الحجاب في الإسلام هو رداء يضاف للملابس لكي يغطي المرأة, يختلف فقهاء المسلمين على ما إذا كان المقصود به تغطية الوجه و اليدين أيضا ام لا .. و إن كان أغلبهم يتفق على انه فريضة إسلامية. الحجاب أثار في القرن العشرين معارك ثقافية عديدة بين دعاة تحرير المرأة و على رأسهم قاسم أمين و هدى شعراوي .. و بين دعاة تدجين المرأة و على رأسهم حسن البنا و سيد قطب و مشايخ السلفية الوهابية. و الحجاب كظاهرة إجتماعية بدأت في الإنحسار بقوة منذ الثلاثينات و حتى أواخر الستينات و أوائل السبعينات, ثم مع سياسة الإستقواء بالأصولية الدينية ضد المد الشيوعي في الغرب و العالم كله و مع بزوغ عصر البترودولار بدأت الظاهرة ترتد تدريجيا حتى عاد الحال إلي ما كان عليه قبل الثورة الثقافية الحداثية في النصف الأول من القرن العشرين. الاحجبة الإسلامية بدرجاتها قد تبدو مجرد ملابس عادية للبعض لا ضرر منها لو كانت بناء على إختيار حر من المرأة التي ترتديه, متجاهلين أو جاهلين بأنه كظاهرة دينية لها مضامين عديدة .. بعكس أي موضة او تقليعة أخرى تظهر و تختفي. ناسين او متناسين ان الحجاب كان دائما مرتبط بتعليم المرأة و عمل المرأة و الحقوق السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية للمرأة .. مقتطعين الظاهرة من سياقها و مختصرينها في هذة القماشة التافهة المسماة “حجاب”.
بفضل جبهة تحرير المرأة من أيام محمد عبده و قاسم أمين .. و اليوم الذي قامت فيه صفية زغلول وسيزا نبراوي بخلع غطاء الوجه بعد عودتهما من مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي الذي عقد في روما 1923, و حتى أصدر الحبيب بورقيبة في تونس منشور سنة 1981 المعروف بإسم “المنشور 108” واصفا الحجاب بالزي الطائفي .. أمكن تحقيق بعض النجاحات. طبعا الزي إسلامي و ليس طائفي حسب قول القرآن (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى : الاحزاب 33) و أيضا (يآ أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن : الاحزاب 59). إنما الحجاب هو مجرد حجة للصراع بين تياري العلمنة و الأسلمة و هو يعتبر رمز و الشكل الظاهر للصراع بين حركتي تحرير المراة و تدجين المرأة. الحجاب يمكن النظر إليه بعدة وجهات نظر و يمكن قياسه كظاهرة طبيعية بعدة معايير .. إنما لأن الحجاب تم معايرته بمعيار المرأة و حقوق المراة و تطور و ترقي المرأة في الشرق الأوسط كثيرا, فهذة المقالة تهتم اكثر بمعايير أخرى للقياس. معيار الإسلام النقاب غير ملزم و الحجاب المحتشم كافي جدا .. و هناك نماذج حداثية من الإسلام تنكر ان الحجاب فريضة أساسا, بينما المتشددين من السلف ينكرون الحجاب لصالح النقاب و يعتبرونه هو الفريضة.
معيار العقل الإسلام خطأ و على باطل .. و كل ما يبنى على باطل هو أيضا باطل, و بالتالي فالحجاب و النقاب و كافة أشكال التغطية الإسلامية للنساء هي أيضا خطأ و على باطل.
