شيخ الإسلام ابن تيمية ونسبته إلى مذهب الكرامية إن الحمد لله نحمد ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إلى إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد : حاول بعض المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ربطه بمذهب الكرامية , وهذه التهمة دندن حولها بعض خصومه المأخرين . قال الشيخ عبد الله الغصن في كتابه ” دعاوي المناوئين لشيخ الإسلام” : ومنهم من يرى أن ابن تيمية رحمه الله حمل لواء المذهب الكرامي، نصيراً ومؤيداً حيث ذكر ذلك أحدهم بقوله: (لم تمت الكرامية.. لقد عاشت الكرامية بعد موت مؤسسها… ثم احتضنها عالم سلفي متأخر، ومفكر من أكبر مفكري الإسلام وهو (تقي الدين بن تيمية)، أو بمعنى أدق: سار الحشو في طريقه يدعم فكرة التشبيه والتجسيم، ويجتذب إليه مجموعة من أذكى رجال الفكر الإسلامي) ( )! وللوقوف على أظهر أسباب هذه التهمة نقول :
الصراع بين الكرامية والأشاعرة الأشاعرة والكرامية يعدهم أهل السنة من مثبتة الصفات في الجملة بإزاء الفلاسفة والجهمية والمعتزلة ,وكلا الطائفتين وافقت مذهب السلف في بعض المسائل وخالفته في أخرى . فالكرامية مثلا وافقوا السلف في إثبات بعض الصفات الخبرية , وإثبات علو الله على عرشه , وفي قيام الصفات الاختيارية بالله تعالى على ما سيأتي ذكره . وقد وقع الصراع بين الطائفتين الكرامية والأشاعرة في فترة من الزمان ,ووقعت بينهم منازعات ومناظرات ؛ وقد أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في أكثر من موضع في كتبه . قال رحمه الله :وأظهر السلطان محمود بن سبكتكين لعنة أهل البدع على المنابر وأظهر السنة , وتناظر عنده ابن الهيصم وابن فورك في مسألة العلو فرأى قوة كلام ابن الهيصم فرجح ذلك . ويقال إنه قال لابن فورك : فلو أردت تصف المعدوم كيف كنت تصفه بأكثر من هذا ؟ أو قال : فرق لي بين هذا الرب الذي تصفه وبين المعدوم ؟ وأن ابن فورك كتب إلى أبي إسحق الأسفراييني يطلب الجواب عن ذلك فلم يكن الجواب إلا أنه لو كان فوق العرش للزم أن يكون جسما( ). وعلى ذلك كانت الردود بينهم في كثير من المسائل والآراء. وقد تعرض شيخ الإسلام في كتبه لهذه المسائل وتناول بعضا ما بين الطائفتين من خلاف في مسائل عدة , وأشهر هذه المسائل : 1- إثبات العلو لله تعالى ,وبعض الصفات الخبرية لله تعالى . 2- مسألة قيام الصفات الاختيارية بالله . 3- مسألة إثبات كلام الله تعالى بمشيئته واختياره . 4-إثبات الحكمة والتعليل التي تنفيها الأشاعرة 5- مسألة الجسمية وبيان معنى التجسيم المنسوب إلى الكرامية وحقيقة قولهم , وهذه المسألة أكثر ما دندن بها خصوم شيخ الإسلام رحمه الله . وقد بين شيخ الإسلام أن قول الكرامية في بعض هذه المسائل أقرب من قول الأشاعرة . ولعل بيان شيخ الإسلام لهذه الأقوال التي كانت فيه الكرامية أقرب إلى مذهب السلف ؛ حمل بعض أولئك الخصوم على تهمة شيخ الإسلام بأنه الذي رفع مذهب الكرامية بعد اندثاره. وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن مذهب السلف قبل مذهب الكرامية وإنما تحمد الأقوال والآراء بموافقتها لمذهب السلف أو بمخالفتها . قال رحمه الله : وكذلك من قبل هؤلاء كأبي المعالي وذويه ؛إنما عمدتهم أن الكرامية قالوا ذلك ,وتناقضوا فيبينون تناقض الكرامية , ويظنون أنهم إذا بينوا تناقض الكرامية وهم منازعوهم فقد فلجوا , ولم يعلموا أن السلف وأئمة السنة والحديث بل من قبل الكرامية من الطوائف لم تكن تلتفت إلى الكرامية وأمثالهم ؛ بل تكلموا بذلك قبل أن تخلق الكرامية؛ فإن ابن كرام كان متأخرا بعد أحمد بن حنبل في زمن مسلم بن الحجاج وطبقته , وأئمة السنة والمتكلمون تكلموا بهذه قبل هؤلاء وما زال السلف يقولون بموجب ذلك( ) . وسوف اقتصر في النقل في بيان مذهبهم على هذه المسائل السالفة الذكر , مع بيان عقيدتهم في الإيمان الذي اشتد نكير السلف عليهم فيه . التعريف بمحمد بن كرام قال الذهبي في ترجمته من الميزان : محمد بن كرام السجستاني العابد المتكلم، شيخ الكرامية. ساقط الحديث على بدعته، أكثر عن أحمد الجو يبارى، ومحمد بن تميم السعدي، وكانا كذابين. قال ابن حبان: خذل حتى التقط من المذاهب أردأها، ومن الأحاديث أوهاها. وقال أبو العباس السراج: شهدت البخاري، ودفع إليه كتاب من ابن كرام يسأله عن أحاديث، منها: الزهري، عن سالم، عن أبيه – مرفوعا: الإيمان لا يزيد ولا ينقص – فكتب أبو عبد الله على ظهر كتابه: من حدث بهذا استوجب الضرب الشديد، والحبس الطويل. وقال ابن حبان: جعل ابن كرام الإيمان قولا بلا معرفة. وقال ابن حزم: قال ابن كرام، الإيمان قول باللسان، وإن اعتقد الكفر بقلبه فهو مؤمن. قال الذهبي: هذا منافق محض، في الدرك الأسفل من النار قطعا، فإيش ينفع ابن كرام أن يسميه مؤمنا. ومن بدع الكرامية قولهم في المعبود تعالى: إنه جسم لا كالأجسام. وقد سقت أخبار ابن كرام في تاريخي الكبير. وله أتباع ومريدون، وقد سجن بنيسابور لأجل بدعته ثمانية أعوام، ثم أخرج وسار إلى بيت المقدس، ومات بالشام في سنة خمس وخمسين ومائتين، وعكف أصحابه على قبره مدة. وكرام – مثقل – قيده ابن ماكولا، وابن السمعاني، وغير واحد، وهو الجاري