- موقف المرجعية الشيعية في العراق بشأن قضية الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق سيكون بمثابة غطاء ديني وسياسي لأي قرارات أو تحرك تقوده حكومة حيدر العبادي ضد الإقليم، وقد يفتح باب خروج البارزاني من ورطته الناجمة عن الاستفتاء وما يستتبعه من صعوبات في إدارة الأزمة الناجمة عنه.
انضمت المرجعية الشيعية في العراق إلى قائمة الضاغطين على رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني بإعلان معارضتها الصريحة للاستفتاء والنوايا الانفصالية الكردية. وفيما يكابر البارزاني علنا برفض التراجع، لكن مصادر سياسية أكدت لـ”العرب” أنه يحرك الوسطاء بحثا عن مخرج للأزمة مع بغداد ودول الجوار.
وقال أحمد الصافي ممثل آية الله علي السيستاني المرجع الأعلى لشيعة العراق، خلال خطبة الجمعة في مدينة كربلاء جنوبي بغداد، إن السيستاني يعارض انفصال المنطقة الكردية في شمال العراق في أول تصريح للزعيم الديني بشأن قرار الأكراد تأييد الانفصال في استفتاء.
وأشار الصافي إلى أن السيستاني يعتقد أن “القيام بخطوات منفردة باتجاه التقسيم والانفصال، ومحاولة جعل ذلك أمرا واقعا، سيؤديان بما يستتبعهما من ردود أفعال داخلية وخارجية إلى عواقب غير محمودة تمس بالدرجة الأساس حياة المواطنين الأكراد”.
وذكر الصافي أن السيستاني يدعو حكومة إقليم كردستان “إلى الرجوع للمسار الدستوري” في سعيها لتقرير المصير.
وقال متابعون للشأن العراقي إن موقف المرجعية سيكون بمثابة غطاء ديني وسياسي لأي قرارات أو تحرك تقوده حكومة حيدر العابدي ضد الإقليم، لافتين إلى أن البارزاني عجز عن إدارة الأزمة مع بغداد رغم النسبة العالية التي انتهى إليها التصويت والداعمة للانفصال، وهو ما يفتح الباب أمام التنازلات.
وبينما تراجعت بغداد عن قرار إرسال قوة لتسلم إدارة المنافذ الحدودية الثلاثة في كردستان العراق من حكومة الإقليم، تؤكد مصادر سياسية مطلعة أن “القيادة السياسية الكردية تحرك عددا من الوساطات مع الحكومة العراقية، لإيقاف إجراءاتها العقابية التي اتخذت على خلفية استفتاء الاستقلال الكردي، في الخامس والعشرين من الشهر الجاري.
ودعت بغداد، الجمعة، وسائل الإعلام المحلية إلى تغطية فعالية تحرّك ثلاث قوافل عسكرية متجهة إلى الإقليم الكردي، لمسك ثلاثة منافذ حدودية بين كردستان العراق وكل من تركيا وإيران، وذلك تنفيذا لقرارات وزارية اتخذتها بغداد في وقت سابق.
لكنها عادت بعد ساعات وأعلنت تأجيل إرسال هذه القوة، من دون أن توضح الأسباب.
وجاءت هذه التطورات في ظل أنباء غير مؤكدة عن موافقة أربيل على تسليم جميع منافذ إقليم كردستان إلى بغداد، شرط الموافقة على بقائها مفتوحة. لكن موقع “روداو” المقرب من رئيس حكومة إقليم كردستان، نيجرفان البارزاني، نفى على لسان مصدر رسمي هذه الأنباء.
ويقول مراقبون إن “تحريك هذه القوافل العسكرية بشكل علني وتحت أنظار وسائل الإعلام، ربما يسبب حرجا لحكومة إقليم كردستان، فيما لو أرادت الاعتراض على اعتبار أن المنافذ الحدودية، تدخل في باب الصلاحيات الحصرية للحكومة الاتحادية”.
تجاهل وساطات محلية في ظل وجود وساطات بأوزان ثقيلة تتبناها واشنطن والأمم المتحدة والجامعة العربية ويرجح هؤلاء أن تأجيل عملية تسليم المنافذ الحدودية إلى بغداد من قبل سلطات الإقليم الكردي، ربما جاء لتجنب هذا الحرج.
