أندريا بوهم* في يوم الجمعة 17 شباط/ فبراير، خرج أنصار رجل الدين، مقتدى الصدر في مظاهرة صامتة بأفواه مكممة في ميدان التحرير ببغداد في بغداد، تعتبر عبارتي “ألماني” و”بريطاني” كلمات سحرية، إذ تكفي نظرة خاطفة على جوازات سفرنا حتى يتم فتح كل البوابات والسماح لنا بالمرور في أي طريق في العاصمة. في الواقع، أنا وزميلي المصور البريطاني جاكوب راسل، نحمل جنسيتين يتمتع أصحابها بالقوة والنفوذ في هذه المدينة التي تنفجر فيها القنابل كل يوم. بعد مرور أكثر من سنة كاملة، عدت لأول مرة إلى بغداد، وقد تفاجأت كثيرا من الأوضاع المأساوية التي تخيم على أجواء المدينة التي أصبح فيها مشهد القتل والدمار شيء عاديا للغاية. وفي الأثناء، تتجلى عملية عسكرة المدينة من خلال الجدران الفاصلة بين مختلف الأحياء، والأسلاك الشائكة، والأشجار المقطوعة، وأبراج المراقبة، بالإضافة إلى الأكياس الرملية والحواجز الأمنية الموجودة في كل مفترق الطرقات. علاوة على ذلك، يمكنك أن تلاحظ انتشار عناصر رجال الجيش والشرطة الذين يرتدون أزيائهم النظامية في مختلف أركان المدينة، ووحدات مكافحة الإرهاب، وعدد لا يحصى من الشركات الأمنية الخاصة. في الحقيقة، إن هذا الوضع يحيل إلى أن المدينة قد تحولت إلى ما يشبه الثكنة العسكرية التي يعيش فيها ملايين المدنيين. لا يمكن أن أنكر حقيقة أن هناك بعض الأشياء التي تغيرت تماما عن آخر مرة زرت فيها المدينة، حيث عادت بغداد تنبض بالحياة. لقد تجاوز السكان صدمة تنامي نفوذ تنظيم الدولة، في كانون الأول/ ديسمبر 2015 في المقابل، لا يمكن أن أنكر حقيقة أن هناك بعض الأشياء التي تغيرت تماما عن آخر مرة زرت فيها المدينة، حيث عادت بغداد تنبض بالحياة. لقد تجاوز السكان صدمة تنامي نفوذ تنظيم الدولة، في كانون الأول/ ديسمبر 2015، حيث عادت الأسواق للعمل من جديد مع اقبال المواطنين عليها، كما أن الأهالي واصلوا حياتهم العادية فتراهم يتجولون مع أبنائهم في المنتزهات والمتاحف. وفي الوقت نفسه، عادت الأفراح لتزين حياة المدنيين، فقد شهدنا على العديد من حفلات الزفاف التي تقام في الفندق الذي نزلنا فيه. ولعل من أكثر ما كان يسترعي انتباهي، مشهد المتزوجين حديثا، الذين تتراوح تعابير وجوههم بين الانتظار بفارغ الصبر (خاصة بالنسبة للعريس)، والابتسامة المتوترة، والمحاولات الحثيثة للسيطرة على الفزع (خاصة بالنسبة للعروس)، والذين يتحدون بكل جرأة الخوف أثناء مرورهم من الردهة نحو الغرفة في الفندق، في حين أن الأهالي والأصدقاء لا يزالون يحتفلون منتشين في موقف السيارات. الحياة يجب أن تستمر وفي هذا الإطار، أخبرتني إحدى الأمهات، التي قامت للتو بزف ابنتها العروس، أن “الهجمات الدموية تحدث في كل وقت يا حبيبتي، ولكن لا يسعنا فعل شيء حيال ذلك، الحياة يجب أن تستمر”. في الآونة الأخيرة، وعلى الرغم من الممارسات الوحشية لتنظيم الدولة، أصبح المدنيون في بغداد يتعاملون مع المأساة التي يعيشونها على أنها كارثة طبيعية أو حادث سيارة يحدث بشكل طبيعي. وفي الأثناء، يدرك المواطنون في بغداد أن التنظيم مصدر كل الشرور والدمار والأذى ورغم ذلك لا بد أن يستمروا في العيش بشكل طبيعي. وبالنسبة للأجانب في بغداد، فإن الوضع