عذاب الإنسان في الأدب البابلي الدكتور خزعل الماجدي
تسمى هذه القطعة الأدبية من أدب الحكمة البابلي باسم (الحوارية البابلية) أو (حوار العدالة الإلهية) وقد كتبها كاهن الأشيبو المعزم (ساجل–كينا موبيب Saggil–Kenamoubbib) الذي يقدر أنه عاش في زمن حكم الملك نبوخذ نصر الأول (1124 – 1103) ق.م. ويعتبر هذا الكاهن من (حكماء الأزمنة القديمة). فإذا أخذنا المقطع الأخير من اسمه (أوبّيب) فإن ذلك يوحي لنا أن هناك بين هذا الاسم واسم (أيوب)، ويمكن أن يكون كتبة التوراة قد أخذوا بهذا الاسم وصحّفوه قليلاً فأصبح (أيوب).
ويعتبر هذا النص مع نص (لأمجدنّ ربّ الحكمة) من أعظم نصوص الحكمة في العالم القديم وهما يطرحان مشكلة العدالة الإلهية على شكل حوار بين يائس معذب وبين مؤمن. وبمعنى آخر يجسد هذا النص الوجودي مسألة الشك بوجود الآلهة وعدالتها عبر حوار مليء بالحيوية والجمال.
كان أدب الحكمة البابلي، ومنها هذا الحوار، يركز على مفهوم العدالة الإلهية انطلاقاً من الحياة الدنيا لا من انتظار الثواب والعقاب في الحياة الآخرة، فقد كانت العقيدة الدينية البابلية تنظر إلى الحياة الدنيا على أنها مسرح حياة الآلهة والإنسان. وكان المفهوم البابلي عن العقاب على السيئات والثواب على الحسنات قاصراً كليةً على الحياة الدنيا، تماماً مثلما كان المفهوم العبري القديم عن الثواب والعقاب. وكان هذا على خلاف المفهوم المصري عن الحياة في الآخرة الذي ينطوي على محاكمة بعد الموت وعلى نعيمٍ أبدي ينعم به في رحاب أوزيريس الذين يجتازون الامتحان بسلام. لكن الفكر العبري المتأخر صاغ نظرة مماثلة امتازت عن النظرة المصرية بطابع روحاني أوضح، أما المفهوم البابلي عن الحياة الأخرى، فقد ظلَّ حتى النهاية مفهوماً يكتنفه اليأس الكامل.
إن الحوار الذي أمامنا حوارٌ جريء جداً قياساً إلى عصره، كما أنه حوار ذو طابع فلسفي يذكر بحوارات أفلاطون في الأخلاق والعدالة الإلهية.
ويتكون هذا الحوار من حوالي (300) سطر موزعة على 27 مقطع شعري يحتوي كل مقطع على (11) سطراً.
أما موضوعات الحوار فتتضمن سبعة حوارات متبادلة بين (المتشكك) و(المؤمن صديقه) ومقطع ثامن يسلم فيه المتشكك بقدرة الآلهة ويعود إلى إيمانه.
ويبدأ الحوار الأول بطرح فكرة الألم ونشدان النصح والسؤال عن الموت ويكون جواب عن هذا الحوار بأن الموت مقدر علينا جميعاً وأننا يجب أن لا نترك روحنا تستسلم لليأس.
أما الحوار الثاني فيكون جوهرة حول ذبول الحال وانهيار الجسد، ويكون الجواب إن ذلك يمكن استرداده بالصلوات والقرابين.
والحوار الثالث يكون حول سعادة الحيوانات رغم إنها لا تؤدي الصلوات والقرابين. ويكون الجواب بأنها غافلة عن مصيرها.
أما الحوار الرابع فيكون حول الناس السعداء الذين يكونون عادةً من الذين تركوا الدين والآلهة، فيكون الجواب بأن للآلهة خططها وتقديراتها.
أما الحوار الخامس فيؤكد على عزم المتشكك بالذهاب بعيداً عن بيته ومدينته وارتكاب الخطايا.
