الجدل الديني إذ يتحول إلى صراع اجتماعي وأسري بدلا من التنوع والفردانية!
29أكتوبر 2016بقلم إبراهيم غرايبة
“الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه”[1]
ثمة اختلاف وجدل ديني كبير وممتد في الأفكار والمعتقدات يحدث اليوم في المجتمعات والأسر والمؤسسات بين الأفراد والأجيال والاتجاهات والجماعات والمذاهب، وتنشأ بسبب ذلك خلافات اجتماعية في العمل والأسر والإخوة والأقارب والأصدقاء والزملاء، وقد يتحول إلى خلافات عائلية مزعجة بين الآباء والأبناء أو بين الأزواج تصل إلى الانفصال والقطيعة، وتتدخل فيها المحاكم.
ويلاحظ في هذه المرحلة الانتقالية التي نعيشها وما فيها من تحولات كبرى، أن كثيرا من الناس وبخاصة الجيل الجديد يراجعون كثيرا من البديهيات والأفكار التي حملها الجيل السابق، باعتبارها مسلمات لا تقبل المناقشة والردّ، أو بالنظر إليها مقدسات لا تحتمل المخالفة أو النقض، .. وفي ذلك تحدث أزمات نفسية وصراعات خفية وظاهرة بين الأجيال وفي المجتمعات والأسر والمؤسسات.
لقد ارتبطت إدارة ومعالجة الأفكار والمعتقدات بتطبيقات متراكمة وراسخة لم تُراجع أو تناقش ومستمدة من أحكام الردة والزواج والحسبة أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ إذ يعتقد كثير من الناس أنه مكلف شرعا بتصحيح الخطأ، ثم ينشئ مواقف كراهية وانفصال مع المخالفين استنادا إلى مظنة الواجب الشرعي بالتغيير والغضب والمفاصلة، والشدة مع المنكر والخطأ!
يبدو منطقيا أن الجدل مع حالة الاختلاف الديني ومحاولة تغييرها بالإكراه والصراع والنفور يحتاج إلى إعادة الجدل مع المصادر الدينية التي أسست لهذا الصراع، مثل المنظومات الإسلامية الحديثة (الأسلمة) وأحكام الردة وتطبيقاتها الاجتماعية والتنظيمية والتشريعية، والحسبة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتقديس الأفكار والتجارب والتاريخ وتحويلها إلى معتقدات لا يمكن المسّ بها أو مخالفتها، وإنشاء حالة من المفاصلة والغضب مع المخالفين، وتمنح هذه الحالة أحيانا تسميات مثل المفاصلة الشعورية والتميز واستعلاء الإيمان، والكراهية والقسوة الناشئة عن المعتقدات والأفكار أو المنشئة لها، وتحويل الاجتماعي إلى ديني والديني إلى اجتماعي وثقافي، والتمييز/ الخلط بين الأصول والفروع وترتيب المسائل والأحكام في أهميتها ومعرفتها، .. ولكن هذه المقالة مشغولة بإدارة الخلاف وتنظيمه واستيعابه، فهي موجهة ابتداء إلى الآباء والأساتذة والكتاب والناشطين والمحاورين المنشغلين بالاختلاف في الشأن الديني من الأصدقاء والزملاء والأقارب.
وبالطبع، فلا يمكن إجبار أحد على أن يؤمن بأمر أو منعه من الإيمان به، فهذا شأن لا سلطة لأحد عليه، ولا يعقل أن يحاسب أحد على أفكاره ومعتقداته مهما كانت، فذلك يتجاوز مجال علاقاتنا وسلطاتنا، وإمكانياتنا أيضا، .. وفي الدين بخاصة، فإن الاعتقاد صوابه أو خطأه هو أمر مرجى إلى الله وحده، ولا يعقل أن الله يطلب منا أن نحاسب الناس على معتقداتهم وأفكارهم وما يؤمنون به أو لا يؤمنون، ومن يظن أن ذلك من واجبات الناس أو السلطات، فقد حمل الدين ما ليس فيه، ومنح نفسه ما اختص الله به نفسه وحده لا شريك له.
