ـــــ راغب الركابي الأخلاق في الأدب الليبرالي وفي الفكر الليبرالي ماهية وجودية مستقلة تعبر عن العقل وعن الضمير ، أي إنها مزيج من القيم والمشاعر ، لذلك فهي عامل أساسي في خلق عالم خال من التوتر والعنف والإكراه والقهر . والاخلاق في المذهب الليبرالي عبارة عن مجموعة قيم ضرورية واحترازية في الوقت نفسه ، والضرورة والإحتراز هنا من أجل صيانة المجتمع وحمايته من التعدي والتجاوز ، أي إنها تتخذ شكل القانون في طبيعته وفي فعليته ومنجزيته ، وإيمان الليبراليين بالاخلاق إيمان بالمبادئ الأولية اللازمة في صناعة المجتمع وصناعة الحياة ، والتي يترتب عليها تطوير بنى العمل الاقتصادي والسياسي والثقافي الإجتماعي ، وعلى هذا الاساس أعتبرها الليبرالي حاجة تعزز الشعور بالذات في صف الفعل الموجب .
والاخلاق في الفكر السياسي الليبرالي : عبارة عن سلوك منتظم ، وعمل نزيه ، وتربية رصينة ، وثقافة شاملة ، ومعرفة ، ونشاط . وهي بنفس الدرجة فلسفة وجود اجتماعي خال من الامراض النفسية ، التي تخلقها العادات ، وتخلقها البيئة ، ويخلقها طبيعة النظام التعليمي والتربوي ، وهنا تطرح الليبرالية الديمقراطية منظومتها القيمية كمضادات حيوية وكعلاجات في تحديد درجة المرض ونوعه ، وتقييم حالته ومدى خطورته ، ودوره في تعطيل قوى الانتاج والعمل في الخير العام والسعادة ، التي تسعى الليبرالية لجعلها قوى اجتماعية عامة ومصونة .
لذلك تقيم الليبرالية الديمقراطية مشروعها السياسي والثقافي على الاخلاق وتلتزم بذلك ، إيماناً بالانسان ، وإيماناً بالقانون ، وإيماناً بالعقل ، وهي تسعى من خلال ذلك لتشكيل وعي جديد تجاه قضايا الحياة ، ولهذا أيضاً لا تُمانع الليبرالية من الربط بين العرف والأخلاق ، في مجال ضبط وتفعيل حركة المجتمع للعمل الصالح .
ولهذا عدت الليبرالية [ الصدق ] : قيمة عليا و أولية في التعريف بإنسانية الانسان ، والتعريف بقدرة الصدق في خلق المجتمع الصالح المتقدم والمتطور ، وربطت الليبرالية بين [ الصدق ] وبين التطور الحضاري والمجتمعي ، وبنفس السياق حاربت الليبرالية وبلا هوادة [ الكذب ] : وأعتبرته من الممنوعات التي يجب محاربته ووضع القوانين الصارمة بوجهه لأنه أي الكذب ضار بالوجود الطبيعي للحياة ، وأعتبر المشرع الليبرالي إن : [ الكذب ] حرام على كل المؤمنيين بالليبرالية وبقيمها ، ودعا المشرع الليبرالي إلى وضع الأسس التي تساهم في تطهير المجتمع من هذه الآفة الخطيرة ، ولم يستثن المشرع الليبرالي من الربط بين صحة القانون ونفاذه وبين تحريم [ الكذب ] ورتب بل نظم لوائحه تبعاً لذلك ، من هذا يتبين ان الليبرالية الديمقراطية كفكر اجتماعي وكفكر فلسفي أسست قواعدها على الاخلاق وعلى القيم التي تحمي الإنسان ووجوده وحقه في الحياة .
وأعتبرت – الليبرالية الديمقراطية – فلسفة الاخلاق تتعدى الجانب التاريخي في الرصد والتحقيق إلى البعد العملي ، ومن هنا ربطت بينها وبين الفلسفة السياسية ربط إقتضاء وملازمة ، فهي لذلك ترفض المقولة – الميكافيلية – التي تبرر الظلم والكذب والخديعة والتسويف والمماطلة ، أي ان الليبرالية الديمقراطية بإعتبارها فلسفة وجودية لم تجعل همها الأول هو السلطة والسلطان ، بل جعلت أولى مهامها هي خلق روح جديدة في الانسان ، وترسيخ معنى المنظومة القيمية في سلوكه وحركته ، ومن هنا فهي تبحث عن كل ما يعزز البناء الداخلي للإنسان ،
تتبنى ذلك الليبرالية الديمقراطية على صعيد التوعية والتثقيف اليومي والدوري .