على الألسنة. وقد أنكر ذلك متكلمهم محمد بن الهيصم وغيره من الكرامية، فحكى فيه ابن الهيصم وجهين: أحدهما كرام – بالتخفيف والفتح – وذكر أنه المعروف في ألسنة مشايخهم وزعم أنه بمعنى كرم أو بمعنى كرامة. والثاني أنه كرام بالكسر، على لفظ جمع كريم، وحكى هذا عن أهل سجستان وأطال في ذلك. وقال أبو عمرو بن الصلاح: ولا يعدل عن الأول، وهو الذى أورده ابن السمعاني في الأنساب، وقال: كان والده يحفظ الكرم فقيل له الكرام. قلت: هذا قاله ابن السمعاني بلا إسناد، وفيه نظر، فإن كلمة كرام علم على والد محمد سواء عمل في الكرم أو لم يعمل( ). وقال ابن حجر عقب ذلك : وقرأت بخط الشيخ تقي الدين السبكي ابن ابن الوكيل اختلف مع جماعة في ضبط بن كرام فصمم ابن الوكيل على أنه بكسر أوله والتخفيف واتفق الآخرون على المشهور فأنشدهم بن الوكيل مستشهدا على صحة دعواه قول الشاعر … الفقه فقه أبي حنيفة وحده … والدين دين محمد بن كرام قال : وظنوا كلهم أنه اخترعه في الحال وأن البيت من نظمه . قال : ولما كان بعد دهر طويل رأيت الشعر لأبي الفتح البستي الشاعر المشهور الذي مكثر التولع بالجناس وقبله : إن الذين لجهلهم لم يقتدوا … في الدين بابن كرام غير كرام قال: فعرفت جودة استحضار بن الوكيل . وقال ابن عساكر : كان للكرامية رباط ببيت المقدس ,وكان هناك رجل يقال له هجام تحسن الظن به فنهاه الفقيه نصر . فقال: إنما لي الظاهر فرأى هجام بعد ذلك أن في رباطهم حائطا فيه نبات النرجس فاستحسنه ؛فمد يده فأخذ منه شيئا فوجد أصوله في العذرة . فقال له الفقيه نصر: الذي قلت لك تعبير رؤياك ظاهرهم حسن وباطنهم خبيث . وقال الإمام محمد بن أسلم الطوسي : لم تعرج كلمة إلى السماء أعظم ولا أخبث من ثلاث أولهن فرعون حيث قال أنا ربكم الأعلى . والثانية : قول بشر المريسي القرآن مخلوق . والثالثة : قول ابن كرام المعرفة ليست من الإيمان ( ). بيان اطلاع شيخ الإسلام على كتب الكرامية قال رحمه الله : و أقوال الخوارج إنما عرفناها من نقل الناس عنهم لم نقف لهم على كتاب مصنف كما وقفنا على كتب المعتزلة والرافضة والزيدية والكرامية والأشعرية والسالمية وأهل المذاهب الأربعة والظاهرية ,ومذاهب أهل الحديث والفلاسفة والصوفية ونحو هؤلاء ( ). الكرامية من أهل الإثبات قال : وكذلك متكلمة أهل الإثبات مثل الكلابية والكرامية والأشعرية إنما قبلوا واتبعوا واستحمدوا إلى عموم الأمة بما أثبتوه من أصول الإيمان من إثبات الصانع وصفاته وإثبات النبوة والرد على الكفار من المشركين وأهل الكتاب , وبيان تناقض حججهم , وكذلك استحمدوا بما ردوه على الجهمية والمعتزلة والرافضة والقدرية من أنواع المقالات التي يخالفون فيها أهل السنة والجماعة( ) . وقال : وأما متكلمة أهل الإثبات من الكلابية والكرامية والأشعرية مع الفقهاء والصوفية وأهل الحديث فهؤلاء في الجملة لا يطعنون في السلف بل قد يوافقونهم في أكثر جمل مقالاتهم لكن كل من كان بالحديث من هؤلاء أعلم كان بمذهب السلف أعلم وله أتبع , وإنما يوجد تعظيم السلف عند كل طائفة بقدر استنانها وقلة ابتداعها ( ). الكرامية من أقرب الطوائف إلى السنة قال : وإذا تأمل العاقل الذي يرجو لقاء الله هذا المثال وتأمل سائر الطوائف من الخوارج ثم المعتزلة ثم الجهمية والرافضة ومن أقرب منهم إلى السنة من أهل الكلام مثل الكرامية والكلابية والأشعرية وغيرهم( ) . قولهم في الصفات قال : ولكن الجهمية المعتزلة وغيرهم لما أثبتوا ذاتا مجردة عن الصفات صار مناظرهم يقول أنا أثبت الصفات زائدة على ما أثبتموه من الذات أي لا أقتصر على مجرد إثبات ذات بلا صفات , ولم يعن بذلك أنه في الخارج ذات ثابتة بنفسها ولا مع ذلك صفات هي زائدة على هذه الذات متميزة عن الذات , ولهذا كان من الناس من يقول الصفات غير الذات كما يقوله المعتزلة ,والكرامية ثم المعتزلة تنفيها والكرامية تثبتها( ). إثبات صفتي الوجه واليد( ) الأسماء والصفات تثبت لله على الحقيقة( ) إثبات العلو لله سبحانه وتعالى ( ) وقال : قال الرافضي المصنف : وقالت الكرامية إن الله في جهة فوق ,ولم يعلموا أن كل ما هو في جهة فهو محدث ومحتاج إلى تلك الجهة . فيقال له أولا : لا الكرامية ولا غيرهم يقولون إنه في جهة موجودة تحيط به أو يحتاج إليها بل كلهم متفقون على أن الله تعالى غني عن كل ما سواه سمى جهة أو لم يسم . نعم قد يقولون هو في جهة ويعنون بذلك أنه فوق العالم فهذا مذهب الكرامية وغيرهم . منهاج السنة (2|641) إثبات رؤية الله ( ). إثبات الاستواء على العرش قال : وأما الإستواء على العرش فهو من الصفات الخبرية وهذا قول كثير من أصحاب الأئمة الأربعة وأكثر أهل الحديث ,وهو آخر قولى القاضي أبي يعلى وقول أبي الحسن بن الزاغوني وهو قول كثير من أهل الكلام من الكرامية وغيرهم . منهاج السنة (2|328) وقال : ولا يقول أحد إن الله محتاج إلى العرش مع أنه خالق العرش والمخلوق مفتقر إلى الخالق لا يفتقر الخالق إلى المخلوق وبقدرته قام العرش وسائر المخلوقات ,وهو الغنى عن العرش ,وكل ما سواه فقير إليه . فمن فهم عن الكرامية وغيرهم من طوائف الإثبات أنهم يقولون إن الله محتاج إلى العرش ؛ فقد افترى عليهم كيف , وهم يقولون إنه كان