أزاميل/ وكالات: أجهش “أبو منتصر” خلال فيلم وثائقي تلفزيوني بالبكاء بينما كان يتحدث عن جمع الأموال وتجنيد مقاتلين للقتال إلى جانب تنظيم “داعش”، قبل أن يدير ظهره للأمر بعد زيادة مستوى العنف.
وقال أبو منتصر، الذي يوصف بأنه “عراب حركة الجهاديين البريطانيين” الذي استقطب العشرات من الشبان للقتال في حروب خارجية، إنه يعتذر الآن لأنه فتح الباب أمام الأشخاص الذين ينضمون للقتال إلى جانب جماعات إرهابية مثل تنظيمي “داعش” والقاعدة.
وكان أبو منتصر، البالغ من العمر 55 عاماً ويعيش في سفوك Suffolk ببريطانيا، أحد أوائل المتأثرين بالدعايات التي أطلقتها التنظيمات المسلحة واستجاب للرسائل المتطرف.
ونشط أبو منتصر خلال عقدي الثمانينات والتسعينات، وساعد في تجنيد آلاف الشباب المسلمين في الغرب للانضمام إلى التنظيمات المتشددة، وشجعهم على السفر للقتال في أفغانستان وكشمير وبورما والبوسنة والشيشان، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية.
وقام أبو منتصر بالترويج لدعاة، يوصفون بأنهم دعاة كراهية وتطرف، مثل علي التميمي المسجون في الولايات المتحدة حالياً وأنور العولقي، الذي قضى بقصف طائرة أميركية دون طيار في اليمن.
وفي الفيلم الوثائقي الذي أعدته النرويجية من أصل باكستاني ضياه خان والحائز على جائزة إيمي، تحدث أبو منتصر و”متطرفون سابقون” عن عميق أسفهم لإرسال المئات من الشبان البريطانيين المسلمين للقتال بصفوف داعش والقاعدة، وعن جهودهم بتثقيف الشباب بعيداً عن هذا المسار الذي يتبعه الشباب الغاضب.
وشوهد أبو منتصر وهو يبكي في الفيلم بينما كان يحكي عن أهوال أيامه خلال المعارك في البوسنة وأفغانستان وبورما.
واعترف أبو منتصر بأنه فتح الباب أمام تدفق المقاتلين طوال ما بين 15 إلى 20 عاماً، مشيراً إلى أنه ألهم آخرين واستقطب المئات من الشبان وجمع التبرعات واشترى السلاح لصالح تلك التنظيمات.
وقال إنه اكتشف أنه لا يخوض حرباً مقدسة عندما كان في أدغال بورما يقاتل في صفوف الجماعات المسلحة، وإنما يقوم به عبارة عن “ارتكاب مجازر وإزهاق أرواح الشبان المسلمين”، وعندها أدار ظهره للعنف.
وأضاف “إذا أراد الناس أن يتهموني بالجبن فليكن ذلك.. أنا جبان”.
وبعدها، أسس أبو منتصر جمعية مناهضة للتطرف، مشيراً إلى أنه “آن الأوان للناس الذين يدعمون المتطرفين الإسلاميين أن يسألوا لماذا يفجر أبناؤهم وبناتهم أنفسهم لأفكار خاطئة في حروب لا يمكن الفوز فيها”، وختم قائلاً إن “الإسلام والنبي محمد لم يعلموا الكراهية”.
من ناحيته، قال إلياس كارماني، وهو أحد أتباع أبو منتصر السابقين، الذي أصبح داعية للسلام ونبذ العنف وإمام مسجد في برادفورد “إن فيروس العنف والتطرف أثر في جيل كامل”.
وأوضح، في مقابلة مع صحيفة “ذي أوبزيرفر” البريطانية، أن دعاية داعش لتزويج الفتيات والصغار شبيهة بتلك التي استخدمها أبو منتصر في استقطاب أتباعه.
وكشف كارماني أن أبو منتصر كان شخصية أبوية كاريزماتية، وأن هناك كماً كبيراً من الطاقة والغضب، وأنه كان غاضباً ووالده كان عنيفاً ويحمل كماً من العنصرية إلى جانب الإحباط “ولذلك فقد زرعنا الفيروس، والصغار أصيبوا بالعدوى الآن”.
وأشار إلى أن الشباب المسلم وغير المسلم، على السواء، يرغب بتغيير العالم، وأن يكون لديه شعور بالانتماء وقد يجد ذلك في أماكن أخرى.
وقال كارماني إن “الجهاد إثارة وجنس، فالصغار الذين لا يتمتعون بالجمال، يصبحون أكثر جمالاً مع السلاح، وبإمكانه أن يتزوج الآن، فهو قوي وصاحب نفوذ”.
