أزاميل/ متابعة: عن موقع قنطرة
أدناه قراءة مهمة جدا عن الجذور الفقهية والتاريخية للإعدام بـ “التحريق” في التراث الإسلامي، وهي دراسة جادة طالما قدم ما يشبهها كثير من الكتاب والباحثين، ولم تتلقى الاهتمام المطلوب، ولا الأجوبة المقنعة على أسئلتها الخطيرة.
ما نريد قوله هنا ليس تأييد ما جاء في هذه المقالة او الاصطفاف معها او ضدها، الامر يتعلق بما تكشف عنه من حقائق تاريخية وعقائدية إسلامية، حقائق صادمة كثيرا ما تم تجاهلها وعلى مدي قرون طويلة سابقا، ونعتقد ان الإجابة عليها حاليا من قبل الجميع وبضمنهم رجال الدين، أصبحت ليس فقط حاجة لا غنى عنها في ظل المخاطر والكوارث التي تصيب جميع البلدان الإسلامية تقريبا حاليا، بل لأنها أصبحت ظاهرة عالمية، يجري استغلالها يوميا من قبل دول العالم وقواه الكبرى، وما يعنيه ذلك من استمرار لعمليات القتل والتدمير والعنف فيجميع أرجاء العالم الإسلامي.
وادناه نص المادة الكامل.
تفكيك واستئصال موروث العنف من “سوبر ماركت” الفقه الإسلامي…ضرورة حضارية
عملية حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة الوحشية من قبل تنظيم “داعش”، لم تثر فقط سخط واستياء العالم، وإنما دفعت الكثيرين إلى التساؤل عن المرجعية الفكرية، التي استند إليها هؤلاء المجرمون لتنفيذ فعلهم الإجرامي البربري. كما طرح السؤال المستفز: هل يمكن تبرير مثل هذه الأفعال النكراء باسم الإسلام؟ الكاتب المعروف علي أنوزلا يستقرئ الجذور الفقهية والتاريخية للإعدام بـ “التحريق” ويطالب بإعادة النظر في أصول الفقه الإسلامي و إحداث قطيعة مع ثقافة العنف السائدة.
في التسجيل الذي عرضه تنظيم “داعش” الإرهابي لإعدامه الطيار الأردني، ظهر استشهاد نصي بفتوى لأحمد إبن تيمية، أكبر مرجع فكري للتنظيمات الإسلامية السنية التي تتبنى العنف، جاء فيه: “فأما إذا كان في التمثيل الشائع دعاء لهم إلى الإيمان أو زجر لهم عن العدوان فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد المشروع”.
وفي المواقع الرقمية القريبة من التنظيمات الإرهابية تم تبرير هذا الإعدام الوحشي بأنه يدخل في باب المعاملة بالمثل والجزاء من جنس العمل، عملا بالنص القرآني الذي يقول: “وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به” (صورة النحل)، وهو ما يفسر، بحسب زعمهم، تنفيذ الجريمة في المكان الذي يفترض أن الطيار الأردني قصفه قبل سقوط طائرته، ومن ثم، تم ردم رماده تحت نفس الركام، الذي خلفه قصف طائرته!
أصحاب هذه “الفتوى” على المواقع “التكفيرية” يستشهدون برواية عند مسلم عن أنس أنه قال: “إنما سمل النبي – صلى الله عليه وسلم- أعين العرنيين ، لأنهم سملوا أعين الرعاء. أي إن المعاملة بالمثل كانت سارية منذ عهد النبي محمد، وهو نفسه أجازها.
هذا الحديث يسمى في الموروث الفقهي بـ “حديث العرنيين”، وقد رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، ومفاد قصته أن عرنيين من قبيلة عرينة، جاؤوا إلى المدينة وأعلنوا إسلامهم، فآواهم النبي محمد، وعندما أصيبوا بمرض أنزلهم النبي في منطقة ترعى بها إبل الصدقة وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها ليشفوا، وعندما صحوا ارتدوا عن الإسلام وقتلوا راعي النبي واستاقوا الإبل، فبعث في آثارهم وعندما ألقي القبض عليهم أمر بقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم بالحديد المحمى وألقاهم في الشمس حتى ماتوا، حسب ما جاء في كتاب “الروض الأنف في شرح السيرة النبوية”، لعبد الرحمن السهيلي (1).