قال تعالى: “لا إكراه في الدين”[2] “أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين”[3]”قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”[4] “ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، وقولوا آمنا بما أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون”[5]
إن محاسبة الناس على أفكارهم ومعتقداتهم مهما كانت أو مطالبتهم بما يفوق قناعاتهم يؤدي إلى قهر الضمائر ونزاع وشقاق ممتد ومؤلم، وأسوأ من ذلك هو الربط بين الهوية أو الشخصية وبين المعتقدات والأفكار، فالإنسان لا يغير شيئا في كونه إنسانا أن يعتقد شيئا أو لا يعتقد أو يؤمن بأمر أو لا يؤمن، والمواطن لا يغير في مواطنته شيئا أفكاره ومعتقداته، وكذا الحال في العمل والمؤسسات وفي العلاقات والقرابة والصداقة، لا علاقة لذلك ولا يغير في القرابة او الصداقة أو الشراكة أو الزواج أو البنوة أو الأخوة أو العمل أو الجيرة أو المواطنة معتقد أو فكر، إننا بتنظيم الأفكار والمعتقدات وترتيب أحكام وعلاقات ومكاسب ومخاسر على ذلك نفتح بابا للشرّ، ولعلنا فتحنا بابا للشرّ والصراع يخرب البيوت والأسر ويهلك الحرث والنسل ويدمر الدول والمجتمعات والأعمال والمصالح، ويفكك الأواصر والروابط بين الناس، وأسوأ من ذلك التفتيش والتحقيق في ضمائر الناس وأفكارهم، كيف نلوم محاكم التفتيش أو ننتقدها ونحن نمارس ذلك في علاقاتنا ومجتمعاتنا، بل وفي المؤسسات والتشريعات؟
يكفي الناس أن يفكروا ويبحثوا بصدق ثم يؤمنوا أو لا يؤمنوا، وألا يشعروا أنهم مهددون في حياتهم ومصالحهم وعلاقاتهم بسبب ما يفكرون فيه، فنحن ندفعهم وبخاصة الشباب الصغار إلى الهاوية والهلاك ومخاطر تفوق كثيرا مخاطر الخطأ في الفكر الاعتقادي.
يفترض أن الإنسان وحده قادر على المعرفة والإدراك، فلا يعقل أن يحاسب الله الناس أفرادا دون أن يكونوا قادرين على الإدراك والتفكير، وطالما أن الله يحاسب الناس، فلماذا نفعل نحن ذلك أيضا، ومن أين جاء هذا التفويض لأحد أن يحاسب أحدا على إيمانه أو عدم إيمانه، وكيف عرف أنه على صواب وأن غيره على خطأ، فلو كنا نعرف بالفعل لما كان هناك حساب في اليوم الآخر، بل لانتفت الحكمة من اليوم الآخر، فلماذا يكون يوم آخر وهناك من يحاسب في هذه الحياة على ما سوف يحاسب الله عليه الناس يوم القيامة؟ وهل يعقل أن يحاسب أحد أو يحاكم مرتين؟ وإن كان ما فعلناه بحق أحد خطأ فكيف نصلح خطأ قد لا يمكن إصلاحه؟ وإن كنا لا نخطئ وهذا مستحيل؛ فلماذا يكون يوم آخر ولماذا يحاسب الله الناس؟ يكفي الناس أن يكونوا صادقين مع الله وهذا أمر لا دخل لأحد به، ويكفينا أن لا يعتدي على أحد أو لا يؤذي أحدا من الناس في أنفسهم أو ما يملكون، وما عدا ذلك فأمره إلى الله، قال تعالى: “هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم”[6]
يجب أن ننظر وبخاصة الآباء والكبار في محاسبة الأبناء أو الصغار إلى ما ينشئه ذلك في نفوسهم وحياتهم ومصائرهم، وما يمكن أن نلحقه من أذى وضرر قد يحولهم إلى متمردين أو خطيرين على أنفسهم والمجتمع أو يعانون من هشاشة وإصابات دائمة في أجسامهم ونفوسهم ومشاعرهم وعلاقاتهم بالمجتمع وبمن حولهم، وبعض الناس لا يقدرون على الانتماء إلى المجموع، وبعضهم لا يقدرون على المجاملة والخضوع في الأفكار والمعتقدات، وفي قهرهم أو محاسبتهم على ما يفوق طاقتهم أو طبيعتهم؛ فإننا قد ندفعهم إلى إيذاء أنفسهم حدّ الموت أو التخلص من حياتهم أو إلى حياة أخرى مليئة بالضياع.
ليس مقلقا أن يفكر الأبناء والتلاميذ والناشئة ولكن القلق والخوف في قهر ضمائرهم، وما يخيف أكثر أن يشعر أبناؤنا أو من يهمنا أمرهم ويهمهم أمرنا أو نحبهم ويحبوننا أننا نتوقع منهم غير ما يريدون أو يطيقون أو يحبون أو يسلكون أو يفكرون فيه أو يؤمنون به.. أو يظنون بأننا لا نتقبلهم في الحقيقة، رغم محبتنا لهم، فذلك يثقل على ضمائرهم، وفي هذا الثقل على ضمائرهم قد يحاسبون أنفسهم أو يعاقبونها.
