أزاميل/ متابعة: نشرت صفحات التواصل الاجتماعي وجهة نظر احد القياديين السابقين في حزب الدعوة الإسلامية في شخصية رئيس الوزراء حيدر العبادي ولأهميتها في تقديم صورة اولية عن شخصية رئيس وزراء العراق ندرج ادناه نصها الكامل.
سلـيم الـحـسـنـي حـول رئـيـس الـوزراء حــيدر الـعبـادي
حسب معرفتي الشخصية بالدكتور حيدر العبادي، فهو من طراز الأشخاص الذين يستغرقهم اختصاصهم الأكاديمي فيعممون ضوابطه وقواعده على الحياة كلها. إنه يعيش المجتمع والحزب والسياسة من خلال الهندسة، بقوانينها وقواعدها، فيتعامل مع المواقف والأحداث والأصدقاء والأعداء ومع المشاريع والمقترحات والتحديات والإجراءات على هذا الأساس. فتراه دائماً في عالم رقمي.. في ورشة تحركها قوانين الميكانيكا والكهربائية.. هي الحياة في نظرنا، وهي في نظره مكتب كبير تنتشر فيه المعادلات الرياضية والتشكيلات الهندسية وعليه ان يفكر ويتصرف بحسب أسسها وقواعدها.
في اول اجتماع أمني عقده بعد تشكيله الحكومة، طرح توجهاته السياسية والعسكرية وفق هذه الاعتبارات، فلقد تحدث عن التحالف الدولي لمحاربة داعش الذي شكلته الولايات المتحدة، وأعتبر ان انضمام السعودية وقطر والأردن وغيرها هو مكسب للعراق، مبرراً ذلك بأنه لو رفض دخول هذه الدول في التحالف، فانها ستكون مع تنظيم داعش، وعليه فمن الأفضل ان تكون مع العراق وليس ضده.
بهذه البساطة فهم السيد رئيس الوزراء مواقف الحكومات وارتباطها في منظومة السياسة المعقدة الخفية المحفوفة بالسرية والمصالح والوجوه المتعددة. لقد تعامل مع الموضوع على انه معادلة رياضية لحساب الأوزان، فما لم نضعها في كفتنا فانها ستكون في الكفة الأخرى، وبذلك نتحمل الخسارة. بهذا الفهم الميكانيكي اختصر العبادي الصراع الدولي والمصالح الإقليمية والسياسة الخارجية والجهود المخابراتية، فخرج بنتيجة مريحة سهلة، آمن بصحتها فاعتمدها ثم تركها تسير على تلقائيتها، لأن الكفة صارت لصالح الحكومة العراقية عددياً، فلا حاجة للقلق وإرهاق الأعصاب بما يفعله السياسيون من تحليل وتفكيك واستقصاء ومقارنات بعيدة عن عالمه الهندسي.
من حواراتي معه في فترات متفرقة، وجدت أن طيبة العبادي وبساطته تحجب عنه رؤية الآخرين على حقيقتهم، وتحول دون قدرته على معرفة توجهاتهم. إنه يعرف وجود نوايا دفينة وعقول شريرة وإرادات غاطسة عندهم.. ويعرف جيداً أن هناك مؤامرات ومخططات ودسائس، لكنه حين يواجه كل واحدة منها، فانه يطبق عليها منهجه الهندسي، فحين يسمع بتحرك أو مشروع من جهة مضادة او منافسة، فانه لا يدخل في اعماقه ويفكك حلقاته، إنما يضعه على مقاييسه الخاصة، وعندما لا يجد فيه خللاً ظاهراً يخالف عقائده الهندسية ومبادئه الرياضية، فانه يعتبره صحيحاً لا داعي للخوف والحذر منه. ولو حاول أحد أصدقائه أن يُقنعه بأن الصورة الظاهرية للمشروع المضاد تُخفي حقيقتها السرية، فانه لا يستطيع أن يقتنع بذلك، لأنك تُقدم له فرضية تقوم على التحليل، بينما هو يمسك بيديه القانون الرياضي الذي لا يقبل الخطأ.
