صورة لراهبات مسيحيات يلهون على شاطئ البحر بلباسهن الديني، كانت كفيلة لتفجير جدل في وسائل الإعلام الإيطالية خاصة وفي أوروبا عامة، سيما وأن مَن نشرها هو رجل دين مسلم وإمام مشهور بأحد مساجد مقاطعة فلورنسا الإيطالية، لتقوم بعد سويعات إدارة فيسبوك بإغلاق صفحته بسبب التبليغات والشكاوى ثم تفتحها من جديد.
رسالة لـ”العلمانية المتطرفة”
الشيخ عزالدين الزير، رئيس اتحاد الهيئات الإسلامية في إيطاليا المنحدر من مدينة الخليل الفلسطينية، والمقيم في مقاطعة فلورنسا، يكشف لـ”هافينغتون بوست عربي” عن دوافع نشره لتلك الصورة قائلاً “على إثر الجدل القائم في أوروبا حالياً حول حظر ارتداء زي البحر الإسلامي؛ البوركيني، والتضييقات المتواصلة التي تعاني منها المحجبات، قمت بنشر هذه الصورة، والموجودة من قبل على جوجل، على صفحتي الرسمية على فيسبوك دون أن أكتب أي تعليق مصاحب، وقد تعمدت ذلك حتى أخلق فضاءا للحوار والنقاش، ولم أقصد بتاتاً ما ذهب إليه بعض العلمانيين المتطرفين في أوروبا من إساءة للراهبات أو للنساء المسيحيات”.
رئيس اتحاد الهيئات الإسلامية في إيطاليا، أكد أنه أراد توصيل رسالة عبر تلك الصورة لمن يدعي في أوروبا أن الأصول الأوروبية لا تتعايش ولا تعترف باللباس الذي يغطي جسم المرأة “لأن الراهبات هن جزء لا يتجزأ من القيم والعادات الدينية والاجتماعية الأوروبية الأصيلة” حسب قوله.
وأضاف في ذات السياق “صورة السيدة مريم عليها السلام وهي محجبة ممثلة في كل كنائس أوروبا وأعرق متاحفها، بالتالي من يدعي أن معتقدات الإسلام لا تتطابق مع الحضارة الغربية فهو جاهل بأصوله، وأنا فقط أردت أن أدعوهم بطريقة غير مباشرة لاحترام أصولهم أو على الأقل لمراجعة تاريخهم”.
الزير أوضح أن نشره للصورة جاء أيضاً رداً على تصريحات رئيس الوزراء الفرنسي وعلى من وصفهم بـ”المتطرفين والمتعصبين في أوروبا الذين يرفضون ارتداء المسلمات للحجاب ويستكثرون عليهن حقهن في ارتداء زي سباحة محتشم يغطي جسدهن”.
وتابع “يجب أن يفهم بعض الساسة والنخب في أوروبا، أن فرض العلمانية المتطرفة على المواطنين واعتبارها دين جديد هي سياسة لن تأتي أكلها بل بالعكس تزيد في إذكاء مشاعر الكراهية والحقد في صفوف المسلمين”.
ضد إدارة فيسبوك
إمام فلورنسا أكد أنه قام باتخاذ الإجراءات القانونية مع محاميه لرفع قضية ضد إدارة فيسبوك التي حسب قوله قامت بإغلاق صفحته لمدة سبع ساعات، بحجة وجود تبليغات من المستخدمين تشير إلى أن الصفحة مزيفة، مضيفاً “وصلتني رسالة من إدارة فيسبوك مباشرة بعد إغلاق صفحتي بشكل تعسفي تخبرني أنها لم تغلق الصفحة بسبب نشري لصورة الراهبات، بل لدوافع حماية معلوماتية للحساب وتطلب مني أن أرسل لها وثائق تثبت هويتي الشخصية وبأني صاحب الحساب”، مردفاً “فعلياً هو أمر مضحك وغير مقنع بتاتاً”.