أما تبرير عملية الحرق، أو التحريق، كما يرد في الكتب الفقهية، فيستشهد المدافعون عنه بالكثير من الوقائع والأحداث التي شهدت أفعالا مماثلة، ويستندون على ذلك بإجازات لفعلهم من التراث الفقهي الإسلامي من قبيل تلك الإجازة الملتبسة التي ترد على لسان أبوهريرة الذي يقول: ” بعثنا رسول اللّه – صلى الله عليه وسلم- في بعث فقال: إن وجدتم فلانًا وفلانًا لرجلين فأحرقوهما بالنار، ثم قال حين أردنا الخروج: إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانًا وفلانًا، وإن النار لا يعذب بها إلا اللّه، فإن وجدتموهما فاقتلوهما”. ويؤوِّل بعض المفسرين تراجع النبي عن أمره الأول بأنه مجرد “نهي” على سبيل التواضع! وليس تحريما أو منعا.
استنكر الداعية الاسلامي سلمان العودة على صفحته الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” قيام تنظيم داعش بإعدام الأسير الأردني معاذ الكساسبة حرقاً واعتبرها جريمة نكراء حيث يرفضها الشرع والأخلاق الاسلامية السمحة مهما كانت الأسباب. وعن حكم قيام التنظيم بهذه الجريمة البشعة ذكر أنه مرفوض سواء وقع على فرد أو جماعة أو شعب . استنكر الداعية الاسلامي سلمان العودة على صفحته الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” قيام تنظيم داعش بإعدام الأسير الأردني معاذ الكساسبة حرقاً واعتبرها جريمة نكراء حيث يرفضها الشرع والأخلاق الاسلامية السمحة مهما كانت الأسباب. وعن حكم قيام التنظيم بهذه الجريمة البشعة ذكر أنه مرفوض سواء وقع على فرد أو جماعة أو شعب .
وعلى الطرف الآخر حيث يقف المستنكرون لهذا الفعل الإجرامي، يعتبرون أن اعتماد فتوى منسوبة لابن تيمية كسند الشرعي لعملية إحراق الطيار الأردني، عمل تحريفي للفتوى التي أخرجت من سياقها، على اعتبار أن هذه الفتوى التي لا يشككون في وجودها تتعلق بجثث من يوصفون بـ”الكفار” وليس بالأحياء.
وفي رده على جريمة “داعش”، وصف “الأزهر”، الذي يعتبر أكبر مرجع فكري للإسلام السني، هذا العمل بـ”الإرهابي الخسيس الذي أقدم عليه تنظيم داعش الإرهابي الشيطاني”. وأعرب عن استيائه الشديد من الإقدام على هذا العمل الذي قال إنه “يستوجب العقوبة التي أوردها القرآن الكريم لهؤلاء البغاة المفسدون في الأرض الذين يحاربون الله ورسوله أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف”.
لكن، رد فعل “الأزهر” ساهم في تأجيج النقاش حول طبيعة الانتقام الذي اقترحه، كونه لا يقل بشاعة عن الجريمة نفسها! وفي دفاعه عن “بشاعة” رد الفعل الذي دعا إليه، رد أحد شيوخ “الأزهر” على قناة “بي بي سي” عربية بالقول بأنهم استندوا في “فتواهم” على آية قرآنية صريحة تقول: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم.” (صورة المائدة).
لكن دفاع الشيخ الأزهري عن فتوى مؤسسته، ربما يقوي من حجة التنظيم الإرهابي، الذي يجد هو الآخر في آيات القرآن ما يدافع به عن فعلته النكراء، من قبيل الآية: ” فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ، وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ” (سورة محمد)، أو الآية ” إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ” (سورة الأنفال).
وهاتان مجرد آيتين من آيات وأحاديث نبوية كثيرة تتكرر في المواقع والبيانات والأشرطة المصورة الصادرة عن تنظيمات إرهابية مثل “القاعدة” و”داعش”، و”أنصار بيت المقدس”، و”أنصار الشريعة”، و”جبهة النصرة”، تبرر بها أفعالها الإجرامية، وتشرعن بها حربها “المقدسة” ضد كل من يخالفها رأيها.
