كتاب رحلة إلى قلب الإلحاد، الجزء الثاني: ثمار الإلحاد – أ. حلمي القمص يعقوب
51- ماذا رأى المُلحدون في الدين؟
ج: رأى المُلحدون في الدين أنه يُسكّن آلام الشعوب ويخدعها، فتخضع لرجال الدين والحكام أملًا في الملكوت السماوي.
فالدين في نظرهم هو أفيون الشعوب الذي يُغيّب هذه الشعوب عن وعيها، والدين هو المسئول عن الصراعات التي تنشأ بين الشعوب.
ولو لم يكن هناك دينًا لعاش العالم بصورة أفضل، وأن الدين يؤدي للاستسلام للأمر الواقع ويوقف استخدام العقل، فكل ما هو مجهول أو غير مُرضي ينسبه الإنسان لله.
وقال المُلحدون أن الإنسان الذي يعاني في هذه الحياة يتوَّهم أن هناك إلهًا في السماء يتصرف في كافة الأمور، فليس على الإنسان إلاَّ الاستسلام له حتى ينجو من عذابه، وحتى ينال ملكوته الآتي.
ويصور “جورج كارلتن” هذا الإله الذي يعذب الناس بالنار الأبدية، فالذين يؤمنون به يتصوَّرونه شخصًا مختفيًّا يعيش في السماء ويراقب كل واحد في كل لحظة من كل يوم.
وأنه يُنهي عن مخالفته، فمن يخالفه يتعرض للعقوبة في مكان خاص ملئ بالنار والدخان والحريق، فيتعذب هناك ويعاني ويحترق ويختنق ويصيح ويصرخ إلى أبد الآبدين.
ومع هذا فإن هذا الإله يحب الإنسان (راجع ريتشارد دوكنز – وهم الإله ص 130).
ماركس: الدين هروب وتغرب
وقال ” كارل ماركس ” أن الدين هو ” تغرُّب الإنسان بالهروب إلى ما يُسمى إله” أي أنه يرى الدين هروب من الواقع.
وقال عن الدين أيضًا “ هو قلب عالم لا قلب له. إنه فكر من لا فكر له. أنه أفيون الشعوب.. من يحدثني عن الله يريد أن يسلبني مالي وحياتي” (120).
فهو يرى أن الذي يؤمن بالدين يصير مثل إنسان بلا قلب نابض وبلا عقل يفكر، وأن رجال الدين هم الذين اخترعوا الدين لسلب أموال الرعية.
الدين يحول الطيب إلى شرير
وقال المُلحدون أن الحكام هم المستفيدون من الدين، لأن الدين يسهل الهيمنة والسيطرة على عقول الناس، فمن يخالف الحاكم أو رجل الدين، فأنه يخالف الله المتصرّف والمُتحكّم في شئون هذه الحياة.
ومن يخالف الله سيلقى حتفه في النار الأبدية، فالدين يؤدي للخضوع للحكام الجبابرة الدكتاتوريين، والدين يمثل بيئة جيدة يرتع فيها الحاكم المستبد.
وهذا ما قال به ” نابليون بونابرت ” أن “ الدين شيء ممتاز لإبقاء العامة من الناس هادئين”
كما قال الفيلسوف ” سينيكا ” أن ” الدين من قِبل العامة يعتبر حقيقيًا، ومن قِبل الحكماء كاذبًا، ومن قِبل الحكام مفيدًا”
بل وربط البعض بين الدين والشر فقال ” أستيفن واينبرغ ” الأمريكي الذي حصل على جائزة نوبل “الدين إهانة لكرامة البشر، معه وبدونه، هناك طيبون يفعلون الخير وسيئون يفعلون الشر، ولكن لتجعل الطيبين يفعلون الشر فأنك تحتاج للدين”
كما يقول “بليز باسكال”: “لا يقترف الإنسان عملًا شريرًا بسرور وبشكل كامل إلاَّ إذا فعلها بسبب قناعة دينية” .
الدين يوقف عقل الإنسان
فكل سؤال عن أمر مجهول سنجد إجابته “هو الله”، وقالوا لو وضعنا لافتة ” الله ” أمام كل شيء نجهله فما كنا سنكتشف شيء على الإطلاق.