موجودا قبل العرش ؛ فإذا كان موجودا قائما بنفسه قبل العرش لا يكون إلا مستغنيا عن العرش . منهاج السنة (2|646) تفريقهم بين المشيئة الكونية والإرادة الشرعية وقال : فذكر أبو المعالي الجويني أن أبا الحسن أول من خالف السلف في هذه المسألة و لم يفرق بين المشيئة و المحبة و الرضا. و أما سلف الأمة و أئمتها و أكابر أهل الفقه و الحديث و التصوف و كثير من طوائف النظار كالكلابية و الكرامية و غيرهم ؛فيفرقون بين هذا وهذا ويقولو ن إن الله يحب الإيمان و العمل الصالح و يرضى به كما لا يأمر و لا يرضى بالكفر و الفسوق و العصيان و لا يحبه كما لا يأمر به ,وإن كان قد شاءه , و لهذا كان حملة الشريعة من الخلف و السلف متفقين على أنه لو حلف ليفعلن واجبا أو مستحبا كقضاء دين يضيق وقته أو عبادة يضيق وقتها , وقال إن شاء الله ثم لم يفعله لم يحنث و هذا يبطل قول القدرية , ولو قال إن كان الله يحب ذلك و يرضاه فإنه يحنث كما لو قال إن كان يندب إلى ذلك و يرغب فيه أو يأمر به أمر إيجاب أو استحباب ,وهذا يرد على الجهمية و من أتبعهم كأبى الحسن الأشعري و من و افقه من المتأخرين و بسط هذه الأمور له موضع آخر . مجموع الفتاوى (8|475) وقال : وهذا الفرق بين المحبة والمشيئة هو مذهب السلف وأهل الحديث والفقهاء وأكثر متكلمي أهل السنة كالحنفية والكرامية والمتقدمين من الحنبلية والمالكية والشافعية كما ذكر ذلك أبو بكر عبد العزيز في كتاب المقنع ,وهو أحد قولي الأشعري وعليه اعتمد أبو الفرج بن الجوزي ورجحه على قول من قال لا يحب الفساد للمؤمن أو لا يحبه دينا . منهاج السنة (5|412) إثبات الصفات الاختيارية لله تعالى وقال : نزاع الناس في معنى حديث النزول وما أشبهه في الكتاب والسنة من الأفعال اللازمة المضافة إلى الرب سبحانه وتعالى مثل المجيء والإتيان والاستواء إلى السماء وعلى العرش بل وفى الأفعال المتعدية مثل الخلق والإحسان والعدل وغير ذلك هو ناشئ عن نزاعهم في أصلين . أحدهما: أن الرب تعالى هل يقوم به فعل من الأفعال فيكون خلقه للسموات والأرض فعلا فعله غير المخلوق أو أن فعله هو المفعول والخلق هو المخلوق على قولين معروفين . والأول : هو المأثور عن السلف وهو الذي ذكره البخاري في كتاب خلق أفعال العباد عن العلماء مطلقا , ولم يذكر فيه نزاعا وكذلك ذكره البغوى وغيره مذهب أهل السنة ,وكذلك ذكره أبو على الثقفى والضبعى وغيرهما من أصحاب ابن خزيمة فى العقيدة التي اتفقوا هم وابن خزيمة على أنها مذهب أهل السنة ,وكذلك ذكره الكلاباذى فى كتاب التعرف لمذهب التصوف أنه مذهب الصوفية ,وهو مذهب الحنفية وهو مشهور عندهم وبعض المصنفين في الكلام كالرازي ونحوه ينصب الخلاف في ذلك معهم فيظن الظان أن هذا مما انفردوا به ,وهو قول السلف قاطبة وجماهير الطوائف ,وهو قول جمهور أصحاب أحمد متقدموهم كلهم وأكثر المتأخرين منهم وهو أحد قولى القاضى أبى يعلى ,وكذلك هو قول أئمة المالكية والشافعية وأهل الحديث وأكثر أهل الكلام كالهشامية أو كثير منهم والكرامية كلهم وبعض المعتزلة , وكثير من أساطين الفلاسفة متقدميهم ومتأخريهم ( ). وقال : والمقصود هنا أن الناس متنازعون في جنس الحركة العامة التى تتناول ما يقوم بذات الموصوف من الأمور الاختيارية كالغضب والرضا والفرح وكالدنو والقرب والاستواء والنزول بل والأفعال المتعدية كالخلق والإحسان وغير ذلك على ثلاثة أقوال . أحدها: قول من ينفى ذلك مطلقا وبكل معنى فلا يجوز أن يقوم بالرب شيء من الأمور الاختيارية فلا يرضى على أحد بعد أن لم يكن راضيا عنه ولا يغضب عليه بعد أن لم يكن غضبان ولا يفرح بالتوبة بعد التوبة ولا يتكلم بمشيئته وقدرته إذا قيل إن ذلك قائم بذاته . وهذا القول أول من عرف به هم الجهمية والمعتزلة وانتقل عنهم إلى الكلابية والأشعرية والسالمية ومن وافقهم من أتباع الأئمة الأربعة كأبى الحسن التميمى… والقول الثاني : إثبات ذلك وهو قول الهشامية والكرامية وغيرهم من طوائف أهل الكلام الذين صرحوا بلفظ الحركة . وأما الذين أثبتوها بالمعنى العام حتى يدخل في ذلك قيام الأمور والأفعال الاختيارية بذاته ؛فهذا قول طوائف غير هؤلاء كأبى الحسين البصرى وهو اختيار أبى عبدالله بن الخطيب الرازى وغيره من النظار وذكر طائفة أن هذا القول لازم لجميع الطوائف . وذكر عثمان بن سعيد الدارمى إثبات لفظ الحركة في كتاب نقضه على بشر المريسى ونصره على أنه قول أهل السنة والحديث ,وذكره حرب بن إسماعيل الكرمانى لما ذكر مذهب أهل السنة والأثر عن أهل السنة والحديث قاطبة ,وذكر ممن لقي منهم على ذلك أحمد بن حنبل وإسحق بن راهويه وعبدالله بن الزبير الحميدى وسعيد بن منصور وهو قول أبى عبدالله بن حامد وغيره . وكثير من أهل الحديث والسنة يقول المعنى صحيح لكن لا يطلق هذا اللفظ لعدم مجيء الأثر به كما ذكر ذلك أبو عمر بن عبد البر وغيره في كلامهم على حديث النزول . والقول المشهور عن السلف عند أهل السنة والحديث هو الإقرار بما ورد به الكتاب والسنة من أنه يأتي وينزل وغير ذلك من الأفعال اللازمة ( ). إثبات كلام الله بمشيئته واختياره وقال : والإطلاقات قد توهم خلاف المقصود فيقال : إن أردت بقولك محدث إنه مخلوق منفصل عن الله كما