في عام 1980 واجه حزب الدعوة الإسلامية مشكلة كبيرة أدت الى انشقاق حركة الدعوة الإسلامية عنه بزعامة الشهيد الأستاذ عز الدين سليم (أبو ياسين). قبل حدوث الانشقاق جرت المداولات الساخنة حول آلية اختيار قيادة الحزب، وانقسمت المواقف بين الإنتخاب وبين الإختيار، وكان الشيخ علي الكوراني يعارض الانتخابات، لكنه اقترح بأنه سيوافق على مبدأ الانتخاب فيما لو جرت عملية استفتاء لمعرفة رأي الدعاة في هذا الخلاف. وفي تلك الأجواء الساخنة حضر المداولات أعضاء التنظيم في بريطانيا وكان من بينهم الأخ حيدر العبادي. وفيما كانت الاجتماعات متلاحقة والآراء متضاربة، فانه التقط من بين كل هذا اللهيب المتصاعد، مفردة استفتاء الدعاة، فاعترض بأن ذلك لا يمكن ان يتم، بل هو إجراء مستحيل، لأن الاستفتاء يعني معرفة رأي كل داعية، فاذا تم استفتاء الموجودين حالياً وظهرت النتائج، فربما نكتشف لاحقاً بأن هناك داعية في مكان ما، لم يصله الاستفتاء وبذلك تصبح النتيجة باطلة.
كان ذلك قبل أكثر من ثلث قرن من توليه منصب رئاسة الوزراء، ولا يزال نفس التحفظ لديه وهو يتعامل مع مشروعه الإصلاحي، فعندما طلب في خطابه الشعب العراقي بمنحه التفويض لحل البرلمان وتعديل الدستور، وخرجت التظاهرات تمنحه ذلك، فانه لم يقتنع. لأن التفويض الذي يقصده العبادي هو أن يكون مدوناً مكتوباً وموقعاً ومصدقاً بشكل رسمي، لكي يتحول الى رقم عددي يمكن اعتماده في معادلاته الرياضية.
لن يشعر السيد العبادي بالندم بعد حين، عندما يخسر شعبيته وعندما يتحدث الجميع انه فرّط بالفرصة النادرة التي جاءته من قبل دعم المرجعية والشعب، من دون أن يُحسن استثمارها، فبدل ان يكون زعيمه التاريخي فانه تحول الى مرفوض تطالبه الجماهير بالرحيل.. لن يشعر السيد العبادي بالندم فيما لو واجه هذه النتيجة، لأن موقفه جاء على قواعد هندسية صحيحة برأيه، وعليه فان الخلل في عدم رؤية الآخرين للرسم الهندسي من كل الجهات.
ليس في شخصية العبادي مكان للتعقيد والإخفاء والإلتفاف، وحين يتهمه البعض بالتسويف والمماطلة، فأنهم يرمون براءته بتهمة ظالمة، فالعبادي لا يغدر ولا يخون ولا يتآمر، لكن خيطاً رفيعاً بين حالتين من حالاته هو الذي يوهم منافسيه ومراقبيه بأنه يضمر أمراً كبيراً، ويخفي مخططاً رهيباً، وما ذلك إلا بسبب تفكيره المكشوف.
فالعبادي نادراً ما يفكر مع نفسه لوحده، إنما يشرك الآخرين معه، فعندما تضعه الظروف أمام إتخاذ موقف، فانه يطرح الرأي ثم يضربه بآخر، فيسعفه رأياً ثالثاً مستجداً، لكنه يجد فيه ثغرة مخلة، فيحشوها بعذر عاجل، قبل أن يقذفه بحجة دامغة، فينهار البناء كله، ليبدأ من جديد، وهكذا يمضي الحوار والتفكير والنقاش. يفعل العبادي ذلك بصوت مسموع، فيظن محدثوه أنه يحتال عليهم أو يريد أن يرهقهم بالنقاش أو غير ذلك، بينما كان هو يفكر من أجل ان يصل الى نتيجة قاطعة.. أي أنه يفكر بصوت مسموع.
لقد دفع العبادي ثمناً مكلفاً باعتماد هذه الطريقة، فتعامل معه اخوانه واصدقاؤه في العمل السياسي على انه يعيش التردد في اتخاذ القرار، مما يضطره في بعض الحالات الى محاولة دفع هذه التهمة عنه، فيقدم على قرارات مفاجئة كما فعلها بقراراته الإصلاحية.