مخاوف من أعمال انتقامية
وحول المخاوف التي تواجه مسلمي أوروبا وما وصفه بـ”تصاعد خطاب الكراهية” ضدهم، حذر الزير من مغبة “أعمال انتقامية” بعد الهجمات الإرهابية التي استهدفت فرنسا وألمانيا أو أن تستغل هذه الأعمال من طرف الجهات المتعصبة في أوروبا ومن الساسة خصوصاً، وهو ما بدا جلياً، حسب قوله، من خلال تصاعد موجة الاعتداءات والحرق ضد دور العبادة الإسلامية ومحاولات تدنيسها، فضلاً عن حادثة مقتل إمام جامع في أميركا ومساعده الأسبوع الماضي من قبل شخص متطرف ولم تتحرك أي جهات للتنديد ولم يصفها الإعلام الغربي الحادثة بـ”الإرهابية” فقط لأن الفاعل لم يقل “الله أكبر”.
من عالم الموضة إلى الدعوة
ما لا يعرفه الكثيرون عن الإمام عز الدين الزير، أنه قدم من مدينة الخليل الفلسطينية منذ نحو 25 عاماً لدراسة الموضة والأزياء في إيطاليا، واشتغل في هذا المجال لسنوات وتخصص في تصميم الملابس النسائية لغير المحجبات وهو أمر يراه الزير لا يتعارض مع مهمته الآن كرجل دين مضيفاً بابتسامة خفيفة “الله جميل ويحب الجمال واللباس في النهاية هو أداة قابلة للاستعمال الجيد مثلما يمكن استعمالها بشكل سلبي”.
“البوركيني” لغير المسلمات أيضاً!
وبهذا الخصوص اعتبر الزير في ختام حديثه أن لباس البحر المحتشم للسيدات يبقى صيحة من صيحات الموضة التي أرادت من خلالها المرأة أن تستر جسدها وتستمتع بالسباحة في البحر مشيراً أن هذا اللباس قدم من أستراليا لمصممة أزياء أسترالية من أصول لبنانية مستدركاً “ما يجهله الكثيرون في أوروبا ارتداء هذا الزي المحتشم في البحر لا يقتصر فقط على المسلمات، بل إن آخر الإحصاءات تؤكد أن نحو 45 بالمائة من المقبلات على ارتدائه هن من غير المسلمات”.
وفرضت السلطات الفرنسية مؤخراً غرامة على 3 فتيات لارتدائهن البوركيني على سواحل مدينة كان جنوبي فرنسا، وكثفت إجراءات التفتيش على السواحل إثر حظر ارتداء لباس البحر الإسلامي هناك.
.. حلال للكاثوليكيات حرام على المسلمات.. جدل البوركيني يمتد إلى سواحل أوروبا هافينغتون بوست عربي | ترجمة بينما تمنع فرنسا المسلمات من ارتداء البوركيني، فإن الأساقفة الكاثوليك في إيطاليا يسخرون من كل هذا الحذر تجاه ملابس السيدات على الشاطئ باربي لاتزا ناديو- سابوديا- إيطاليا أينما ذهبت باتجاه الشواطئ العامة في إيطاليا، فإن الفرصة ماثلة بأن ترى النساء يرتدين أغطية الرأس وجونلات طويلة. إلا أن هؤلاء الناس غالباً لسن مسلمات يرتدين ملابس البوركيني المثيرة للجدل، وإنما بالتأكيد راهبات كاثوليكيات خرجن لعاداتهن الصيفية في متابعة ورعاية الأطفال الذين يقومون برعايتهم أو يستمتعن بالشمس بشكل طبيعي، وهو ما يعتبر حقًّا من حقوق الإنسان هنا في إيطاليا، حيث الحدود المائية تمتد على امتداد البلاد.