معيار الأمن النقاب مشكلة أمنية. إخفاء الوجه هو حركة تقليدية و طبيعية جدا يقوم بها كل من يقوم بسطو مسلح أو ينوي الإتيان بعمل إجرامي ما و يخشى من التعرف عليه بعد ذلك. لذلك فلبس النينجا هذا أو كيس القمامة الأسود القبيح ليس مشكلته قبحه فقط, بل هو يخفي كمية ضخمة من الإنحرافات و التجاوزات لا يمكن تخيلها !! فلأن كل شئ يكون مخفيا يمكن ان يكون ما بداخل الكيس الأسود أي شئ بمعنى أي شئ : ربما إمرأة عادية مقهورة أو متخلفة عقليا, ربما رجل ينوي إرتكاب جريمة أو هارب من أحكام, ربما إرهابي ينفذ عملية إرهابية, ربما عشيق إحدى النساء المتزوجات يأتي إلي منزلها في حضور زوجها على أساس أنه إمرأة تقية متدينة زيادة (حدث بالفعل و كثيرا), ربما نينجا من اليابان يسعى لسرقة سيف مسحور, ربما كائن فضائي من كوكب آخر و يتجول بيننا لدراسة كوكب الأرض, و ربما مجموعة من الأطفال تقف على أكتاف بعضها البعض لكي تشتري علبة سجائر !! النقاب مشكلته أمنيا هو إخفاء الوجه, لا يختلف أبدا عن أي واحد يغطي وجهه بقناع أو شراب قبل أن يسطو على بنك او الملثمين البلطجية الذي يتهجمون على الآمنين. في كل الأحوال إخفاء الهوية الشخصية خطر على الأمن العام, أما الحجاب فلا مشكلة فيه أمنيا لانه كاشف للوجه ولا يمنع الناس من التعرف على شخصياتهم.
معيار الطبيعة البيولوجية نحن جنس القرود البشرية قد فقدنا القدرة (او معظمها) على تمييز الشخصيات بواسطة حاسة الشم مثل الحيوانات, ربما لو كنا نستطيع التعرف على الآخرين بالشم فقط لما كان للنقاب أي مشكلة. الحيوانات تعرف بعضها بالرؤية و الشم و غيرها, و هي تثار جنسيا بالشم أيضا .. حين تفرز الإناث في موسم التزاوج روائح معينة تهيج المشاعر الجنسية لدى الذكور. لكن بالنسبة للبشر فالإثارة الجنسية منبعها العين أساسا, رؤية الجسد الأنثوي عاريا او شبه عاري كفيل بتهييج مشاعر أي ذكر لا يعاني من مشاكل صحية تخص الجنس.
و السبب في ذلك ليس أن إناث البشر جميلات .. إطلاقا, ليس هذا هو السبب. الحيوانات كلها لا ترتدي ملابس و تعيش عارية طوال الوقت و مع ذلك لا تشعر بالإثارة الجنسية من منظر الإناث العاريات .. و القرود البشرية ليسوا مختلفين عن أيا من هؤلاء الحيوانات. لذلك فالإثارة الجنسية المرتبطة بالعري الأنثوي نشأت فقط بسبب الإرتباط الشرطي لا أكثر ولا أقل. طبعا هناك آلية طبيعية إسمها الإنتخاب الجنسي (تعمل بالتوازي و أحيانا تتقاطع مع الإنتخاب الطبيعي) و هذة الآلية هي ما تجعل الذكور و الإناث في كل أنواع الكائنات الحية (التي تتزاوج جنسيا بالطبع) يتسابقون بالشكل و الصوت و الممارسة لإثارة إعجاب الجنس الآخر و تحفيزهم من أجل التزاوج. و هذا الإنتخاب الجنسي هو ما يفسر أشياء مثل جمال ريش ذكر الطاووس مثلا, على أساس أن الوانه المتعددة غير مفيدة في سباق التكيف أو الهروب من الاعداء .. لكنها تطورت من أجل لفت نظر الإناث.
لكن لأن القرد البشري هو قرد عاري أملس بالنسبة لبقية أنداده من القرود المشعرة فهو يعاني من ضعف نسبي في مواجهة عوامل الطبيعة الجوية بالذات, و هو ما حاول تعويضه بإختراع الملابس كطريقة للتكيف مع عوامل الجو. و من خلال التاريخ التطوري للقرد البشري تحولت الملابس من طريقة لمجاراة عوامل الجو و التكيف مع الإنتخاب الطبيعي إلي طريقة للإنتخاب الجنسي .. حيث أصبحت الملابس بالنسبة للذكور و الإناث على حد السواء مثل ريش الطاووس الملون. و لأن الناس لا تمارس الجنس عادة إلا عرايا بينما يعيشون حياتهم دائما و هم مرتدين لملابس ما طوال الوقت .. حدث إرتباط شرطي في لاوعي الذكر البشري بين العري و الجنس. و بالتالي فهو إرتباط مستحدث و ثقافي-إجتماعي و ليس إرتباط غريزي أو طبيعي بأي شكل من الأشكال.
