيا مقاتلين عقائديين (مثل الحشد الشعبي) يمكن أن يواجهوا التنظيم حتى الطلقة الأخيرة، ولا أقليات دينية يمكن أن يتعاطف معها العالم نتيجة جرائم داعش، ولا نظام قوي مثل نظام بشار الأسد بعد أن حطم الناتو وثواره ومفتيه القرضاوي نظام القذافي.
ليبيا اليوم هي البيئة المثالية لسرطان داعش الذي ينتشر فيها انتشار النار في الهشيم، بعد أن خربها التحالف العربي-الغربي.
بايعت بعض المليشيات الليبية خليفة داعش طوعا، وهي كلا من أنصار الشريعة وشباب شورى الإسلام ومجلس مجاهدي درنة، أما المليشيات الليبية الأخرى، فستكون مخيرة بين الموت بحد السكين المزخرف بالفتاوى أو البيعة كرها على خطى صحوات العراق ومعارضات سوريا.
وتنظيم أنصار الشريعة هو تنظيم إسلامي تابع لتنظيم القاعدة فكريًا ومتهم بعملية إحراق السفارة الأمريكية في طرابلس وقتل السفير. وهو لا يؤيد المؤتمر الوطني العام ولا الحكومة التابعة لمجلس نواب طبرق، لكنه يقاتل ضد قوات اللواء حفتر.
استطاع تنظيم داعش وبسرعة لافتة للنظر من السيطرة على عدد من المدن والمناطق الليبية. فقد سيطر في البداية على مدينة درنة (يقارب عدد سكانها 100 ألف نسمة) تقع في شرق ليبيا قريبة من الحدود المصرية التي يعتنق اغلب سكانها الفكر السلفي، على إثر بيعة مجلس شورى مجاهدي درنة لخليفة داعش في يوم 19/ 10/ 2014 وأعلن خلالها عن إنشاء محكمة شرعية ونصب عليها واليا عراقيا وشرطة إسلامية وهيئة حسبة وبدا بتنفيذ الإعدامات في الساحات والملاعب الرياضية.
في يوم 11/2/2015 سيطرت داعش على أجزاء كبيرة من مدينة سرت وأصدرت بيانا من إذاعتها طالبت فيه سكان المدينة بمبايعة البغدادي، وسيطر على مطار القرضابية الاستراتيجي، فيما فرت من أمامها مليشيات فجر ليبيا بسرعة البرق.
كما ترزح مدينة صبراتة الواقعة غرب طرابلس تحت نار داعش وكذلك هو الحال في مدينة صرمان. وبالأمس سقطت مدينة هراوة بدون قتال بيد داعش وتم ذبح عدد من أبناء المدينة وسط صمت لأهلها مشبع بنكهة الخوف. وفي منطقة النوفلية المحاذية شرقا لمصراته طالب داعش السكان بإعلان البيعة للبغدادي …
وهو بذلك يستفيد من ليبيا بصورة فريدة أكثر من استفادته في العراق لعدة أسباب:
- الطبيعة البدوية لسكان ليبيا وانتشار الوهابية بينهم على حساب المذهب المالكي الذي بدا ينحسر هناك ويتلاشى، تشجع على سرعة انتشار الظاهرة الداعشية بسرعة البرق.
- المساحات الصحراوية الشاسعة التي تضمها ليبيا توفر لداعش أكبر معسكرات التدريب في العالم وأكثرها أمنا وبعدا عن الخطر، فلا شيعة يهددون داعش ولا جيش نظامي ولا قوات دولية لديها الاستعداد للتورط في رمال ليبيا. هذه المعسكرات تمثل المكان الأنسب لتدريب القوات الخاصة الاحتياطية لداعش، مثلا هناك أربعين ألف مراهق عراقي من الموصل وسوري من الرقة وأجانب من كل دول العالم يتدربون الآن في ليبيا بعد آن تم نقلهم من خلال مطارات السيد اردوغان إلى طرابلس. تقع أهم معسكرات التدريب في مدينة درنة حاليا، لكن هناك سعي حثيث لإنشاء معسكرات في مناطق الصحراء الجنوبية المهجورة وتجنيد متطوعين مراهقين وأطفال على غرار تجربة تنظيم فتيان الجنة في العراق وسوريا
- قربها من سواحل أوربا يفتح شهية الخليفة الداعشي لفتح أبواب الجحيم على أوربا سواء من خلال المهاجرين عبر البحر أو من خلال العمليات الإرهابية، ويستطيع المناورة في هذه الورقة لتهديد أوربا أو على الأقل مساومتها على أمنها مقابل مستعمرته الليبية، فمدينة درنة مثلا تبعد ا تبعد فقط نحو 200 ميل عن الشواطئ الجنوبية لأوروبا. ومخاطر قرب داعش من اوربا عديدة، منها مثلا القرصنة، أو ارسال زوارق شحن مفخخة، أو فتح موجات كبيرة من قوافل المهاجرين الافارقة غير الشرعيين باتجاه اوربا، وزج عناصر التنظيم من انتحاريين وانغماسين وأمنيين وإعلاميين ومناصرين للتنظيم بينهم.
