من قال أنّنا نحتاج إلى الكثير من التمسك بالمعايير المهنية الصارمة في الحياة لتسجيل المجد المهني؟ فها هي مستشفى دنماركية تكتسح مواقع التواصل الاجتماعي بقصتها الإنسانية الملهمة.
وذلك بعد أن استخدمت أقصى درجات الإنسانية غير عابئة بمعايير وسلوكيات المهنة الرصينة، واستخدمت أسلوب الرعاية التلطيفية، بشكل مُغاير تمامًا عن ما هو سائد، عن طريق انتهاك سياسات وقوانين المستشفى؛ لتنفيذ الأمنية الأخيرة لمريض على وشك الموت.
بدأت القصة، والتي تناقلتها وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية المُختلفة حول العالم، عندما تعرض المواطن الدنماركي Carsten Flemming Hansen – كارستن فليمينج هانسن، والبالغ من العمر 75 عامًا لوعكة صحية، نُقل على آثارها لمستشفى Aarhus – جامعة آرهوس الدنماركية، حيث تم تشخيص حالته على أنّه مصاب بمرض عضلي مع تمدد الأوعية الدموية فى الشريان الأورطى، والمصحوب نزيف داخلى.
مستشفى دنماركي تمنح مريض سيجارة وكأس من النبيذ كآخر أمنية قبل الموت
وهي حالة حرجة للغاية، ويصعب معها التدخل الجراحي بشكل كبير، نظرًا لتأخر الحالة الصحية مع كبر السن، والنزيف المُستمر بداخل البطن، مما ينذر بعدم نجاته وتعرضه لمشاكل بغرفة العمليات، وعليه توقع الطاقم الطبي وفاة المريض بعد دخوله بساعات أو ربما أيام قلائل للعيش.
بُناءً عليه تم إبلاغ Hansen بحقيقة وضعه الصحي، ومُشاركتها وجهًا لوجه معه، كونه على وشك الموت، بعدما أدرك الأطباء عدم جدوى التدخل الجراحي معه، ليقضي الوقت المُتبقي من حياته في سلام، وبدلًا من كُل ذلك منحه Dignified Death وفاة كريمة، والسعي لتحقيق Dying final wish الأمنية الأخيرة له قبل الموت، والمثير للدهشة أنّ عائلة الرجل العجوز اتفقت مع الأطباء على أنّ تحقيق رغبته الأخيرة خير له من تلقي العلاج.
وهُنا يجب أن نشير إلى كتاب The Top Five Regrets of the Dying، الذي ألّفته المُمرضة الاسترالية BRONNIE WARE، والتي تسرد فيه قصص الأيام الأخيرة في حياة بعض مرضى غرفة العناية الفائقة، ولحظات الاحتضار بشكل فيه الكثير من السلام الداخلي.
وبالعودة لقصتنا اليوم نجد أنّ الملفت في التفاصيل، والمثير للدهشة أيضًا أنّ عائلة الرجل العجوز اتفقت مع الأطباء على أن تحقيق أمنيته الأخيرة خير له من تلقي العلاج، وأهم من الجراحة.
غير أن أمنية Hansen الأخيرة كانت غريبة جدًا، ويصعب تحقيقها في مستشفى يعج بالمرضى، حيث طلب إعطاءه سيجارة ماركة Green La، والسماح له بتدخينها مع كأس بارد من النبيذ الأبيض.
وعليه، قام موظفو المستشفى الدنماركي الجامعي بكسر بروتوكولها الصارم، وتحدي اللوائح والقوانين الداخلية، والتي تنص على عدم التدخين على أرض المستشفى، لمنحه آخر أمنية له.
لذلك تم قيادة Hansen بسريره المُزود بالعجلات إلى شرفة جناحه العلاجي الذي يقبع فيه، مع تعديل وضعيه ظهر السرير، حتى يتمتع بالسيجارة وكأس النبيذ مع مُشاهدة غروب الشمس الجميل بصحبه عائلته، وبالفعل توفى المريض بعد تحقيق أمنيته.
وقالت إحدى المُمرضات التي صاحبته في لحظته المُتميزة، وتدعى “Rikkie Kvist”: “كان الجو دافئًا ومريحًا للغاية”، ثم أضافت “بالطبع كان هناك أقارب له تضرروا من حقيقة أنّه سيموت، وكانوا حزنين جدًا”.
وقد نشرت الصفحة الرسمية للمستشفى في الدنمارك صورة للمريض وهو يحقق أمنيته الأخيرة في شرفة المستشفى، وقالت: “إنّ الممرضات فى جناح “Hansen” وعائلته أتفقا سويًا على أنّه في هذه الحالة فإنّ تحقيق أمنيته الأخيرة أكثر أهمية من قواعد العلاج والوقاية والتدخين”. وقد تلقى منشور المستشفى في ما يتجاوز الـ 75 ألف تسجيل إعجاب، وأكثر من 5000 مُشاركة، والآلاف من التعليقات الداعمة، حتى وقت كتابتنا للقصة الإخبارية.
والآن بات من المؤكد أنّ القدر لا يُعطي أبدًا فرصة ثانية للعيش مرة آخرى، لكنه يُعطي لك فرصة لعيش حياتك على أكمل وجه في وقت معين…