من كان منكم …..!! علي حسين في كتابه ” دفاعاً عن المثقفين ” ، الذي صدر عام 1965، يعطي جان بول سارتر تعريفاً للمثقف:” أن ما يجعل من فرد ما مثقفاً هو قدرته على ان يتدخل في ما لا يعنيه، ويمتلك القدرة على الجهر بالحقيقة “. بعد 2003 كنت أعتقد أن زمن المثقفين الذين يهتفون لرجل واحد قد ولّى من العراق، وكنت مثل غيري كلما تحدث أزمة سياسية، أتساءل، أين هم المثقفون، أين دورهم، متى يساهمون في إشعال الغضب ضد الفساد والمحاصصة الطائفية وخراب مؤسسات الدولة ؟ غير أنني لم أستطع رؤية الكثير منهم ، إلا وهو يقف خلف سياسيين قبضوا على مقدرات الدولة والحياة، أين مثقفنا من كل ما جرى ويجري خلال السنوات الماضية، وربما يقول المواطن البسيط، من هم المثقفون، وما هو دورهم؟ لماذا لا نسمع أصواتهم، فيما علت أصوات أنصاف السياسيين والانتهازيين ومروّجي الطائفية؟ .
كنت أتابع أنشطة السياسيين ومشاركاتهم في المناسبات السياسية والحزبية فلم اخرج منها الا بحصيلة تقول إن معظمهم لم يحضر مناسبة ثقافية أو فنية إلا ما ندر، في الوقت الذي نجدهم في الصفوف الأمامية لمؤتمرات تقيمها بعض العشائر ، ولهذا كنت في كل مرة اطرح علامة تعجب ، وانا ارى مجموعة من الادباء والفنانيين والمثقفين يقفون على باب المالكي او يلتقطون صور السيلفي مع الجعفري، او ينصتون لحديث عمار الحكيم ، او يكتبون دفاعا نظرية اسامة النجيفي في الاحتباس الطائفي . لا اعتراض عندي على أن تلتقي نخبة مثقفة ، أصحاب القرار السياسي ، لكني أضع أكثر من علامة استفهام ، وأنا أرى نخبنا الثقافية تقدم نفسها بمعزل عما يجري في البلاد . في واحد من حواراته الممتعة يصف إدواردو غاليانو حالة شاعر الارجنتين الكبير بورخيس بكلمات ربما تنطبق على كثير من مثقفينا ، مثلما وجدتها تنطبق على موقف سعدي يوسف مما يجري في بلاده الان يقول غالينو :” إن بورخيس لم يشغل أية مكانة في أعماقي أبدا ولا أشعر بتلك الجاذبية في أعماله ليس لأنها تفتقد إلى الإبداع والابتكار، بل على العكس فانا اقدّر كثيرا أسلوبه وكونه رجلا حاذقا وهو مثقف كبير بلا شك، لكني أراه محض رأسٍ ولا شيء غير هذا الرأس فهو لا يمتلك قلبا دافقا ولا حسّا إنسانيا رؤوفا ولا معدة جائعة تشعر بفاقة الآخرين، نعم يحوز رأسا لامعا في غاية الذكاء ليس إلاّ، أراه من أصحاب النخب الغارقة في انعزالها عن الشريحة المسحوقة، فما جدوى أن يكون بورخيس مجرد عقلٍ مثقف قابع في مكتبة ” . وأزعم أن معظم الذين يصفقون للمالكي ويتغنون بمحاسن حنان الفتلاوي ، او يبررون لسليم الجبوري لعبه على حبال الانتهازية ، لا يختلفون كثيرا عن ما يكتبه شاعر فقد بوصلته الوطنية والانسانية ، واعني سعدي يوسف .