ضيف «مهرجان أثير» في دورته الثانية التي حملت إسم دورة «إبن دريد»، كان الشاعر والمفكر أدونيس. ربما يختصر هذا الحضور الكثير مما قد يقال في هذا المقام، إلا أن الشعراء الشباب الذين حضروا بدورهم، وهم من صفوة الأسماء العربية الجديدة، رفعوا مستوى ندوات وأمسيات مسقط إلى أقصاها. إذ يندر أن نجد عقوداً سبعةً من التجربة والتجديد تحتشد في حيّز محدود من الزمان والمكان. في الأمسية الأولى التي كان شاعرها الأوحد أدونيس، بعد أن افتتح الأمسية رئيس تحرير صحيفة أثير الأستاذ موسى الفرعي الذي يدهشك بالخطط الثقافية التي يعدّها مع الشاعر العُماني عبدالله العريمي، وهي خطط تصلح لزيارة القمر مرتين، معبراً «إن الإيمان بالجمال أسلوب حياة، والمهرجان هو الطريقة المثلى في الدفاع عن هذه الجماليات التي يمثلها إرثنا العربي الكبير». ثم قرأ الشاعر أدونيس قصيدة «الوقت» الشهيرة له، بإلقاء أخّاذ وهو يحضن فيها سنبلة الوقت ورأسه برجُ نار.
على هامش المهرجان. كان لقاء للشاعر أدونيس مع المشاركين ولم تخلُ أيّ منها من الأسئلة القلقة والإشكاليات التي يلهج بها الشاعر بكل صراحة أينما حلّ. ولمّا تعرَّض غير مرّة لنقدٍ صريح من بعض المشاركين، سواء لجهة موقفه أننا كعرب غير جاهزين بعد للديموقراطية، أو إزاء تصرحاته حول الأحداث في سوريا، أوضح موقفه من الراهن العربي
وشرح مقولته أن العرب آيلون إلى الانقراض بأنه لا يعني أن العرب سينقرضون فرداً فرداً من العالم، بل إنه يتحدث عن الانقراض الحضاري..
وقال: «اليوم لو اجتمع العالم حول مائدة مستديرة لكي يدرسوا مصير البشرية أو مستقبل الإنسان وماذا يمكن أن يقدم هؤلاء المؤتمرون على هذه الطاولة المستديرة وحضر الصيني والأميركي وحضر الإسرائيلي وحضر العربي، ماذا لدينا كعرب أن نقدم على هذه الطاولة.. العالم أو الشعوب توجد بوجود قدراتها الإبداعية وبقدراتها الحضارية وليس بأشياء أخرى. العالم العربي اليوم كما تشاهدون هو في نظر العالم كله ثلاثة أشياء فقط: ثروة نفطية، وفضاء استراتيجي وبشر يمكن استخدامهم، بهذا المعنى أقول نحن ننقرض.. بهذا المعنى الإبداعي وليس بمعنى أن البشر ينقرضون واحدا واحدا وأنا أتحدى أن يقول أحدٌ لنا ماذا لدينا لنقوله للعالم اليوم. هل لنا ما يجعلنا نؤثر في مصير العالم إلا سلبياً، نحن يسرّنا للاستعمار عمله. لا تظنوا أن الغرب يحبنا بل هو يحتقرنا لأنه لا يرانا إلا مجرد أدوات، نحن يسرنا للاستعمار أن يخلق أسلوباً جديداً، إذ لم يعد المستعمر بحاجة إلى أن يرسل جيوشاً، بل صارت له جيوش وطنية داخل البلدان ذاتها وهو يرسل فقط خبراء للتدريب ويرسلهم باتفاق معنا». وقال أدونيس كنت من البداية أعتقد أنه «في البدء كانت الكثرة وليس الواحدية، ولذلك قررت أن أخرج من هذا الإطار الوحداني المغلق». وأضاف: «كل شيء في الواحدية وظيفي: الثقافة وظيفة والإنسان نفسه وظيفة وكل يقدرّ ببعده الاستعمالي أو بعده الاستخدامي» مشيرا إلى أنه «إذا كان الإنسان وظيفة نفسه فالمجتمع يتحول إلى آلة أكثر مما يكون مجتمعا بشريا قائما على التنوع والكثرة والاختلافات التي هي أساس بناء المجتمع». أمّا في ما خص اتهامه بالوقوف إلى جانب النظام في سوريا بينما وقف مع الثورة الإيرانيّة سابقاً، فكان واضحاً برفضه لكل ثورة تخرج من المسجد. وذكّر بمقالاته الثلاث التي كتبها إثر الثورة الإيرانية معبراً أنه في البداية لم يكن وحده مع الثورة بل أيضاً كبار الكتاب والمفكرين الغربيين وعلى رأسهم ميشيل فوكو نفسه، بوصفها حركة شعبية ومثالا فريدا للثورات في تاريخ العالم التي لم يقم بها العسكريون وحدهم ولم يقم بها الاقتصاديون وحدهم ولم يقم بها العمال وحدهم وإنما قام بها شعب بكامله في مختلف فئاته، والأكثر من ذلك لم يستخدم فيها العنف. إلا أنه رفض لاحقاً أن تقوم الثورة الإيرانية على الدين.. أو أن تقوم أي ثورة على الدين، باعتبار الدين مسألة شخصية.
ثم تحدّث عن مقالته الثالثة التي حملت عنوان «الفقيه العسكري» والتي حذر فيها من ظهور شخصية اسمها الفقيه العسكري.