في إعادة كتابة التاريخ الإسلامي ج3 الصحابة والمال / مجيد محمد / هذا يتناقض مع ما ورد في كتب التاريخ الإسلامي والتي تنطق بأن شطراً كبيراً من الصحابة تحول إلى قمة الهرم الاجتماعي البالغ الثراء ومن بين هؤلاء من لا يتوقع أحد أنهم كانوا كذلك ومنهم: عبد الله بن عمر، عبد الله بن مسعود، سعد بن أبي وقاص، خباب بن الأرث، وأسامة بن زيد، فمن هؤلاء من تملك إقطاعيات. أما عمران بن الحصين وأنس بن مالك والحسن بن علي وأبو هريرة ومحمد بن الحنفية وهو ابن لعلي بن أبي طالب غير شقيق للحسن والحسين وابن عباس وأبو قتادة فقد لبسوا مطارف الخز وجباب الخز وبرانس الخز والخز ما ينسج من الإبريسيم وهو أحسن الحرير.
في المحورين الأولين من دراستنا هذه تناولنا جانبين من جوانب الحياة وهما الجانب الاجتماعي والسياسي في الأولى (الصحابة والسب) وفي الثانية (الصحابة والقتل). أما في هذا المحور سنتناول الجانب الاقتصادي من حياة مجتمع الصحابة، والذي أحيط بهالة من التقديس المنقطع النظير، وسوّر بحصانة وحصافة لا يمكن تبريرها إلا من خلال ما هدفت إليه مؤسسة السلطة ومجموع المؤسسات الفقهية المتواطئة معها إن كان بدراية منها أم لم تكن، لطبع تلك المرحلة من التاريخ الإسلامي بطابعٍ من الأبهة والتبجيل حفاظاً على مكتسبات يمكن الإحاطة بها من خلال التحسر والتباكي على أيام فطاحلة المسلمين وسماحة حياتهم الاجتماعية والسياسية وحتى الاقتصادية، من أجل السيطرة على العقل المسلم البسيط، والتحكم بمكنونات نفسه، وإجباره على الركون والاستكانة لسلطة أمر الواقع والتي تحكم باسم الدين من خلال الإتجار بما لتلك المرحلة التاريخية من قداسة في نفس المسلم. لقد كانت الظروف المعاشية في مكة قاسية على أهلها باستثناء طبقة كبار التجار والمرابين والنخاسين، أما ما عداهم حتى من الأحرار فقد كانون يعيشون في جهد وفاقة وخاصة الموالي والرقيق والمهجّنين واللصقاء والزعانف وسائر المستضعفين فحدّث ولا حرج عن فقرهم وعوزهم وبؤسهم وحاجتهم ومذلّتهم، وقد كانوا يأكلون أردأ الطعام ويلبسون أخشن الثياب ويأوون في أحقر الأمكنة. وقد كان أتباع محمد من هذه النوعية الأخيرة وسماهم القرآن (الأراذل) وليس في ذلك غرابة، فقد كان أتباع ابراهيم وموسى وعيسى وهود وشعيب من هؤلاء أيضاً، ولما هاجر المسلمون من مكة إلى يثرب قاسمهم الأنصار (الأوس والخزرج) أموالهم بل أن البعض منهم تنازل عن إحدى زوجاته، لأن النازحين كانوا لا يملكون مهر المرأة ولا يقدرون على نفقتها ولأن وجود هذا العدد من العزّاب في أحياء الأنصار كان مثار ريبة وشك لأن المباضعة (التسوق) بالنسبة للزوجة في شبه الجزيرة العربية كانت طقساً يومياً والتسلية الوحيدة، لأنه كان مجتمعاً متخلفاً بدائياً ليس فيه من أوجه النشاط الفني والاجتماعي والرياضي ما يروّح عن النفس ويسليها. وقد التفت محمد لظاهرة نزوح عدد كبير من الصحابة وهو يحمل بين ساقيه عزوبته، فكان يشجعهم على الزواج فيقول لأحدهم التمس ولو خاتماً من الحديد وعندما يجد الصاحب مليطاً من خاتم الحديد يقول: اذهب فقد زوجتك إياها بما معك من القرآن. وكان ينصح بتخفيض المهور لأدنى حد، كل ذلك ليقضي على مشكلة عزوبة صحبه وبذلك يضرب عصفورين بحجر واحد:
