صدام حسين الأردني
بقلم:باسل رفايعة
تخيّلوا، في لحظةِ تأمُّلٍ وصدقٍ مع الذات أنّ “المهيب الركن والقائد الضرورة” صدام حسين، كان رئيساً للأردن. تالياً لقطات من المشهد:
ليس لدينا نفط. ثروتنا الطبيعية، هي الفوسفات والبوتاس. صدام يوزع هذه الثروة يميناً وشمالا، وَنَحْنُ لا نجدُ الخبز والدواء، ويشتري بها ولاءات وصحافة ومثقفين، ويُغدق على قصوره وحاشيته وحمايته.
الحزب الحاكم سيكون حُكماً “البعث العربي الاشتراكي الاردني”.. هذا يعني حظر جماعة “الاخوان المسلمين” والأحزاب اليسارية والقومية الاخرى، ووصف منتسبيها بالخونة والعملاء، ولا مكان لهؤلاء الا في مقابر جماعية، وما تبقى في السجون، وعائلاتهم بين جائع ولاجئ.
في لحظة جنون عظمة، يتقمص صدام روح صلاح الدين الأيوبي، ويرسل جيشا لاحتلال الضفة الغربية، على قاعدة “عودة الفرع للأصل”.
فالضفة على كل حال كانت جزءاً فعلياً من الأردن بين 1950و1967. وحين دخلها صدام فاتحاً محرراً قتل اهلنا الفلسطينيين وأمعن تخريباً في بلادهم، ولم ينسحب الا بعد ان قُتِل منا الملايين، وتدمرت كل قدراتنا الاقتصادية، ولم نعد قادرين على تصدير الفوسفات والبوتاس، فأطبقَ علينا حصارٌ دوليٌّ،
وصرنا نحصل على الخبز والطحين والحليب في حصص تموينية، لا تكفي فردا واحدا في اي عائلة أردنية، ولا دواء في مستشفياتنا، وأطفالنا يموتون بنقص الغذاء والدواء، فيما يواصلُ الرئيس غطرسته، ويسرقُ من جوعنا، ليطعمَ الموالين له، ويشبع كل السفلة من لحمنا، حتى جورج غالاوي.
لعلكم تذكرون انتفاضات محافظات الجنوب الاردنية بدءاً من 1989، من أجل الخبز والمحروقات وغيرها. ماذا كان سيفعل بها صدام؟ سوى انها ستكون “حركات غوغاء”. والمهيب الركن لا يتعامل مع “الغوغاء” الا بالطائرات والمقابر الجماعية. ولا يعترف بمعارضين أحياء. تخيلوا مصير توجان فيصل او ليث شبيلات، على سبيل المثال، لا الحصر.
اختاروا أية محافظة جنوبية في الاْردن، وافترضوا انها انتفضت ضدّ حكمه، وهتفت بسقوطه. وتخيلوا انه ردّ على ذلك بالاسلحة الكيماوية، ففقدنا من أهلنا في لحظة واحدة اكثر من ستة آلاف بين طفل وامرأة وشيخ.
لو كان صدام رئيساً على بلادنا، فماذا سنفعلُ بِقُرَّةِ عينه اليمنى عُديّ أو بِقرَّة عينه اليسرى قُصي. هل سنأمنُ على بناتنا في جامعاتهن. أم أننا سنضطر لإقامة حفلات الزفاف بالسرّ خوفاً على أعراضنا وكرامتنا؟
تخيَّلوا ان هذا القائد الفذ الذي أرعبنا وذبحنا عقوداً، هرب مذعوراً من المعركة، واختبأ في حفرة، لنكتشف في لحظة واحدة أنّ “القائد الضرورة.. لا ضرورة له”. وهذا وصفٌ منقولٌ عن الشاعر العراقي خالد المعالي.
أيها الاردنيون، وأنتم تواصلون الهتاف لصدام “شهيدكم وحدكم”.. هذا أقلُّ القليل مما عاشه أهلكم وجيرانكم العراقيون، تحت حكم صدام وعصابة البعث وبطانة الشرّ التي نفتح تراب الاْردن لجثثها، ونفتح لها بيوت العزاء.
يا قوم، ما زال في كل بيتٍ عراقي عزاءٌ لا ينتهي. آن الأوان ليزول الغبشُ والظلام من عيوننا، لنرى أي خطأ، وأية خطيئة نقترفها، بحقّ شعبٍ جار، لم يُخطئ في حقنا مرةً واحدة..