عبد الرحمن ناصر 2
«ما من ثورة عظيمة واحدة حدثت في التاريخ، بدون حرب أهلية». *فلاديمير لينين المقولة السابقة لقائد الثورة البلشفية (1917) فلاديمير لينين. لكنّ الحرب الأهلية الرُّوسية كلَّفت روسيا ما يقرب من 13 مليون روسي راحوا ضحيَّتها. المعرُوف عن الحروب الأهلية أنَّ ضحاياها يكونون أكبر بكثير من ضحايا الحروب العادية. فمثلًا ضحايا الحرب الأهلية السودانية أكبر عدد ضحايا من بعد الحرب العالمية الثانية. العالم العربي ليسَ بعيدًا عن الحروب الأهلية. في القرن الماضي قامت حربان أهليتان في السُّودان، وحرب أهلية في لبنان. وقد تحولت الآن بعض الدول العربية لما يمكن أن يُطلق عليه حرب أهلية بالفعل. أغلب وسائل الإعلام والمنظمات تشير إلى الحادث في سوريا باعتباره حربًا أهلية. ما يحدث في اليمن يمكن كذلك أن يطلق عليه هذا المُصطلح. من المرشَّح أيضًا أن تنضمّ دول عربية أخرى لمصطلح «الحرب الأهلية».
الحرب الأهلية مصطلح فضفاض وواسع، وفي الغالب ما يخاف الناس من هذا المصطلح بشكلٍ مفزع. هناك تعريفات أكاديمية للحرب الأهلية، وهي الصراع المسلح بين فريقين من بلدٍ واحد. تتعدد الأسباب الظَّاهرة لهذا الصراع المسلح وفي الغالب ما تكون أسباب سياسية. بعض التعريفات الأكاديمية تشير إلى أنَّ رقم 1000 قتيل رقم كافٍ لاعتبار ما يحدث حربًا أهلية. تعتمد الحروب الأهلية في أغلبها على أساليب غير المواجهة المباشرة؛ كالتفجيرات واستهداف رموز سياسية أو عامة بشخصها.
في هذا التقرير دليل الحروب الأهلية وخطواتها. 1- ابدأ حربًا أهلية، لن ينتبه الشَّعب إلا بعد فترة طويلة عندما تقوم الحرب الأهلية لن يلاحظ الشعب ذلك. سيكون فقط الظاهر أمامهم أنَّ هناك صراعًا ما، مشكلةً ما يجري حلُّها. لكنّ المعضلة أنَّ بداية الحرب الأهلية ليست مشكلة يجري التعامل معها بسهولة. إنها تبدأ دون أن يشعر بها أحد، وفي العادة ليست أمرًا مخطَّطًا له أبدًا، إنها تحدث ثمَّ يتم استيعابها بعد ذلك، وبعد وقوع عدد هائل من الضحايا والقتلى. بدأت الحرب الأهلية اللبنانية دون أن يشعر بها اللبنانيون. ذات يوم عندما قامت محاولة اغتيال فاشلة للزعيم الماروني بيَّار الجميِّل، فشلت محاولة الاغتيال، لكنّ الحرب قامت. غالبًا ما تحمل الحروب الأهلية بذورًا سابقة على حدوثها بسنوات. في الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1989) كانت جذور الحرب الأهلية موجودة منذ الاستعمار الفرنسي، وبداية تقسيمه للشعب اللبناني بناءً على طوائف عرقية ودينية.
بشكلٍ عام تقوم الحرب الأهلية دون أن يشعر بها الشَّعب في البداية. 2- اجعل هناك طرفين اثنين وحيِّد جميع الأطراف الأخرى القادة في الحروب الأهلية لا يعتقدون (أو لا يحبون أن يعتقدوا) أنَّ هناك أطرافًا أخرى أقلّ تطرفًا من الذين يحاربونهم، ولا يُصغُونَ لمحاولات الصُّلح بين الطَّرفين. يتحول كل طرف إلى «أعمى» بالفعل. بطبيعة الأمور تكون هناك فصائل وتيارات أخرى أثناء الصِّراع، قادة الأطراف المتصارعة سيحيِّدون جميع الأطراف ويتحدثون فقط عن طرف واحد. الأكثر من ذلك إذا قام طرف ثالث بعمليات تفجيرية أو اغتيالات أو غيره سيُعتبر الطَّرف الأوَّل أن الطرف الثاني هو من اعتدى عليه، دون أن يحاول أن يستوثق من الأمور. الحروب الأهلية دومًا حُرُوب «متعصِّبة» جدًّا. لا يستطيع الإنسان أن ينظر فيها سوى من زاوية العدوّ الذي يحاربه حتى لو حاربه غيره من مصلحته أن يُحيِّد جميع الأطراف. وجود طرفين اثنين فقط سيجعل الأمور أكثر بساطة وسهولة على القادة والقتلة.