وحمل كارماني الأجيال الأولى من المهاجرين إلى بريطانيا مسؤولية الكثير من الأمور، خصوصاً الآباء الذين ساهموا في عدم الاندماج وعدم قدرة الأبناء على التحدث عن أمور تجري خارج المنزل؟
ما أبعاد الـ«وثائقي» حول «عراب جهاديي بريطانيا»؟
باحث إعلامي لـ«الشرق الأوسط»: في حال إساءة تفسيره يؤدي إلى تغذية الأحكام المسبقة وزيادة «الإسلاموفوبيا»
لندن: رنيم حنوش
جلس الملايين من سكان بريطانيا مساء أمس (الاثنين) أمام شاشة للتعرف على “عراب حركة الجهاديين البريطانيين”. ولأكثر من ساعة، روى فيلم وثائقي حائز على جائزة “أيمي” أذاعته شبكة تلفزيون “آي.تي.في” المحلية، قصة أبو منتصر (55 عاما) الذي استقطب العشرات من الشبان الأوروبيين للقتال في حروب خارجية ونشاطه “الدعوي” . ولاقى الوثائقي صدى إعلاميا ونقدا من المحللين الإعلاميين قبل وبعد عرضه، إذ تناول موضوع التطرف والإسلام في أوروبا. ووقع في فخ التسميات والتعريفات العريضة، حسب المحللين، إذ اعتمد أسلوب سرد صنف المسلمين في بريطانيا إلى شقين: “المسلمون العاديون” و”المسلمون المتطرفون”، حيث يؤكد باحث في شؤون الإعلام في إحدى جامعات لندن في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» أنه “لا يجب أن يكون للإعلام السلطة لإطلاق التسميات والتعريفات العريضة”. ويتساءل الباحث مستطردا، “كيف يعرف الإعلام من هو المسلم العادي؟”.
وقبل عرضه أمس، كان الشارع البريطاني متعطشا إلى التعرف على أبو منتصر بعدما نشرت صحيفتا “الغارديان” و”الأندبندنت” البريطانيتان بملاحقهما الخاصة بيوم الأحد معلومات مقتضبة عنه، ومقابلة مع مخرجة الوثائقي للترويج عنه قبل عرضه.
فمن جانبه، نوه تقرير صحيفة “الأوبزيرفر” المطبوعة الاسبوعية التابعة لـ”الغارديان” بأن أبو منتصر المقيم في مدينة سوفولك البريطانية، كان من الدعاة المؤثرين في نشر رسالة “إسلامية” متطرفة في بريطانيا، وكان ناشطا منذ الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، حيث ساعد في دفع آلاف المسلمين الشباب للتطرف وتشجيع العديد منهم على السفر للقتال في أفغانستان وكشمير وبورما والبوسنة والشيشان.
وأشار التقرير ذاته إلى أن أبو منتصر كان مسؤولا عن تنظيم خطابات لدعاة “العنف والكراهية” من الخارج لزيارة المملكة المتحدة والتحدث عن “الجهاد” ومنهم علي التميمي، الذي يقضي حاليا حكما بالسجن المؤبد في الولايات المتحدة بتهمة التحريض على الإرهاب، وأنور العولقي الذي لقي حتفه جراء هجوم طائرة أميركية من دون طيار في اليمن. أما “الأندبندنت” بنسختها يوم الأحد، فبادرت بنشر مقابلة مع مخرجة الفيلم الوثائقي النرويجية من أصول بنجابية ضيا خان، قالت خلالها إنها قضت 18 شهرا في بريطانيا لإجراء مقابلات مع “الآباء المؤسسين للجهاد” في البلاد، وذلك في محاولة لاستقصاء الأسباب التي تدفع الشباب للالتحاق بمثل هذه الجماعات القائمة على العنف والتطرف، بحسب قولها.
وأضافت خان (37 عاماً)، وهي ناشطة في مجال حقوق الإنسان ترعرعت في النرويج من أبوين مهاجرين من أفغانستان وباكستان “في الغرب، لم يستيقظ انتباهنا لهذه الظاهرة إلا منذ 9/11 فصاعداً”، في إشارة لتفجيرات سبتمبر (أيلول) في نيويورك العام 2001.
وفي الوثائقي، أجهش أبو منتصر بالبكاء خلال تحدثه عن جمع الأموال وتجنيد مقاتلين للقتال إلى جانب تنظيم الدولة، قبل أن يدير ظهره للأمر بعد زيادة مستوى العنف.
وقال أبو منتصر، الذي يصفه الفيلم بأنه “عراب حركة الجهاديين البريطانيين” والذي استقطب العشرات من الشبان للقتال في حروب خارجية، إنه “يتأسف الآن لأنه فتح الباب أمام الأشخاص الذين ينضمون للقتال إلى جانب جماعات إرهابية مثل تنظيمي داعش والقاعدة”.