ويقول “ريتشارد دوكنز“: “لماذا يعتبر الله شرحًا لكل شيء؟ هو ليس شرحًا – بل بالأحرى هو فشل في الشرح.. هو عبارة ” لا أعرف ” متنكرة بالروحانيات والطقوس”
ويرى ” برناردشو ” أن السعادة التي يهبها الدين هي سعادة وهمية، مثل سعادة الرجل السكران، فيقول “الواقع بأن المتدين أسعد من المشكوُّك (الإنسان الذي يشك في وجود الله أي المُلحد) لا يتعدى كونه أكثر من أن السكران أسعد من الصاحي” .
ولذلك جندَّت الشيوعية جميع وسائل الإعلام لسحق الإيمان بالدين، وكتبت مجلتهم ” العلم والدين ” تقول “الدين مناوئ للشيوعية. إنه يعاديها.
إن برنامج الحزب الشيوعي يحتوي على ضربة قاضية للدين. أنه برنامج يسعى إلى خلق مجتمع إلحادي حيث ينتهي فيه الإنسان من عبودية الدين مرة وإلى الأبد” .
كما قال المُلحدون أن الدين هو الذي أنشأ الصراعات في العالم بين البروتستانت والكاثوليك في أيرلندا الشمالية، وبين الهندوس والمسلمين في الهند، مما تسبب في قتل مئات الألوف وتشتت الملايين، وبين المسلمين والمسيحيين كما حدث في مبنى التجارة بأمريكا في 11 سبتمبر 2001م.
وكذلك تفجيرات لندن ومدريد طمعًا في الجنة (راجع ريتشارد دوكنز – وهم الإله ص 121، 140 – 143) كما يقول “ريتشارد دوكنز “.
أيضًا ” تخيل.. عالمًا بلا دين، لا انتحاريين، لا حملات صليبية، لا مؤامرة بارود، لا تقسيم للهند، لا حرب فلسطينية إسرائيلية، لا مذابح صرب – كروات – إسلام، لا اضطهاد لليهود كونهم ” قتلة المسيح ” لا مشاكل في شمال أيرلندا.
لا ” جرائم شرف”، لا إنجيلي بهندام لامع على التليفزيون الأمريكي يجز أموال السذج. تخيل أنه لا وجود لطالبان ليفجّروا تماثيل أثرية.
لا قطع للرؤس بشكل علني، ولا سوط على جلد أنثى لأن أحدًا رأى بوصة منها” .
الرد على رهان باسكال
وعندما قال ” باسكال ” مهما ضعفت الدلائل التي تشير إلى وجود الله، فأنه من الأفضل للإنسان أن يؤمن بالله.
فإن كان الله موجودًا فالإنسان سيستريح في الأبدية، وإن لم يكن موجودًا فالإنسان لن يخسر شيئًا.
هاجمه المُلحدون قائلين أن هذا الإيمان بإله مشكوك في وجوده لا يعد إيمانًا، بل يعد مضيعة لوقت الإنسان الثمين وتضحية لا مبرر لها.
ملاحظاتنا
1- الدين يمنح النفس سلامًا وهدوءًا، ولا يُغيّب الإنسان عن الواقع الذي يعيشه، والإنسان المسيحي دائمًا أمينًا في عمله، ودائمًا يحاول أن يعمل الأفضل ويعمل الخير، وبهذا فهو يسعى دائمًا لتحسين الواقع بدون استخدام العنف.
ونظرة إلى المجتمع المسيحي الأول لنرى كيف تغيَّرت أخلاق الوثنيين الشرسة وعباداتهم المرذولة المرتبطة بالزنا، وتقديم الذبائح البشرية إلى مجتمع مثالي تتجلى فيه كافة الفضائل المسيحي.
2- يجب أن نفرق بين مبادئ الدين وتصرفات الأشخاص، فإذا كان الإلحاديون يدينون الحملات الصليبية، أو الصراعالبروتستانتي الكاثوليكي أو غيرهما فكل هذه أخطاء لأشخاص لا يصح أبدًا احتسابها على الدين.
هل حمل السيد المسيح سيفًا أو طلب من أتباعه أن يحملوا سيوفًا يطيحون بها الرقاب؟!! كلاَّ.
هل هناك مبادئ للقسوة والعنف في الدين المسيحي..؟ كلاَّ، ويكفي أن يطَّلع المتشكك على الموعظة على الجبل ليدرك على الفور مدى سمو مبادئ الدين.
