وصف وزير الخارجية والمالية العراقي السابق هوشيار زيباري جريمة خطف القطريين بأنها هزيمة لسيادة العراق ومؤسساته، وأنها ليست المرة الأولى. فقد سبق وتم خطف عمال أتراك كانوا يقومون ببناء ملعب في مدينة الصدر في بغداد، أيضاً قامت بالجريمة ميليشيات محسوبة على إيران. هل يعقل أن تقوم عصابات مسلحة، بإيعاز من إيران باعتقال مجموعة من الزوار القطريين، دخلوا بتأشيرات معتمدة من السلطات العراقية، وكانوا موجودين تحت حماية الأمن العراقي؟ ميليشيا «حزب الله» العراق، التابعة لإيران، تجرأت علانية على تحدي الحكومة؛ اختطفتهم لنحو عام ونصف، وساومت بالنيابة عن الإيرانيين على إطلاق سراحهم! إيران تفعل بالعراق اليوم ما فعلته بلبنان في الثمانينات، الذي حولته إلى ملعب ضد الغربيين، في وقت حافظت إيران على سلامة أراضيها، بعيداً عن المواجهات، فأصبح لبنان هدفاً للاحتلال الإسرائيلي، والقصف الأميركي، وعاثت فيه القوات السورية نهباً وتخريباً. ومنذ ذلك اليوم وإلى الآن، لبنان يعاني، استمر دولة بسيادة منقوصة. في العراق، نشط نظام طهران خلال السنوات القليلة في بناء ميليشيات متعددة يستخدمها لتركيع القوى العراقية الأخرى، وأكبرها الحشد الشعبي الذي حوله إلى ميليشيا موازية للجيش، لإضعاف السلطة العراقية المركزية، كما فعل تماماً بلبنان. لكن هل يستطيع النظام الإيراني القضاء على الدولة العراقية التي تختلف عن لبنان بحجمها الكبير، ومواردها الهائلة، وقيمتها الاستراتيجية الإقليمية؟ العراق معركة كبيرة يحاول الإيرانيون السيطرة عليه في وقت تصارع القوى العراقية المحتلة على مقاومة النفوذ والهيمنة، في ظروف صعبة، والحكومة في بغداد تختبئ من المواجهة ولم يصدر عنها أي اعتراضات رغم كثرة التدخلات الإيرانية وخرق السيادة. والنتيجة المتوقعة في حال نجحت المخابرات الإيرانية في الإطباق على المؤسسات العراقية الرسمية والأخرى أن يتفكك العراق. لا يمكن أن يبقى إقليم كردستان العراق جزءاً من منظومة دولة كرتونية تدار من طهران، والأكراد منذ البداية يشتكون أن بغداد لم تعد مركز الدولة بسبب ضعف مؤسساتها. وكذلك المحافظات السنية الخمس التي يمكن أن تعود إلى رفض سيادة بغداد، مع أن إيران نجحت في تجنيد عدد من قيادات هذه المحافظات وبرلمانييها وإعلامييها في صفوفها خلال الأعوام الثمانية الماضية. ولا يستبعد أن تكون المواجهات العراقية ضد الهيمنة الإيرانية، وضد ميليشياتها في المحافظات ذات الأغلبية الشيعية نتيجة محاولات الهيمنة المباشرة. لقد نجحت إيران في السنوات التي أعقبت خروج القوات الأميركية في التسلل والسيطرة على مفاصل الدولة العراقية، وبلغ الأمر محاولة فرض تفسير طهران لاتفاقية الجزائر للحدود بين البلدين، وقامت بتغيير مسار المياه في شط العرب، وفرضت على الحكومة العراقية تمويل ميليشياتها في العراق وسوريا بحجة محاربة التنظيمات الإرهابية. والعراق، بحكم حجمه، لن يكون مثل لبنان لقمة سهلة للحرس الثوري الإيراني، فإضعاف بغداد سيتسبب في فراغات خطيرة ستؤثر على أمن المنطقة بما في ذلك أمن إيران، فالعراق بلد مهم أيضاً للقوى الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة وروسيا، ولن تسمح هذه الدول لأي دولة إقليمية، إيران أو غيرها، بالهيمنة على العراق دون أن تواجهها يشكل مباشر أو غير مباشر. وما حوادث الخطف والابتزاز الإيرانية المتكررة في العراق إلا مؤشرات خطيرة على الآتي، من تهديد لأمن العراق واستقراره، ووحدة أراضيه. *نقلاً عن “الشرق الأوسط”