يقوله الجهمية والمعتزلة والنجارية فهذا باطل لا نقوله وان أردت بقولك أنه كلام تكلم الله به بمشيئته بعد أن لم يتكلم به بعينه وإن كان قد تكلم بغيره قبل ذلك مع أنه لم يزل متكلما إذا شاء ؛فإنا نقول بذلك وهو الذي دل عليه الكتاب والسنة وهو قول السلف وأهل الحديث ,وإنما ابتدع القول الآخر الكلابية والأشعرية ولكن أهل هذا القول لهم قولان : أحدهما: أنه تكلم بعد أن لم يكن متكلما وإن كان قادرا على الكلام كما أنه خلق السموات والأرض بعد أن لم يكن خلقهما وإن كان قادرا على الخلق وهذا قول الكرامية وغيرهم ممن يقول أنه تحله الحوادث بعد أن لم تكن تحله وقول من قال أنه محدث يحتمل هذا القول وإنكار أحمد يتوجه إليه . والثانى: أنه لم يزل متكلما يتكلم إذا شاء وهذا هو الذي يقوله من يقوله من أهل الحديث . وأصحاب هذا القول قد يقولون إن كلامه قديم وأنه ليس بحادث ولا محدث فيريدون نوع الكلام إذ لم يزل يتكلم إذا شاء ,وإن كان الكلام العينى يتكلم به إذا شاء ومن قال ليست تحل ذاته الحوادث فقد يريد به هذا المعنى بناء على أنه لم يحدث نوع الكلام في كيفية ذاته وقال أبو عبدالله بن حامد في أصوله ومما يجب الإيمان به والتصديق أن الله يتكلم وأن كلامه قديم وأنه لم يزل متكلما في كل أوقاته بذلك موصوفا وكلامه قديم غير محدث كالعلم والقدرة وقد يجىء على المذهب أن يكون الكلام صفة متكلم لم يزل موصوفا بذلك ومتكلما كلما شاء وإذا شاء ولا نقول أنه ساكت في حال ومتكلم في حال من حين حدوث الكلام ( ). وقال : وأما السلف وأئمة السنة وكثير من أهل الكلام كالهشامية والكرامية وأصحاب أبى معاذ التومنى وزهير اليامى وطوائف غير هؤلاء يقولون أنه صفة ذات وفعل هو يتلكم بمشيئته وقدرته كلاما قائما بذاته وهذا هو المعقول من صفة الكلام لكل متكلم فكل من وصف بالكلام كالملائكة والبشر والجن وغيرهم فكلامهم لابد أن يقوم بأنفسهم وهم يتكلمون بمشيئتهم وقدرتهم ( ). وقال : و المقصود هنا أنه يمكن إبطال كونه خلقه في نفسه من غير التزام قول الكلابية ولا الكرامية ؛فإنه قد تبين أن ما قام بذاته يمتنع أن يكون مخلوقا إذ كان حاصلا بمشيئته وقدرته والمخلوق لابد له من خلق ونفس تكلمه بمشيئته وقدرته ليس خلقا له بل بذلك التكلم يخلق غيره والخلق لا يكون خلقا لنفسه . ويدل على بطلان قول الكلابية أن الكلام لا يكون إلا بمشيئته وقدرته وهم يقولون يتكلم بلا مشيئته ولا قدرته . وأما الكرامية فيقولون صار متكلما بعد أن لم يكن فيلزم انتفاء صفة الكمال عنه ويلزم حدوث الحادث بلا سبب ويلزم أن ذاته صارت محلا لنوع الحوادث بعد أن لم تكن كذلك كما تقوله الكرامية وهذا باطل وهو الذي أبطله السلف بأن ما يقوم به من نوع الكلام والإرادة والفعل إما أن يكون صفة كمال أو صفة نقص فان كان كمالا فلم يزل ناقصا حتى تجدد له ذلك الكمال وان كان نقصا فقد نقص بعد الكمال ( ). وقال : وأما الكرامية فتقول إن القرآن كلام الله غير مخلوق وهو متكلم به بحرف وصوت ويقولون مع ذلك أنه حادث قائم به وهم ليسوا من الجهمية بل يردون عليهم أعظم الرد وهم أعظم مباينة لهم من الأشعرية ويقولون مع ذلك أن القرآن حادث في ذات الله . مجموع الفتاوى (12|177) الرد على الكرامية في مسألة أن الله اتصف بالصفات بعد أن كان غير متصف بها وقال : إذا عرفت هذا فنقول أما وقوع التغير في الإضافات فلا خلاص عنه وأما وقوع التغير في الصفات الحقيقية فالكرامية يثبتونه وسائر الطوائف ينكرونه فبهذا يظهر الفرق فى هذا الباب بين مذهب الكرامية ومذهب غيرهم . قال :والذي يدل على فساد قول الكرامية وجوه : الأول : إن كل ما كان من صفات الله فلابد أن يكون من صفات الكمال ونعوت الجلال فلو كانت صفة من صفاته محدثة لكانت ذاته قبل حدوث تلك الصفة خالية عن صفة الكمال والجلال والخالى عن صفة الكمال ناقص فيلزم أن ذاته كانت ناقصة قبل حدوث تلك الصفة فيها وذلك محال فثبت أن حدوث الصفة في ذات الله محال . قلت : ولقائل أن يقول ما ذكرته لا يدل على محل النزاع وبيان ذلك من وجوه أحدها: أن الدليل مبنى على مقدمات لم يقرروا واحدة منها لا بحجة عقلية ولا سمعية وهو أن كل ما كان من صفات الله لابد أن يكون من صفات الكمال وان الذات قبل تلك الصفة تكون ناقصة وان ذلك النقص محال . الثاني : أن وجوب اتصافه بهذا الكمال وتنزيهه عن النقص لم تذكر في كتبك عليه حجة عقلية بل أنت وشيوخك كأبى المعالى وغيره تقولون إن هذا لم يعلم بالعقل بل بالسمع وإذا كنتم معترفين بأن هذه المقدمة لم تعرفوها بالعقل فالسمع إما نص وإما إجماع وأنتم لم تحتجوا بنص بل في القرآن أكثر من مائة نص حجة عليكم والأحاديث المتواترة حجة عليكم ودعوى الإجماع إذا كانت أزلية وجب أن يكون المقبول صحيح الوجود في الأزل والدليل عليه أن كون الشيء قابلا لغيره نسبة بين القابل والمقبول والنسبة بين المنتسبين متوقفة على تحقق كل واحد من المنتسبين وصحة النسبة تعتمد وجود المنتسبين فلما كانت صحة اتصاف الباري بالحوادث حاصلة في الأزل لزم أن تكون صحة وجود الحوادث حاصلة في الأزل ( ). قولهم في إثبات الحكمة لله تعالى أقرب من قول قال : وهؤلاء المعتزلة و من وافقهم من الشيعة يوجبون على الله سبحانه أن يفعل