“التحريق” في “سوبر ماركت” الموروث الفقهي
العنف الذي تطبقه “داعش” اليوم يجد له أكثر من سند ومرجع في الموروث الفقهي الإسلامي حيث تتعدد أسباب تبريرات ووسائل القتل باسم الله. وليس فكر ومواقف إبن تيمية إلا الجزء البارز من جبل الثلج، الذي تتكئ عليه اليوم التنظيمات الإرهابية لتبرير أفعال القتل البريري. على أنوزلا: العنف الذي تطبقه “داعش” اليوم يجد له أكثر من سند ومرجع في الموروث الفقهي الإسلامي حيث تتعدد أسباب تبريرات ووسائل القتل باسم الله. وليس فكر ومواقف إبن تيمية إلا الجزء البارز من جبل الثلج، الذي تتكئ عليه اليوم التنظيمات الإرهابية لتبرير أفعال القتل البريري.
وبعيدا عن طابع القدسية، فإن القرآن كنص أدبي قابل لأكثر من تأويل، حسب ثقافة الشخص ومستواه وفكره ومقاصده أيضا من التأويل. أما الموروث الفقهي الإسلامي فهو مثل “سوق” كبيرة (سوبرماركت) يمكن لكل شخص أن يعثر فيه على ضالته، سواء كنصوص أو تأويلات لنصوص، أو أحداث ووقائع.
وبين ثنايا هذا الموروث نجد كل أشكال التعذيب والتنكيل من الضرب والجلد، والرجم حتى الموت، وتقطيع الأوصال، وسلخ الجلود، وقطع الرؤوس وحملها، إلى الإعدام حرقا، والشيّ.
لذلك فالتحريق كعقاب لم تبدعه “داعش”، وإنما هو جزء من هذا الموروث الفقهي الحاضر منذ فجر الإسلام، حيث تحفل كتب التراث الفقهية بالكثير من الوقائع التي تؤكد اللجوء إلى التحريق في أكثر من زمان بما فيه زمن حكم “الخلفاء الراشدين” الذي ينظر إليه السلفيون والمتطرفون على أنه الفترة الذهبية في عهد الإسلام التي يحنون إليها.
في كتاب “تاريخ التعذيب في الإسلام”، لمؤلفه هادي العلوي (2)، يورد ان أول من أمر بهذا العقاب في تاريخ الإسلام هو الخليفة أبوبكر ابن الصديق، عندما فرضه على رجل “لوطي” يدعى الفجاءة السٌلمى. وطبقا لنفس الكتاب فإن أبوبكر أصدر تعليماته لقادة جيوشه بتحريق المرتدين. وكان من بين من نفذوا تعليمات أبوبكر، خالد ابن الوليد، الذي تذكر كتب التراث أنه أحرق بعض المرتدين بعد أن أسرهم.
وتورد كتب التراث (3) أن خالدا قتل الصحابي مالك بن، وجعل رأسه أثفية لقدرأنضج عليه طعامه، وأتى بعد ذلك زوجة الصحابي التي يقال أنها كانت شديدة الجمال. ولما احتج عمر ابن الخطاب على ما فعله خالد عند الخليفة أبوبكر، رد عليه هذا الأخير بقوله: ” لا أَشِيمُ سَيْفًا سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْكُفَّارِ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَشِيمُه”، حسب الحديث الوارد في كتاب “الطبقات الكبرى” لإبن سعد (4).
وتذكر كتب التراث أن علي ابن أبي طالب، أتى بقوم من الزنادقة ومعهم كتب، فأمر بحرقهم وكتبهم. وفي رواية أخرى أنه اعتقل أشخاصا كانوا يعبدون الأصنام في السر، واستشار الناس في أمرهم، فقالوا: اقتلهم، فقال: لا، بل أصنع بهم كما صُنع بأبينا إبراهيم فحرّقهم بالنار” ، حسب ما جاء في كتاب “فتح الباري شرح صحيح البخاري” بمؤلفه الحافظ ابن حجر العسقلاني (5).