وتؤكد كتب السير والدواوين والتاريخ والتراث الإسلامي حالة الفاقة والعوز التي كان عليها مجتمع الصحابة في بدايات تكونه ووردت فيها الكثير من الأمثلة على ذلك ونورد هنا بعض الأمثلة: – عن أسماء بنت أبي بكر قالت: تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح (الجمل الذي يُسقى عليه الماء) وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء وأخرز غربه (أخيط دلوه المصنوع من الجلد) وأعجن ولم أكن أحسن الخبز فكان يخبز جارات من الأنصار وكن نسوة صدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله على رأسي وهي على ثلثي فرسخ (الفرسخ ثلاثة أميال). – قال عبد الله بن عمر: كنت غلاماً شاباً عزباً فكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله. – كان بعض الأصحاب عديموا الكسب، لا حرفة ولا تجارة ولا زراعة لهم، فكانت زوجاتهم هنّ اللاتي تنفقنّ عليهم وعلى أولادهم وعلى البيت وكانت تعتبر ذلك صدقة تحتسب لها ولا يجد هو غضاضة في ذلك ومثل ذلك زينب زوج عبد الله بن مسعود. – وكان حال العوالي من الأصحاب لا يختلف عن حال باقي الأصحاب فروي عن علي بن أبي طالب أنه قال: لقد رأيتني على عهد الرسول أربط الحجر على بطني من شدة الجوع وإن صدقة مالي تبلغ اليوم أربعين ألفاً. لقد بات الأصحاب يحوزون الأموال الطائلة – وهناك وهم شائع بين الكثيرين أن ذلك كان قاصراً على عدد لا يصل إلى عدد أصابع اليد الواحدة ويأتي في مقدمتهم، عبد الرحمن بن عوف، طلحة بن عبيد الله، الزبير بن العوام، عثمان. وهذا يتناقض مع ما ورد في كتب التاريخ الإسلامي والتي تنطق بأن شطراً كبيراً من الصحابة تحول إلى قمة الهرم الاجتماعي البالغ الثراء ومن بين هؤلاء من لا يتوقع أحد أنهم كانوا كذلك ومنهم: عبد الله بن عمر، عبد الله بن مسعود، سعد بن أبي وقاص، خباب بن الأرث، وأسامة بن زيد، فمن هؤلاء من تملك إقطاعيات. أما عمران بن الحصين وأنس بن مالك والحسن بن علي وأبو هريرة ومحمد بن الحنفية وهو ابن لعلي بن أبي طالب غير شقيق للحسن والحسين وابن عباس وأبو قتادة فقد لبسوا مطارف الخز وجباب الخز وبرانس الخز والخز ما ينسج من الإبريسيم وهو أحسن الحرير. وهنا نأتي على أمثلة على أملاك وميراث عدداً من الصحابة الأجلاء والذين ساقت منظومة السلطة ومجاميع فقهاء السلطان أخباراً عن أنهم كانوا زاهدين متزهدين في الدنيا وما فيها من متاع وسلطان. – عمر بن العاص خلف عمرو من العين (الذهب) ثلاثمائة ألف دينار وخمسة وعشرين ألف دينار ومن الورق (الفضة) ألف درهم، وغلة مائتي ألف دينار بمصر وضيعته المعروفة بـ (الوهط) قيمتها عشرة آلاف ألف درهم. – علي بن أبي طالب مات علي بن أبي طالب عن أربع زوجات وتسع عشر أم ولد سوى الخدم والعبيد وتوفي عن أربعة وعشرين ولداً من ذكر وأنثى وترك لهم من العقار والضياع ما كانوا به أغنياء قومهم ومساتيرهم وهذا أمر مشهور لا يقدر على إنكاره من له أقل علم بالأخبار والآثار. وقد كانت كتب الآثار والسير قد أوردت أن علي بن أبي طالب كان يعمل بيديه بأجر زهيد وأنه كان يربط الحجر على بطنه من الجوع ولما بلغ فاطمة بنت محمد خبر عزم أبيها تزويجها منه اعترضت بحجة أنه فقير آل أبي طالب. – عبد الله بن مسعود روى يحيى بن آدم القرشي عن طريق حجاج عن قاسم بن عبد الرحمن قال: جاء دهقان إلى عبد الله بن مسعود فقال: اشتر من أرضي، فقال عبد الله: على أن تكفيني خراجها، قال نعم، فاشتراها منه. وقد أوردت كتب الآثار والسير أن عبد الله بن مسعود كانت زوجته تنفق عليه هو وأولاده من الزكاة (الصدقة) وأنها سألت في ذلك محمد فأجازه والآن نجده يشتري الضياع!!.