و يمكن ملاحظة هذة الظاهرة من خلال التباين بين المجتمعات. فالمجتمعات التي تتعرى فيها النساء و الرجال بشكل إعتيادي (نسبيا) و على الملأ .. لا يكون العري مثير جنسي بنفس قوة المجتمعات التي تغطي الجسد كله بالملابس و الأقمشة طبقات فوق طبقات .. و هو ما أفسح مكانا لآلية جديدة مستحدثة سماها الناس “الحب”, حيث تكون الجاذبية الشخصية و الكيمياء العاطفية مثير و حافز يدعم الحافز الجنسي الجسدي الحسي. إنما القرد البشري يثار جنسيا بالرؤية غالبا و بالسمع أحيانا ثم باللمس وقت الممارسة, و لذلك فكلما تم تغطية الجسد الأنثوي بشكل دائم و سلطوي في المجتمع كلما تم دفع الغريزة الجنسية لدى الذكور إلي الإعتماد على وسائل أخرى للإثارة الجنسية, و كما تم إستبدال الشم بالنظر .. يتم إستبدال النظر بالخيال ! و لأن النظر مهما كان فهو محدود و يمكن التحكم فيه بعكس الخيال, لذلك نجد المجتمعات التي يكون فيها العري مقبول نسبيا أن الغريزة الجنسية اهدأ و العكس صحيح. لأن الجسد حين يغطى كله يتم ترك الغريزة الجنسية كلها للخيال يفعل بها ما يريد طوال الوقت, بينما لو كان الذكر يرى اجزاء متفرقة من جسد الأنثى في الحياة العامة و بشكل إعتيادي و معلن و مقبول و شرعي .. فهذا سيؤدي تلقائيا إلي خفض درجة الإثارة الجنسية لدى الذكر بطريقة تجعل الغريزة أسهل للتحكم فيها و الذكر البشري أكثر تحضرا و تمدنا بالتالي.
لهذا نجد أن المجتمعات التي ترتدي فيها النساء الملابس القصيرة و الكاشفة بشكل إعتيادي معلن, لا تعاني من التحرش أو الإعتداء الجنسي إلا كحالات فردية مستهجنة .. بينما المجتمعات المتدينة المتزمتة التي تغطي كل جسد المرأة تدفع الرجال تلقائيا لكي يكونوا متحرشين و سفلة ! و يسهل فهم ظاهرة التحرش و مدى إرتباطها بإنتشار الحجاب و النقاب بملاحظة تطور المجتمعات العربية في القرن العشرين : ففي الخمسينات و الستينات حين كانت النساء ترتدي الميني جيب و الميكروجيب و الفساتين المفتوحة الجميلة كان التحرش حالات فردية نادرة .. ثم كلما إنتشر الحجاب و النقاب كلما إنتشر التحرش و التعدي و الإيذاء الجنسي, المزيد من الأحجبة و الأغطية = خروج الغريزة الجنسية من إمكانية التحكم فيها = مزيد من الإنفلات الجنسي !!
ثم حين نجد ان كلفة الزواج عالية بالنسبة لقطاعات كبيرة من الشباب, مع هذا التحفيز الجنسي المبالغ فيه و إثارة الخيالات الجنسية بهذا الغموض و السرية الذي يكتنف جسد المرأة, مع تحريم و رفض أي علاقة بريئة بين الجنسين خارج إطار الزواج .. يمكننا ان نفهم سبب هذا الهوس الرهيب بالجنس و الإستغلال الجنسي للمرأة الذي تعاني منه مجتمعاتنا المتدينة. لأن تفشي الأحجبة و الأغطية على المرأة لا يكون ظاهرة منفردة عادة, بل يكون توجه إجتماعي عام و شائع للتضييق على الممارسة الجنسية و نزع الشرعية و الطبيعية منها إلا في أضيق الحالات .. بينما الطاقة الجنسية ثابتة تقريبا مما يدفعها للخروج و التعبير بأشكال غير شرعية و غير حضارية. لذلك نجد أن هذا النوع من المجتمعات يدفن رأسه في الرمال و يعيش حالة إنكار مزمن لغريزته الجنسية و إنجذابه الجنسي .. معتبرا الجنس نجاسة و نقطة ضعف تتسبب فيه المراة بجمالها الشرير و أنوثتها الشيطانية ! على أساس أن الحافز يمكنه أن يعمل لو لم يكن هناك دافع أصلي !! و لذلك نرى العنف ضد المرأة و حصارها امرا عاديا تقليديا بل و محبذا محبوبا .. خصوصا من رجال الدين !!