لا يجرؤ أحد أن يختلس النظر إلى الراهبات في تلك الملابس، سواء بقين على الشاطئ أو نزلن إلى المياه. “تتواجد الراهبات دائماً على الشاطئ هنا”، هكذا يقول ماركو بيوني، صانع القهوة في كافيه مطل على البحر في سابوديا، على مسافة ساعة جنوب العاصمة الإيطالية روما، متحدثاً إلى صحيفة “ديلي بيست” الأميركية. مضيفاً: “يذهبن إلى المياه في تنانيرهن ويجلسن على الشاطئ مفترشات الأغطية مثل الآخرين. لا يهتم أحد بما يرتدين، فما المشكلة أصلاً فيه؟”.
في الواقع، فإن معظم الإيطاليين يستغربون المراسيم التي صدرت في فرنسا لتقنين الملابس التي يمكن أو لا يمكن ارتداؤها على الشواطئ، وكان آخرها منع ارتداء البوركيني، وهو ملابس للسباحة تغطي الجسم كله. وقد امتد الجدل في فرنسا لنجد رئيس الوزراء الاشتراكي مانويل فالس يصرّح أن ارتداء البوركيني “لا يتوافق مع قيم الجمهورية الفرنسية”.
ورغم أن وزير الداخلية الإيطالي ليس من مؤيدي الهجرة أو دمج غير الإيطاليين في بنية المجتمع، إلا أنه يعتقد أن فرنسا أخطأت في قرارها بحظر البوركيني. وعند سؤاله إذا ما كانت إيطاليا تنوي أن تحذو حذو فرنسا في هذا الحظر للباس الذي يراه البعض ذا طابع “دينيّ”، أجاب: “إن هدفنا أن نتجنب هذه الأنواع من الحظر التي قد تفسّر بأنها استفزازية لبعض الفئات، مما قد يؤدي إلى خلق مشاعر انتقامية.” مضيفاً أن “النموذج الفرنسي” في الاندماج لم يأتِ بأيّة نتائج إيجابية ملحوظة.
وليس من العجيب بالطبع أن الكنيسة الكاثوليكية من جانبها لا ترى مشكلة في هذا النوع من ملابس السباحة/ملابس البحر. فقد صرّح كبير الأساقفة الإيطاليين مونسينيور نونزيو گالانتينو أنه يتفهّم دواعي الحذر، إلا أن هذا يمكنه ضبطه بالمنطق السليم.
“من الصعب أن نتخيل أن امرأة ترتدي البوركيني أثناء السباحة يمكنها أن تكون مصدر تهديد أو تنفيذ هجوم في الشاطئ”، هكذا يفيد گالانتينو في تصريحات للصحيفة الإيطالية الشهيرة كوريري ديلا سيرا في سياق مقابلة مطوّلة حول الموضوع. وأضاف أيضاً “لا يخطر ببالي إلا هؤلاء الراهبات وعجائز الريف اللاتي لا زلن يرتدين أغطية الرأس، وهن لا يمثلن أي خطر”. وفي مقارنة مع ارتداء بعض الرموز الدينية الأخرى كالصلبان أو الكيباه (التي يرتديها المتدينون اليهود)، أشار گالانتينو إلى أن كفالة الحريات في ارتداء الرموز الدينية يجب أن تعتبر موزايةً تماماً للحرية في التعبير عن المعتقدات وممارستها بشكل طبيعي في المجال العام”، مضيفاً أنه يجد الأمر سخيفاً أن تتأهب السلطات بهذا الشكل لمجرد أن السيدات يرتدين هذه الغطاء على الشواطئ.
من جانبه، فإن عز الدين الزير، إمام مسجد في مدينة فلورانسا ورئيس اتحاد الجمعيات الإسلامية في إيطاليا، يقوم بمشاركة صور الراهبات على الشاطئ منذ أن أثير الجدل في فرنسا حول البوركيني. وقد قام موقع فيسبوك بإغلاق حسابه مؤقتًا حتى قام بتأكيد هويته، بعد أن أبلغ البعض أن هذا الحساب مزيّف. وقد صرّح مؤخراً لصحيفة كوريري فيورينتينو أنه لم يكتب أية كلمة أثناء مشاركته تلك الصور، “لقد كانت الصور كفيلة بأن تتحدث عن نفسها.”