- زيد بن ثابت ذكر سعيد بن المسيب أن زيد بن ثابت حين مات خلّف من الذهب والفضة ما كان يُكسر بالفؤوس غير ما خلّف من الأموال والضياع بقيمة مائة ألف دينار. وزيد بن ثابت – أنصاري – ومعدود من علماء الصحابة – وقد عينه عثمان بن عفان في اللجنة التي انتدبها لجمع القرآن وكتابته في مصحف واحد وعيّن معه قرشيين وقال إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة (لهجة قريش) وقد اعترض عبد الله بن مسعود على اختيار زيد بن ثابت في اللجنة دونه هو لأنه كان يحفظ شطراً من القرآن وكان ابن ثابت ما زال في صلب أبيه الكافر!
- عبد الله بن العباس بن عبد المطلب حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن قال: جاء رجل إلى ابن العباس فقال: أتقبل منك الأبُلّة بمائة ألف قال فضربه مائة. والقبالة تعني الضمانة أي أن الرجل قد ضمن الضيعة لابن العباس على أن يدفع له مائة ألف دينار أو درهم مقابل أن يتولى هو أمر الضيعة التي تطل على نهر الأبلة مباشرة، ولكن هذا العرض لم يُرق في عين ابن عباس فرفضه ولم يكتف بذلك، بل أمر بالرجل فُضرب مائة سوط وعقوبة أخرى لم تذكر تفاصيلها لبشاعتها. وهذا إن دل فهو يدل على أن أكابر الصحابة قد تحولوا إلى مشرعين فوق القانون (القرآن والسنة) لأن ما جاء به الرجل لم يكن يستدعي أن يوقع ابن العباس به هذا العقاب ولكن هذا يؤكد ما ذهبت إليه كتب السير والدواوين والآثار إلى أن الصحابة الكبار قد شكلوا طبقة متميزة عن سائر المسلمين ومن هؤلاء حبر الأمة ابن العباس والذي يعلم في قرارة نفسه أن الرجل لم يخطئ ولم يتجنى عليه ليُنزل به العقوبة تلك.
- سعد بن أبي وقاص يذكر المسعودي في مروج الذهب أن سعد بن أبي وقاص بنى داره بالعقيق فرفع سمكها ووسع فضاءها وجعل أعلاها شرفات وقد كان يقال أيضاً (قصر سعد). والعقيق من أطيب أحياء المدينة، ومن المعروف أن سعداً لم يكن لديه ما يقتات به سوى شجر العضاء أو الشوك. والمعلوم أن القصور تحتاج إلى إماء وعبيد وخدم يقومون بشؤونه ويرعون سيده، وسعد من العشرة المبشرين بالجنة وهو بذلك جمع بين الحسنيين: بُلهنية الدنيا ولذائذ الجنة التي لا تخطر على قلب بشر.
- يعلى بن أمية التميمي وهو من الصحابة تميمي حنظلي يُكنى أبا خالد، أسلم يوم الفتح وشهد حنيناً والطائف وتبوك ومن رواة الحديث وتزوج بنت الزبير وبنت أبي لهب، وتنقل بين أقطاب الصراع الذي اندلع بين الأمويين والعلويين بسبب من نظرته البراجماتية وكان حاضراً في موقعة الجمل،ويذكر المسعودي أنه قد مات مخلّفاً وراءه: خمسمائة ألف دينار، وديوناً على الناس وعقارات وغير ذلك من التركة ما قيمته ثلاثمائة ألف دينار
- أنس بن مالك بن النضر أنس بن مالك أنصاري خزرجي من بني النجار – قدمته أمه وهو صبي ليخدم محمد بعد وصوله يثرب وخدمه عشر سنوات ولذلك حمل لقلب الخادم “خادم محمد” وهو من ألقاب التشريف في مجتمع الصحابة. وهذه النشأة تدل على الفقر ولكن عندما تغيرت الأحوال وتاريخه يؤهله لأن يغدو من بين القابعين على رأس الهرم الاجتماعي كان حتمياً أن ينال نصيبه الوفير من الفرصة الاقتصادية الجديدة (ويذكر ابن الأثير في أسد الغابة، أنه آخر من توفي بالبصرة من الصحابة وكان موته بقصره بالطف ودفن هناك على فرسخين من البصرة). وكما تحول الكثير من الصحابة من طبقة الموالي إلى طبقة الأغنياء والأثرياء فقد تحول أنس بن مالك بن النضر من طبقة الخدم إلى طبقة أصحاب القصور التي تقع في أجمل البقاع. ويصرّح أنس بذلك: قال أنس: إني لمن أكثر الأنصار مالاً وولداً (الاستيعاب لابن عبد البر). الصحابة بالغو الثراء عبد الرحمن بن عوف كان محمد يقول له كلما لقيه (لن تدخل الجنة إلا زحفاً