بكل عبد ما هو الأصلح له فى دينه و تنازعوا فى و جوب الأصلح فى دنياه و مذهبهم أنه لا يقدر أن يفعل مع مخلوق من المصلحة الدينية غير ما فعل و لا يقدر أن يهدي ضالا و لا يضل مهتديا . وأما سائر الطوائف الذين يقولون بالتعليل من الفقهاء و أهل الحديث و الصوفية و أهل الكلام كالكرامية و غيرهم و المتفلسفة أيضا فلا يوافقونهم على هذا بل يقولون أنه يفعل ما يفعل سبحانه لحكمة يعلمها سبحانه و تعالى و قد يعلم العباد أو بعض العباد من حكمته ما يطلعهم عليه و قد لا يعلمون ذلك . مجموع الفتاوى (8|98) وقال : وأما السؤال عن تعليل أفعال الله فالذي عليه جمهور المسلمين من السلف و الخلف أن الله تعالى يخلق لحكمة و يأمر لحكمة و هذا مذهب أئمة الفقه و العلم و وافقهم على ذلك أكثر أهل الكلام من المعتزلة و الكرامية و غيرهم . و ذهب طائفة من أهل الكلام و نفاة القياس إلى نفي التعليل في خلقه و أمره و هو قول الأشعري ومن وافقه ,و قالوا ليس في القرآن لام تعليل في فعل الله و أمره و لا يأمر الله بشيء لحصول مصلحة ولا دفع مفسدة بل ما يحصل من مصالح العباد و مفاسدهم بسبب من الأسباب فإنما خلق ذلك عندها لا أنه يخلق هذا لهذا و لا هذا لهذا و إعتقدوا أن التعليل يستلزم الحاجة و الاستكمال بالغير و أنه يفضي إلى التسلسل . مجموع الفتاوى(8|377) مسألة التحسين والتقبيح العقلي ( ) قال : والقول الثاني أن العقل قد يعلم به حسن كثير من الأفعال وقبحها في حق الله وحق عباده وهذا مع أنه قول المعتزلة فهو قول الكرامية وغيرهم من الطوائف وهو قول جمهور الحنفية وكثير من أصحاب مالك والشافعي وأحمد كأبي بكر الأبهري وغيره من أصحاب مالك وأبي الحسن التميمي وأبي الخطاب الكلوذاني من أصحاب أحمد وذكر أن هذا القول قول أكثر أهل العلم وهو قول أبي علي بن أبي هريرة وأبي بكر القفال وغيرهما من أصحاب الشافعي وهو قول طوائف من أئمة أهل الحديث . وعدو القول الأول من أقوال أهل البدع كما ذكر ذلك أبو نصر السجزى في رسالته المعروفة في السنة وذكره صاحبه أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني في شرح قصيدته المعروفة في السنة . منهاج السنة (1|450) وقال : فإن الناس لهم في العقل : هل يعلم به حسن الأشياء وقبحها ؟ والوجوب والتحريم قولان مشهوران : أحدهما : أنه لا يعلم به ذلك وهو قول الأشعري وأصحابه و ابن حامد و القاضي أبي يعلى و القاضي يعقوب و ابن عقيل و ابن الزاغوني وغيرهم من أصحاب أحمد وكثير من أصحاب مالك و الشافعي وغيرهما . والثاني : أنه يعلم به ذلك وهذا قول المعتزلة والكرامية وغيرهم وهو قول أبي الحسن التميمي و أبي الخطاب وغيرهما من أصحاب أحمد وذكر أبو الخطاب أنه قول جمهور العلماء وهو قول كثير من أئمة الحديث من أصحاب أحمد وغيرهم كأبي القاسم سعد بن علي الزنجاني و أبي نصر السجزي وقول كثير من أصحاب مالك و الشافعي وهو الذي ذكره أصحاب أبي حنيفة وذكروه عن أبي حنيفة نفسه. مجموع (4|98) بيان معنى التجسيم المنسوب إليهم قال شيخ الإسلام : ومن قال هو جسم فالمشهور عن نظار الكرامية وغيرهم ممن يقول هو جسم أنه يفسر ذلك بأنه الموجود أو القائم بنفسه لا بمعنى المركب . وقد اتفق الناس على أن من قال إنه جسم , وأراد هذا المعنى فقد أصاب في المعنى لكن إنما يخطئه من يخطئه في اللفظ . أما من يقول الجسم هو المركب فيقول أخطأت حيث استعملت لفظ الجسم في القائم بنفسه أو الموجود . وأما من لا يقول بأن كل جسم مركب فيقول تسميتك لكل موجود أو قائم بنفسه جسما ليس هو موافقا للغة العرب المعروفة ولا تكلم بهذا اللفظ أحد من السلف والأئمة ولا قالوا إن الله جسم فأنت مخطئ في اللغة والشرع وإن كان المعنى الذي أردته صحيحا . فيقول أنا تكلمت بالاصطلاح الكلامي ؛ فإن الجسم عند النظار من المتكلمين والفلاسفة هو ما يشار إليه ثم ادعى طائفة منهم أن كل ما كان كذلك فهو مركب من الجواهر المنفردة أو من المادة والصورة ونازعهم طائفة أخرى في هذا المعنى وقالوا ليس كل ما يشار إليه هو مركب لا من هذا ولا من هذا فإذا أقام صاحب هذا القول دليلا عقليا على نفى تركيب المشار إليه خصم منازعيه إلا من يقول إن أسماء الله تعالى توقيفية فيقول له ليس لك أن تسميه بذلك . منهاج السنة (2|549) وبيان تلبيس الجهمية(1|510) قال : وكذلك إذا قيل هو جسم بمعنى أنه مركب من الجواهر المنفردة أو المادة والصورة فهذا باطل بل هو أيضا باطل في المخلوقات فكيف فى الخالق سبحانه وتعالى , وهذا مما يمكن أن يكون قد قاله بعض المجسمة الهشامية والكرامية وغيرهم ممن يحكى عنهم التجسيم إذ من هؤلاء من يقول أن كل جسم فإنه مركب من الجواهر المنفردة , ويقولون مع ذلك أن الرب جسم وأظن هذا قول بعض الكرامية فإنهم يختلفون في إثبات الجوهر الفرد وهم متفقون على انه سبحانه جسم لكن يحكى عنهم نزاع فى المراد بالجسم هل المراد به أنه موجود قائم بنفسه أو المراد به أنه مركب فالمشهور عن أبى الهيصم وغيره من نظارهم أنه يفسر مراده بأنه موجود قائم بنفسه مشار إليه لا بمعنى أنه مؤلف مركب ,وهؤلاء ممن اعترف نفاة الجسم بأنهم لا يكفرون فإنهم لم يثبتوا معنى فاسدا فى حق الله تعالى لكن قالوا إنهم اخطئوا فى تسمية كل ما هو