طيب إذا إفترضنا ان هذا الكلام صحيح و ان تحجيب و تغطية المرأة هو مشكلة أمنية و يتسبب في إنتشار التحرش و الإستغلال الجنسي و كراهية النساء بل و إحتقار الذات بسبب الميل الغريزي للنساء و عيش حالة من حالات التغييب و إنكار الواقع .. و حتى قتل بهجة من اهم مباهج الحياة و هي رؤية النساء فخورات بانوثتهن و متصالحات معها و الرجال فخورين برجولتهم و متصالحين معها, ناهيك عن إنتشار المثلية الجنسية بين قطاعات ما كانت لتمارسها لولا رفض المجتمع للعلاقة الحلوة الطبيعية بين الرجل و المرأة : ما الذي سيؤدي إليه هذا ؟!!
كما ان 1+1=2 كذلك فلا مفر من أن إنتشار التحرش الجنسي و تفشي الهوس الجنسي و كراهية النساء إنما يكونوا أول الغيث فقط .. فالدول التي تغطي نساءها ستعاني من تفشي حالات الإغتصاب العلني في الشوارع برضا و رعاية من المجتمع كالعادة مع التحرش ! و كلما زاد الفقر كلما زادت المشكلة توحشا و كارثية, بسبب صعوبة الجنس الحلال من خلال الزواج الشرعي ! ربما سيعتبر البعض هذا التوقع مبالغ فيه و غير علمي .. لكن المعطيات محكمة و التدرج مستمر منذ السبعينات و القراءة موضوعية جدا و الأيام وحدها ستثبت أو تنفي هذة القراءة .. فإن زاد إنتشار الأغطية على النساء سيزداد الإنفلات الجنسي تلقائيا, و إن قل الإنتشار قل الإنفلات تلقائيا أيضا !
معيار الإنسانية النقاب و الحجاب كأزياء موحدة ملزمة للنساء فقط (و ليس الرجال) لها طابع إستعبادي أو إستملاكي ذكوري ضد النساء, فتغطيهم قد لا تختلف كثيرا عن تغطية السيارات بالأقمشة حتى لا تتسخ. و لذلك فموافقة او رغبة أي إمرأة ان ترتدي الحجاب او النقاب لا تختلف ذرة عن موافقة و رغبة بعض العبيد سمر البشرة ألا يحصلوا على حريتهم في أمريكا قبل لينكولن و في كل مكان في العالم قبل ان يتم منع الرق و العبودية بالقوة الجبرية .. سواء أراد العبد حريته او لم يريد.
و العلة ليست في النساء أو سمر البشرة أو أي فئة بشرية بعينها, فهناك نوع من البشر هو ببساطة لا يريد حريته و يسعى لبيعها لمن يدفع فيها ثمنا كافيا أو بيعها لأول مشتري يجدونه .. أو حتى ترك حريتهم عند اول ناصية واضعين عشرة جنية فوقها لإغراء أي عابر في الشارع بإلتقاطها. ببساطة هناك ناس كثيرة لا تريد أن تشعر بالإستقلال أو أن يتحكموا في مصائرهم, هم ببساطة لا يريدون التحرر لان الحرية حمل ثقيل عليهم (مع التحفظ على مفهوم الحرية فلسفيا و علميا لأنه خرافي). هم لا يريدون ان يقعو في حيرة الإختيار و البحث و تحمل مسئولية الإختيار و التورط في تجارب جديدة .. لذلك يضحون بإرادتهم لصالح أي واحد, هذة الفئة قد نجدها في النساء و الرجال و البيض و السود و الملونين و غيرهم, لانها طابع نفسي شخصي و ليست مسألة عضوية.