يجب أن يعرفوا أننا نتقبلهم ونحبهم كما هم ولا نتوقع منهم أن يغيروا شيئا. ونتضامن مهم بلا شروط ومهما قرروا أو فكروا، فالمحبة المتبادلة والحرية المتاحة مع المثالية في السلوك والأفكار تنشئ مخاطر غير متوقعة على حياة الناس وعلاقاتهم. والمحبة والحرية التي نمنحها لأبنائنا قد تنشئ آلاما ومعاناة كبيرة لديهم لا ندركها، .. القهر والإكراه يجعل الأبناء يتمردون على آبائهم، أو التلاميذ على أساتذتهم أو الصغار على الكبار؛ وهذا التمرد يحميهم وينضجهم في غالب الأحيان، ولكن المحبة والتضامن قد تجعلهم يتمردون على أنفسهم .. وهذا ما يجب أن يجعلنا اليوم خائفين كثيرا من وعلى أنفسنا وأبنائنا.
مشكلة غياب الحوار في مجتمعاتنا
يقابل الغياب الكبير المفزع للحوار في حياتنا وعلاقاتنا وعملنا حضور كبير في القرآن الكريم ومقاصد الشريعة الإسلامية، حتى يكاد الحوار يكون قضية أساسية في حراك الدعوة والفهم والعلم والبحث عن الحقيقة وإدراكها وفي الصراع الفكري والسياسي والاجتماعي وفي القبول والرفض، وهو تناقض عجيب بين واقعنا وفكرنا.
فنجد في القرآن الكريم مواضع لا تعد ولا تحصى للحوار، الحوار بين الله والملائكة، “وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها..”[7] والحوار بين الله وإبليس، والحوار بين الله والأنبياء، وحوار الأنبياء مع قومهم، وحوار الأنبياء والصالحين مع أنفسهم، والحوار بين المؤمنين وغيرهم. ونجد في القرآن دعوة إلى الحوار في العلم والدعوة والحياة، ومنهجا للحياة والإنسان.
والحوار ليس فقط لتوضيح القضايا التي يختلف عليها، ولكنه يقرب الناس من بعضهم ويخلق حركة فكرية ومجتمعا متعلما متحركا، وغياب الحوار في مجتمع يجعله مجتمع قهر وعنف، وغيابه في علاقات الأفراد يجعلهم جزراً معزولة عن بعضها، ويحول همومهم إلى الغرق في الذات والدوران حولها حتى درجة المرض والهوس، وغياب الحوار بين الدول يعطل مصالحها ويضر بشعوبها ويجعلها تتحمل جهودا وتكاليف زائدة يمكن الاستغناء عنها وتوفيرها أو استخدامها في المصالح والاحتياجات. ويمكن أن نجعل الحوار منهجا للتربية وتكوين القناعات وأسلوب الحركة الفكرية في التنشئة وتهيئة الروح الموضوعية في مواجهة مسائل الخلاف وفي تقبل الفكرة المضادة بطريقة عقلانية واقعية.
وموضوع الحوار يرتبط بالتكوين الداخلي لشخصية الإنسان والمؤمن الذي يجب أن يفكر كيف يتعلم ويدعو الناس ويفتح قلوبهم وعقولهم على الحق والصواب، ولا بد من الحوار حتى تستمر الحياة في حالة الضعف أو القوة وفي حالة الحرب أو في السلم فلا أحد يستطيع أن يستغني عنه مهما علا شأنه، أو كانت قوته فردا كان أو مجموعة أو مجتمعا أو دولة.
وقضية الحوار هي إحدى الهموم الكبيرة للعاملين في الدعوة والتربية والتعليم والإعلام والسياسة والدبلوماسية والتجارة والتسويق، وتتزايد الحاجة إليه كأساس للثقافة والعمل والتعليم والعلاقات والتنظيم، ونلاحظ على سبيل المثال ازدهار البرامج الحوارية مع تنامي الفضائيات والإنترنت حتى يكاد الحوار يكون السمة الأساسية للفضائيات والإنترنت، وتعتمد عليه تماما مؤسسات التعليم عن بعد والتعليم المستمر؛ فبدونه تفقد هذه البرامج جوهرها وجدواها.
وكان الحوار قبل الإسلام كما في الحضارة والفلسفة اليونانية فنا قائما بذاته؛ فالمحاورة تحدد موضوعا للدراسة، وليس القصد منها الخروج بنتيجة بصدد المشكلات المعروضة بقدر ما تجعلنا أقدر على الجدل في كل الموضوعات، فهدف المحاورات لم يكن إمداد الناس بالمعلومات والمعارف بقدر ما تقدمه من مساعدة على التدرب على فنون الجدل. ولكن الهدف الأساسي للحوار في الإسلام هو وصول الناس إلى الحق بالطريقة التي تعمق الإيمان في نفوسهم، وتشرح به صدورهم “ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون”[8] فالإسلام يرفض الجدل لذاته ويعيب عل فئة من الناس أنهم لم يسلكوا الطريقة الصحيحة في الحوار؛ لأن ذلك لا يلزم من قريب ولا من بعيد بل حاولوا أن يسلكوا طريق الجدل المحض الذي يدفع الإنسان إلى الهروب، وقد يستخدم بعض المؤمنين هذا الأسلوب فهم ليسوا بمنأى عن ذلك “وإن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون”[9]، فبعض المؤمنين يجدون الحق والصواب ثقيلا مرهقا أو يحاولون التخلص من مسؤوليتهم بالأساليب الجدلية القائمة على الهروب من الحقيقة.