أصبح مسألة تعوّد، وهو أمر تمكنت أنا أيضا من تفهمه بعد قضاء أيام في بغداد. خلافا لذلك، يعلم الجميع أن الأمور ستزداد سوءً في الأسابيع المقبلة، ففي كل يوم تستهدف المدينة وتشن هجمات ضدها. ولعل أعنفها على الإطلاق، ما وقع في سوق للسيارات المستعملة، حيث أدى الهجوم إلى مقتل حوالي خمسين شخصا، وقد أعلن تنظيم الدولة مسؤوليته عن كل هذه العمليات. أصوات الرصاص من جانبي نهر دجلة في الموصل، التي تم تحرير جزءها الشرقي من قبضة تنظيم الدولة، أطلق الجيش والقوات الخاصة عملية جديدة بهدف تحرير الجزء الغربي من المدينة. وبالتالي، قرر تنظيم الدولة تكثيف هجماته على العاصمة ومناطق أخرى من البلاد. على العموم، وعلى الرغم من خطورة التنظيم، إلا أنه لم يعد الشاغل الأساسي لسكان العاصمة العراقية، إذ أن الغضب من تفشي الفساد والخوف من الانقسامات الداخلية في الطائفة الشيعية ومن نشوب حرب داخلية، أصبحت أبرز المحاور التي تشغل الشارع العراقي. كان اليوم سبتا، وكان الغبار يغطي السجادات في النزل نظرا لكثرة حفلات الزفاف، وفجأة سمعنا أصوات إطلاق نار قادمة من ضفة نهر دجلة. وفي الأثناء، تم غلق كل الجسور التي تربط ضفتي النهر أمام حركة السيارات، في حين سارع رجال الشرطة بأزيائهم القتالية لاستعمال الزوارق السريعة للتنقل داخل النهر. وتزامنا مع هذه الأحداث، دعا زعيم أكبر تيار شيعي في البلاد، مقتدى الصدر، المواطنين للخروج في مظاهرة ضخمة ضد الفساد، واحتجاجا على القانون الانتخابي الذي يصب في مصلحة النخبة، بحسب رأيه. خلال سنتي 2015 و2016، خرجت مظاهرات حاشدة ضد الفساد في بغداد. وفي الثلاثين من نيسان/أبريل من العام الماضي، نجح المتظاهرون في اقتحام المنطقة الخضراء، وتجاوز التحصينات الكثيفة والمشددة في هذه المنطقة التي تقع في الضفة الغربية من نهر دجلة، والتي كانت تتمركز فيها إدارة الاحتلال الأمريكي. علاوة على ذلك، يوجد في المنطقة مبنى البرلمان ومقرات الحكومة، وهي مؤسسات يشترك العراقيون في كرهها، وقد مثل هذا الاختراق الأمني في ذلك الوقت سابقة خطيرة للغاية. والجدير بالذكر أن المئات من المتظاهرين قد قاموا باقتحام المباني الحكومية. وقد سرت موجة من السخط في صفوف المتظاهرين ، إثر رؤيتهم للأثاث الفاخر والمياه النظيفة الموجودة في تلك المباني، والتجهيزات الفخمة بالإضافة إلى التيار الكهربائي الذي لا ينقطع، ومكيفات الهواء التي كانت تعمل على مدار الساعة لتبريد القاعات التي يجتمع فيها المسئولون، خلال الصيف، في حين كان المواطنون العراقيون يعانون من حرارة الجو التي قد تزيد عن 50 درجة، في ظل غياب التكييف. عموما، كانت تلك أول مرة في تاريخ المدينة والبلاد التي يداهم فيها المواطنون المقرات الحكومية دون تعرض أي شخص للقتل، إذ أن القوات الحكومية فضلت السماح للحشود بالدخول ثم أجبرتهم على التراجع دون أن تضطر لإطلاق النار عليهم. لماذا لا ننسج على منوال الآخرين؟ عندما انطلقت عملية استعادة مدينة الموصل في منتصف تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فضل المتظاهرون البقاء في منازلهم، حتى لا يتم اتهامهم بعرقلة مساعي الأمن العام وإثارة الفتن، في وقت تنشغل فيه القوات الأمنية بمحاربة تنظيم الدولة. في المقابل، عادت المظاهرات من جديد، فقد استجاب عشرات الآلاف من المواطنين لدعوة التيار الصدري قبل أسبوع، وتجمعوا في ميدان التحرير (على غرار ميدان التحرير الموجود في القاهرة). وقد تم الحشد لهذه التحركات عبر موقع “فيسبوك”، وقد استلهم المواطنون شعاراتهم من المظاهرات الحاشدة التي تشهدها رومانيا. وفي ذلك الوقت، أفاد بعض المواطنين العراقيين “هؤلاء أبطال حقيقيون فلماذا لا ننسج على منوالهم؟”. ومن المثير للاهتمام، أن المظاهرات في بغداد قد انطلقت بشكل سلمي، حيث تم إلقاء العديد من الخطابات والتلويح بالأعلام. وفي الأثناء، دعا التيار الصدري إلى التقدم نحو المنطقة الخضراء ولكن دون اقتحامها، إلا أن بعض المتظاهرين حاولوا تجاوز التحصينات الأمنية فقامت قوات الشرطة بإطلاق قنابل الغاز والرصاص المطاطي. وفي مساء اليوم نفسه، ذكرت قنوات تلفزيونية عراقية أن ما لا يقل عن ستة أشخاص قتلوا في هذه المواجهات، بينما جرح أكثر من 150 متظاهر. وبسرعة قام رجل الدين، مقتدى الصدر بإعطاء أوامره بالتراجع، فتم فض هذه المظاهرات، وعاد الهدوء للمدينة. وفي وقت آخر من الليل، سمع دوي تفجيرات في المنطقة الخضراء، وأوردت وسائل إعلامية، في اليوم الموالي، أن ستة صواريخ “كاتيوشا” قد صوبت نحو المنطقة. ومن جهتنا، فقد ترامت إلى مسامعنا في الفندق أصوات دوي اثنين من هذه الصواريخ، وعلى ما يبدو فإنها لم تحدث أضرارا بليغة. اللوم يقع على المالكي في الحقيقة، ومنذ ذلك التاريخ، والعديد من الأسئلة تجول ببال المدنيين في بغداد حول الأطراف المتورطة في عملية اطلاق تلك الصواريخ، فقد يكونون أنصار التيار الصدري، وربما يكونون من الميليشيات الموالية لإيران. في المقابل، ما كان يهم حقا الرأي العام هو تحديد المسؤولين الذين تسببوا في العديد من الإصابات المميتة التي تعرض لها المتظاهرون. وفي السياق نفسه، أفاد سكان مدينة الصدر، التي تعد معقل مقتدى الصدر في بغداد، أن” اللوم يقع على المالكي”، إذ أن مجموعات مسلحة او قوات أمنية تابعة لرئيس الوزراء السابق، نوري المالكي متورطة في عملية اطلاق النار على ما يبدو. ومن هذا المنطلق، فإننا نجد أنفسنا في خضم معركة مختلفة عما عرفناه جميعا في العراق، إذ أن الحرب لا تدور بين تنظيم الدولة والجيش، ولا بين الشيعة والسنة، ولا حتى بين العرب والأكراد، بل بين اثنين من أقوى الشخصيات الشيعية في البلاد، اللتان تخوضان مواجهة مباشرة. يتحمل كل من مقتدى الصدر ونوري المالكي مسؤولية المعاناة التي يعيشها العراق وفشله في تحقيق الاستقرار بعد نهاية الحقبة الدكتاتورية وعموما، يتحمل كل من مقتدى الصدر ونوري المالكي مسؤولية المعاناة التي يعيشها العراق وفشله في تحقيق الاستقرار بعد نهاية الحقبة الدكتاتورية، إذ أن ميليشيات الصدر، الذي يعد ابن أحد رجال الدين الذين كانوا يتمتعون بشعبية في العراق قبل أن يتم إعدامه في عهد صدام حسين، قد هاجمت الأمريكيين بعد سقوط النظام العراقي في سنة 2003. وفي الاثناء، أفاد الصدر، ان “نظام صدام كان الأفعى الصغيرة ولكن أمريكا هي الأفعى الكبرى”. وفي الوقت نفسه، تورط جيش المهدي التابع له في العديد من الانتهاكات فضلا عن عمليات القتل التي نفذت في حق