على خلفية السجال العراقي- اللبناني الأخير حول صفقة القلمون: أرسلت لي مشكورة صديقة لبنانية، وهي باحثة اجتماعية، لا ترغب بنشر اسمها، الرأي أدناه. تعقد الكاتبة مقارنة بين ما تراه تنوعاً حيوياً في المجتمع العراقي (الشيعي خصوصاً) والاستقطاب الحاد في المجتمع اللبناني (الشيعي خصوصاً). يمكن أن يكون رأيها ردّ فعل على الاستقطاب الخانق في لبنان، وربما هناك مبالغة في تصورها للحيوية والتنوع في العراق. لذا أضع النصّ أمامكم وأترك الحكم لكم: ظهر في العراق للبنانيين، ما كنت اراه في العراق، منذ سنين، من خلال ردة فعلهم على الصفقة ومن وراءها على حزب الله وايران: 1- في العراق جماهيريا نسمع 3 اصوات: الصوت العراقي “الوطني”، مرتفع اكثر من الصوت الموالي لايران من جهة ولاميريكا او السعودية او تركيا من جهة اخرى. ولا يستطيع اي بوق اعلامي او اي رجل دين منحاز لجهة خارجية ان يقمعه. بينما في لبنان الاصفاف هو ثنائي وحاد. انت وطني وحُكما مع ايران، او انت اميريكي سعودي وابن سفارة وصهيوني. يستسهلون في لبنان طمس وشتم وتكفير اي صوت ثالث. 2- في العراق المذهب الشيعي له حناجر كثيرة:
قد تجد اكثر من معمم شيعي يوافق على الصفقة. وتجد ايضا اكثر من معمم يرفضها. اما في لبنان حركة امل تعمل في السياسة. وحزب الله في الامن. ثنائية شيعية تمثل الشيعة. وعلى كل معمم شيعي او اي شيعي ان يصطف معهما. واي خروج من هذا الصف لاي معمم او اي شيعي يصنف فورا في خانة العمالة. 3- في العراق رجل الدين “السياسي” لا هالة لديه: بسبب وجود “مقامات” و “مرجعيات” في العراق وبسبب العدد المرتفع للشيعة في العراق، وبالتالي عدد المعممين، وتعاطي الكثير من المعممين في السياسة، لا يشعر العراقي الشيعي ان “تمثيله الشيعي” مهدد. لذا ان اي انتقاد سياسي لمعمم شيعي لا يفسر بتاتا على انه انتقاد للسياسة الشيعية او للشيعة “كلهم” او لوجودهم كما يحصل في لبنان. بينما لو قام تلفزيون الجديد اللبناني وكتب في مقدمته نقدا للصوت المرتفع لنصرالله في خطابه عن اليمن والسعودية، تشن الحملات وتصبح محطة الجديد “دكانة”. لقد حصل مرة ان هجم مناصرو حزب الله على منطقة في لبنان (الاشرفية) لان برنامجا هزليا تناول نصرالله. لقد وصل الامر ببعض محبي نصرالله ان يقولو عنه انه معصوم. وببعض محبي نبيه بري انه نبي. الهالة والتبجيل والتفخيم والتعظيم، كل ذلك، لا يحصل بتاتا في العراق. يتحول رجل الدين السياسي سريعا الى مجرد رجل سياسي قابل للنقد وبسخرية لاذعة جدا. (شخصيا، مع رفضي للشتيمة بشكل عام، تفاجأت جدا لا بل صعقت بمعمم شيعي يشتم نصرالله). 