لماذا قتل طالب مسلم إماما سابقا ومدرسا للقرآن الكريم؟ والجواب عن هذا السؤال، بحسب ما توصلت إليه محكمة بريطانية في مدينة مانشستر، هو التعاطف مع تنظيم داعش، حيث أدانت المحكمة ما قالت إنه عمل “غريب”، ومؤامرة لقتل إمام في مدينة مانشستر الكبرى.
وهذه ثاني جريمة دينية مماثلة تحدث في بريطانيا مؤخرا
وتساءلت هيئة الإذاعة البريطانية عن دافع الطالب محمد حسين سيدي لقتل الإمام جلال الدين، الذي اتهم بممارسة السحر.
وجاء في تقرير نشر على موقع “بي بي سي” الإنجليزي: “في ليلة 18 شباط/ فبراير، تناول جلال الدين طعام العشاء في بيت صديق له، بعد أداء الصلاة في جامع الجلالية في منطقة روتشديل، وعندما غادر الرجل البالغ من العمر 71 عاما إلى بيته، فقد تبعه شخص عندما كان يسير في الحديقة العامة، وبعد ذلك بفترة قصيرة تلقى ضربة على الرأس، فيما يعتقد أنها مطرقة، ونظرا لقوة الضربة التي تلقتها الجمجمة، فقد وصلت إلى الدماغ، وكسرت أسنانه الاصطناعية، وعثرت عليه بنتان في مكان لألعاب الأطفال في الحديقة، ومات في المستشفى لاحقا”. ويذكر الموقع أنه بعد أيام، هرب المهاجم محمد عبد القادر من البلاد إلى تركيا، ويعتقد أنه دخل إلى سوريا، مشيرا إلى أن محمد حسين سيدي كان متآمرا معه، حيث وفر له سيارة للهروب من مكان الحادث، ولم يكن هو الذي ضرب الإمام بالمطرقة، إلا أن هيئة المحلفين عدته متورطا في المؤامرة، وأدانته على ذلك.
ويتساءل التقرير، الذي ترجمته “عربي21″، قائلا: “لكن ما هي دوافع قتل الإمام، الذي كان معروفا في مجتمعه، ويقوم بعلاج الناس بالطرق الروحية؟ والجواب هو أن طريقته هذه لم تكن تعجب القاتلين اللذين اعتبراها شعوذة”.
وينقل الموقع عن البروفيسور روبرت غليف من جامعة إكستر، والأستاذ في الدراسات العربية، قوله إن مفهوم السحر في الإسلام مثار جدل، فهناك من يعد استخدام السحر والتمائم لإبعاد الشيطان وجلب الحظ أمرا “إيجابيا”، و”خدمة جيدة للمجتمع”، فيما يرى آخرون السحر أنه طريقة تسبب الأذى للناس.
ويلفت التقرير إلى أن المحكمة وجدت أن جلال الدين كان يمارس “التعويز/ التعويذ”، وكان الناس يأتون إليه، ويطلبون خدماته، مشيرا إلى أن التعويز/ التعويذ هو اسم يستخدمه المسلمون في جنوب آسيا من أجل حماية الشخص من التأثيرات الشيطانية، وهو مقابل لاسم “الرقية” في اللغة العربية، التي اتفق فيها العلماء المسلمون على استخدام آيات قرآنية وأحاديث نبوية عندما يطلب الشخص مساعدة، بسبب مشكلات أو مرض أصابه، ولا يقبل من يتبعون السلفية، بحسب البروفيسور غليف، “التعويذ”، ومن يقوم به “فقد ارتكب إثما، ومن أصر على استخدامه فقد أصبح مشركا”، والتعويذة هي عبارة عن كلمات تكتب على ورقة بطريقة معينة قبل أن توضع في صندوق صغير أو حافظة تعلق كقلادة يحتفظ بها الشخص لنفسه.