أما الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فهو ليس على الإطلاق بسبب الدين، فإن اليهود كانوا يعيشون في فلسطين والشرق الأوسط ومصر جنبًا إلى جنب مع المسيحيين والمسلمين، إنما هذا صراع على أرض مغتصبة قد أغتصبها العدو الإسرائيلي من أصحابها، وأذلوهم وأذاقوهم المرار.
وعن اضطهاد اليهود لأنهم قتلوا المسيح، فهذا لم يحدث منذ صلب المسيح وموته وقيامته وحتى القرن العشرين من المسيحيين الأتقياء، بل ما حدث هو العكس إذ أضطهد اليهود الكنيسة الأولى منذ نشأتها، وما حدث من اضطهاد لليهود في ألمانيا هو وليد النازية وليس وليد المسيحية.
وما فعله هتلر باليهود كان يبرّره بآيات إنجيلية، وفي الحقيقة كان هذا نتيجة صراع سياسي بين السامية والآرية، واقتناعا بالنظرية الداروينية في البقاء للأصلح.. وهلم جرا.
3- من يريد أن يعرف عن الدين المسيحي ليرجع للكتاب المقدَّس، وتاريخ الكنيسة ليدرك مدى سمو تلك المبادئ، ومدى قداسة تلك الحياة المسيحية، ويكفي أن نذكر هنا جزءًا من خطاب أحد الفلاسفة المسيحيين (أرستيدس) في القرن الثاني الميلادي للإمبراطور هدريان حيث يقول “أن المسيحيين على الرغم من الاضطهادات التي تقع عليهم، يتجهون إلى أعدائهم بروح المحبة، مقدمين لهم النصح، فيتحولون إلى أصدقاء.. أنهم يقابلون الإساءة بالإحسان. أما زوجاتهم، أيها الملك، فهن في عفاف العذارى.. وهم لا يسجدون لإله آخر غير الله، ويحيون حياتهم في ملء الاتضاع والوداعة. أما الغش والخداع فلا مكان له في حياتهم، وهم يحبون بعضهم بعضًا، ويشتركون في احتياجات الأرامل والمحتاجين منقذين اليتامى من أيدي الظالمين، وهم في إحسانهم يعطون دون افتخار، وحينما يلتقون بإنسان غريب، يصطحبونه إلى بيوتهم بروح الفرح والكرم.. أنهم كأناس يخافون الله، يطلبون منه الطلبات التي يثقون بأنه يجيبها وأنها تتفق مع إرادته، ولأنهم يعرفون طيبة الإله الصالح من نحوهم، فإن حياتهم تفيض بكل الجمال الذي يزين هذا الوجود، والصلاح الذي يفعلونه لا يبوقون بالبوق منادين به في الأسواق حتى يراهم الناس، ولكنهم يخفون حسناتهم ويفعلونها في السر، كمن يخفي كنزًا ثمينًا. وهم يبذلون جهدهم ليحيوا حياته بلا لوم كمن هم عتيدون أن ينظروا وجه مسيحهم، وينالوا منه المواعيد..” .
4- لم يحدث قط أن الدين المسيحي كان ضد العقل، ولم يحدث قط أنه أوقف استخدام العقل، بل أن هناك عددًا ليس بالقليل من العلماء كانوا من رجال الدين مثل كوبرنيكوس، ومندل وغيرهما الكثير، ومعظم العلماء الذين كشفوا عن حقائق علمية جبارة كانوا يؤمنون بالله، ولنا عودة لهذا الموضوع في إجابة السؤال القادم.
5- لولا صحة الدين المسيحي ما كان الآلاف والملايين يسلمون حياتهم للموت من أجل إيمانهم، فالتضحية بالدم هي أعظم أنواع التضحيات، وهذا ما فعله الشهداء، إذ قدموا حياتهم رخيصة على مذبح الإيمان، فقد تمسكوا بإيمانهم ولم يتمسكوا بحياتهم الأرضية، وقد آزرتهم السماء وأشرق الله عليهم بقبس من نوره، وأرسل لهم ملائكته يعضدونهم، فجازوا في الماء والنار منتصرين، ووصلوا إلى فردوس الفرح متهللين، إذ وجدوا ما يقدمونه لعريسهم السماوي، حياتهم كل حياتهم. أما الإنسان الشيوعي فلن تجد لديه الدافع أن يبذل نفسه من أجل عقيدته الإلحادية، إنما هو يعلم أن حياته الأرضية هي كل رأس ماله، وكل ما يملكه إذ لا رجاء له في الحياة الأبدية.