لكنه في اليوم التالي واجه مشكلة التنفيذ، وهنا صار عليه أن يلجأ الى قواعد الهندسة ومعادلات الرياضيات، فهي الكفيلة بإخراجه من مأزقه ومن ثم تحقيق طموحاته لينعم بها الشعب ويستقر فيها العراق.. فالشعب يريد القضاء على الفساد، ومن مظاهر الفساد هذا التضخم في المناصب والوزارات، وعليه فتقليصها سيقلل الفساد. ومن هنا اصدر حزمته بدمج بعض الوزارات ببعضها، وبذلك يتراجع العدد من 33 الى 22، والعدد الثاني اصغر من الأول، إذن فالنتيجة مضمونة.
عاتبته ذات يوم عن تقريب السيد نوري المالكي للبعثيين في مناصب حساسة، فدافع عنه بالقول انني عندما تسلمت وزارة الاتصالات، كان هناك احد الخبراء البعثيين، وكنت بحاجة الى خبرته، لذلك أستعنت به رغم ماضيه البعثي.
فأعترضتُ عليه بأن هذا الموظف البعثي ليس هو الوحيد في العراق، وأن في مجال الاتصالات الكثير من الخبرات المتخصصة وكان بامكانه الاستعانة بهم. فأجابني بعد برهة تفكير، نعم هذا صحيح. لقد قالها العبادي وكأنها كانت غائبة عنه، ثم استدرك قائلاً: ولكن هذا غير مضمون فربما يكون البديل أقل كفاءة. وقبل أن أعترض عليه، برقت في ذهنه فكرة مضادة قائلاً: ولكن كان يجب ان استعين ببديل لأن التجربة الزمنية ستكشف أيهما أفضل.
هكذا يفكر الدكتور حيدر العبادي، وللقارئ الكريم أن يحدد موقفه في التشاؤم او التفاؤل من اصلاحته.
وادناه نبذة عن سيرة العبادي الذي كان يشغل إلى جانب موقعه في مجلس النواب، منصب مسؤول المكتب السياسي في حزب الدعوة الإسلامية والمتحدث الرسمي باسمه.
وقد تولى العبادي هذا المنصب في حزب الدعوة خلفا لإبراهيم الجعفري، الذي تسببت أزمة إبعاده عن منصب رئيس الوزراء وترشيح رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي، في انشقاق حزب الدعوة وتشكيل الجعفري لتنظيم سياسي جديد سماه تيار الإصلاح الوطني.
وكان تدرج في المناصب داخل قيادة حزب الدعوة منذ انتمائه اليه 1967 وهو بعمر 15 عاما حسب سيرته الشخصية في صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
واصبح العبادي في 1979 عضوا القيادة التنفيذية لحزب الدعوة الإسلامية ، وكان مسؤولا عن تنظيماته في بريطانيا عام 1977.
والعبادي حاصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية من الجامعة التكنولوجية في بغداد، وشهادة الدكتوراة في الهندسة الإلكترونية من جامعة مانشستر عام 1980.
عاد العبادي إلى العراق بعد اسقاط نظام صدام حسين عام 2003 ، وانتخب 2006 عضوا في مجلس النواب عن مدينة بغداد.
عين العبادي في عام 2003 وزيرا للاتصالات في الحكومة العراقية المؤقته إبان فترة حكم مجلس الحكم في العراق.
وتولى العبادي منصب رئيس لجنة الإستثمار والإعمار في مجلس النواب، كما أصبح في عام 2005 مستشارا في لرئيس الوزراء وتولى عدد من الملفات مثل المنسق العام لمدينة تلعفر، ومهمة التنسيق مع الأمم المتحدة في شؤون المهجرين العراقيين.
دخل اسم العبادي فجأة كمرشح لرئاسة الوزراء اثر أزمة رفض الكتل السياسية لاعطاء ولاية ثالثة لرئيس الوزراء المنتهية ولايته المالكي، ورفض الكتل داخل التحالف الوطني، أمثال التيار الصدري وكتلة المواطن التي تمثل المجلس الاسلامي الأعلى لتقديم المالكي مرشحا عن التحالف لهذا المنصب.