تأييد السعودية والامارات لإجراءات ترامب العنصرية ضد المسلمين موقف صادم.. اليس غريبا ان يدافع غير المسلمين عن المسلمين ويفعل بعضنا العكس تماما؟ وكيف يمكن الدفاع عن “عقوبات جماعية” باسم السيادة والتصدي للمخاطر.. ومن بلاد الحرمين؟ عبد الباري عطوان لم نكن نتوقع ان تحظى قرارات دونالد ترامب العنصرية بمنع مواطني سبع دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة بالتأييد والمساندة من دولتين عربيتين هما المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة، في وقت تعم المظاهرات الاحتجاجية الولايات المتحدة، ومعظم الدولة الأوروبية، ويتحدى مشرعون وولايات أمريكية هذه القرارات، ويستقيل 90 موظفا في وزارة الخارجية الامريكية احتجاجا وغضبا. من المؤكد ان هناك تنسيقا بين حكومتي البلدين، أي السعودية والامارات، في هذا الاطار، ونتيجة للمكالمتين الهاتفيتين اللتين اجراهما الرئيس ترامب مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، والشيخ محمد بن زايد، ولي عهد امارة ابو ظبي، ونائب القائد العام للقوات المسلحة الامارتية يوم الاحد الماضي. وزير الطاقة السعودي السيد خالد الفالح اصابنا بحالة من الصدمة عندما قال في مقابلة مع قناة “بي بي سي” اليوم “انه من حق الولايات المتحدة ضمان سلامة شعبها والمخاطر التي يتعرض لها”، مشددا على “ان العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة قوية وعميقة للغاية ولا يمكنها الا العمل سويا في القضايا الاقتصادية والاستراتيجية”.
جاءت الصدمة الثانية التي لا تقل وطأة من الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير خارجية دولة الامارات، عندما قال في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف اليوم في ابوظبي “ان معظم المسلمين، والدول الإسلامية لا يشملها الحظر، معتبرا ان الدول المعنية التي يستهدفها قرار ترامب تواجه تحديات يجب عليها تجاوزها.. وان الولايات المتحدة اتخذت قرارا سياديا، مشددا على “ان هناك محاولات لاعطاء الانطباع بأن هذا المرسوم موجه ضد منطقة بعينها، لكن ما يثبت عدم صحة هذا الكلام هو تصريحات الإدارة الامريكية ذاتها التي قالت ان هذا القرار ليس موجها ضد دين بعينه”.
فاذا كان هذا القرار “سياديا”، فلماذا لم ترحب به الدول الأوروبية مثلا؟، ولماذا يوقع اكثر من مليوني مواطن بريطاني على عريضة تطالب بعدم السماح للرئيس ترامب بالقيام بزيارة الى بريطانيا باعتباره شخصا غير مرغوب فيه؟ قرارات ترامب العنصرية هذه تتناقض كليا مع الدستور الأمريكي الذي يعارض التمييز على أساس العرق والدين والموقف السياسي، وعندما ينتفض الامريكيون ضدها، فأنهم يفعلون ذلك ليس حفاظا على حقوق المسلمين فقط، وانما على دستور بلادهم، وقيم العدالة والمساواة التي تتصدر بنوده. السيد الفالح وزير النفط السعودي (لا نعرف لماذا نصب نفسه محاميا عن أمريكا وتصدى لهذه المهمة التي هي من اختصاص وزير الخارجية)، دافع عن حق الولايات المتحدة في القضاء على المخاطر التي يتعرض لها شعبها، متناسيا ان من نفذوا عمليات إرهابية ضد الولايات المتحدة لم يأتوا من السودان والعراق والصومال التي تصدرت قائمة الدول السبع الى جانب ايران، وانما من المملكة العربية نفسها التي لم تشملها هذه القائمة. ما مارسه الرئيس ترامب بإصدار قائمته هذه هو “عقاب جماعي” استهدف دولا إسلامية على وجه الخصوص، وهو يمهد حاليا بنقل السفارة الامريكية الى القدس المحتلة، الا تشكل هذه السياسات ابشع أنواع الإرهاب، وتوفر الذخيرة للجماعات الإرهابية لتجنيد المئات، وربما الآلاف من الشبان المسلمين؟ عندما اصدر الكونغرس الأمريكي قانون “جاستا” الذي ينص على السماح للضحايا والمتضررين من هجمات الحادي عشر من سبتمبر بمقاضاة المملكة العربية السعودية طلبا للتعويض، طالبت الحكومة السعودية دول العالم الإسلامي كلها بالتضامن معها، وإصدار بيانات ادانة لهذا القانون، واوعز لمنظمة التعاون الإسلامي بإصدار بيانات استنكار شديدة اللهجة، فلماذا لا تتضامن مع هذه الدول الإسلامية السبع المستهدفة، وخاصة ان من بينها دولة السودان، التي تعتبر عضوا في “التحالف العربي” الذي تقوده، وتحارب قواته الى جانب قواتها في اليمن؟
رئيس الاتحاد الأوروبي وصف ترامب بأنه يشكل خطرا إرهابيا على أوروبا، وفرانسوا هولاند رئيس فرنسا اتخذ موقفا مشابها، وعبرت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل عن استيائها الشديد وادانت هذه السياسات العنصرية الخطيرة، حتى ان رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي ادانت المرسوم اليوم امام مجلس النواب البريطاني بعد امتناعها عن ادانته لمدة خمسة أيام واعتبرته “خطأ ويزرع الشقاق”، فلماذا لا تتخذ الدول الإسلامية، والعربية منها بالذات مواقف مشابهة؟ لا ننكر ان هناك مسلمين نفذوا عمليات إرهابية في أمريكا، ولكن هل يجب على الدول الإسلامية جميعا ان تمنع جميع الكنديين من دخول أراضيها لان إرهابيا كنديا اقتحم مسجدا في كيبك، واطلق النار على المصلين وقتل العديد منهم؟ نشعر بالحزن والمرارة والالم عندما نشاهد غير المسلمين يدافعون عن المسلمين في وجه قرارات عنصرية ظالمة، بينما يؤيد مسؤولون في حكومات عربية هذه القرارات، سواء بحجة الدفاع عن النفس، او من منطلق السيادة.