وهذا سردٌ للحوار الأول في هذا النص:
حوار ساجل–كينا موبيب
بدل الحب ساد الكره، بدل العدل سادت الحيلة، بدل اليقين ساد الشك وأقفرت الحياة من كل خير، وأمسك الأشرار أمور الحياة، في ذلك الوقت كان هناك حكيم عارف بالخير وبالشر اسمه (ساجل كينا موبيب) الكاهن المعزم المخلص للآلهة والملك الذي قال لصديقه الحكيم:
أنا فانٍ والهمُّ خيمتي، ليس لي سوى الحزن، إنني مذ كنت صغيراً أصابني الحزن ومزقني، لقد أخذ القدر أقرب الناس إليَّ وها أنا أذهب إلى نفس المصير إنه قدري المحزن. إن ما تقوله محزن وإنك حقا بهذا الطريق متجه إلى الموت بل إلى الشر، وإن تصرفك هذا يشبه تصرف المجنون، فقد أحلت وجهك المشرق إلى وجه عبوس، أحبابك ذهبوا في طريق الموت وهذا أمر لابد منه، والناس كلهم سيعبرون نهر (خُبر)، الصالح فيهم وليس الغني المتخم من يخدم الآلهة لأنه سيكون عندهم الملاك الحامي، الذي يخاف الآلهة لا يبدد ثروته. إنّ عقلك نهرٌ لا ينضب ينبوعه وهو البحر اللّجب الذي لا ينضب وسأسألك وأصغ إليَّ أنتبه للحظة وأسمع كلماتي، لقد أصبح جسمي حطاماً وخيّم الهوان عليَّ، لقد انكسر أملي وفقدت توازني وضعفت قوتي وسعادتي انتهت، الأنين والأسى سوّد قسماتي وحقولي مجدبة وشرابي الذي هو راحة الخلق لا يُفرح وطعامي لا يُشبع، فأين هي الحياة المرفهة أين؟ ما أقوله هو الصحيح أيها الحكيم ولكن عقلك هو الذي يدلك على هذه الأفكار، إنك أعمى أيها الإنسان ورغباتك لا نهاية لها، اتخذْ طريق عبادة الآلهة وستطمئن نفسك، سترى أنك في جادة الصواب وسوف يمنحك الرب عطفاً ورحمة. سأستوعب حكمتك وأُبجلك ولكني أقول لك شيئاً، هل ينتبه حمار الوحش الذي يملأ بطنه إلى من يعطيه المعجزات الإلهية؟ وهل يجيء الأسد المتوحش الذي ينهش أحسن اللحم بنذر من الطحين حتى يهدئ غضب الآلهة؟ والغني الذي تتضاعف ثروته هل يزن الذهب لأجل الآلهة (مامي) خالقة الإنسان؟ كل هؤلاء بعكسي أما أنا فقد أعطيت النذور وصليت إلى إلهي ولفظت التبريك على الأضحيات . أيها الإنسان يا شبيه الآلهة يا شجرة الثراء الذي أُسبغ عليه الحكمة يا جوهر الذهب، أنت المكين في الأرض وخطط الآلهة بعيدة ولكنها ملقاة عليك، أنظر إلى حمار الوحش في السهل لسوف يتبعه السهم وهو ينطح ويدوس الحقول، تعال فكر في الأسد الذي ذكرته الذي تنتظره الحفرة، أما الثري الذي يكدس البضائع فسوف يحرق الملك ملكه، فهل ترغب أن تذهب في نفس الطريق الذي كأن قد ذهب به هؤلاء أم تحصل على مكافأة آلهتك الأبدية. إنّ عقلك هو ريح الشمال والنسيم العليل للبشر، نصائحك جميلة ولكني أُريد أن أقول لك إن أولئك الذين يهملون الإله يسيرون في طريق الرفاهية. أما الذين يصلون للإله فأنهم يصبحون فقراء وتُؤخذ أموالهم، لقد اتبعت أثناء شبابي آلهتي وخشعت لإرادتهم ولكن الإله منحني الفقر والذل عوضاً عن الغنى، لقد غدى الكسول رئيسي والأحمق قائدي والمحتال أصبح أعلى مني وأنا أنزلت درجة. أيها الإنسان الحكيم إن أفكارك عاقة، لقد ذهبت بعيداً ولعنت أنصاب آلهتك فعليك أن تحترم شعائر الآلهة وعليك أن تعرف بأن خطط الإله تشبه مركز السماء وعليك أن تعرف أن أوامره ليست بقيودٍ وأفكاره في متناول اليد قريبة. سوف أهجر بيتي وما أملك وأتجاهل قوانين الآلهة وأدوس على شعائرها، لن أنحر عجلاً ولن أقدم طعاماً، ولسوف آخذ سبيلي وأذهب بعيداً، سأحفر بئراً وأطلق الفيضان وأجوب الحقول الواسعة كقاطع طريق سوف أذهب من بيت إلى بيت لأبعد أذى الجوع، وكالشحاذ سأراقب الناس وأنا جائع.. أما السعادة والخلاص فلا أمل لي فيها. المراجع:
1- الوائلي ، فيصل : من أدب العراق القديم ، مجلة سومر العدد 21 ، دائرة الآثار العامة ، بغداد (1964 ).
2- فراكفورت هـ.أ : ما قبل الفلسفة . ترجمة جبرا إبراهيم جبرا . المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، ط2 ، بيروت( 1980 ).
3- باقر ، طه : مقدمة في تاريخ الأدب العراقي القديم . جامعة بغداد (1986).
4- هوك ، س.هـ : ديانة بابل وآشور . ترجمة نهاد خياطة . العربية للطباعة والنشر والتوزيع . دمشق 1987 : 168 .
5- Biggs, Robert D. : The Babylonian Theodicy, ANET : 1969 : 601 .
Kenam-Oubbib.
Divine Justice BY WHISPERINGDIALOGUEJANUARY 15, 2018
Khazal Almajidi
“Divine Justice” عذاب الإنسان في الأدب البابليis by Saggil-Kenamoubbib, who was a priest in the reign of the fourth king in the second Dynasty of Isin and the fourth Dynasty of Babylon. This was King Nebuchadnezzar I (1135-1104) BC.
The dialogue is one of the oldest Babylonian poems, conducted between a pessimist and a believer. The theme reminds us of the philosophy of Plato the Greek. This existentialistic dialogue is formed in total of 300 lines of 27 stanzas, each 11 lines long.
The subject is divided into seven focal points and the eighth is the surrender to the divine goddess’s will. The pivotal points include: pain, whithering and other sufferings human beings encounter; their behaviour when undergoing these afflictions, and how the intervention of the divine goddess would ease everything.
The concept is found in the Old Testament. Linguistically speaking, the Hebrew name of Iyob is derived or altered from Kenamoubbib