وفي روايات متواترة أن محمد ابن أبي بكر الصدّيق، قُتل ووضع جسمه في جوف حمار ثمّ أُحرق، بينما احتُزّ رأسه وأُرسل إلى معاوية بن أبي سفيان بدمشق، للتمثيل به عن طريق الطواف به لإرهاب الخارجين عن طاعة السلطان. ونفس الشيء فعله يزيد ابن معاوية برأس الحسين بن عليّ، وهو حفيد نبي الإسلام، الذي حٌزَّ رأسه وعٌلّق في الكوفة قبل أن يحمل على أسنة السيوف من العراق إلى يزيد بن معاوية في الشام، فكان هذا الأخير يأتي برأس الحسين إلى مجالس الشرب ليضع كأسه عليه!
ولم يسلم من عقوبة الإعدام حرقا حتى كاتب كبير صاحب “كليله ودمنه”، عبد الله ابن المقفع، الذي أحرقه أحد ولاة المنصورة بأمر من سفيان بن معاوية. وطبقا لكتاب “تاريخ التعذيب في الإسلام”، فقد “طور العباسيون في وقت لاحق هذا الفن إلى شي الضحايا فوق نار هادئة. وهو ما فعله المعتضد بحق محمد بن الحسن المعروف بشيلمة أحد قادة الزنج في البصرة، وكان المعتضد قد أعطاه الأمان ثم اكتشف أنه يواصل نشاطه المعادي سراً فأمر بنار فأوقدت ثم شد على خشبة من خشب الخيم وأدير على النار كما يدار الشواء حتى يتقطع جلده ثم ضربت عنقه” (6).
هذا غيض من فيض، كما يقال، مما تزخر به كتب التراث الإسلامي من أفعال بشعة، وهذه الثقافة ما زالت سائدة حتى يومنا هذا نجد لها أثرا في مناهج التدريس في أكبر الجامعات الدينية في العالم العربي، وفي أكثر من دولة عربية.
فعلى الموقع الرقمي لجامعة أم القرى بمكة، وهي أعرق مؤسسة جامعية في السعودية أسسها الملك عبد العزيز ابن سعود مؤسس المملكة، نجد “بحثا” في “التحريق بالنار” من إنجاز أحمد بن ناصر الغامدي، يتحدث فيه عن اختلاف علماء المسلمين في التحريق (7).
وضمن مناهج التدريس بجامعة “الأزهر” التي تعد أكبر مرجع ديني سني في العالم، مازالت تدرس كتب من قبيل كتاب “الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع” لمؤلفه محمد بن محمد الخطيب الشربيني شمس الدين. وفي هذا الكتاب نقرأ أنه “يجوز قتل المسلم تارك الصلاة والزانى المحصن والمرتد، وأكل لحمه نياً، لكن لا يجوز طبخه أو شيّه، كما يجوز قتل أعداء الإسلام بذبحهم مثل خراف الأضاحى” (8).
تحويل العقيدة إلى مجرد رأي وضرورة إعادة النظر في أصول الفقه الإسلامي
أعمال المغربي الراحل محمد عابد الجابري مَعْلميّة في خطاب العقل. كتب المفكر محمد عابد الجابري: “عملية تجديد العقل العربي لا يمكن أن تتحقق بدون إعادة النظر في أصول الفقه الإسلامي، وذلك من خلال “تحويل العقيدة إلى مجرد رأي”، أي “فسح المجال لحرية التفكير، لحرية المغايرة والاختلاف، وبالتالي التحرر من سلطة الجماعة المُغلقة، دينية كانت أو حزبية أو إثنية، وبعث آليات جديدة للتعامل يُحركها “عقل اجتهادي نقدي”.
خلاصة القول أن العنف الذي تطبقه “داعش” اليوم يجد له أكثر من سند ومرجع في الموروث الفقهي الإسلامي حيث تتعدد أسباب تبريرات ووسائل القتل باسم الله. وليس فكر ومواقف إبن تيمية إلا الجزء البارز من جبل الثلج، الذي تتكئ عليه اليوم التنظيمات الإرهابية لتبرير أفعال القتل البريري.