3- مهما كانت الخلافات سياسية، لا بد أن تصبغها صبغة دينية أو طائفية جميع الحروب الأهلية تقريبًا كانت لها أسباب سياسية واقتصادية حقيقية، لكنَّها تخفَّت وراء مشكلات طائفيَّة أو عرقية. الحرب الأهلية الروسية (التي ليس فيها بُعد ديني) اصطبغت هي الأخرى بصبغة أخرى: الثورة والثورة المضادة، الشيوعية وانتصار الفقراء أو انتصار الرأسماليَّة. قام الشيوعيُّون (بقيادة لينين) بتأسيس جيش الحرس الأحمر وكان قائده ليون تروتسكي لخوض الحرب الأهلية في مواجهة الحرس الأبيض الروسي الذي يسعى لإفشال البلاشفة الشيوعيين. في النهاية انتصر الحرس الأحمر بعد 13 مليون ضحية للحرب الأهلية التي استمرت ستّ سنوات (1917 – 1923).
«وحتَّى لو كانت الجماهير علمانية، تبقى لديها ردود فعل دينيَّة». *غوستاف لوبون
الأمثلة على هذه القاعدة عديدة، في السودان اكتست الحرب الأهلية بصبغة طائفية ودينية معًا. المسلمون في الشَّمال والمسيحيون وغيرهم في الجنوب، حاول الشمال دومًا صبغ الجنوب بصبغة «الإسلام» باعتباره إطارًا ثقافيًّا جامعًا؛ لكنّ الجنوب رفض. هذا أحد الأسباب التي تتذرَّع بها السلطات دومًا، لكنّ الأسباب الحقيقية سياسية واقتصادية. الشَّمال دومًا همَّش الجنوب من حيث توزيع السلطات ومن حيث توزيع الاهتمام الاقتصادي والصِّحي وغيره من الاهتمامات التي تضطلع بها الدولة. قامت الحرب الأهلية السُّودانية الأولى (1955 – 1977) وراح ضحيَّتها نصف مليون قتيل. وبعد ذلك في عام 1983 بدأت الحرب الأهلية الثانية بعد أن تمَّ اكتشاف البترول في الجنوب. استمرت الحرب الأهلية الثانية حتى عام 2005 وراح ضحيتها 1,9 مليون قتيل وحوالي 4 مليون نازح!
بالطبع لم تكن الأسباب عرقية أو دينية، أو ربما كان السبب العرقي والديني هامشًا من الأسباب. الأسباب الحقيقية كانت اختلافًا على السلطة وظلمًا وتهميشًا اقتصاديًّا للجنوب. في النهاية بدلًا من أن تظل السودان دولة واحدة استطاع الجنوب أن يتنزع استقلالًا كاملًا وأسس دولته عام 2011.