الموقف البديهي هنا ان يتم تحرير النساء -كل النساء- من الأساس كما حدث مع سود البشرة, و بعد ذلك من يريد ان يبيع إرادته لمن يشتريها فليفعل, إنما بدون غطاء شرعي أو قانوني من الدولة او المجتمع. و بالتالي فإجبار النساء التي تريد أن تتحجب أو تتنقب هو واجب إنساني على نزع أطواق عبوديتهم هو واجب أخلاقي (خصوصا لو كانوا نساء بسيطات غير متعلمات تعودوا على الخضوع و المسكنة ولا يريدوا أن يتحملوا مسئولية أنفسهم) بعد ذلك فليبيعوا إرادتهم لو أرادوا, إنما في السر و ليس في العلن. و إن كان من الأفضل أن تسعى الدولة و يسعى المجتمع لرعاية ضعفاء الإرادة و غير القادرين على عيش حياتهم بإستقلال .. بحيث تساعد نفسياتهم و شخصياتهم على النضج و النمو بدلا من أن يتعرضوا لإستغلال كل مستغل و استعباد كل مستعبد.
معيار العلمانية الحجاب و النقاب ليسوا من ضمن الحقوق الفردية, لأن الحجاب و النقاب هم أشياء مختلفة عن الإحتشام او العفة. المرأة التي تريد أن تمشي في الشارع محتشمة هذا حقها و تعبير مشروع عن شخصيتها بالطبع. و يمكن للنساء تعبر عن الطباع أو الميول بالملابس التي تريدها طبعا .. من أقصى ملابس فاضحة إلي أقصى ملابس محتشمة. إنما الحجاب و النقاب باشكالهم المعروفة المميزة ليسوا مجرد إحتشام في اللبس, بل هم رموز دينية أساسا .. رموز دينية واضحة و فجة, تستغل الحقوق الزائدة التي تعطيها العلمانية للأديان لكي تمارس الدعاية للدين (الإسلام في حالتنا هذة). حيث يفترض في الدولة العلمانية أن الدين برغم غباؤه و تخريفه يكون ممارسة خاصة في دور العبادة او المنازل الخاصة فقط, و بدون أي محاولة لصبغ الحياة السياسية و الإجتماعية بصبغته .. أو الترويج لنفسه بالدعاية و الإعلان مستغلا الحقوق الزائدة التي يدافع عنها الغرب مثل الملابس الموحدة أو الشارات أو الأزياء الرسمية من أي نوع. و لذلك فالحجاب و النقاب يدخلو في دائرة الأزياء الموحدة الرسمية و ليسوا في دائرة الحق في إرتداء ملابس محتشمة/فاضحة.
و لذلك شائع جدا أن أن يثار لغط و بلبلة قانونية و حقوقية في الدول العلمانية التي إستطاعت تدجين الأديان الموجودة فيها, حين يدخل إليها الإسلام البدائي الغير مدجن فيحاول أن يستغل الحقوق العلمانية الزائدة لكي يتحكم في المجنمع .. و من ثم في الدولة و النظام. و لذلك هناك دائما ناس مغيبة أو لا تعرف الإسلام أو متعاطفة مع التخريف الديني بوجه عام أو منحازة لإعطاء حقوق زائدة للناس حتى لو كان هذا سيسبب أضرارا بالغة, و هؤلاء الناس يحاولون الدفاع عن الأحجبة و الأغطية على أساس أنها حق فردي و إختيارات شخصية للنساء في إرتداء الملابس. هم يتجاهلون طبعا ان الدولة لا تفرض عريا ولا إحتشاما على أحد و الحريات الشخصية في تعبير المرء عن نفسه بديهية ولا مشكلة فيها .. إنما الأزياء الموحدة الدينية من أجل الدعاية و الإعلان و إظهار إنتشار الدين في المجتمع هي المشاكل العلمانية مع الأحجبة و الأغطية الإسلامية, و ليس الإحتشام/العري. إنما من تريد ان ترتدي ملابس محتشمة لها كل الحق في ذلك, على ان لا ترتدي زيا رسميا موحدا مثل نساء الجيش أو الشرطة أو الممرضات إنما لصالح دين أسود بربري مثل الإسلام. لو تريدين الإسلام يا أختاه فليكن هذا لنفسك, و لو تريدين الإحتشام يا أختاه فليكن هذا لنفسك .. إنما لا تمشي في الشارع تروجين لإسلامك و تخاريفك مثل تاكسي يحمل إعلانات.
طبعا نفس المبدأ ينطبق على كل دين مخرف بدائي أيضا, و أي أردية أو قبعات أو أشكال مرتبطة بدين معين .. يجب منع إنتشارها في المجتمع مثل الوباء بهذا الشكل, و سواء إرتداها رجال أو نساء.
