ما يفعله لوبي “المقاومة الإسلامية” داخل الحشد الشعبي مدروس ومقصود النواب الثلاثة مثلاً، وأقصد النائب السابق جمال جعفر –الذي يلقب نفسه بأبي مهدي المهندس لأغراض بوليسية!- والنائب أحمد الأسدي – عن دولة القانون والنائب والوزير السابق هادي العامري .. وغيرهم .. مارسوا سلوكاً حربائياً بعد سقوط الموصل، تظاهروا بأنهم ليسوا قياداتٍ في تيار المالكي الذي إشترك في “مؤامرة إسقاط الموصل” وروجوا فكرة “تقهقر القوات الوطنية” ثم أبرزوا أنفسهم كمنقذ طوارئ وكأنهم كانوا فتية الكهف المؤمنين وليسوا القيادات الفعلية لذات الجيش الذي يتهمونه “بالتقهقر والإنهيار” .. وهي مفردات كاذبة يستخدمها الإيرانيون والأميركان والجميع لتسويق رواية سقوط الموصل والتغطية على “المؤامرة” التي اشترك بها وبحصد ثمارها جميع الأطراف الإقليمية. ولم يتقهقر الجيش ولا البيشمركة بل انسحبوا .. لكن الإجابة على سؤال: مَن أمر بالإنسحاب ستطيح بكل هؤلاء المزيفين من أربيل إلى مشهد مروراً بطويريج.
وعلى مدى أكثر من عامين اخترق جماعة المقاومة الإسلامية بفصائلها النائمة، الحشد الذي أطلق فكرته السيستاني من النجف وأقام بنيانه شباب العراق، إخترقوه ليس من بين الصفوف بل من الأعلى، فمَن عيّن النائب جمال جعفر قائداً للحشد الشعبي ولماذا؟ لا أحد يدري. فجأة ظهر جعفر على الطريقة الإيرانية في تسويق الأبطال، موسيقى حماسية مع تسجيلاته الفيديوية، ومشاهد تبدو أنها التقطت بلا علم “البطل” لحية بيضاء، وابتسامات إيمانية ونظرات متأملة وسلو موشن وسينمائيات للحظة حنوّه على الأطفال، أو تربيته على أكتاف المقاتلين، وعلى طريقة تسويق سليماني وهاشم الحيدري وغيرهم .. وحلّ جمال جعفر بدلاً من هادي العامري الذي لا يملك الكاريزما المناسبة للمهمة. وخلال فترة “التصنيع” حافظ المهندس على نظافة وجهه عند الرأي العام الشيعي، وتمكن من استغلال رصيده في إقناع المتلقي الشيعي بأن حماية مدحت المحمود مثلاً هي مهمة سامية من أجل المذهب، مع أن جميع الشيعة يعرفون أن مدحت المحمود بعثي صميمي بريمري أميركي!
لكن المعادلة التي يطرحها اللوبي الإيراني هنا هي: كل سياسي سني في الحكومة متهم بالإرهاب، حتى يقصد عرين آل المهندس فيصبح كالحر الرياحي، وهو ما فعله مشعان مثلاً الذي أدار ظهره للحكومة وتوجه إلى ملاك الإعلام والمال والسلاح وتحالف معهم وضمن بذلك توقف الحملات الإعلامية ضده مع كل تاريخه المعروف. أما السياسي الشيعي فهو فاسد حتى يزكيه جماعة المقاومة كما حصل مع وزيرة الصحة مثلاً. في قصة عديلة حمود، أرادوا نصرة وزيرة دولة القانون بذات الطريقة التي استخدموها مع المحمود، طبعاً المهندس والعامري يخاطبون العقل الشيعي بالطريقة الغيبية، فهم لا يصرحون بمساندة الوزيرة، بل ينشرون صورة معها ..ويتركون للمتلقي أن يفهم بأنه مادام قطب الرحا مع هذه الشخصية فهي شخصية حق وما يجري ضدها مؤامرة على المذهب! ثم يعضدون الصورة بحديث عبر شخصية صغيرة مثل احمد الاسدي لتكتمل الصورة، ويصبح حظ عديلة كحظ الأسد الذي التقط صورة مع الإمام علي كما تقول الطرفة الشعبية .. المهندس وجماعته تلقوا كميةً قياسية من الشتائم والسباب، لكني أعتقد أنهم كانوا يتوقعون ما سيحصل، وأنهم تعمدوا الجهر بموقفهم “المخزي” [مخزي مرتين، لتدخلهم بتفصيلات سياسية أولاً، ولمساندتهم وزيرة ووزارة فاشلة وفاسدة بإجماع الثقلين] .. أظهروا موقفهم بالتزامن مع ظهور مقابلة المهندس مع الوكالة الإيرانية. بينما كان بإمكانهم حماية الوزيرة دون التورط بهذا “العار” وعن طريق إجراء اتصالات برلمانية تخرق النصاب المطلوب لاقالتها، لكنهم أظهروه: 1- ليهيئوا الرأي العام الشيعي لفكرة وجودهم لاحقاً في تفصيلات سياسية كهذه، صحيح أنهم واجهوا سخطاً أو خسروا بعض الشعبية، لكنهم رسخوا وطبّعوا أكثر فكرة انخراطهم بالسجال السياسي، وفي تدخلهم القادم لن يواجهوا هذا السخط، وهكذا وصولاً لتطبيع فكرة تسييس الحشد. 