وتعتبر – الليبرالية الديمقراطية – نفسها معنية بدرجة ما لخلق ثقافة مجتمعية عامة تستهدف نشر التوعية الاخلاقية ، في وسطها الاجتماعي والحركي ، وتحاول التعبير عن ذلك بلغة مفهومة للأخرين ، ولهذا تعد – الليبرالية الديمقراطية – النفاق السياسي والاجتماعي مرض خطير ، يتطلب تكثيف الجهد حياله وتنبيه العامة ، إلى مدى الضرر الذي يلحقه في العلاقات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية .
وقد وجه الليبرالي همه وندائه إلى الجيمع لعدم الانخراط في الجدل السلبي ، الذي يزيد في الفوارق ويراكم الكراهية والحقد ، والليبرالي حريص جداً على عدم الخوض فيما لا يعنيه من الامور ، وهو يعمل على ان لا يقع في مجال الشبهات التي هي ساحة المنافقين التي يعشعشون فيها .
وهنا تبدو العملية بحاجة إلى رصد من نوع خاص ، على ان يشمل هذا الرصد كل الساحات التي يتحرك فيها المنافق ، وقد يظهر مع التجربة ان [النفاق ] يكبر مع الجهل ، ويتجذر لدى الناس الأقل حظاً في التربية والتعليم ، وهؤلاء تضللهم الدعاية المنافقة ، التي تعمل من خلال الدمج بين الحسن والقبيح ، هذا الدمج الذي يتبناه في العادة زعماء – النفاق السياسي – فيظهرون الحسن قبيحاً والقبيح حسناً ، وهي حيلة ليست جديدة ، ولكنها تنمو مع الفراغ والجهل وسوء الظن ، وتلك صفات يتحلى بها من يشعر بالنقص المجتمعي والنفسي والتعليمي والوظيفي .
وهنا تظهر – الليبرالية الديمقراطية – منظومتها القيمية لعلاج ذلك ، بروح واقعية مستفيدة من طبيعتها ونزاهتها وفعلها الدائم لصيانة الانسان وحمايته ، ونقله من جو القلق والجهل إلى عالم النور والمعرفة ، وهي تتكفل ذلك وتدرجه كإعتبارات أولية في مشوارها الاجتماعي والسياسي ، لهذا فهي تحارب ظاهرة [النفاق ] عبر الآليات والأدوات العلمية والمعرفية التي تعتني بحاجة الناس والكيفية التي تغطي بها تلك الحاجة .
والشخص الليبرالي بطبيعته ميال لسيادة القانون ، وهو يجد في ذلك الميل ملاذاً للجميع ، لذلك فهو يحارب كل ظواهر الفساد الاجتماعي والاداري والفساد الاقتصادي والمالي ، وبدرجة أكبر الفساد السياسي ، ويعتمد في حربه تلك على قيمه الاخلاقية وحرصه على سلامة المجتمع ، من الضرر الذي تسببه تلك الظواهر ، ويعني ذلك وقوف الليبرالي ضد كل معاني السرقة ، والرشوة والمحسوبية ، في أجهزة الدولة ومنظومتها الحكومية ، ويرفض الليبرالي قضية اللاوضوح في الفكر والرؤية والمفاهيم ، وهو يعمل الآن على توضيح كل القيم والمعاني والمصطلحات الافتراضية والمتداولة ، لكي لا يتم الاستخدام والتوظيف دون وعي أو دراية كما هو حاصل لدى البعض .