قائم بنفسه أو ما هو قائم موجود جسما من جهة اللغة .. . مجموع الفتاوى (5|429) بيان مذهبهم في الإيمان قال شيخ الإسلام : والكرامية قولهم في الإيمان قول منكر لم يسبقهم إليه أحد حيث جعلوا الإيمان قول اللسان ,وإن كان مع عدم تصديق القلب فيجعلون المنافق مؤمنا لكنه يخلد فى النار فخالفوا الجماعة فى الاسم دون الحكم , وأما فى الصفات والقدر والوعيد فهم أشبه من أكثر طوائف الكلام التي في أقوالها مخالفة للسنة . مجموع الفتاوى (3|103) وقال : وقوله الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله إلى آخره حقيقة وهذا عمدة المرجئة والجهمية والكرامية وكل من لم يدخل الأعمال في اسم الإيمان . مجموع الفتاوى (7|87) وقال : و الكرامية توافق المرجئة والجهمية فى أن إيمان الناس كلهم سواء ولا يستثنون فى الإيمان بل يقولون هو مؤمن حقا لمن أظهر الإيمان وإذا كان منافقا فهو مخلد فى النار عندهم ؛فإنه إنما يدخل الجنة من آمن باطنا وظاهرا ,ومن حكى عنهم أنهم يقولون المنافق يدخل الجنة فقد كذب عليهم بل يقولون المنافق مؤمن لا أن الإيمان هو القول الظاهر كما يسميه غيرهم مسلما إذ الإسلام هو الاستسلام الظاهر ,ولا ريب أن قول الجهمية أفسد من قولهم من وجوه متعددة شرعا ولغة وعقلا . مجموع الفتاوى (7|141) وقال : حتى الكرامية الذين يسمون المنافق مؤمنا ويقولون الإيمان هو الكلمة يقولون إنه لا ينفع فى الآخرة إلا الإيمان الباطن . وقد حكى بعضهم عنهم أنهم يجعلون المنافقين من أهل الجنة وهو غلط عليهم إنما نازعوا فى الاسم لا في الحكم بسبب شبهة المرجئة في أن الإيمان لا يتبعض ولا يتفاضل . مجموع الفتاوى (7|216) وقال : وقال أن من جحد المعرفة والتصديق فقد قال قولا عظيما ؛فإن فساد هذا القول معلوم من دين الإسلام ,ولهذا لم يذهب إليه أحد قبل الكرامية مع أن الكرامية لا تنكر وجوب المعرفة والتصديق ولكن تقول لا يدخل فى اسم الإيمان حذرا من تبعضه وتعدده . مجموع الفتاوى (7|394) وقال : وأما الكافر المنافق فى الباطن فإنه خارج عن المؤمنين المستحقين للثواب باتفاق المسلمين . ولا يسمون بمؤمنين عند أحد من سلف الأمة وأئمتها ولا عند احد من طوائف المسلمين إلا عند طائفة من المرجئة وهم الكرامية الذين قالوا أن الإيمان هو مجرد التصديق فى الظاهر فإذا فعل ذلك كان مؤمنا وإن كان مكذبا في الباطن وسلموا أنه معذب مخلد فى الآخرة فنازعوا في اسمه لا في حكمه ومن الناس من يحكي عنهم أنهم جعلوهم من أهل الجنة وهو غلط عليهم ومع هذا فتسميتهم له مؤمنا بدعة ابتدعوها مخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وهذه البدعة الشنعاء هى التى انفرد بها الكرامية دون سائر مقالاتهم . والحمد لله رب العالمين .
وهذه الحواشي بالترتيب لأنها لم تظهر ( ) دعاوي المناوئين (139) والمقولة هذه علي النشار في كتابه “نشأة الفكرالفلسفي” , وهذا الكتاب قد اغتر به كثير من الباحثين وقد كشف ما فيه الشيخ محمد بن سعيد القحطاني في كتابه ” الإعلام بنقد كتاب نشأة الفكر” وبين تحامله على مذهب السلف وتطاوله على أعلامه بل إلى أصحاب الني صلى الله عليه وسلم . وممن نسب هذه التهمة لشيخ الإسلام الكوثري , وآخر هؤلاء سعيد فودة في كتابه “الكاشف الصغير” . ( )درء التعارض (3|229) ( )مجموع الفتاوى (6|222) ( )ميزان الاعتدال (4|22) وسير أعلام النبلاء (11|524) والبداية والنهاية (11|20) ( )اللسان (5|402)
( )مجموع الفتاوى (13|49)
( )مجموع الفتاوى (4|12)
( )مجموع الفتاوى (4|156)
( )مجموع الفتاوى (2|7)
( )مجموع الفتاوى (3|336)
( )مجموع الفتاوى (4|174) ومجموع الفتاوى (6|15)
( )مجموع الفتاوى (5|197)
( )مجموع الفتاوى (5|272) ( )مجموع الفتاوى (5|282) ( )مجموع الفتاوى (5|529) ( )مجموع الفتاوى (5|577) ( )مجموع الفتاوى (6|162)
( )مجموع الفتاوى (6|219)
( )مجموع الفتاوى (6|325)
( )مجموع الفتاوى (6|275)
( )وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن العقل قد يدرك حسن وقبح الأشياء لكن ورود الثواب والعقاب لا يكون إلا بعد ورود الشرع , فقول أهل السنة وسط بين المثبتين والنافين .
نبذة عن حياة ابن تيمية
حياته:
هذه وقفاتٌ موجزة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية، لم أقصِد منها أن تكون سيرةً لحياته، وإنما إعطاء نظرةٍ سريعة يؤخَذ منها العبرة، وتُعطِي صورةً لجهاد هذا الرجل العظيم.
♦ الاسم: أحمد تقي الدين بن شهاب الدين عبدالحليم بن أبي البركات مجد الدين بن تيمية، الحرَّاني، الدمشقي (أبو العباس).
♦ ولادته: ولد بحرَّان[1] يوم الاثنين 10 من شهر ربيع الأول سنة 661 هـ.
♦ انتقل مع والده من حرَّان إلى دمشق، وكان عمره سبع سنوات، وذلك بعد إغارة التتر على حرَّان.
♦ تُوفِّي والدُه وعمره 22 سنة، سنة 682هـ.
قام مقام والده في مشيخة التدريس في هذه السن المبكرة، بدار الحديث السكرية في 2 المحرم 683هـ، وحضر درسَه كبار علماء دمشق.
♦ رحل إلى الحج سنة 692هـ.
♦ المعارضة الأولى لأفكارِه كانت سنة 698هـ عندما وجَّه إليه أهلُ حماة يسألونه عن تحقيق العلماء في الصفات التي وصف الله بها نفسه، فدافع ابن تيمية عن عقيدة السلف واعتقاد أهل السنة.