المنتمين لنظام صدام حسين والنخب السنية المتعلمة في الطبقة الوسطى والطبقة الراقية في العراق، مثل الأطباء والأساتذة والعلماء. في المقابل، أصدر صدام حكما بالإعدام في حق المالكي مما دفعه للجوء في الخارج، وإثر سقوط صدام عاد المالكي للعراق. وفي سنة 2006، تم تعيين المالكي رئيسا للوزراء بطلب، مباشر وصريح من الإدارة الأمريكية. وفي سنة 2008، أرسل المالكي قوات الجيش العراقي لإخضاع ميليشيات مقتدى الصدر، مجبرا هذا الزعيم على التراجع. الفساد والمحسوبية تسببت في تخريب مؤسسات الدولة في أعقاب تلك الواقعة، كانت أمام المالكي فرصة نادرة ليدخل التاريخ على اعتباره الرجل الذي نجح في توحيد البلاد. فإثر انسحاب القوات الأمريكية من العراق في سنة 2011، كانت الميليشيات الشيعية بصدد العمل على تكوين مؤسسات وطنية، بينما كان المقاتلون السنة المشاركون في الحرب ضد تنظيم القاعدة ينتظرون أن يتم إدماجهم في المؤسسات الأمنية العراقية، إلا أن المالكي، الرجل القوي في حزب الدعوة الشيعي، قام بخداع السنة وسمح بإطلاق النار على مظاهراتهم السلمية. ومن جهة أخرى، قام المالكي بتحويل الحكومة الهشة والضعيفة إلى جهاز حكم ديكتاتوري، فانتشر الفساد والمحسوبية في صفوف الجيش وبقية مؤسسات الدولة. فضلا عن ذلك، ساهم المالكي في خلق الظروف التي أدت لتزايد سخط الطائفة السنية وصعود تنظيم الدولة. وفي أغسطس/آب 2014، ونتيجة لضغوط واشنطن وحلفائه الآخرين في طهران، قدم المالكي بتقديم استقالته. وفي الوقت الراهن، يتجهز المالكي للعودة للساحة السياسية العراقية، في حين أن أبرز عائق أمامه، يتمثل في منافسة رجل الدين الشيعي، مقتدى الصدر له. الصدر يبقي على مسافة بينه وبين إيران في الواقع، تغير دور الصدر في الأزمة العراقية، فقد تحول من مجرد طرف إلى وسيط فيها. فمؤخرا، أعلن الصدر الحرب ضد تنظيم الدولة، على الرغم من أن ميليشياته، التي صنفتها الولايات المتحدة في يوم من الأيام بنفس خطورة القاعدة، غير موجودة تقريبا في معركة الموصل. وفي العديد من المناسبات، أورد الصدر أن التمييز والاضطهاد ضد العراقيين السنة يجب أن ينتهي. علاوة على ذلك، شوهد الزعيم الشيعي، مقتدى الصدر يحضر الصلاة إلى جانب رجال الدين السنة، كما أنه الآن يقود الاحتجاجات ضد الفساد، وللمطالبة بإصلاح النظام السياسي، انطلاقا من النظام الانتخابي الذي يشعر الصدر أنه مصمم لخدمة مصالح أطراف معينة. إن المشاركين في هذه المظاهرات ليسوا فقط من أتباع التيار الصدري، بل هناك من بينهم العديد من المواطنين السنة والأكراد والنشطاء العلمانيون. والجدير بالذكر، أن المتظاهرين يرغبون في أن يعُم الأمن في البلاد وأن يتم توفير التيار الكهربائي والمياه النظيفة ومن جانب آخر، فإن المشاركين في هذه المظاهرات ليسوا فقط من أتباع التيار الصدري، بل هناك من بينهم العديد من المواطنين السنة والأكراد والنشطاء العلمانيون. والجدير بالذكر، أن المتظاهرين يرغبون في أن يعُم الأمن في البلاد وأن يتم توفير التيار الكهربائي والمياه النظيفة، والحد الأدنى من الخدمات الحكومية. وتجدر الإشارة إلى أن بعض هؤلاء المتظاهرين ينظرون بتقدير كبير لرجل الدين الشيعي، لأن الصدر على عكس المالكي أبقى