تل أبيض حرة وأنقرة تخسر جيرة “داعش”!
طارق حمو
ما أن أدلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ( الخارج لتوه من هزيمة مدويّة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة) بتصريح ضد تقدم وحدات حماية الشعب(YPG) وكتائب “بركان الفرات” في تل أبيض، حتى انبرت فصائل المعارضة السورية الموجودة في اسطنبول وأنقرة وعنتاب بإصدار البيانات ضد عملية تحرير تل أبيض، متهمة وحدات حماية الشعب وحلفائها بالقيام ب”تطهير عرقي ضد العرب” و”تهجير السكان العرب والتركمان من المنطقة”!.
أردوغان أتهم التحالف العربي/الدولي الذي مهّد جوا لتقدم الوحدات ضد تنظيم “داعش”، بأنه “يساهم في تحويل شمال سوريا إلى دولة كردية تشكل خطرا على تركيا”!.
وتوالت التصريحات من أركان الدولة التركية، ومن ثم من عدة كتائب وشخصيات في المعارضة السورية الموالية لأنقرة، وكانت كلها تندد بالوحدات وحلفائها على تحرير تل أبيض من براثن “داعش”، في الوقت الذي سارعت فيه السلطات المحلية التركية إلى إغلاق المعبر الحدودي، بعد أن كان مفتوحا على مصراعيه مع “دولة الخلافة”!
تقع مدينة تل أبيض الاستراتيجية بين مقاطعتي الجزيرة (سلة غذاء سوريا ومنبع نفطها) وكوباني، وتقع على بعد نحو 85 كلم شمال مدينة الرقة.
وبخسارة التنظيم هذا المركز سيكون من الصعب جدا عليه تهريب مسلحين وبيع النفط والمتاجرة بسلع أخرى يتاجر فيها حاليا. ولعل هذا هو السبب الرئيسي وراء غضب تركيا من خسارة “داعش” لهذه المنطقة الحيوية ووقوعها في يد وحدات حماية الشعب(YPG) والقوات المتحالفة معها من “الجيش السوري الحر”، وهؤلاء هم من أبناء تل أبيض والرقة والجزيرة، وكلهم من المكون العربي.
وقد شهدت تل أبيض، بعيد دخول “داعش” إليها جرائم كبيرة بحق المواطنين، وخصوصا الكرد، الذين اضطروا لمغادرة المدينة والقرى القريبة منها بسبب تنكيل “داعش” بهم بتهم “الانتماء لحزب الاتحاد الديمقراطي ولوحدات حماية الشعب”. لقد فرّ آنذاك عشرات الآلاف من الكرد من هذه المنطقة، ولم يتحدث أحد عن “تهجير الكرد على أيدي العرب”، ولم تتحدث تركيا عن “تهجير الكرد” كما لم تفعل ذلك حينما زحف “داعش” إلى منطقة كوباني، وفرّ ربع مليون كردي نحو تركيا هربا من القتل.
العديد من وسائل الإعلام الكردية والعربية والدولية أجرت لقاءات مع أهالي تل أبيض لتبيّن كذب الادعاءات التركية، ومزاعم المعارضة السورية المرتبطة باستخبارات أنقرة، وكذلك أصدرت قوات “بركان الفرات” بيانا تدحض فيه أكاذيب أنقرة وحكومتها، فيما حلّ علم الاستقلال السوري محل علم “خلافة داعش” من على سارية المعبر الحدودي.
كذلك توجه الشيخ حميدي دهام الهادي الجربا الحاكم المشترك لمقاطعة الجزيرة وشيخ قبيلة شمّر إلى مدينة رأس العين والتقى هناك بعدد من شيوخ العشائر العربية، وهنأ وحدات حماية الشعب(YPG) والقوات المتحالفة معها على تحرير منطقة تل أبيض، مطالبا الكرد والعرب والسريان وجميع أبناء مقاطعة الجزيرة ب”مزيد من التكاتف ورص الصفوف في محاربة “داعش” وطرده من كل المنطقة، وعدم إيلاء أي أهمية لمحاولات بعض القوى الإقليمية بث الفتنة بين المكونات وضربها بعضها ببعض، مشيرا إلى الوحدة الكردية ـ العربية في الجزيرة وغيرها، الراسخة منذ مئات السنين”.
كرديا: بارك مراد قره يلان رئيس لجنة الدفاع في حزب العمال الكردستاني تحرير تل أبيض، وقال بان النصر مٌسجل باسم كل الإنسانية واخوة الشعوب، وهو يأتي ليدل بأن تنظيم “داعش” في أفول، وتجربة الإدارة الذاتية في روج آفا ووحدة المكونات هي الباقية”، مناشدا كل السوريين ب”التكاتف وعدم ربط مصير بلادهم بأجندة الدول الإقليمية وخصوصا تركيا”.
على صعيد حزب الشعوب الديمقراطية: ندد البرلماني سري سورايا أوندر (من القومية التركية، والمتحدث باسم الزعيم الكردي عبد الله أوجلان في مباحثات السلام مع حكومة حزب العدالة والتنمية)، بتصريحات أردوغان وموقف الحكومة التركية المعادي لتحرير تل أبيض، والمؤيد لبقائها في أيدي “داعش”، مشيرا إلى كذب مزاعمها في تهجير الكرد للعرب والتركمان، ومشيرا بأن “داعش” قد “قتل في تلعفر العراقية 6500 مواطنا تركمانيا، وخطف 3000 فتاة تركمانية ليبيعها في أسواق الرقيق، لكن أردوغان وحزبه لم يتحركوا، ولكن الآن يستغلوا مشاعر الأتراك القومية من أجل التضييق على تجربة الإدارة الذاتية والشرعنة لجرائم “داعش” ولتقديم الجيش التركي الدعم لمقاتليه”.
عملية تحرير تل أبيض احتلت اهتمام الرأي العام الدولي، وأثبتت مرة أخرى بان وحدات حماية الشعب(YPG) هي الشريك الفعلي والقوي في الحرب على الإرهاب، وأن المعارضة السورية الموالية لتركيا والمرتبطة بعلاقات مشبوهة مع “جبهة النصرة” والمجموعات القاعدية الأخرى، غير قادرة على مواجهة “داعش”، بل أن كل الخطر يكمن في تسليمها الأسلحة المتطورة، لأن هذه الأسلحة تصل ليد الجماعات الإرهابية،
بينما يفر المقاتلون المعارضون في أول اشتباك أو ينضمون ل”داعش” كما حصل مرارا في حلب وأدلب ودير الزور. التحالف بين وحدات حماية الشعب(YPG) والمجموعات الثورية المحلية أثبت فاعليته، وهو نواة لتجربة أعم، تشارك فيها القوى الوطنية غير المرتبطة بالاستخبارات التركية، والتي لا علاقة لها مع حكومة أنقرة وقيادات تنظيمات “داعش” و”جبهة النصرة” وغيرها.
المصدر: إيلاف