أسلمة المجتمعات بتقييم الحجاب و الشادور و النقاب و البرقع كتطور طبيعي لتغطية النساء من مناظير/معايير مختلفة, لا يمكن للمرء إلا أن يبدأ في النظر للصورة الكلية. فإجبار و تحفيز النساء المسلمات لإرتداء الزي الرسمي الإسلامي الموحد لا يختلف ذرة عن تحفيز و إجبار الرجال على إتباع مواصفات شكلية قياسية بإدعاء أنها تشبه شكلي بالنبي محمد, و هي في الحقيقة لا تختلف عن الحجاب في كونها شكل موحد و أسلمة للمجتمع. اللحية الطويلة المشعثة و الجلباب الأبيض القصير هما المعادل الذكوري للنقاب, بينما اللحية القصيرة المهذبة و الملابس العادية هي المقابل الذكوري للحجاب .. و في النهاية يفترض أن يتحول جميع الناس إلي النموذج الإسلامي سواء كانوا ذكورا أو إناث. غالبا يعتبر النقاب و البرقع أصعب على المرء من اللحى و الجلاليب البيضاء .. بسبب حجب الوجه و الرؤية .. إنما التضييق على الأنثى يهدف إلي دفعها إلي المكوث في المنزل و ترك العمل و التبعية الإقتصادية للرجل بحيث يسهل التحكم فيهم, و هي الممارسات التي تشكل ما يعرف بإسم المشروع الإسلامي أو أسلمة المجتمعات.
و أسلمة المجتمعات نشأت كردة فعل على عصرنة المجتمعات أو تحديث المجتمعات الذي بدأ في العصر الحديث منذ الحفلة الفرنسية و حكم محمد علي في مصر. تدريجيا بدأ الحكام يؤسسون دولة وطنية عصرية و ينشرون تعليم علمي علماني بدلا من التعليم الديني و يفرضون قوانين وضعية علمانية إلي حد كبير لأنها منحولة من القوانين الأوربية .. يحميهم شرطة وطنية و جيش وطني نظامي.
طبعا كان هذا التحديث قسريا و من أعلى لأن الحداثة لم تنشأ في الشرق الأوسط بل الأديان الإبراهيمية الرجعية المتخلفة .. و هو ما أنتج حركة مقاومة ضد الحداثة كبرت و تضخمت كلما زادت وتيرة العصرنة و عجلة التحديث. كل هذا كان يحدث بشكل لا يصطدم مع الدين نظريا و إن إصطدم به عمليا بقوة, إلا أن الحركة الرجعية السلفية الإسلامية إكتسبت زخما و قوة يوم سقطت الخلافة العثمانية في يوم 3 مارس 1924 .. حين صوّت البرلمان التركي على إلغاء نظام الخلافة بعد أن كان مصطفى كمال قد أعلن قيام الجمهورية التركية.
حينها أفرز المجتمع تنظيم مثل “الإخوان المسلمين” يتلخص كل مشروعه في إعادة العجلة إلي الوراء, إلي ما قبل حكم محمد علي و ما قبل الحملة الفرنسية على مصر و حدوث الصدمة الحضارية التي أركعت البلد و أركعت الثقافة لصالح التحديث و العصرنة حينا. و منذ سقوط الخلافة و إفراز المجتمع لهذا الدمل المسمى “الإخوان المسلمين” حتى بدأ مشروع الغاء-التحديث المحدود الذي تم فعلا أو الأسلمة (إختصارا) في مصر و منها و من المنطقة الباكستانية إنتشر إلي بقية انحاء الشرق الأوسط و العالم.
ثم ظهر عنصران آخران يمكن إعتبارهما كمحفزات للتفاعل أعطوا مزيد من القوة لحركة الأسلمة : العنصر الأول هو الحركة الشيوعية التي نجحت في الإستيلاء على الحكم في روسيا .. و هي حركة تهدف أساسا إلي إستخدام القوة الغاشمة المركزية لتحديث المجتمعات و قد أنتجت ردة فعل قوية ضدها أيضا بقدر ما كانت غاشمة. العنصر الثاني هو بزوغ عصر البترودولار و ما زاد من وتيرة و إنتشار حركة الأسلمة و السلفنة لمجتمعات الشرق الأوسط حتى اوقفت التطور العلماني بعد ان بلغ مداه .. و حدثت الردة الكبرى فبدأت المجتمعات في الرجوع إلي الوراء حتى أصبحت المنطقة تعيش ثقافيا في عصر ما قبل قاسم أمين.
