نشرت صحيفة هافنجتون بوست، مقال رأي للدكتور سيريل بريت، أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس، الذي اعتبر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتصرف بانتهازية كبيرة مع المسلمين في داخل روسيا وفي الشرق الأوسط، من أجل خدمة مصالحه وزيادة نفوذه.
وترى أزاميل أن نتيجة هذا المقال وخلاصة رأي كاتبه لا تشكل مفاجأة كبيرة فمن الطبيعي ان يكون السياسي انتهازيا، كما هو حال جميع السياسيين في جميع الدول، ولا ندري فهل كان يجب عليه ان يكون عكس ذلك ام ماذا؟
كما ان التحليل بهذه الطريقة لن يقدم نتيجة تحليلية حقيقية لما يجري، وانما يقدم أشبه ما يكون بدعاية اعلامية مضادة، ليس البحث العملي الدقيق معني بها.
وقال الكاتب، في هذا المقال الذي ترجمته “عربي21″، إنه بينما كان بوتين يكثف من غاراته الجوية في روسيا ضد قوات المعارضة السنية والسكان، كان البطريرك كيريل في الكنيسة الأرثوذوكسية في موسكو يبارك هذا التدخل العسكري أمام الرأي العام، ويصفه بأنه حرب مقدسة تهدف إلى حماية المسيحيين في الشرق الأوسط من تطهير ديني يقوم به المسلمون، وهو ما اعتبره الكاتب حملة صليبية روسية في الشرق الأوسط تذكر بعهود سابقة.
وأكد الكاتب أن قوة التدخل الروسي في سوريا وكثافة الغارات الجوية، لا يمكن أن تحجب حقيقة أن المسلمين يمثلون جزءا مهما من روسيا خلال القرن المنقضي، إلا أن الرئيس الروسي يعتمد سياسة انتهازية وذات وجهين في تعامله مع المواطنين الروس المسلمين، البالغ عددهم 20 مليونا، ومع مسلمي الشرق الأوسط بشكل عام.
فقد اعتمد خلال خطاباته مزيجا من العدائية والنفاق بحسب ما تفرضه مستجدات الساحة السياسية الدولية، وأجنداته الخاصة في المشهد السياسي الداخلي، حيث إنه من جهة يعتبر أن الإسلام لا مكان له في روسيا، وهو ما أكده في عدة مناسبات من بينها خطابه أمام مجلس الدوما في الرابع من آب/ أغسطس 2013، ومن جهة أخرى ادعى في 30 آب/ أغسطس 2012 أنه يرى أن “الإسلام يعتبر اليوم جزءا لا يتجزأ من المجتمع والثقافة الروسية”.
كما اعتبر الكاتب أن بوتين يلعب اليوم على الانقسامات الطائفية في الشرق الأوسط، والانقسامات داخل المجتمع الروسي، من أجل تقوية سلطته وكسب الحلفاء في الشرق الأوسط والتلاعب بهم، وهو ما يمثل امتدادا للعلاقة بين روسيا والإسلام على مدى القرون الماضية.
وذكر الكاتب أن تاريخ علاقة روسيا بالإسلام تتعلق أساسا بالهوية الوطنية، التي تقوم على رفض التتار المسلمين الذين سيطروا على روسيا بين 1236 و1480، كما نأن امبراطورية القياصرة الروس قامت على أساس معاداة دولة الخلافة العثمانية والدول والشعوب الإسلامية في آسيا، والبلشفيون قاموا بتدمير عدد من المساجد، وستالين قام بطرد التتار، كما يعتبر الكثير من الروس أن انهيار الاتحاد السوفييتي جاء بسبب الهزيمة التي تجرعوها في مواجهة المجاهدين المسلمين في أفغانستان.
وأشار الكاتب من جهة أخرى إلى أن الإسلام يعد جزءا من النسيج الاجتماعي في روسيا، مثلما هو الحال للمسيحية الأرثوذوكسية. فقد بينت استطلاعات للرأي في سنة 2012 أن 41 في المئة من المواطنين الروس يعتبرون أنفسهم أرثوذكسا، بينما عرّف 15 في المئة منهم أنفسهم على أنهم مسلمون. ويعتبر الإسلام في روسيا علمانيا، وهو ليس نتيجة لهجرة من دول أخرى، حيث إن سكان تتارستان والفولغا والقوقاز هم مسلمون منذ وقت طويل، وهنالك سبعة آلاف مسجد في روسيا.
أما على المستوى الدولي، فقد ترسخت العلاقات بين روسيا والدول الإسلامية عبر التحالف الذي كان قائما مع مصر، ثم مع إيران ابتداء من ثورة 1979، ضد المملكة العربية السعودية.
واعتبر الكاتب أن بوتين، عبر سياسته الحالية، يعيد إحياء العلاقة المتوترة والمعقدة بين روسيا والإسلام، التي مرت بفترات حرجة خاصة مع حروب الشيشان بين 1994 و1996 وبين 1999 و2000، وموجة الهجمات التي تعرضت لها موسكو، على غرار الهجوم على المسرح في سنة 2012، ومدرسة البسلان في 2004، وهو ما أجج حينها مشاعر معاداة المسلمين، واليوم أيضا تسعى الكنيسة الأرثوذوكسية لإظهار الإسلام على أنه تهديد للهوية الروسية. أما على الصعيد الدولي، فإن التوتر بين روسيا والمجموعات المسلحة السنية في تزايد مستمر بسبب دعم موسكو لنظام الأسد، وسعيها للسيطرة على القوقاز.
وقال الكاتب إن روسيا لديها مصالح كثيرة مع الدول المسلمة على المستوى الجيوسياسي، وهي اليوم تعتبر الحاكم الفعلي لسوريا التي تحكمها عائلة الأسد منذ سنوات السبعينيات، كما تعد أيضا المزود الرئيسي ومحامي الجمهورية الإيرانية منذ سنة 1979، كما نجحت أيضا في الحفاظ على العلاقات مع مصر.
واعتبر الكاتب أن روسيا تفرق جيدا، حسب ما تمليه مصالحها، بين الأعداء المتشددين الإرهابيين، وبين الحلفاء المعتدلين، وهي تملك منذ سنة 2005 صفة العضو المراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي، وتسعى لتجاوز تبعات التوتر بينها وبين الدول السنية، عبر دعم إيران والنظامين السوري والمصري، لخلق توازن في المنطقة. أما في الشيشان فإن بوتين دخل في تحالف مع الرئيس المسلم رمضان قاديروف.
وفي الختام، اعتبر الكاتب أن تعقيد وغموض العلاقة بين فلاديمير بوتين والإسلام، لا يمكن أن تحجب الواقع، وهو أن رؤية بوتين محكومة بالمصالح، وموقفه من المسلمين يتغير بحسب الظرف، إذا ما كان بصدد تبرير التدخل في سوريا، أو التقرب من بعض الدول الأخرى في أوروبا الشرقية، أو أنه بصدد الإعداد لانتخابات سنة 2018.