في إحدى المرات ذهب ضابط ليقابل قسًا في هنغاريا بمفرده، فلما اقتاده هذا القس إلى غرفة وأغلق الباب، ألتفت الضابط للصليب المُعلَّق على الجدار وقال للقس محتَّدًا ” إنك تعلم أن هذا الصليب هو كذب وبُهتان، فهو ليس أكثر من مجرد خدعة تستخدمونها أنتم أيها القسوس لتغشوا هذا الشعب المسكين.. اعترف لي أنك لم تؤمن يومًا أن يسوع المسيح هو ابن الله الحي” .
فابتسم القس وقال: أنا أؤمن بأن يسوع المسيح هو ابن الله الحي أيها الشاب المسكين، فهذه هي الحقيقة، وصرخ الضابط وقد صوَّب مسدسه نحو القس قائلًا: إن لم تعترف لي أن هذا كذب لسوف أطلق عليك النار.
القس: أنا لا أستطيع أن أعترف بذلك لأنه غير صحيح، فربنا يسوع المسيح هو ابن الله بالحق والصدق.
فألقى الضابط بمسدسه على الأرض وأحتضن القس والدموع تترقرق في عينيه قائلًا ” هذا هو عين الحق والصواب. هذا هو الصدق، فأنا أيضًا أؤمن بذلك، ولكنني كنتُ مُتشكّكًا فيما إذا كان الناس مستعدين أن يستشهدوا في سبيل إيمانهم هذا. إلى أن تحققت من ذلك بنفسي. آه، إنني لشاكر لك، فقد قويت إيماني، والآن فأنا أستطيع أن أموت من أجل المسيح، فقد أريتني كيف يمكن أن يكون ذلك” .
6- لقد تجسَّمت وصايا الإنجيل في المسيحيين الأمناء الذين تحملوا الاضطهادات المريرة من جلاديهم، والأمر المُدهش أنهم لم يكرهونهم ولم يبغضونهم ولم يصبوا عليهم اللعنات، إنما كانوا يحبونهم من كل قلوبهم، ويودون خلاصهم، ويغفرون لهم كما غفر السيد المسيح له المجد لصالبيه، ويقول “ريتشار وورمبلاند ” الذي ذاق العذابات المُرة في المعتقلات ” ومع أنني أمقت النظام الشيوعي مقتًا شديدًا فأنا أحب الشيوعيين أنفسهم. أجل، أنني أحبهم من كل قلبي، ومع أن الشيوعيون يستطيعون أن يفتكوا بالمسيحيين، غير أنهم ليس بإمكانهم أن يقتلوا محبتهم نحو قاتليهم. فليست لدي أية مرارة أو ضيق نحو الشيوعيين أو نحو الذين عذبوني” .. كما يقول أيضًا ” قابلت مؤمنين حقيقيين في سجون شيوعية مُثقَّلة أرجلهم بسلاسل حديدية يزيد وزنها على خمسة وعشرين كيلوغرامًا، مُعذَبين بأسياخ حديدية محمأة بالنار، مُرغمين على ابتلاع كميات من الملح دون أن يُقدم لهم الماء فيما بعد، جياعًا مجلودين ومتألمين من البرد، ولكن بذات الوقت كانوا يصلون بحرارة من أجل معذبيهم الشيوعيين. هذا ما لا يمكن للعقل البشري أن يُفسره، فهو محبة المسيح التي انسكبت في قلوبنا بالروح القدس” .
وعندما سُمح لأحد المحكوم عليهم بالإعدام، بمقابلة زوجته، قبل تنفيذ الحكم قال لها ” عليك أن تعرفي يازوجتي العزيزة أنني أحب قاتليَّ، فهم لا يعلمون ماذا يفعلون، وطلبي إليك أن تحبيهم أنت أيضًا. لا تسمحي للمرارة أن تستقر في قلبك ضدهم باعتبارهم سفاحي زوجك المحبوب” .