إلا أن هذا بالطبع لا يعني تسامح الجميع في إيطاليا مع البوركيني. روبرتو كالديرولي، أحد أعضاء حزب الرابطة الشمالية المعادي للأجانب، وهو أحد المحتجين بشدة على مقترحات بناء مسجد قريب من برج بيزا المائل، يقول أن إيطاليا أيضاً يجب أن تقوم بحظر البوركيني والبرقع وأي شيء يمتّ بصلة للمسلمين.
مضيفاً أن الحكومة يجب أن تقوم بتسجيل الأئمة في سجلّات خاصة، وأن تقوم كذلك بتجريم أي إمام لا يقوم بشكل واضح بنبذ الشريعة. (لا يشمل البوركيني تغطية الوجه كما هو الحال عند ارتداء البرقع، والذي ترتديه النساء في أفغانستان، وهو ما يسميه البعض في أوروبا وغيرها بالنقاب).
ويحاول كالديرولي الآن أن يقوم بإعداد بعض القوانين الموحَّدة في منطقة لومباردي، شمالي البلاد، لحظر ارتداء البوركيني في حمامات السباحة، معتبراً أن تغطية الجسم بشكل كامل أثناء السباحة هي دلالة على “الغطرسة والقمع والعنف تجاه المرأة.” إلا أن محاولات كالديرولي لم تحظَ حتى اللحظة بالنجاح؛ إذ إن الكثير من حمامات السباحة تقدّم دروساً في الغوص، ومن الصعوبة بمكان إصدار قوانين تجريم بعض طرق تغطية الجسم أثناء السباحة، إذ قد تعطّل هكذا قوانين عمل تلك الأماكن.
ومن المثير للدهشة أن تقوم الناشطة النسائية لوريلا زاناردو بتأييد حظر هذا النوع من ملابس السباحة. فقد كان فيلمها الوثائقي “جسد المرأة”، عن التحيّز الجنسي في التلفزة الإيطالية، قد ساعد بشكل كبير في تغيير التقاليد البالية ضد المرأة في إيطاليا. وقد قامت هي نفسها بارتداء البوركيني وتوجّهت إلى الشاطئ لاستكشاف الأمر عن كثب. وقد صرّحت أنها وجدته “حارّاً، ثقيلاً، وغير مريح”. ورغم أن زاناردو قد كرّست عملها لمراعاة ارتداء النساء ما يتناسب وطبيعة الإعلام الإيطالي المتحيّز جنسيًّا ضد المرأة، إلا أنها ترى أن الأمر مختلف في حالة البوركيني.
وتصرّح زاناردو “أدافع عن حق النساء المسلمات أن يتحررن من الأقفاص والقيود. فطريق الهجرة يجب أن يكون بداية تعرّف على الثقافة الجديدة، ومعرفة الحقوق، والعادات والتقاليد التي يتبعها المجتمع الجديد. إنني عندما أسافر إلى العالم العربي، فإنني بكل بساطة أرتدي غطاء الرأس وبنطالاً من الجينز. فلماذا إذن علينا أن نرى هنا تلك المشاهد المؤسفة للنساء المسلمات يرتدين غطاءً كاملاً على الشواطئ، في حين يجلسن بجوار أزواجهن الذين يرتدون ملابس البحر المعتادة؟ هل هذه هي الحرية؟ يجب ألا ندع الخوف من الاتهامات بمعادة الإسلام يمثل عقبة بوجه الكفاح من أجل حقوق المرأة”.
ربما قامت فرنسا بترسيم الحدود فيما يتعلق بملابس البحر، إلا أن من الواضح أن هذا لم يحدث بعد في إيطاليا، حيث ما زال الشاطئ يرحب بالجميع، بغض النظر عما يرتدونه أو لا يرتدونه.