ثم في العصر الحديث و مع النجاح الساحق لحركة الأسلمة في إرجاع المجتمع عقودا إلي الوراء بالعمل ضد عقارب الساعة, بدأت الأسلمة في مغادرة أراضيها و الهجرة إلي أراضي تعطي حقوق و حريات لا حد لها على كافة أنواع التخريب الديني .. البلاد العلمانية.
العلمانية يمكن تسميتها بصلح مكتوب و محمي بين التحديث العلمي و الأصولية الدينية .. و هو صلح تحاول الاديان إستغلاله أبشع إستغلال و على رأسهم الإسلام الأكثر تعصبا للرجعية (السلفية). الأصولية المسيحية في أمريكا مثلا تحاول الإنقضاض على التعليم العلمي العلماني و إدخال صياغات متحذلقة من قصة الخلق التوراتية إلي المناهج, كما تحاول تعطيل البحث العلمي (أبحاث الخلايا الجذعية مثلا) و منع التطور الحقوقي (الإجهاض و الموت الرحيم و زواج المثليين مثلا).
إلا أن القوة القانونية و الإجتماعية للحداثة في امريكا هي ما تحول دون ذلك، ما يجبر الاصولية المسيحية هناك على غسل دماغ أطفالها بالخزعبلات التوراتية والإنجيلية على أمل النجاح بعد حين في القضاء على العلمانية.
إنما ضعف و هشاشة الحداثة في الشرق الأوسط هي ما جعلت الردة للهمجية و البداوة أسهل كثيرا. اما اوربا التي أنتجت الحداثة و التنوير أساسا فقد بدات في مواجهة عدو جديد بعد ان كادت تنهي على المسيحية نهائيا, و هو الإسلام المهاجر. الإسلاميين هناك ينجذبون إلي بعضهم كالمغناطيس فيحاولون العيش في جيتوهات و احياء خاصة بهم, و يستغلون العلمانية في الترويج للإسلام لناس لا تعرف الإسلام .. إلا أن هذا يكسبهم نموا له قيمة. التحدي الكبير الذي تواجهه اوربا حاليا هو أن النمو السكاني الضعيف او حتى السلبي للأوربيين الأصليين يواجه نمو سكاني منفلت من المهاجرين المسلمين و الإسلاميين خصوصا .. و هو ما سيحدث تغييرات ديموجرافية كارثية في العقود القادمة. و حاليا تحاول الأقليات الإسلامية في إنجلترا و فرنسا و غيرها من الدول الاوربية ان تفرض شريعتها البربرية و لو في منطقها السكنية, كحكم عرفي أهلي موازي لحكم الدولة العلماني !
إستراتيجيات الأسلمة للمجتمعات تبدو أسهل في المجتمعات الليبرالية العلمانية, فحرية التدين و بناء دور العبادة و حرية التعبير و الدعاية للدين و التكاثر المنفلت على طريقة البكتيريا و الحشرات .. كلها حقوق و حريات مكفولة بالدستور و القانون. و الأصولية الإسلامية تحاول إستغلال مناخ الحرية و الليبرالية هذا أبشع إستغلال .. و هو ما يثبت عمليا و دون أي مجال للهروب أن العوار الواضح في العلمانية و بطلان الليبرالية, يثبت أن العلمانية يمكن إستغلالها بسهولة من اجل القضاء على العلمانية كما ان الحرية يمكن توظيفها للقضاء على الحرية.
الحل هناك لن يخرج عن أحد الحلين, الإحتفاظ بالحريات و الحقوق الزائدة عن الحاجة هذة مع إستثناء الظاهرة الإسلامية .. و هو حل موضعي و مؤقت لأن النظرية ثبت بطلانها و فسادها بالإسلام. المفترض أن الديموقراطية التي تنتج هتلر هي ديموقراطية حمقاء, و العلمانية التي تحمي الإسلام هي علمانية حمقاء .. و الأنظمة الحمقاء يجب تعديلها أو إستبدالها و ليس تمديد عمرها حتى يسقطها تهديد آخر.
منقول من بلوك العلموية