حوار مع عالم الاجتماع الإيراني بهروز غاماري-تبريزي لم يؤد نموذج الدولة الذي وضعه آية الله الخميني والمسمى بـ”ولاية الفقيه” في النهاية بشكل مقصود إلى أسلمة المجتمع الإيراني وإنما إلى تحول براغماتي في الإسلام، كما يرى أستاذ التاريخ وعالم الاجتماع الإيراني في جامعة إلينوي الأمريكية بهروز غاماري-تبريزي. منى سركيس حاورت العالم الإيراني حول هذه الإشكالية. “في الدول العربية، التي تعد علمانية رسمياً، لا يوجد في النهاية سوى حيز ضيق للفقه الإسلامي الخلاق والمتجدد، مقارنة في إيران التي أعلنت نفسها جمهورية إسلامية” بروفيسور غاماري-تبريزي، إلى أي حد يظهر التناقض بين التطلعات السياسية الدينية لرجال الدين والواقع الاجتماعي السياسي في الجمهورية الإسلامية؟ غاماري-تبريزي: من أجل الإجابة عن ذلك أرغب في أن أضرب مثالاً: بموجب الفقه الإسلامي التقليدي فإن الإجهاض يعد من المحرمات ولا يُسمح به، إلا إذا كانت حياة الأم في خطر. لكن في الحقيقة تبلغ حالات الإجهاض غير المشروعة بين النساء الإيرانيات قرابة 90 ألف حالة سنوياً، الأمر الذي من شأنه أجبر الدولة في النهاية على تخفيف القوانين المتعلقة بذلك في عام 2007. وفيما بعد لم يعد الإجهاض مسموحاً به في حالة وجود خطر على حياة الأم فقط، وإنما في حالة وجود تشوهات خلقية لدى الجنين، إن أمكن للوالدين إثبات عدم مقدرتهم على تلبية النفقات المالية لتلبية رغبات الطفل المعاق.
إذن يعني هذا نوعاً من خضوع التصورات الدينية-العقائدية إلى متطلبات المجتمع. ألا يمس هذا بشكل أساسي ركائز الجمهورية الإسلامية؟ تبريزي: لقد أنهت الجمهورية الإسلامية النظام العلماني في إيران، لكن في الوقت ذاته باتت العقيدة الإسلامية موضع تساؤل دائم، كما أنها باتت تقاس بالواقع السياسي. ونتيجة لذلك نرى أن أسلمة المجتمع أصبحت تشغل حيزاً أقل من ذلك الذي يشغله من التحول الذي يشهده الدين الإسلامي. ولم تكن هذا الأمر نتيجة مقصودة من الثورة الإسلامية، لكني أعتقد أن هذه النتيجة متعلقة بشكل كبير بالتأثيرات… ...الأمر الذي سيؤدي بلا شك أيضاً إلى تخندق داخل أوساط رجال الدين وعلى الصعيد الديني-السياسي؟
هذا كان ما كتبه من قبل إلى المتحدث باسم البرلمان، بعد عامين على قيام الثورة: “إن الجهة الوحيدة التي تقرر ما هو الإسلام من عدمه هو البرلمان المنتخب بأغلبية الثلثين”. وما هي التبعات على المدى الطويل التي نتجت عن هذه النقلة بالنسبة للمجتمع الإيراني؟ هل قاد ذلك إلى انبثاق ليبرالية دينية إلى حد ما؟ . تبريزي: إن الأمر يتوقف على كيفية تعريفنا للتدين. فالغرب ينتبه بشكل خاص إلى العاصمة طهران بشبابها الذين يرتدون آخر صيحات الموضة وبشعرهم المدهن والنساء بماكياجهن الصارخ. ولكن حتى بين هؤلاء الشابات والشباب يوجد الكثير من يقومون بتأدية صلواتهم اليومية. فالإسلام الشيعي هو إسلام إيراني في المقام الأول، ويختلف بشكل تام عن نظيره في العالم السني العربي. على سبيل المثال يحدد كل شخص في العالم الإسلامي أن أعياده تعد من أهم أيامه، باستثناء الإيرانيين. فعيد الاحتفال بالسنة الجديدة لدى الإيرانيين يحل في الربيع، وهذا يعود إلى حضارة من زمن الأخمينيين (559-330 قبل المسيح)، وكان الربيع يحتل في هذه الحضارة أهمية تجارية خاصة. كما أن الطقوس الوثنية التي تعود إلى فترة ما قبل الإسلام ما تزال تتمتع بدور مركزي. وقد يبدو هذا الأمر متناقضاً بالنسبة للغرب والعالم السني، ولكن ليس للإيرانيين. إن هناك فرقا آخر بين الشيعة والسنة، ويتمثل هذا في أن الشيعة يؤكدون على “الاجتهاد”، وهو التفسير المتجدد للقرآن والسنة. هل يعد هذا سبباً أيضاً في أنه لا يُعرف عن الدول العربية السنية تعاملها مع الدين من هذا المذهب العقائدي؟ تبريزي: المذهب الشيعي أعلن عدم غلق “باب الاجتهاد”، كما أن فيه هرما واضحا لدرجات رجال الدين، الأمر الذي يمنح الفتاوى الصدارة عن رجال الدين الشيعة وزناً أكبر من مثيلاتها لدى نظرائهم السنة. لكن الأمر الحاسم هو الخلط بين السياسة والدين في إيران. وهذا الاختلاط يضع الإسلام في إطار معرفي دائم للقرارات السياسية الاجتماعية. وهذا الأمر يعد بمثابة سخرية تقلب الأمور رأساً على عقب: ففي الدول العربية، التي تعد علمانية رسمياً، لا يوجد في النهاية سوى حيز ضيق للفقه الإسلامي الخلاق والمتجدد، مقارنة في إيران التي أعلنت نفسها جمهورية إسلامية، وهذا منذ عام 1979، بغض النظر تحت قيادة أي حكومة. كما أنها تقوم بتفسير الإسلام بشكل حي.
..
أجرت المقابلة: منى سركيس ترجمة: عماد م. غانم حقوق الطبع: قنطرة 2010 البروفسور بهروز غاماري-تبريزي: أستاذ التاريخ وعلوم الاجتماع في جامعة إلينوي الأمريكية. في عام 2008 صدر كتابه “الإسلام واختلاف الرأي في مرحلة ما بعد الثورة الإيرانية”.