4- في العراق، فعل المقاومة فعل عادي و”عام”. مانو فعل تميز وحصري وعلامة فارقة ومصحوب بامتيازات وصلاحيات خاصة: العراق تحمل حروبا كثيرة. يشعر العراقي انه لا يحتاج بتاتا لشهادة شرف بالمقاومة. بالتالي لم تنقسم الآراء بين رأي مقاوم ورأي غير مقاوم او شريف وغير شريف. (عكس لبنان). فعل المقاومة هو عام وطبيعي ومانو تربيح جميلة لأي فئة. بالتالي كان لكل عراقي حق طبيعي وليس امتيازا ان يعبر عن رأيه. لا احد يقول للآخر “بس تصير تفهم ويصير عندك باع طويل بالمقاومة ساعتها احكي”. (عكس لبنان) المقاومة ليست علامة تميز بين عراقي واخر. ولا احد يزايد على الاخر بعدد شهداءه. في كل بيت عراقي، شهيد. وبالتالي الشهادة او المقاومة مش شرط ليصبح الرأي المعبّر عنه رأيا وطنيا وشريفا. (عكس لبنان) الصمود الطوييييل لأهل العراق في حروب العراق هو المقاومة. ولا يتم ربط المقاومة فقط بمحاربة “اسرائيل”. (طبعا العراق حارب اسرائيل). ولا يميزون بين مقاومة اسرائيل او مقاومة الظلم السياسي. وذلك التمييز لا يُفتعل من اجل استصغار رأي معين. لن تسمع اي عراقي يقول لك: مقاومتي “اقوى” من مقاومتك ورأيي أفهم من رأيك لاني قاومت اسرائيل؟ (عكس لبنان) لقد تراوحت الاراء في العراق حول درجة خطورة الصفقة او درجة تفضيل مصلحة ايران على حساب العراق او درجة تدخل لبنان في العراق. 5- الصوت العلماني في العراق مرتفع وإن قلّ. في العراق (مع الاستثناء ودون تعميم) تجد مثقفا “فاعلا” يعمل بشكل مستمر على مناهضة “الاسلاميين”، خمينيين او وهابيين، دون ان يفاضل بينهما، ودون ان تفسر مناهضته عمالة لاسرائيل !!! وذلك رغم التهديد والتفقير والترحيل والنفي والضغط. المثقف العراقي ما زال يستطيع ان يرى خطر الاسلاميين في الخمينية و الوهابية على السواء. وحتى لو حررت الخمينية فلسطين كلها ، لا يوجد اي فعل يجعل المثقف العلماني ينسى ما معنى “اسلامي” او يجعله يفسر الخمينية على انها فقط مناهضة لاسرائيل. بتاتا. لا يذوّب العلماني علمانيته. 6- معادلات العراق اكثر ارتباطا بالعراق من اي بلد آخر: معادلة (جيش شعب مقاومة) لا تشبه معادلة (جيش شعب حشد). يحاول الاعلام اللبناني ان يعادل بينهما. الحشد: صف الحشد الشعبي لا يشبه بتاتا صف حزب الله. حزب الله خميني بالكامل. الحشد فيه فصائل كثيرة لا توالي الخميني بتاتا. صُنع حزب الله بقرار مخطط. اما الحشد فهو ردة فعل عفوية شعبية لمحاربة داعش. ايران تستنسخ حزب الله في عدة دول وتستغل كل الظروف لذلك. اما الحشد فهو حالة عراقية ستبقى محلية وهي حالة ظرفية محددة بمحاربة داعش. الجيش: الجيش اللبناني أفقر من العراقي. وفي حين سلّم جدلا اللبناني ب “وضع” الجيش اللبناني، لا يفعل ذلك العراقي. العراق اغنى. وما الحشد الا همّة وغيرة عراقية لتدعيم الجيش. الحشد ليس بديلا عن الجيش. ويخوض العراقي اليوم مسألة دمج الحشد بالجيش العراقي. اما مسألة دمج حزب الله بالجيش اللبناني او التنسيق بينهما او نزع سلاح حزب الله قد تكون بعيدة المدى. لكل ذلك، ردات فعل الشعب العراقي لا تنبع من معادلات “ذهبية” بمعنى ممنوع المس بها وبالتالي نقدها. المقاتل في الحشد هو نفسه وبقراره يقف ليعترض او يوافق على الصفقة. هو ابن الغيرة والهمة بشكل عفوي. انضم للحشد وقاتل معه بنفسه وبقراره هو. فلم يتجرأ اي احد ان يسكت ويقمع العراقي في التعبير عن رأيه (مع او ضد) او يتهمه بالعمالة مهما كان رأيه بالصفقة. اما في لبنان فكل من رأى في الصفقة اعتراضا، فأصبح رأسا خائن عميل ….