ويذكر الموقع أن نشاطات جلال الدين لفتت انتباه سيدي وعبد القادر، اللذين كشف في المحكمة أنهما من المتعاطفين مع تنظيم الدولة والداعمين له، مشيرا إلى أنه بحسب الإمام المقيم في ليستر الدكتور أثير حسين، فإن “ممارسة السحر ممنوعة بالتأكيد، هي ممنوعة في ديننا، لكن المتشددين لا يفهمون (التعويذ)، ولأنهم لا يفهمونه، فإنهم يفترضون أنه سحر، ولهذا فهو حرام”، وأخبرت المحكمة أن كلا من سيدي وعبد القادر كتما كراهية شديدة لجلال الدين، انتهت بالتآمر على قتله.
وينوه التقرير إلى أن هيئة المحلفين استمعت من سيدي، طالب الهندسة من روتشديل، الذي كان يعمل متعهدا في مباريات نادي مانشستر، وعرف عن نشاطات جلال الدين في آب/ أغسطس 2015، وكانت خطة سيدي وزملائه تقضي بترحيل جلال الدين، الذي عرفوا أنه تجاوز المدة القانونية لتأشيرته، ولهذا طُلب من سيدي مراقبته، لافتا إلى أن جلال الدين جاء إلى بريطانيا عام 2002، للعمل إماما، واعتمد على المجتمع لدعمه، الذي كان يرحب بخدماته؛ بسبب معرفته بالقرآن.
وبحسب الموقع، فإنه قيل للمحكمة إن دائرة الهجرة طلبت من المتآمرين صورة وعنوانا للإمام قبل أن تبدأ بالتحقيق، مبينا أن المشكلة هي أن جلال الدين لم يكن يقيم في مكان واحد.
ويفيد التقرير بأنه مع زيادة الكراهية ضد جلال الدين، فقد قرر المتآمران، كما أخبر سيدي المحكمة، “فضحه أمام الناس”، و”هذا ما كنت أركز عليه”، وفي تلك الفترة وضع صديق صورة جلال الدين مع نائب روتشديل سايمون دانزوك في مسجد الجلالية على تطبيق “واتساب”، وتحتها تعليق يشير إلى أستاذ السحر فولديمورت في مدرسة السحر، التي صورها عالم “هاري بوتر”، وقال سيدي إن عبد القادر، الذي كان يعرف بالخطة، اقترح متابعة جلال الدين للتعرف على مكان إقامته.
ويبين الموقع أنه في ليلة الجريمة كان المتآمران يتجولان بالسيارة حول روتشديل عندما شاهداه، وقال سيدي إن عبد القادر كان يريد استخراج التعويذة من جيب جلال الدين، ليقدمها للجنة المسجد، ولهذا نزل من السيارة وتبعه وهو يسير في الحديقة، وعاد بعد 90 دقيقه فارغ اليدين؛ لأنه شاهد بعض الأشخاص، كما قال سيدي للمحكمة.
ويستدرك التقرير بأن محامي الادعاء بول غريني، قال إن سيدي كان يعرف بخطة عبد القادر لقتل الإمام، وأضاف غريني: “هذه جريمة دافعها الحقد، وضربه الفم كان أمرا رمزيا لإسكاته، بمعنى (لن تقول أي شيء لا أقبله)”.
ويورد الموقع أن المحكمة علمت أن سيدي وجماعته تبادلوا رسائل مؤيدة لتنظيم الدولة على “فيسبوك” ومواقع التواصل الاجتماعي، في الفترة ما بين آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر 2015، بالإضافة إلى رسائل حول التعويذ، ما جعل أحدهم يعلق: “قال محمد اقتلوا الساحر”، مشيرا إلى أنه بعد الجريمة فقد فتشت الشرطة بيت سيدي، وعثرت على مواد محفوظة على هاتفه لتنظيم الدولة، منها صورة له وهو يحمل علم التنظيم ويقف تحت علامة تشير لروتشديل باعتبارها “منطقة حرب”، وعثر المحققون على كمية من المواد والقبعات التي تحمل علامات جهادية، وكان سيدي سافر في عام 2013 إلى سوريا مع قافلة مساعدات، ما “أدى إلى تغير طريقة تفكيره، وأصبح أكثر تشددا”، بحسب المحكمة.
ويختم “بي بي سي” تقريره بالإشارة إلى قول البروفيسور غليف، إن عقاب السحر والتعويذ هو الإعدام عند تنظيم الدولة، الذي قطع رؤوس عدد ممن اتهمهم بممارسة السحر.