وفي الفيلم الحائز جائزة إيمي، تظهر شهادات “متطرفين سابقين” عن تجاربهم السابقة وحلقات “الدعوة” التي شاركوا بها أواخر القرن الماضي.
من ناحيته، قال إلياس كارماني، وهو أحد أتباع أبو منتصر السابقين، الذي أصبح داعية للسلام ونبذ العنف وإمام مسجد في برادفورد “إن فيروس العنف والتطرف أثر في جيل كامل”. وكشف كارماني أن أبو منتصر كان شخصية أبوية كاريزماتية تأثر بها. كما أشار إلى أن الشباب المسلم وغير المسلم، على السواء، يرغب بتغيير العالم، وأن يكون لديه شعور بالانتماء وقد يجد ذلك في أماكن أخرى.
وينوه “المتطرفون السابقون” بشهاداتهم أنهم تعرضوا في الأحياء البريطانية التي ترعرعوا بها وتطغى عليها غالبية “بيضاء” إلى التمييز العنصري والاضطهاد من قبل أقرانهم. وقال أحدهم، “لطالما شعرت بعدم الانتماء إلى المجتمع البريطاني جراء معاملة الناس لي وكأني مواطن درجة ثانية لديانتي ولوني الأسمر”. ويستطرد في الفيلم، “تلك الاضطهادات اليومية أفقدتني الرغبة في العيش وفضلت الموت عندها خصوصا بعد مضايقاتهم المتكررة وطلباتهم اليومية بأن أعود إلى موطني الأصلي”.
ومع أن الفيلم الوثائقي يحاول نشر التوعية في المجتمع البريطاني والأوروبي، وينقل وجهات نظر وشهادات حقيقية لأناس عانوا، إلا وأنه قد وقع في فخ التعميمات والبيانات العريضة مثل احتواء نصه على تعميمات للمخرجة النرويجية بقولها، “أبو منتصر من أهم المسؤولين عن نشر الفكر الجهادي في الغرب”، من دون الاستناد لحقائق مدروسة.
وتستطرد المخرجة بقولها، “تعرفت خلال تجربتي في بريطانيا طوال مدة 18 شهرا على المسلمين العاديين والمتطرفين للكشف عن ظاهرة الجهاد”. وبهذا، تصنف الباحثة مسلمي بريطانيا إلى مصطلحات ثنائية وهي “المسلمون العاديون” و”المسلمون المتطرفون” بحسب قولها. وحول ذلك، يعلق الباحث في شؤون الإعلام الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، بقوله إنه “قد يكون الاستخدام للمصطلحات الثنائية متعمدا وممنهجا في الإعلام، ولذلك يجب النظر بتمعن في السياق الذي يتم توظيف وتوزيع تلك المصطلحات”. وحول أبعاد تلك التعريفات، يستطرد الباحث، “قد تكون آثار استخدام تلك المصطلحات الثنائية في الإعلام البريطاني، الذي يخاطب مجتمعا يعاني من العنصرية من ناحية، ومن تعددية الثقافات والأقليات من ناحية أخرى، سلبيا”. وأردف بشرحه، “في مجتمع بريطاني غالبيته من البيض، يجب تفادي استخدام تلك المصطلحات الثنائية ذات الأحكام المسبقة التي تفتقر إلى العمق لعدم تفهم المشاهد معانيها ودلالاتها الحقيقية”. ويقول، “ففي حال تمت إساءة تفسيرها من قبل المتلقي أو المشاهد، تؤدي إلى تغذية الصور النمطية والأحكام المسبقة عن المسلمين، ويؤول ذلك إلى زيادة الاسلاموفوبيا والعنصرية ضد المسلمين في البلاد”.
يذكر أن أبو منتصر بات اليوم مؤسس ورئيس جمعية تعليمية إسلامية تطوعية في بريطانيا مناهضة للتطرف (جيمس)، أسسها عام 1984.
ويشير أبو منتصر إلى أنه “آن الأوان للناس الذين يدعمون المتطرفين أن يسألوا لماذا يفجر أبناؤهم وبناتهم أنفسهم لأفكار خاطئة في حروب لا يمكن الفوز فيها”، وختم قائلاً إن “الإسلام والنبي محمد لم يعلموا الكراهية”.
وتعتبر تلك محاولة لمناهضة التطرف من قبل من جربوه وذاقوا مرارته. وهنا، يتساءل مراقبون إن كانت ستحتضن المجتمعات الغربية مواطنيها المسلمين وتعاملتهم بمساواة لدحض شعور عدم الانتماء لديهم الذي كان عاملا في تطرفهم؟