4- يجب أن تصنع عدوًّا لتحاربه (نصيحة: حارب الإرهاب) الجمهور يؤمن بما يقوله له قادته. إذا كان هناك طرفان في «الحرب الأهلية» فكلّ قائد في طرف يقوم بـ(صناعة) عدوّ آخر يحاربه. كلمة كبيرة ومطَّاطة يتمّ استخدامها لما يمكن تسميته (شيطنة) الآخر. الكلمة المفتاحيَّة لأيَّة حرب أهلية هي: مكافحة الإرهاب. وفي المقابل يمكنك الحديث عن (الأمن والاستقرار) باعتبارهما قيمًا عُليا أهمّ من الحُريَّة ومن أية قيمة أخرى. الجمهور يحبّ (ويحتاج) أن يشعر بالأمان أكثر مما يريد أن يشعر بالحرية أو أية مشاعر أخرى. إذن يمكنك شيطنة الطرف الآخر في الصراع واتهامه بالإرهاب أو الرجعية أو الدموية وخوض الحرب بقلبٍ مستريح، فالجماهير ستصفق لك بلا شكّ لأنك تحارب «الإرهاب». من ناحية يستخدم بشَّار الأسد هذا الخطاب في مواجهته للـ«ثورة السورية» عندما بدأت، ثمَّ عندما تطورت (الثورة السلمية) إلى (حرب أهلية) ظلّ يستخدم فزَّاعة الإرهاب أيضًا لمواجهة المعارضين المسلحين له.
على سبيل المثال؛ العديد من التحليلات والتصريحات لسياسيين حول العالم يقولون إنَّ داعش ما هي إلا صنيعة من قبل النظام السوري ليقضي على ما تبقى من الثورة السورية بدخوله معها في حرب أهلية. لا يمكن لنا الجزم في هذه النقطة بالسلب أو بالإيجاب بالطبع. لكنّ الاحتمال يظلّ موجودًا. “سوريا” 5- يجب عليك الدِّفاع عن قضية محورية ولا تصارح الشعب يمكنك استخدام هذه الكلمات المطَّاطة وشديدة التأويل، مثل: الوطنيَّة، القوميَّة، الثَّورة، الفقراء. يمكنك استخدامها كمحور لتحرُّكاتك إذا كنت قائدًا في حربٍ أهلية. أوهم شعبك أنَّك تدافع عن قضيَّة واسعة وفضفاضة وكررها كثيرًا. العقل الجمعي سيصدِّق ما تكررهُ عليه في خطاباتك وفي وسائل الإعلام التابعة لك. الجمهور سيصدق ما يشعرهُ بالأمان والـ(تَّعالي) على الآخر بأنَّهُ صاحب القيم والأخلاق العُليا.
عام 1945، قاد ماوتسي تونغ الشيوعيين وقوَّات جيشه الأحمر في مواجهة شرسة مع السُّلطة في الصين، استمرت الحرب أربع سنوات عندما فاز ماوتسي تونغ بالحرب والسلطة معًا. تونغ كان يتحدَّث عن «الشيوعية» و«الفقراء» و«العُمَّال» دومًا؛ أوهم تونغ شعبه بأنَّه يُدافع عن قضية الفقراء حول العالم. وحين فازّ بالسلطة لم يدافع لا عن حقوق الفقراء في بلده ولا عنهم خارج بلده. وتورط في مجاعات وحملات تطهير وقتل كلَّفت الصين 79 مليون قتيل خلال 27 عامًا قضاها تونغ في السلطة. 6- القائد/ البطل «وحتَّى لو كانت الجماهير علمانيَّة، تبقى لديها ردود فعل دينيَّة، تُفضي بها إلى عبادة الزَّعيم، وإلى الخوف من بأسه، وإلى الإذعان الأعمى لمشيئته، فيصبح كلامه دوغما لا تُناقش، وتنشأ الرغبة إلى تعميم هذه الدوغما. أما الذين لا يُشاطرون الجماهير إعجابها بكلام الزعيم فيصبحون هم الأعداء».
يجب أن يكون هناك قائد تجتمع حوله الجموع ويقودها في حربها الأهلية! يجب أن تُطلَق الصِّفات على هذا القائد حتَّى لو لم تكن الصفات هذه فيه، لكنَّ صفات مثل: القوَّة، الشَّجاعة، البطولة؛ يجب أن يتمّ إلصاقها به حتى لو لم تكن فيه. الجماهير ستصدِّق الوهم لأنها تريد أن تُصدِّقه، هذا ما يخبرنا به غوستاف لوبون في كتابه الشهير سيكولوجية الجماهير. 7- تحدث عن وحشيَّة الأعداء هذه إحدى الإستراتيجيات الإعلاميَّة للتَّعامُل مع الأعداء بشكلٍ عام. في الحروب الأهلية يبدأ الطَّرفان في إطلاق أوصاف شديدة الوحشيَّة والعُنصريَّة على الطرف الآخر. سواءً كانت هذه الأوصاف حقيقية أم لا ستُصدِّقها الجماهير وستستفز فيهم مشاعر الدِّفاع والتَّحفُّز تجاه الطَّرف الآخر. يمكنك كذلك فبركة الأخبار والصُّور وفيديوهات القتل والتعذيب التي يقوم بها الطرف الآخر تجاه مناصريك. هذه الحرب الإعلامية ربما ستعطيك 50% من حربك. الحرب الإعلامية هامة في أيَّة نزاعات ناهيك عن نزاعات الحرب الأهلية. التاريخ يقول ذلك.