يا ابن عوف) وفي رواية أخرى إلا حبواً، وقد شهدت عائشة بذلك، وكل هذا ولم يكن ابن عوف قد أخذ نصيبه من غنائم بلاد الفتح المبارك، ولشدة ترفه أعطاه محمد رخصة لبس الحرير دون رجال أمته حتى الذين يجيئون من بعده إلى يوم القيامة وقد أراد أن يمدّ هذا الاستثناء إلى بنيه ولكن عمر بن الخطاب زبره زبراً شديداً. وقد كان يلبس الحلة التي تساوي أربعمائة أو خمسمائة بينما كان علي يبحث في السوق عن قميص يصلح للبس بثلاث دراهم. علماً أن ابن عوف عندما هاجر من مكة إلى يثرب كان على رتبة (اللهم لبيك). يذكر اليعقوبي أن تركة ابن عوف من المال السائل كانت مليونين وثلثي مليون دنيار. وقد تزوج ابن عوف عشرين إمرأة منهن خمس أمهات ولد والباقيات حرائر مع الحرص على الاقتصار على أربع فحسب في العصمة – وكان زواج الشخص من عشر زوجات قبل الإسلام دليلاً على الثراء الفاحش. وتركة ابن عوف ذكرتها كتب الأخبار واختلفت فيها خلّف ألف بعير وثلاثة آلاف شاة ومائة فرس ترعى بالبقيع وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحاً فكان يدخل قوت أهله سنة، وهذه تركته في يثرب لأن البقيع والجرف مكانان في يثرب. وخلّف مالاً عظيماً ذهب قطّع بالفؤوس حتى محلت (ظهر بها بثور) أيدي الرجال منه.
- الزبير بن العوام يؤكد ابن البر في الاستيعاب أنه كان للزبير ألف مملوك يؤدون إليه الخراج فما كان يدخل بيته درهماً واحداً يعني أنه كان يتصدق بذلك كله. فالزبير الذي لم يكن يجد ما يقتات به أصبح يعمل لديه ألف مملوك يعملون ويكدون ويسلمونه حصيلة شقائهم وهو لا يبقي منه درهماً فيتصدق به كله. وتقول أم درّة أن الزبير بعث إلى عائشة بغرارتين تبلغ ثمانين ومائة ألف درهم. وكانت له دورٌ كثيرة يصعب إحصاؤها باع أحدها بستمائة ألف (عن جويرة قالت: باع الزبير داراً بستمائة ألف – فقيل له يا أبا عبد الله غُبنت، قال: كلا والله لتعلمن أني لم أغبن فهي في سبيل الله). وقد ورد أنه أسلف عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ألف ألف (مليون) درهم فكم كانت تبلغ ثروته حين ذاك وهو يُقرض مليون درهم. والقائمة تطول كطلحة بن عبيد الله وعثمان بن عفان وعمر بن الخطاب … إلخ. \خاص ألف\ المراجع: عبد الكريم، خليل: شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة (الصحابة والصحابة)،1997، دار سينا للنشر، القاهرة، مصر 1- أن يزيل القلق من نفوس اليثاربة على بيوتهم وينزع منهم فتيل الشك والاضطراب. 2- أن يتفرغ هؤلاء وأولئك بعد أن يكون الأولون قد استراح بالهم بالنكاح والتنفيس عن العزبة بإتيان طقس التسلية الوحيدة اليومي، والأخيرون بالطمأنينة على ثقلهم إذا استنفروا للخروج، ويتفرغ هؤلاء وأولئك معاً إلى أداء المهام القتالية التي يكلفون بها في الغزوات والسرايا والفرق الخاصة، وذلك لنشر الدين ولتأسيس دولة قريش.
كلمات مفتاحية
خليل عبد الكريم، شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة، السلف الصالح، العقل الاسلامي، الصالحين، أصحاب الرسول، تاريخ صدر الاسلام، الايديولوجيا السنية، التراث الاسلامي، الاقتصاد الاقطاعي، علم الاقتصاد الحديث، ايديولوجية الطبقة الحاكمة، الديموقراطية، العقلانية، ماكس فيبر، الابتهال الى الله، الوعي التاريخي، المؤرخ العربي، التاريخ العباسي، السلجوقية، صدر الاسلام، الجاهلية، عرب الجاهلية، عمرو بن هشام، عمر بن الخطاب، ابو جهل، معاوية، ابو سفيان، عمرو بن العاص،قبيلة بني ثقيف، ابن خلدون، السنّة النبوية، صحيح البخاري، الصحاح الستة، موطأ مالك، سنن البيهقي، الدولة القرشية، تفسير القرآن، كتب أصول الفقه، أسد الغابة في معرفة الصحابة، محمد أركون، عصر المعتزلة