♦ توجه التتر إلى دمشق سن 699هـ، وهزموا جيش الملك الناصر محمد بن قلاوون القادم من مصر.
♦ في يوم الاثنين من ربيع الآخر سنة 699هـ اجتمع ممثِّل أهل دمشق وسفير الإسلام ابن تيمية بقازان طاغية التتر في بلدة (النبك)[2]، وقال له: “أنت تزعم أنك مسلم، ومعك قاضٍ وإمام وشيخ ومؤذِّنون – على ما بلغنا – فغزَوْتَنا، وأبوك وجدُّك كانا كافرينِ، وما عملا الذي عملتَ، عاهَدا فوفيا، وأنت عاهدتَ فغدرتَ، وقلت فما وَفيْت، وَجُرت”[3].
♦ في عام 700هـ توجَّه إلى مصر، لما اشتد الأمر بالشام من المغول[4]، مستصرخًا المسؤولين هناك، وبعد حضهم على الجهاد عاد إلى دمشق بعد أيام.
♦ شارك في وقعة شقحب[5] سنة 702هـ، وكانت وقعة عظيمة بين التتار والمسلمين، وأبلى فيها شيخ الإسلام بلاءً حسنًا.
♦ في سنة 704هـ توجَّه لقتال الكسروانين[6] واستئصال شأفتهم.
♦ في سنة 705هـ طلبه السلطان محمد بن قلاوون إلى مصر، ووصلها في 22 رمضان، وعقد له السلطان مجلسًا علميًّا بعد صلاة الجمعة، حضره القضاة وأكابر الدولة.
ثم حبسه بالجب بقلعة الجبل ومعه أخواه: شرف الدين عبدالله، وزين الدين عبدالرحمن، سنة ونصفًا، ثم خرج بعد ذلك.
♦ وفي سنة 707هـ عقد له مجلسًا ظهر فيه على خصومه في طريقة الاتحادية[7]، ثم أمر بتسفيره إلى الشام، ثم أمر بردِّه وسجنه بحبس القضاة سنة ونصفًا، ثم أخرجه منه، ووجَّهه إلى الإسكندرية، وجعله في برج، حبس فيه ثمانية أشهر، ثم توجيهه إلى مصر، واجتماعه بالسلطان في مجلس ضم القضاة وأعيان الأمراء، وإكرامه له إكرامًا عظيمًا، ومشاورته له في قتل بعض أعدائه، وامتناع الشيخ عن ذلك، ثم سكناه القاهرة، ثم توجهه إلى الشام، ثم ملازمته بدمشق لنشر العلوم، وتصنيف الكتب، وإفتاء الخلق.
♦ في سنة 718هـ، أثار الناس بمسألة الحلف بالطلاق، فحبس على أثرها بالقلعة خمسة أشهر وثمانية عشر يومًا.
♦ في سنة 726هـ أعيد إلى سجن القلعة، وكان أخوه يخدمه فيه، وقد كتب في السجن في مسائل كثيرة حتى منع من الكتابة، ولم يتركوا له قلمًا ولا ورقًا، وكتب عقب ذلك بفحم، وأقبل على التلاوة والعبادة والتهجد حتى وفاتِه ليلة 22 من شهر ذي القعدة سنة 728هـ، وارتحل عن الدنيا وقد بلغ من العمر 67 سنة – رحمه الله.
علمه:
قال الذهبي عن ابن تيمية: “إنه صار من أكابر العلماء في حياة شيوخه… ولعل تصانيفه في هذا الوقت تكون أربعةَ آلاف كُرَّاسٍ وأكثر، وفسَّر كتاب الله -تعالى- مدة سنين من صدره أيامَ الجُمَع، وكان يتوقَّد ذكاءً، وسماعاته من الحديث كثيرة، وشيوخه أكثر من مائتي شيخ، ومعرفته بالتفسير إليها المنتهى، وحفظه للحديث ورجاله وصحيحه وسقيمه مما لا يُلحق فيه، وأما نقله للفقه ولمذاهب الصحابة والتابعين، فضلاً عن المذاهب الأربعة، فليس له نظير، وأما معرفتُه بالملل والنِّحَل، والأصول والكلام، فلا أعلم له فيه مثيلاً، ويدري جملةً صالحة من اللغة، وعربيَّتُه قوية جدًّا، وأما معرفته بالتاريخ والسير فعجبٌ عجيب”[8].
ذاكرته وذكاؤه:
اتفق المعاصِرون والمتأخِّرون كلُّهم على قوة حفظه، وسرعة فهمه، وشدة ذكائه، يقول زميله في الدراسة علم الدين البرزالي: “قلَّ أن سمع شيئًا إلا حفِظه، وكان ذكيًّا كثير المحفوظ”[9].
وقال الذهبي: “ما رأيت أشد استحضارًا للمتون وعَزْوِها منه، وكانت السُّنَّة بين عينيه وعلى طرف لسانه”[10].
وقال معاصره كمال الدين الزملكاني الذي كان خصمَه في مجلس المناظرة: “لم يُرَ من خمسمائة سنة أو أربعمائة سنة – والشك من الناقل – أحفظُ منه”[11].
وقال الذهبي: “كان يتوقَّد ذكاءً”، ويقول في مكان آخر: “كان آية على الذكاء وسرعة الإدراك”[12].
أخلاقه:
قالوا في أخلاقه: “نشأ في تصوُّن تامٍّ، وعفاف وتألُّه، واقتصاد في الملبس والمأكل، ولم يزَلْ على ذلك خلقًا صالحًا، برًّا بوالديه، تقيًّا ورعًا، عابدًا ناسكًا، صوَّامًا قوَّامًا، ذاكرًا الله -تعالى- في كل أمر، وعلى كل حال، رجَّاعًا إلى الله -تعالى- في سائر الأحوال والقضايا، وقَّافًا عند حدود الله -تعالى- وأوامره ونواهيه، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، فارغًا عن شهوات المأكل والملبس، لا لذَّة له في غير نشر العلم وتدريسه، عُرِض عليه منصبُ قضاء القضاة ومشيخة الشيوخ، فلم يقبل”[13].
أما شجاعته، فحدِّث عنها ولا حرج، لقد كان شجاعًا صامدًا أمام الموت، والشجاعة التي أبداها إزاء المغول، وثبات الجأش الذي ظهر به أمامهم، أثار استغراب الجميع[14].
يصفُه الحافظ سراج الدين عمر بن علي البزَّار بما يلي: “وكان إذا ركِب الخيل يجول في العدو كأعظم الشجعان، ويقوم كأثبت الفرسان، وينكي العدوَّ من كثرة الفتك بهم، ويخوض بهم خوض رجل لا يخاف الموت”[15].