7- من الأمور التي توضح حقيقة العقيدة المسيحية، أن الذين أضطهدهم الشيوعيون لم يكفوا عن الكرازة لهم، بل كانوا يتفننون في كيفية توصل كلمة الله لهم، فكان ” ريتشار وورمبلاند ” يرسل ابنه الصبي ” ميهاي ” مع بعض رفاقه إلى الجنود الروس المنتشرين في شوارع وحدائق رومانيا، ويسلمونهم سرًّا بعض الأجزاء من الأسفار المقدَّسة، وهؤلاء الجنود الذين طالما حُرموا من أولادهم لسنين طويلة بسبب انشغالهم بالحروب، كانوا يفرحون بهؤلاء الأولاد ويأخذون منهم البشائر ويقدمون لهم الحلوى، وبواسطة هذه الطريقة عرف عدد كبير من الجنود المُلحدين الله وآمنوا به. وفي عيد استشهادبطرس وبولس الرسولين شق ” ريتشار ” طريقه إلى المعسكر الروسي بحجة شراء بعض الساعات من الجنود الروس، فالتف حوله بعض الجنود يعرضون ما معهم من ساعات، فأخذ يتعلل: هذه باهظة الثمن، وهذه صغيرة، وتلك كبيرة. ثم سألهم بنوع من المزاح: من منكم اسمه بطرس أو بولس؟ فوجد منهم من تسمى بهذا الاسم أو ذاك، فقال لهم: هل تعلمون من هو بطرس أو بولس؟ فأجابوه بالنفي، فأخذ يقص عليهم.. فقال أحدهم: أنتَ لم تأتِ من أجل الساعات بل من أجل البشارة بالمسيح، وهؤلاء الجنود محل ثقة، فاستمر في حديثك، وإذا أقبل أحد الجنود غير الموثوق فيهم سأضع يدي على ركبتي فتتحدث عن الساعات، حتى إذا ذهب هذا الشخص ورفعت يدي، يمكنك أن تستكمل حديثك، وتكررت اللقاءات حتى آمنوا (راجع العذاب الأحمر ص 22، 23).
ورغم أنه كان غالبًا عضوًا من كل أسرة من أهل رومانيا يُلقى في غياهب السجون يلاقي الأهوال، ولا يعرفون عنه شيئًا، ورغم ضيق يد المؤمنين الذي حافظوا على إيمانهم سرًّا، فإن الكارزين بالمسيح كانوا يقفون في الشوارع يرنمون ويعظون، وقبل أن تصلهم الشرطة كانوا يختفون عن الأنظار، وكان البعض يجاهر بإيمانه متحملًا تبعة ذلك من عذابات تصل إلى حد الموت.
ففي إحدى المرات أندفع شخصان نحو رئيس الحكومة “جورجيو جيوديج ” وشهدا أمامه عن المسيح، فأمر بالزج بهما في السجن، ولكن شهادتهما أثمرت لأن جورجيو وهو في نهاية حياته طريح الفراش عاد للإيمان بالمسيح.
وكان المؤمنون يطبعون النبذات التي تحمل صور كارل ماركس، وتحت عنوان ” الدين أفيون الشعوب ” وعلى الصفحات الأولى اقتباسات عن ماركس ولينين وستالين، ثم تحمل الصفحات التالية رسالة الخلاص، وطالما قاموا ببيع هذه النبذات وسط المظاهرات الشيوعية واختفوا عن الأنظار قبل القبض عليهم.
وكان ثمن كرازة السجين لزملائه الضرب المُبرح، وفرح الكارزون السجناء بالكرازة، وفرح الشيوعيون بضربهم، فكان صفقة متعادلة بين الطرفين، فأحد الأشخاص ضبطوه يكرز لزملائه فلم يدعوه يستكمل جملته، وحملوه إلى غرفة الضرب، ثم أعادوه مرضضًا داميًا.
وما أن أستعاد قدرته على الكلام حتى أكمل جملته وحديثه لزملائه الذين التفوا حوله، ورأوا فيه صلابة الإيمان المسيحي (راجع العذاب الأحمر ص 53).
وتحوَّل المؤمنون الأحرار إلى كارزين في الخفاء، ويقول “ريتشار وورمبلاند”: “تعترف الصحف الشيوعية أن الجزارين يضعون النشرات المسيحية ضمن الأوراق التي يلفُّون بها اللحوم المُباعة (للمؤمنين) وكذلك تعترف الصحافة الروسية بأن المؤمنين العاملين في دور النشر الشيوعية، يعودون إلى مطابعهم في الليل لطبع ألوف النشرات المسيحية، ثم يغلقونها مرة أخرى قبل شروق الشمس.