ويجهد الليبرالي لتأصيل دور الانسان ، وأهمية ذلك الدور من خلال وضع الخطط والبرامج الواقعية ، التي تحد وتلغي من نشاط وفاعلية تلك الظواهر السيئة ، في عملية تراعي الواقع وطبيعته ولغة الخطاب السائد ، ولهذا قد تعتمد – الليبرالية الديمقراطية – في بعض أجزاء العمل التطهيري المراحلية لشعورها بأن العمل الدفعي لمرة واحدة يكون ضرره أكبر من نفعه ، – والليبرالية الديمقراطية – في ذلك تعتمد الخبرة المتراكمة التي عاشها آباء الليبرالية الديمقراطية وهم يؤسسون دولة الانسان والقانون .
نعم ربطت – الليبرالية الديمقراطية – في سلوكها السياسي بين الواجب والمباح ، لأنها تدرك حتمية التغيير عبر المراحل ، مع العمل والوضوح ، وصدق النوايا وصدق الاتجاهات ، وذلك الربط في ذاته انما يستهدف صيانة الانسان ، الذي هو المبدأ الأولي بالنسبة لعمل الليبرالية الديمقراطية ، من هنا يمكن اعتبار العامل الحاسم في التعريف بالفكر الاخلاقي لدى الليبراليين من خلال الواقع ونتاجاتهم المعرفية والعلمية لخدمة الانسان وقضاياه التحررية .
———————
يذكر أن الليبرالية حسب ويكيبيديا هي فلسفة سياسية أو رأي سائد تأسست على أفكار الحرية والمساوة.[1][2] وتشدد الليبرالية الكلاسيكية على الحرية في حين أن المبدأ الثاني وهو المساواة يتجلى بشكل أكثر وضوحاً في الليبرالية الاجتماعية.[3] يتبنى الليبراليون مجموعة واسعة من الآراء تبعاً لفهمهم لهذين المبدأين، ولكن يدعم الليبراليون بصفة عامة أفكاراً مثل حرية التعبير، وحرية الصحافة، والحرية الدينية ، والسوق الحر، والحقوق المدنية، والمجتمعات الديمقراطية، والحكومات العلمانية ومبدأ الأممية.
برزت الليبرالية كحركة سياسية خلال عصر التنوير، عندما أصبحت تحظى بشعبية بين الفلاسفة والاقتصاديين في العالم الغربي. رفضت الليبرالية المفاهيم الشائعة في ذلك الوقت من امتياز وراثي، ودين دولة، وملكية مطلقة والحق الإلهي للملوك. غالباً ما يُنسب لفيلسوف القرن السابع عشر جون لوكالفضل في تأسيس الليبرالية باعتبارها تقليداً فلسفياً مميزاً. جادل لوك بأن لكل إنسان الحق الطبيعي في الحياة والحرية والتملك،[11] وأضاف أن الحكومات يجب ألاّ تنتهك هذه الحقوق وذلك بالاستناد إلى العقد الاجتماعي. يعارض الليبراليون المُحافَظة التقليدية ويسعون لاستبدال الحكم الديكتاتوري المطلق في الحكومة بديمقراطية تمثيلية وسيادة القانون.
استخدم الثوريون البارزون في كل من الثورة المجيدة، والثورة الأمريكية والثورة الفرنسية الفلسفة الليبرالية ليبرروا الإطاحة المسلحة لما رأوا أنه حكم استبدادي. بدأت الليبرالية بالانتشار بسرعة خاصةً بعد الثورة الفرنسية. شهد القرن التاسع عشر تأسيس حكومات ليبرالية في دول أوروبا، وأمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية.[12] في هذه الفترة، كان الخصم الأيديولوجي المهيمن لليبرالية الكلاسيكية هو المُحافظة، ومع ذلك نجت الليبرالية من تحديات أيديولوجية كبرى من معارضين جدد مثل الفاشية والشيوعية. خلال القرن العشرين، انتشرت الأفكار الليبرالية أبعد من ذلك حيث وجدتالديمقراطيات الليبرالية نفسها على الجانب المنتصر في كلتا الحربين العالميتين. في أوروبا وأمريكا الشمالية، أصبح تأسيس الليبرالية الاجتماعية عنصراً رئيسياً في التوسع في دولة الرفاهية.[13][14] تستمر اليوم الأحزاب الليبرالية بامتلاك سلطة ونفوذ في جميع أنحاء العالم الديمقراطي.