على مسافة بينه وبين إيران، فهو لا يقدم نفسه فقط على أنه من أتباع المذهب الشيعي بل أيضا على أنه رجل وطني عراقي. ومن هذا المنطلق، فإن الدور الذي تلعبه طهران في بغداد لا يحظى بترحيب الصدر، كما أنه يعارض وبشدة التمويل الإيراني للميليشيات الشيعية التابعة لنوري المالكي. القتل والتفجيرات في الحقيقة، تساور العديد من الأطراف الشكوك حول إمكانية حل هذا الصراع على السلطة بالطرق السلمية، إذ أن الصدر يتحكم في عدد كبير من الميليشيات الخاضعة لتصرفه، في حين أن المالكي قد عرف عنه أنه ليس رجل تسويات وحلول وسطى. في مدينة البصرة الواقعة في جنوب البلاد، تتزايد عمليات القتل والتفجير بشكل ملحوظ، كعلامة على احتدام الصراع بين الميليشيات الشيعية المختلفة. وفي الجزء الشرقي المحرر من مدينة الموصل، تفيد بعض التقارير غير مؤكدة بأن بعض الميليشيات الشيعية قد أقامت نقاط تفتيش من تلقاء نفسها، في انتهاك جسيم للاتفاق المسبق الذي ينص على أن القوات النظامية، من جيش وشرطة فقط، يسمح لها بدخول هذه المدينة ذات الأغلبية السنية. يشتكي سكان الموصل من المضايقات والاعتداءات المتواصلة التي ترتكبها هذه الميليشيات في حقهم، وقد عبر الكثيرون عن مخاوفهم من أن تتحول هذه القوات التي قدمت لتحريرهم، إلى قوات احتلال بالإضافة إلى ذلك، يشتكي سكان الموصل من المضايقات والاعتداءات المتواصلة التي ترتكبها هذه الميليشيات في حقهم، وقد عبر الكثيرون عن مخاوفهم من أن تتحول هذه القوات التي قدمت لتحريرهم، إلى قوات احتلال. في الوقت الحاضر، ما يحسب لمقتدى الصدر هو كونه الشخصية الوحيدة التي تقوم بانتقاد الانتهاكات الطائفية، والتنديد بالأطراف التي تعمل على تعميق الانقسامات الطائفية في خضم الحرب على تنظيم الدولة. تاريخ العراق وحضاراتها القديمة جل هذه التعقيدات والصراعات لا يبدو أنها تثير انشغال مجموعة من العراقيين الذين قابلناهم في الأسبوع الماضي في المتحف الوطني في بغداد. فوسط كل هذه الفوضى وعمليات القتل والدمار، قدمت العديد من العائلات والطلبة والتلاميذ لاكتشاف الكنوز والآثار المذهلة، التي تروي قصة ثمانية آلاف سنة من الحضارة. ومن أبرز الروائع في المتحف، نجد مجوهرات ملوك سامراء، ومخطوطات من العصر البابلي، فضلا عن الجداريات الآشورية. وعوضا عن التسميات التي تعتمد في القرن 21 للمدن العراقية مثل الموصل، وبغداد، والرمادي والفلوجة، توجد هنا أسماء أخرى قديمة تعكس عراقة هذا البلد مثل بابل، وأريدو (تدعى حاليا تل أبو شهرين)، وأور ونمرود. وفي الأثناء، أفاد أحد الآباء وهو يبتسم بكل مرارة “العراق هو مهد الحضارات، ولكن أنظروا ما حل بنا الآن”، ثم أخذ يفسر لابنه، البالغ من العمر سبع سنوات، رمزية بعض القطع الأثرية في المتحف، على غرار المسلة السوداء التي تعود للإمبراطورية الآشورية، وشريعة حمورابي التي تعد أقدم وثيقة قانونية في تاريخ البشرية، حيث تم نحتها في القرن 18 قبل الميلاد. *رئيسة تحرير الشؤون الخارجية في صحيفة تسايت الألمانية، درست العلوم السياسية في برلين، ثم تخرجت من مدرسة الصحافة الألمانية. متخصصة في القانون الجنائي الدولي والجماعات المسلحة ومهام الأمم المتحدة. المصدر: تسايت عن موقع نون بوست