8- ليس هناك مشكلة من تَلقِّي الدعم من أطراف خارجية إطلاقًا! ليست هناك حروب أهلية تقريبًا دون تدخُّل خارجي. ما يحدث في أي دولة يظل دومًا محلّ نظر من الدول المجاورة، إضافةً إلى الدول الأخرى والتي لها مصالح في هذه الدولة أو تلك. الحروب الأهلية حدثت في دول كبرى وكبيرة، ناهيك عن روسيا فقد حدثت حروب أهلية في أمريكا وفرنسا وإسبانيا كذلك والعديد من الدول الكبرى، والتي يُشار إليها باعتبارها دولًا «متقدِّمة». الحرب الأهلية في روسيا كانت بلا شكّ تتعرض لتدخُّل خارجي واسع: فرنسا، وإيطاليا، والولايات المتحدة، واليابان، وبريطانيا، وألمانيا، وأستراليا، واليونان كذلك. في الحرب الأهلية اللبنانية انضم للصِّراع الجيش السوري والجيش الإسرائيلي (كلاهما دخل لبنان: الأول دخل بيروت، والثاني دخل جنوب لبنان)، وتدخَّلت الولايات المتحدة كذلك وفرنسا خلال الحرب. في الحرب الأهلية في رواندا كانت كذلك فرنسا تدعم أحد الأطراف، كذلك في جميع الحروب الأهلية يكون هناك دعم خارجي.
لا عليك إذًا، طالما بدأت حرب أهلية يمكنك ببساطة أن تتلقَّى دعمًا خارجيًّا. 9- لا عليك، الناس سيكملون حربهم طالما بدأتها أنت يمكنك وأنتَ القائد أن تتحكَّم في تحركاتك وردود أفعالك، من موضع القيادة يمكنك رؤية الأمور بشكلٍ أوضح، الأكاذيب أنت من اخترعها وتعلم كذبها، لكنَّ الجمهور يُصدِّق الأكاذيب. في النهاية إذا بدأت الحرب الأهلية سيكون الجمهور مشحونًا بأكاذيبك السابقة التي اختلقتها وجعلتهم يصدِّقونها. أنت يمكنك التوقف لكنَّكَ ستواجه صعوبة بالغة في ثني الجمهور عن التوقف. لأنه يتحرك من خلال أكاذيب جعلتها أنت له حقائق، بالتالي ربما لا تنتهي الحروب الأهلية إلا ببضعة أكاذيب أخرى تجعلها حقائق بشكلٍ بسيط للجمهور، بالطبع على القائد ووسائل الإعلام أن يقوم بذلك نيابةً عن الجميع.
هل عرفت الآن خطوات الحروب الأهلية؟ وأنها مكلفة أكثر من الحروب بين الجيوش والدول؟ لتتمنى إذن ألا تقع في دولتك حرب أهلية. فالعالم الآن يشهد أكثر من ثلاث حروب أهلية.
المصدر: ساسة بوست
ولدينا ملاحظة على المنشور وهي إشارة المقال إلى أن “ما يقال” بان داعش هو صنيعة النظام السوري، تعد إشارة غير مهنية وغير محايدة حتى لو كانت صحيحة، لأنها تغفل دور أطراف مهمة اخرى أغلبها عربية وساهمت ربما بشكل أقوى لقدراتها المالية والدولية بصناعة داعش وامثالها منذ عقود.
وهو إغفال غريب يكاد ينطبق في طبيعته مع مظاهر ومبررات قيام الحروب الاهلية التي يناقشها المقال نفسه!