وتعترف الصحافة الروسية أيضًا أن بعض الأولاد قد حصلوا على أجزاء من الإنجيل.. ووضعوها في جيوب معاطف أساتذتهم المعلَّقة في غرف المعاطف في المدرسة، فجميع أعضاء الكنيسة من رجال ونساء وأولاد هم إرسالية عظيمة، أشداء، نشيطون ورابحون للنفوس في كل بلد شيوعي” (135).
وهكذا كانت الكنيسة قوية في هذه الظروف الرهيبة، فيقول “ريتشار وورمبلاند“: “ومع أن الكنيسة السرية في البلاد الشيوعية فقيرة ومتألمة، لكنها لا تضم أعضاء فاترين.
وأن اجتماعا دينيًا فيها لأشبه باجتماع في تاريخ الكنيسة الأولى في القرن الأول، فالواعظ لا يجيد العلوم اللاهوتية.. الآيات الكتابية غير معروفة كما يجب في البلدان الشيوعية، لأنك قلَّ ما تجد كتابًا مقدَّسًا فيها.
أضف إلى هذا كلمة، فقد يكون الواعظ رجلًا قضى سنين عديدة في السجن بلا كتاب مقدَّس” (136).
والأمر الجميل أنهم كانوا يصلون في الغابات المنعزلة، ويصف ” ريتشار ” هذه اللحظات فيقول “لقد أُستبدلت زقزقة الطيور الجميلة موسيقى الأرغن، وكان شذا الورود العطرة بخورًا لنا.
وكانت شموعنا متمثلة بالقمر والنجوم التي أضاءتها الملائكة. إنني أعجز عن وصف هذه الكنيسة وجمالها، وكم من مرة أُلقي القبض على المؤمنين بعد اجتماع سري وزجُوا في السجن!
وهنا يتقلد المؤمنون السلاسل الحديدية على أعناقهم بسرور كما تتقلد العروس حليها الجميلة والمُقدَّمة لها من حبيبها.كما أنك تحصل في السجن على قُبلات يسوع وعناقه، فلا تستبدل مكانك بقصور الملوك، والحق يُقال فأنا لم أجد مؤمنين سعداء بالحق إلاَّ فيالكتاب المقدَّس وفي الكنيسة السرية وفي السجون الشيوعية” (137).
8- لماذا يركز المُلحدون على ضحايا الصراعات الدينية، وكأن الشيوعية صاحبة أيدي بيضاء لم تُسفك دماء معارضيها، والحقيقة أن أيدي الشيوعية حمراء تقطران دماء ملايين الشهداء، فشهداء الشيوعية في القرن العشرين يعادلون شهداء المسيحية خلال 1900 عام.
إن المسيحية لا تُبيح على الإطلاق دماء المعارضين، ولكنها تُدين الأفكار الخاطئة وتفحصها حتى لا يسقط فيها البسطاء.
الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:
(119) القمص تادرس يعقوب – تفسير سفر التكوين ص 53
(120) القس أنجيلوس جرجس – وجود الله وصوَّر الإلحاد ص 93
(121) ريتشارد دوكنز – وهم الإله ص 128
(122) المرجع السابق ص 128
(123) المرجع السابق ص 116
(124) المرجع السابق ص 116
(125) ريتشارد دوكنز – وهم الإله ص 4
(126) المرجع السابق ص 65
(127) ريتشارد دوكنز – وهم الإله ص 79
(128) ريتشارد ووربملاند – العذاب الأحمر ص 118، 119
(129) ريتشارد وورمبلاند – ترجمة د. عزت زكي – جواب المسيحية على الإلحاد الشيوعي ص 54، 55
(130) ريتشار وورمبلاند – العذاب الأحمر ص 140
(131) المرجع السابق ص 140
(132) ريتشار وورمبلاند – العذاب الأحمر ص 69
(133) العذاب الأحمر ص 72
(134) العذاب الأحمر ص 55
(135) العذاب الأحمر ص 146، 147
(136) المرجع السابق ص 106، 107
(137) العذاب الأحمر ص 121، 122