- وفرة النفط في ليبيا تجعله يحافظ على ثراء تنظيمه بصورة فريدة، فيستطيع التواصل مع كل مافيات تهريب النفط ليحصل على التمويل والسلاح بأريحية مطلقة. وقد تجلت تلك الرغبة بمحاولات حثيثة للسيطرة على حقول النفط ومنشاته، ففي يوم 13/2/2015 دارت اشتباكات عنيفة بين قوات حرس المنشآت النفطية وداعش جنوب غرب ميناء السدرة، الذي حاول السيطرة على حقل الباهي النفطي. واقترب من ميناء السدرة النفطي، حيث وصل إلى منطقة النوفلية التي تبعد 60 كيلومترا عن الميناء.
حتى اللحظة استولى داعش على حقل المبروك النفطي جنوب مدينة سرت فيما لا تزال منطقة الهلال النفطي هدفا له، حيث تحوي المخزون الأكبر من النفط، إضافة إلى احتوائها على مرافئ السدرة ورأس لانوف والبريقة …
- الروح القبلية السائدة في ليبيا وحالة الثارات بين القبائل إثر الحرب الأخيرة، ووجود حالة من النقمة لدى القبائل المحسوبة على نظام القذافي التي كانت تهمين على البلد سابقا ستوفر لداعش نفس البيئة المتذمرة التي نشأت بعد سقوط نظام صدام حسين. ومن خلال متابعتنا وجدنا أن اغلب قبائل أولاد سليمان انضموا لداعش ثأرا لما حدث للقذافي وأتباعه، بالإضافة إلى السخط العام من الوضع السياسي والأمني المنهار في البلاد.
- حالة الانهيار الأمني وعدم وجود مؤسسات دولة تؤدي إلى توسع نفوذ داعش المعروفة بإدارياتها الحازمة وخدماتها العامة، ففي ليبيا توجد أكثر من 30 مليشيا مسلحة تتقاتل على النفوذ.
- إمكانية التمدد من ليبيا إلى الصحراء الأفريقية والالتقاء ببوكو حرام في نيجيريا وكتيبة المرابطون والتوحيد والجهاد في مالي، والموقعون بالدم وتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي في الجزائر والتنظيمات الأخرى في بقية دول أفريقيا المسلمة، وتأثيرات ذلك على كل من تونس والجزائر ومصر.
أن انتشار داعش في ليبيا جاء كنتاج للتحالف الأمريكي -الأوربي -العربي … وهو مصير معظم الدول والمجتمعات العربية إذا لم تنتبه إلى خطر داعش وفكره الوهابي. ليبيا هي مصير كل من يعتمد على ثنائية الناتو -الخليج! يهدد داعش مصر من جبهتين، من الشرق حيث ينشط في ولاية سيناء اغلب التنظيمات الإرهابية مثل أكناف بيت المقدس التي بايعت التنظيم، وأنصارها في غزة الذين يشكلون أيضا تهديدا على حركة حماس ولو بعد حين، بينما يهددها من جهة الغرب عن طريق درنة الليبية واحتمال تمدده إلى الحدود المصرية. كما توجد في داخل مصر خلايا داعشية نائمة تنتظر ساعة الصفر لإحراق البلاد، لكن ما يؤخر ذلك قوة الجيش المصري ومهنية الجهاز الأمني المصري وتراكم خبرته في التعامل مع الحركات المتطرفة. تشكل ليبيا حاليا أكبر معسكر عالمي لتدريب المتطرفين وجذبهم، تأثيرات الوضع الليبي تؤثر بشكل مباشر على الوضع الأمني في كلا من مصر وتونس والجزائر، وتلتقي مع انفتاح الصحراء الليبية على أفريقيا لتتحد داعش ليبيا مع بوكو حرام نيجيريا في موقف مشابه لإلغاء الحدود بين العراق وسوريا. تمتلك كلا من مصر والجزائر خبرة فريدة في مواجهة التنظيمات الإرهابية و أجهزة الأمنية محترفة، ستكون تونس هي الخاصرة العربية الأضعف في مواجهة داعش. كما ستظل داعش ليبيا تهديدا مستمرا على الأمن القومي العربي حيث تقوم برفد التنظيم بأموال النفط و التسليح و التدريب و التهيئة ، ليبيا تمثل خلفيات القوى الداعشية و لازال التنقل مستمرا بينها وبين مناطق الخلافة الداعشية في العراق وسوريا عن طريق مطارات الخليفة اردوغان. لذلك يجب علينا جميعا ، كعرب ومسلمين و غيرهم ، التحرك معا لوقف تمدد داعش ، فكما أن هناك حسنات لتحول العالم إلى قرية معلوماتية صغيرة ، فان هناك سيئات قاتلة ، تتمثل في تأثرنا بأي حدث امني في أي دولة من دول المنطقة .
مؤيد بلاسم
كاتب ومحلل سياسي