وكشف دبلوماسي عراقي لـ”العرب” أن “الجيش التركي حرك قوة نحو منفذ إبراهيم الخليل، الرابط بين دهوك في إقليم كردستان والأراضي التركية”.
وقال الدبلوماسي العراقي إن “الجيش التركي لم يدخل المعبر، ولكن اتفاقا بين بغداد وأنقرة تم مؤخرا، ربما يسمح للأتراك بتأمين المنفذ عسكريا في حال طلب العراق ذلك”.
وكانت بغداد أرسلت في وقت سابق قوة عسكرية خاصة لإجراء مناورات مشتركة مع الجيش التركي، فيما تستعد قوة عراقية أخرى لإجراء مناورات مماثلة مع قطعات إيرانية.
وتجري هذه المناورات خارج الأراضي العراقية في مواقع بالقرب من المعابر الحدودية الرسمية، بين العراق من جهة، وتركيا وإيران من جهة ثانية.
ورسميا، طلبت وزارة النقل في الحكومة الإقليمية لكردستان من وزارة النقل الاتحادية في بغداد تمديد المهلة التي منحت سابقا قبل حظر الطيران الدولي من وإلى مدن الإقليم.
وقالت الوزارة الكردية، في رسالة وجهتها إلى بغداد، إنها مستعدة للتفاهم بشأن إدارة مطاري أربيل والسليمانية، اللذين تطالب الحكومة المركزية بإخضاعهما لوزارة النقل الاتحادية.
وتقول مصادر سياسية في أربيل إن “القيادة السياسية الكردية تأمل في نجاح الوساطات المحلية والدولية في إقناع بغداد بالتراجع عن سلسلة إجراءاتها العقابية”، التي تتضمن قيودا على حركة الطيران والأموال والمنافذ الحدودية.
وأبلغ رئيس إقليم كردستان، مسعود البارزاني، صحافيين في أربيل، الخميس، بأن “إجراءات بغداد تستهدف تجويع الشعب الكردي، وهو دليل على صواب قرار الاستفتاء”.
لكن مكتب رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، رد قائلا إن “سيطرة الحكومة المركزية على المنافذ البرية والجوية في إقليم كردستان ليست للتجويع ومنع المؤن والحصار على المواطنين في الإقليم كما يدعي بعض مسؤولي إقليم كردستان ويحاولون ترويجه”، مشيرا إلى أن هذه الإجراءات تهدف إلى “ضمان عدم التهريب ومنع الفساد”.
وأضاف مكتب العبادي في بيان، الجمعة، أن “فرض السلطة الاتحادية في مطارات إقليم كردستان يتمثل بنقل سلطة المطارات في كردستان إلى السلطة الاتحادية حسب الدستور كما هو الحال في كل المطارات العراقية في المحافظات الأخرى وحسب ما هو معمول به في جميع دول العالم”، وفيما أوضح أن “الرحلات الجوية الداخلية مستمرة”، أكد أن الرحلات الدولية ستعود إلى العمل “بمجرد نقل سلطة المطارات في الإقليم إلى المركز”.
واعتبر مكتب العبادي أن هذا الإجراء “لا يمثل عقوبة للمواطنين في الإقليم وإنما هو إجراء دستوري وقانوني أقره مجلس الوزراء لمصلحة المواطنين”.
وبينما أعلنت الخارجية الأميركية استعدادها لرعاية وساطة بين بغداد وأربيل، مثّل رد البارزاني، على مبادرة نائب رئيس جمهورية العراق إياد علاوي، تطورا وصف بالإيجابي.
وأبلغ البارزاني علاوي استعداده لتأجيل مناقشة نتائج الاستفتاء الكردي مدة عامين والدخول في مفاوضات مع بغداد.
ولم يصدر عن بغداد رد رسمي بشأن هذه المبادرة حتى ساعة إعداد هذا التقرير. لكن مراقبين يتوقعون أن يتجاهل العبادي مبادرة علاوي ورد البارزاني عليها، “في ظل وجود وساطات بأوزان ثقيلة، تتبناها واشنطن والأمم المتحدة والجامعة العربية”.