كتب الناشط والكاتب العراقي نصير المهدي مقالا نشره في صفحته الشخصية نقدا لمشروع التسوية التاريخية الذي قدمه التحالف الوطني العراقي وقال فيه:
التسوية التاريخية والعنوان مغرٍ جدا وخاصة تاريخي والطبقة السياسية الشيعية تجيد التلاعب بالألفاظ ومن ثم عواطف الناس وتعبنا من الاحتراب والاقتتال ثم تعالوا لتسوية تاريخية .. ما أبدعك يا حكيم .. التسوية تكون بين خصوم وأعداء هذه حقيقة لا يمكن العبور عليها لمن يريد أن يسوي فلنحدد الخضومة والعداوة وأطرافها أولا : نظام آل المجيد بكل جرائمه التي لم يشهد لها تاريخ العراق وجغرافية العالم مثيلا نسبة الى أحوال العراق وفي الطرف الآخر ضحاياه ثم هذا الطيف الإجرامي الطائفي الذي تمتد جذوره الى ذلك النظام وقد خسر السلطة وامتيازاتها ويريد إستعادتها فتوجه بكل قوته وطاقاته الإجرامية الى نفس الضحايا يتصيدهم في الأسواق والمساجد والمدارس وسيارات النقل والأعراس والمآتم ومجالس العزاء بل وبسطات العمال البسطاء الذين لا يملكون لقمة عيشهم .. لا عمار ولا من وراءه وبين يديه وعلى الجانبين من هذه الأطراف وكل ما في الأمر أنه وشركاءه في الطبقة السياسية الشيعية إختارتهم أقدار العراق السيئة لتقطع الطريق على فترة إستراحة للعراقيين من الموت والدمار الشامل الذي حاق بهم منذ أن تولى صدام وأهل بيته السلطة في العراق . بينما يموت الناس ويعانون ويتشردون ويخسرون حياتهم وفرص عيشهم سواء كانوا شيعة وهم غالبية الضحايا أو سنة بل وحتى بقية الأطياف الإجتماعية من مسيحيين ويزيديين وشبك وتركمان وغيرهم ممن تحملوا عبء هذه المآسي الجارية على مدى أكثر من ثلاثين عاما فإن الطبقة السياسية تلعب دور المتعهد والمقاول الذي يديم هذه الأحوال ويغذيها ويصب الوقود على نارها من أجل أن يقطف الثمار ويجني الفوائد بعد ذلك وبالطبع لمصلحة أطراف خارجية كثيرة كل وغاياته الخاصة به ..
وكما أن للشيعة متعهدين ومقاولين فللسنة كذلك إنها تجارة الاستثمار في آلام الناس وكل من قاد الشيعة والسنة في العراق الجديد إنما كانوا تماما في منأى ومأمن عن كل خطر فلا ” القائد ” الشيعي قتل له أحد ولا ” الزعيم ” السني تشرد له من أهله واحد وتأملوا الأسماء والوجوه التي سلطها الإحتلال على العراقيين ثم في مقابل ذلك معارضتهم وهي غير بعيدة عن هذه الأجواء والأيدي التي تحرك الأمور من خلف ستار وأنظروا مستوى هذه الزعامات والقيادات التي لم ترق عن مستوى حثالة سوى أن الاستثمار في دماء العراقيين وآلامهم من كل الأطراف صنع قادة وزعماء وكانت المآسي تمنحهم فرصة الثراء الفاحش سواء عن طريق السرقة والنهب والفساد أو جذب الأموال من دول أخرى تدفع بغير حساب.