فنحن ننسى أن الخلفاء الراشدين، الذين يمثل عهدهم الفترة الذهبية في تاريخ الإسلام التي يحن إليها السلفيون اليوم، أٌغتيلوا وتم التمثيل بجثث أبنائهم كما هو الأمر مع الحسن ابن علي ومحمد ابن أبي بكر الصديق.
هذه الأحداث المؤسسة والمحتفية ببشاعة القتل هي التي جعلت من العنف جزء من الثقافة والتراث والتاريخ الإسلامي. إنه نفس التراث الذي أنتج “الخوارج” و”القرامطة” بالأمس، و”القاعدة” و”طالبان” و”داعش” و”جبهة النصرة” و”بوكو حرام” وغيرها من التنظيمات الإرهابية التي تنشط في عالمنا اليوم.
والجواب على مثل هذه الثقافة المتجذرة في التراث والتاريخ، يأتي من خلال القدرة على إعادة النظر في أصولها، لخلخلتها وتفكيكها ونقدها بشجاعة وبدون ممالاة أو مجاملة لأية سلطة كيفما كانت دينية أو سياسية.
وكما كتب المفكر محمد عابد الجابري، في مجلده “نقد العقل العربي”، فإن عملية تجديد العقل العربي لا يمكن أن تتحقق بدون إعادة النظر في أصول الفقه الإسلامي، وذلك من خلال “تحويل العقيدة إلى مجرد رأي”، أي “فسح المجال لحرية التفكير، لحرية المغايرة والاختلاف، وبالتالي التحرر من سلطة الجماعة المُغلقة، دينية كانت أو حزبية أو إثنية، وبعث آليات جديدة للتعامل يُحركها “عقل اجتهادي نقدي” (من مجلد نقد العقل السياسي العربي) (9).
فالإسلام يعيش اليوم في أزمة حقيقية، والخروج من هذه الأزمة لا يمكن أن يحدث بمجرد ترديد مقولات جاهزة من قبيل بأنه دين يمثل ثقافة التسامح، فمثل هذه المقولات لا تخفي بين طياتها نفاق من يدفعون بها، وإنما هي مقولات عنصرية تريد أن تضع أصحاب هذا الدين فوق الجميع.
ولا يمكن تصور أي مخرج من ثقافة العنف السائدة حاليا بدون إحداث قطيعة مع الماضي، والتأسيس لدولة مدنية تقوم على ثقافة المساواة وليس على ثقافة التسامح، وعلى الفصل التام بين الدين والسياسة، وعلى تأسيس دولة القانون. فالعنف يظهر بقوة عندما يختفي القانون وتغيب العدالة.
علي أنوزلا
علي أنوزلا كاتب وصحفي من المغرب، مدير موقع “لكم. كوم” الذي منعته السلطات المغربية عام 2013، أسس ورأس تحرير عدة منابر صحفية ورقية. حاصل على جائزة “قادة من أجل الديمقراطية” 2013 من منظمة “بوميد” الأمريكية. اختارته منظمة “مراسلون بلا حدود” الفرنسية كأحد “أبطال الإعلام” في العالم عام 2014.
ــــ
الروابط التي تحيل على مراجع المقال:
https://archive.org/stream/Rodanf/Rodanf03#page/n21/mode/2up https://docs.google.com/file/d/0B7-qKwQtngv9OXZOQ0hzVW1nTEk/edit http://kingoflinks.net/Mkhalfoon/10Khalid/2Yanzo.htm http://library.islamweb.net/hadith/display_hbook.php?indexstartno=0&hflag=1&pid=43595&bk_no=82&startno=4 http://islamport.com/d/1/srh/1/49/1947.html https://docs.google.com/file/d/0B7-qKwQtngv9OXZOQ0hzVW1nTEk/edit http://uqu.edu.sa/page/ar/111364 https://archive.org/details/waq77829 http://telexpresse.com/fileattach/1354004084.pdf
تفكيك واستئصال موروث العنف من “سوبر ماركت” الفقه الإسلامي…ضرورة حضارية.