مؤلفاته:
يقول الشيخ أبو الحسن الندوي – رحمه الله – عن خصائص ابن تيمية العلمية والتأليفية بعد أن ذكر الذخائر العلمية التي كانت في عصره: “يُبحِر ابن تيمية – بفضل ذكائه وقوة ذاكرته الموهوبة – في هذه الذخائر العلمية بأكملها، واستساغها فكريًّا، واستفاد منها في مؤلفاته استفادة كاملة، إلا أن نفسه الطموح المضطربة، وعقله النادر الكبير، وقلمه السيَّال البليغ، لم يكن كل ذلك ليقنعه بأن يكتفي بالنقل والرِّواية والشرح والتلخيص أو الاختيار، فما كاد يفارقه علمه العميق بكتاب الله -تعالى- واطلاعه الواسع الصحيح على مقاصد الشريعة، وملكته الراسخة في أصول الفقه وأصول التشريع في أي مرحلة من مراحل تأليفه… ولذلك لا نجد أي كتاب من كتبه يخلو من حقائق علمية جديدة، وبحوث ناقدة، ومباحث أصولية جديدة، بل إن مؤلفاته تشق طريقًا جديدًا لفهم الكتاب، وتفتح بابًا جديدًا في إدراك مقاصد الشريعة”[16].
ولن نعدِّد في هذه العجالة مؤلفاته الكبيرة في العقيدة، والفقه وأصوله، والتفسير، والحديث، قال الذهبي: “ولعل تصانيفه في هذا الوقت تكون أربعة آلاف كرَّاس وأكثر، وفسَّر كتاب الله -تعالى- مدة سنين من صدره أيام الجُمَع”، وهناك كتب كثيرة تحدثت عن مؤلفات ابن تيمية[17]، مع العلم أن أكثر كتبه تحوي بحوث العقائد، والفقه وأصوله، والحديث، والتفسير[18].
تأثير ابن تيمية في الفكر الإسلامي المعاصر:
تأثر الكثير من المدارس الفكرية العربية والإسلامية بفكر ابن تيمية ومنهجه السَّلفي في الدين والأخلاق والتربية ومنهج المعرفة.
♦ في الجزيرة العربية كان تأثير ابن تيمية واضحًا في حركة التوحيد التي بدأها الشيخ محمد بن عبدالوهَّاب، ومعروف دورُها في تاريخ الجزيرة العربية بخاصة، والأقطار العربية والإسلامية بعامة، ولقد وصف المستشرق “ورنكان ماكدونالد” هذه الحركةَ بأنها “النقطة المضيئة في تاريخ العالم الإسلامي خلال فترة الركود والجمود”، ووصفها المفكر والشاعر الإسلامي الكبير محمد إقبال بأنها أول نبضة حياة في تاريخ المسلمين الحديث، وأن آثارها قد استلهمتها بشكل مباشر أو غير مباشر جميعُ حركات الإصلاح في العالم العربي وفي الهند وإفريقية وغيرها[19].
وتأثَّرت به أيضًا مدرسةُ الشيخ محمد عبده وتلميذه الشيخ محمد رشيد رضا، ويظهر ذلك من خلال الأبحاث التي كانت تنشرها “مجلة المنار” التي صدرت في القاهرة في الفترة 1898 – 1935م، ولاقتِ انتشارًا واسعًا في مصر وخارجها.
♦ وفي المغرب دخلت أفكار ابن تيمية عن طريق الحركة السَّلفية بمصر، ووجدت صداها في الشيخ عبدالحميد بن باديس وجمعية العلماء المسلمين في الجزائر.
♦ وبعد الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية بدا تأثيرُ ابن تيمية واضحًا في مدرستينِ إسلاميتين؛ هما: مدرسة أبي الأعلى المودودي وسيد قطب، ومدرسة مالك بن نبي:
• أما مدرسة أبي الأعلى المودودي في القارَّة الهندية ومدرسة سيد قطب في العالم العربي، فنرى تأثيرَ ابن تيمية فيهما واضحًا، فقد استعملا المصطلحات ذاتها التي استعملها ابن تيمية، مثل: (الجاهلية)، و(إقامة حكم الله في الأرض)، و(لا إله إلا الله منهج حياة)، و(العبادة)، وربط ذلك بمفهوم الشهادتين[20].
• وحينما ردَّد حسن البنا عبارته: “يا قومنا، ندعوكم والقرآن في يمينِنا، والسنة في شمالنا، وأعمال السلف الصالح قدوتنا”، فقد كان يسير على نهج ابن تيمية من الدعوة إلى المنابع الصافية في القرآن والسنة وأعمال السلف الصالح[21].
• أما بالنسبة للمدرسة الثانية – مدرسة مالك بن نبي – فقد نشأت كمزيجٍ من التأثر بالاتجاه السلفي الذي بدأه عبدالحميد بن باديس، والتأثر بالخبرات الذاتية لمالك في التراث الإسلامي والتراث الأوروبي، ولقد اتَّجهت هذه المدرسة للتخصص في منهج التحويل النفسي والفكري أو “تغيير ما بالأنفس” كمقدمةٍ “لتغيير ما بالقوم”، ولقد عكس مالك بن نبي في كتبه: (شروط النهضة)، و(مشكلة الثقافة)، و(ميلاد مجتمع) الاتجاهاتِ التي وردت في كتاب ابن تيمية (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم)[22].
هذه نبذةٌ عن حياة إمام فاضل مجاهد، حمل السيف والسنان، كما حمل القلم والبيان، عالم تعلَّق قلبه وعقله وفكره بالكتاب والسنة والسلف الصالح – رضي الله عنهم – مفكر اتَّصل بالحياة، وأثَّر في مفكِّريها وعلمائها.
ولا بدَّ أن أذكر في ختام هذه العجالة عن حياة شيخ الإسلام ابن تيمية، أن هناك من العلماء مَن اختلف معه في أمور العقيدة والفقه، وهناك مَن رفعه إلى درجة عالية من العلم، وهناك من قدح فيه، وصدق الشيخ محمد أبو زهرة حين قال عنه: “إن المُشاهَد قديمًا وحديثًا أن الرجل الذي يختلف الناس في شأنه بين إعلاء وإهواء، لا بد أن يكون رجلاً كبيرًا في ذات نفسه، وعظيمًا في خاصَّة أمره، له عبقرية استرعت الأنظار، واتجهت إليها الأبصار… وكذلك كان ابن تيمية – رضي الله عنه – قد كان عظيمًا في ذات نفسه، اجتمعت له صفات لم تجتمع في واحد من أهل عصره، فهو الذكي الألمعي، وهو الكاتب العبقري، وهو الخطيب المصقع، وهو الباحث المنقب… وقد آته الله لسانًا مبينًا، وقلبًا حكيمًا، وقلمًا عليمًا”[23].