ببساطة كانت هناك فرصة أن تقوم دولة ومؤسسات بعد إنهيار سلطة آل المجيد وتبدأ تجربة نموذجية حقا أركانها المساواة والعدالة وسيادة القانون وتستهل صفحة جديدة في تاريخ العراق تنصف الضحايا وتعاقب المجرمين حتى ولو معنويا وتتيح للعراقيين أن يبدأوا حياتهم ويغادروا تلك الأيام السوداء وحتى ذكراها ولكن شاءت أميركا أن تركب الأمور بطريقة أخرى وتمنع العراق من النهوض أبدا عبر هذه النماذج التي جلبتها بطائراتها من مختلف العواصم وطعمتها بمن ركب في همراتها من داخل العراق والمعنى حرفي جدا وليس تقريبيا . العراقيون اليوم يدفعون الثمن لهؤلاء جميعا الذين تاجروا بدمائهم بل ودفعوا الأمور الى سفك المزيد من الدماء ثم وصلوا الى طريق مسدود ويحاولون اليوم إعادة إنتاج وجودهم التدميري والتخريبي والطريف هذه المرة بضمانة دولية أي تثبيت الوضع القائم الى ما شاء الله ومعه تثبيت حصص هؤلاء ومكاسبهم بعد إضافة الشركاء الجدد . التسوية التاريخية بإختصار هي منح حصة للوجوه السنية الصاعدة التي استثمرت طويلا وعبر أموال دول إقليمية في الدم العراق وتريد أن تأخذ حصتها اليوم وفي المقابل فإن الوجوه الشيعية وقد إستنفذت كل أغراضها تعيد تقديم نفسها الى الجمهور بهذا الحل الذي لا غنى لكل طرف فيه عن شريكه وليدخل العراق في سنوات ضياع ودم أخرى وخاصة هذه المرة مع قيام إثنين وعشرين دولة في الخارطة العراقية .
الخصوم الحقيقيون هم الناس البسطاء الأبرياء الذين سفكت دماؤهم وعانوا الأمرين في عقد من الزمن وبضع سنين وهذا الطيف الطائفي الإجرامي الذي ينازل خصومه في ميادين الأبرياء أيا كانت عناوين وتسميات هذا الطيف سواء كان البعث أو النقشبندية أو مختلف مليشيات السنة التي إنتحلت لنفسها صفة مقاومة أو داعش فالدوافع هي نفسها وكذلك الأهداف والغايات وهنا لمن يبحث عن تسوية تاريخية لا مناص من واحد من طريقين الأول هو مد اليد الى هذا الطيف بدلا من الاكتفاء بالملاحق الذين لا يملكون في النهاية الكلمة الفصل وكل ما سيجري هو إضافة أسماء جديدة الى سكان المنطقة الخضراء أو في مقابل هذا القاء هذه الزبالة بكل أطيافها في حاويات القمامة وبدء مرحلة جديدة تقوم على التسامح والتصالح ولكن على أساس قانوني يعاقب المجرم من كل الأطراف ويبدا وضعا جديدا لا تمايز فيه بين مواطن وآخر الا بما يميزه حقا وهذا الحل غير مسموح به أصلا في ظل تداخلات الوضع الدولي والاقليمي وكون العراق عمليا تحت الوصاية الاميركية . في الاثناء يعارض كثيرون مثل هذه التسوية المزعومة من منطلقات مختلفة في خضم الصراع السياسي غير الشريف بين خصوم العملية السياسية أو لأن أطرافا شعبية تشعر بالحيف وهي ترى المجرمين المسؤولين عن جزء كبير من إهراق دمائهم وصناعة عذاباتهم يجلسون على طاولة السلطة بعد أن عفا عمار الحكيم ورهطه عما سلف .. الأمر في واقع الحال لا يستحق أن ينظر اليه بمعزل عن الوضع العام في العراق كله فخميس الخنجر على سبيل المثال لن يكون أسوأ من باقر صولاغ ويمكن تطبيق هذه القاعدة على مقارنات شبيهة كثيرة أخرى .. لا ينبغي للعراقي أن يهدر فرصة المأزق العميق الذي تواجهه الطبقة السياسية المجرمة والعميلة بالمفاضلة بين تسوية تاريخية لا قيمة ولا معنى لها وبين عدمها ولا أن يبحث عن مثالب أو مناقب في مثل هذه الخطوات وما هو أكبر وأعمق وأهم من هذا كله أن تنتهي المأساة التي دامت ثلاثة عشر عاما بحل جذري يعيد الأمور الى نصابها وأول الخطوات الحقيقية في هذا الصدد هي الإطاحة بهذه الطبقة السياسية بدلا من الانشغال بما تطرح من ملهيات أو جعلها تتخبط في مأزقها ومشاكلها حتى تتعفن وتتحلل فلا تعود قادرة على المضي في مسيرتها الإجرامية المتواصلة . الحل هو أن يتحرر السنة والشيعة معا من تجار الدماء والاحتراب ويمضوا معا في بناء الوطن بعيدا عن وصاية هؤلاء المتاجرين بالآلام والأرواح .