ملاحظة: المادة منشورة في صفحة الشاعر والاعلامي شعلان شريف وقد حظت المادة بمتابعات وتعليقات كثيرة Neseer EL Mehdi تمرير ” السم ” من خلال العسل وبالطبع يطرب العراقي للمديح ومن خلاله سيتم دفعه في اتجاه معين وبالطبع لا أعنيك أخي العزيز ولكن مضمون الرسالة بقدر ما يحق لنا كقراء نقده وهذه المقارنة ليست بريئة ولا حتى منصفة بل يراد منها قولبة رد الفعل العراقي الذي كان في بعض جوانبه حسنة النية مشروعا بل ومطلوبا وفي جوانبه الأخرى الكثيرة يترواح بين استغلال لفرصة للثأر والانتقام أو للقيام بوظيفة وفي العراق ثلاثة أصناف من المهتمين : غيور وطني يبحث عن تفسير أو تبرير أو يطرح مخاوف مشروعة وربما تنقصه المعلومات الكافية وصنفان يتراوحان بين مأجور أو موتور والأخيران يظهران في جميع المناسبات ودائما لتصفية حساب أو لتأدية مهمة والمقارنة بين مواقف الفئتين الأخيرتين من أحداث كثيرة مرت بالعراق أخطر وأكبر من هذا الحدث العابر الذي جرى النفخ فيه وتضخيمه ولم نر لها موقفا أو نقرأ أو نسمع لها كلمة ومشروع البارزاني التقسيمي على الأقل على الأبواب وعندما تمتحن النوايا والمواقف . في كل فقرة ثغرة ولا يسع المقام للرد عليها ولكن قصة دمج حزب الله في الجيش اللبناني وهي أيضا مطروحة على صعيد الحزب والدولة والصحافة والناس في لبنان ولكن الامر مصيدة غبية حيث يطرح حل حزب الله ودمجه في الجيش وقوى الأمن ولكن في لبنان هناك محاصصة طائفية صارمة في عدد المنتسبين ويراد من حزب الله أن ينهي خيار المقاومة ومن لبنان أن يعود الى مكفخة تاريخية تحت الشعار التقليدي المعروف ” قوة لبنان في ضعفه ” كي تعود ” إسرائيل ” الى العربدة فيه
شاكر لعيبي ولماذا أستاذ شعلان لا تريد “السيدة الباحثة” الإعلان عن نفسها؟؟؟؟ لا يوجد في المقاربة أي شيء يُخشى منه. وفي لبنان قيل أخطر وأعوص منه. هذه ليست مقاربة شخص لبناني في اعتقادي… حيث الانشطار في البلد عمودي وأفقي بهذا الشأن.. قراءة نصية لهذا التحليل (خاصة مفرداته ومصطلحاته) تجعلني أقامر بالقول إن صاحبه ليس لبنانياً…. Shaalan Sharif تحياتي أستاذ شاكر. عدم رغبة الكاتبة الإعلان عن نفسها شأن شخصي، لكن بما أنني أنا ناشر الموضوع فأفترض أن أصدقائي الذين يعرفونني يثقون بي وبأني لا أنشر شيئاً من مصدر مجهول بالنسبة لي. شاكر لعيبي انا اثق بك أيضا، كثيراً، ولذا فالتأكد من المرجع ضرورة ليضيف المزيد من المصداقية (وهناك الكثير الذي يقال بهذا الشأن). ملاحظة أخيرة: هذه الكتابة ليست سيوسيولوجية وإنما سياسية بامتياز. Shaalan Sharif هو بالفعل رأي سياسي وليس تحليلاً سيوسلوجياً، وموضوعه لبناني أكثر مما هو عراقي. لكني شخصياً اتفق مع هذا الرأي في جانب واحد، وهو أن المجتمع العراقي (الشيعي خصوصاً) أكثر تنوعاً وحيوية، مما يشاع.
محمد الأخرس الطريف أنني لاحظت في بعض التعليقات أن المقارنة استثارت هوسا عراقيا بتسفيه أنفسنا وتقزيمها أمام أي شيء غير عراقي. الباحثة ترى ما لا نراه فتهز يقيننا بما نراه من ضآلة في أنفسنا. لعلنا لم نعد نحتمل من يمدحنا ضمنيا ويهدم ما رسمناه من صورة سيئة عن أنفسنا. شاكر لعيبي هذا ليس مديحا للعراقيين يا محمد. هذا نقد وتخليط وتسفيه لاطراف لبناني