2- ورسخوا كذلك فكرة أنهم “شقاوات” العملية السياسية، و”عبد الرحمن بن عوف” حين يحتد الجدال، وهو توظيف سياسي غرضه إستعراض القوة وإقناع الناخب بالسطوة والهيمنة. أما في تصريحات المهندس حول تبعيته لخامنئي وسليماني، فهي ردة فعل طبيعية للمتغيرات السياسية وبدء مرحلة الإفلاس السياسي لمشروع “المقاومة الإسلامية” في العراق، فكلما كان الطرف التابع في وضعٍ أضعف، كلما أظهر ولاءه والتصق بالمتبوع،
والأمر هنا يشبه السلوك السعودي خلال الأشهر القليلة الماضية وبعد وصول ترمب، كيف تصرف السعوديون بعد تهديدات ترمب لهم؟ .. أظهروا مزيداً من التذلل والخنوع والتملق لإسرائيل عبر زياراتٍ سرية ولقاءات علنية وتصريحات رسمية وشبه رسمية فحواها البيعة للإسرائيليين في المنشط والمكره والعسر واليسر! هذا سلوك سياسي وإنساني للتابعين .. فالطفل المذعور لا يسير إلى والده بل يركض، ولا يمسك يده بل يحتضنه!
100 ألف مقاتل في الحشد الشعبي اختطفهم بضعة نواب جاهروا بالولاء لغير العراق ولمرجعية غير مرجعية النجف
طبعاً على الأرض، وفي كل الطوائف، الفئة المتطرفة في كل طائفة هي الفئة الأغبى والأكثر إستعداداً لتصديق الأكاذيب .. لذلك سينشط إعلام الإيرانيين الآن ويزعم أن هناك مؤامرة وحملة إعلامية ضد المهندس والجمهورية الإسلامية .. وسيصدق كثير من الأتباع دون أن يلتفتوا بأن هذه الحملة المزعومة أطلقها المهندس وجماعته بأنفسهم وليس الأعداء في الإستكبار العالمي! في النهاية، هناك مئة ألف مقاتل عراقي في الحشد الشعبي، يقودهم بضعة نواب سابقين مجاهرون بالولاء لغير العراق، وبالبراء من فكرة دولة العراق، هذا ما يجاهر به المهندس وبقية زعامات فصائله الصغيرة، هؤلاء البضعة يختطفون مئة ألف مقاتل ويريدون أن يقاتلوا بهم للتكسب السياسي أولاً، والتغيير الآيديولوجي ثانياً.. من مذهب العراقيين الشيعة وولائهم للنجف، إلى ولاء المهندس الذي أفصح عنه. والقبضة التي يستخدمونها هي “قوت يوم عوائل هؤلاء المقاتلين، لذلك فإن الخطوة الأولى التي على العبادي إتخاذها هي تأمين رواتبهم، أحيائهم وشهدائهم وذويهم .. عن طريق مؤسسات الدولة الرسمية، الداخلية والدفاع، وليس عن طريق مؤسسة وهمية مخترقة من الأعلى إلى الأسفل مثل هيئة الحشد! كل محاولة لحماية هؤلاء المقاتلين وتأمين مستقبلهم ستجابه بالصراخ والعويل، لأنه إعتداء على رأس المال الذي يريد أن يتاجر به القوم .. سيظهر زعيم كتلة صادقون قيس الخزعلي ويحذر من “مؤامرة صهيوامريسعوديقطريتركية على الحشد الشعبي!” ومن حقه أن يصرخ بالتأكيد حين يشعر بالخطر يهدد مستقبله السياسي .. أما الدولة .. فعلى مواقفها أن تكون مواقف الدولة .. فجماعة المقاومة الإسلامية لم تعلّم العراقيين مقارعة الإرهاب، لأن العراقيين يقاتلون الإرهاب منذ كان سادة المهندس في طهران ودمشق يجهزون “الميليشيات” بالعبوات الناسفة لقتل الجيش والشرطة بزعم مقاومة الأميركان، ومع هذا وخلال أكثر من عشر سنوات من القتال لم يظهر لواء او فريق أو أي ضابط ليتجرأ على التدخل بالسياسة بهذه الوقاحة وليدعم هذا الوزير أو ينحاز لتلك الجهة .. بينما يريد كل واحد من هؤلاء أن يتحول إلى “قاسم سليماني عراقي صغير” ويتدخل في كل شيء ويزج المقاتلين معه .. المقاتلون خرجوا للعراق وهم له، ولينزل “الجماعة” للإنتخابات كما ينزل البقية للتنافس بالبرامج أو الأكاذيب أو الطائفية أو الرشاوى أو أي شيء غير المقاتلين.