ويعمل قادة الشر من شياطين الإنس والجن على إذكاء الشقاق والولوغ في الجدل العقيم “وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم”[10] فهم يوحون إلى أوليائهم ويوجهونهم إلى الجدل المحض للتشكيك فقط دون هدف صادق للوصول إلى الحقيقة ومعرفة الصواب.
لقد فطر الله الإنسان على الجدل “وكان الإنسان أكثر شيء جدلا”[11] ليواجه الحياة بكل ما فيها من أوضاع وملابسات وأفكار بعقلية منفتحة قلقة لا تستقر على حال فهذا ما يجعله في بحث دائم مستمر عن الحق والأفضل والأكثر صوابا، فثمة ما هو صواب وما هو أكثر صوابا، والشك هو طريق اليقين أو إثبات اليقين ورسوخه، وترى الإنسان لا يستقر على حال فتراه يبحث عن الشيء وضده، عن الحق والباطل، فلا يتيقن إلا ليتململ في رحلة جديدة من الشك، ولا يشك إلا ليبدأ رحلته الطويلة نحو اليقين.
وقد رأينا في علاقات الدول والأفراد اضطرابا حين يفشل الحوار أو يفتقد، فقتل قابيل أخاه هابيل عندما فشل الحوار بينهما، ولكن يبقى العقل هو القوة الصالحة للحكم على الأشياء وميزانا يزن به صحة القضايا وفسادها، حتى في يوم القيامة لا يقف الإنسان مكتوف اليدين أمام مصيره، بل يترك له مجال الدخول في حوار وجدال يدافع به عن نفسه على أساس العدالة التي تحترم في الإنسان حقه الطبيعي في الدفاع عن نفسه حتى أمام الله الذي يعلم كل شيء. إن الحوار مطلب إنساني ومدخل للدعوة والإصلاح ينبغي ألا يكون عليه شروط مسبقة، فهو بالنسبة للداعية أو الرسالي أو الناشط أو الذات الفاعلة “كلمة طيبة” يلقيها في أية مناسبة أو موقف أو فرصة لعل الله ينفع بها ولو بعد حين.
ولكن لا يمكن أن يكون الحوار في ظل الغضب والاعتقاد الجازم بخطأ الآخر، ما من حوار أو جدل إلا ويقتضي بالضرورة الاستماع واحتمال معقولية أو صواب الرأي الآخر واحتمال خطأ الذات، وبغير ذلك فلا معنى للدعوة والحوار والفكر، ..
ولا يقف الحوار والفكر عند الاستيعاب والتربية والدعوة .. ولكنه أيضا العلم والتقدم والحياة نفسها، فالحوار بما هو تعلم وافكار تحل في اللغة ينشئ حالة علمية وثقافية ممتدة ومتصلة بالتقدم الإنساني والعلمي والثقافي والاجتماعي، …
اللغة هي أساس التقدم والحضارة، فبدونها لا يمكن ترميز الأفكار والعلوم، ولكنها وعلى نحو خاص في التقدم العلمي القائم اليوم على الاتصالات والمعلوماتية تزداد أهمية وحضورا، واللغة بما هي تعبير عن المعرفة بالرموز الصوتية ثم المكتوبة، فكانت ثنائيتان هما: الكتابة والقراءة، والصوت والاستماع، وفي كل الحالات، فإن التواصل والحوار هو جوهر العمل والنهضة والإصلاح، وتبشر المعلوماتية بمجتمع جديد، وهو مجتمع المعرفة، الذي بدأ بالتشكل بعد المجتمع الزراعي ثم الصناعي، وفي ذلك فإن الحوار والاستماع والتقبل تمثل القيمة الأساسية والعظمى للحضارة المعرفية أو الشبكية! ولا يكون ذلك إلا باستماع حقيقي، يجب الاستماع أولاً والفهم ثم تنسيق المعطيات وتنظيم التعابير والمواقف لتتكيف مع من يحاورنا؛ فالاستماع يعبر عن مواقف التواصل والتفاهم والاحترام والتعلم والتعليم (وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)[12]، (ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون)[13]، (ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون)[14]، (إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون)[15]، (ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم)[16]، (إنهم عن السمع لمعزولون)[17]، (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد)[18]، (قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون)[19].