في نهاية شهر أبريل (نيسان) الماضي أمر الرئيس التنزاني بفصل نحو عشرة آلاف موظف مدني، وذلك عقب الكشف عن شهادات مزورة من خلال عملية تدقيق موسعة تم إجراؤها في تنزانيا، وذلك بعد أقل من عام من حملة مماثلة كشفت عن وجود نحو عشرين ألف موظن “دون الحاجة” ويتقاضون رواتبًا دون أن يقدموا شيئًا في القطاع العام.
واجه الرئيس التنزاني الفساد الذي ينخر في مؤسسات بلده كسرطانٍ شرس، وبدا أكثر جرأة من أي حاكم في اتخاذ قرارات صارمة ضد آلاف مؤلفة من الموظفين الفاسدين في القطاع العام. وتهكم الرئيس التنزاني على أصحاب الشهادات المزورة قائلًا “بينما نقوم بالعمل بجدية ودأب من أجل توفير فرص عمل جديدة لمن يستحقون، هنالك من يعملون بشهادات علمية مزورة”
وكانت تتكبد تنزانيا خسائر بقيمة 238 مليار شلن تنزاني أي بما يعادل 107 ملايين دولار سنويًا جراء إنفاقها كرواتب على موظفين وهميين. بينما لم يكتف الرئيس التنزاني بذلك القدر من القرارات، بل راح يستصدر أوامره بالإعلان عن عدد أسماء الموظفين المفصولين لفضحهم أمام الرأي العام وتأكيد تزويرهم واصفًا إياهم بـ “المجرمين السارقين”.
وبعد انتخابه في أكتوبر 2015 أقال الرئيس عدة مسؤولين بارزين من بينهم رئيس جهاز مكافحة الفساد، ورئيس مصلحة الضرائب، ومسؤول بارز في السكك الحديدية، ورئيس هيئة الموانئ في إطار حملة أوسع لمكافحة الفساد.
نجح الرئيس التنزاني في أن يعطي درسًا لقادم وحكام أفريقيا، والقادة والحكام العرب كذلك الذين ما برحوا يتحدثون عن مكافحة الفساد وسبل مواجهته دون خطوات حازمة وفاصلة في ذلك الصدد، من خلال “قرارات جريئة” للضرب بيد من حديد على أيدي الفاسدين. حتى أن رئيس المجلس الأقتصادى الإفريقي الدكتور محمد عبد الغفار قد أشار في تصريحات له إلى أن الدول العربية والإفريقية، أصبحت في حاجة ماسة للقضاء على الفساد والفقر، لافتًا إلى أن الرئيس التنزانى جون ماغوفولي، يقوم الآن بالدور الرقابي بنفسه، ما جعل مواطنى تنزانيا وغيرها من الدول المجاورة لها يطلقون عليه قاهر الفساد، ويضعونه نموذجا للقيادة في القارة الإفريقية.
تم انتخاب الرئيس التنزاني في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2015، ومنذ ذلك الحين اتخذ جملة من القرارات القوية في إطار مكافحة الفساد، بدأها بإقالة رئيس جهاز مكافحة الفساد، وأيضًا رئيس مصلحة الضرائب، ومسؤول كبير في السكك الحديدية ورئيس هيئة الموانئ.
وشارك الرئيس التنزاني بنفسه العام الماضي آلاف من مواطني بلده في حملة لتنظيف شوارع العاصمة التنزانية “دار السلام” بدلًا من حفل التنصيب، ويقوم بزيارات دورية للمستشفيات، وخفض عدد الوزراء في بلاده، وقلص مظاهر الرفاهية الممثلة في عقد مؤتمرات في فنادق ضخمة بكلفات كبيرة، وكذا قلص بعثات بلاده المشاركة في مؤتمرات خارجية. وألغى كافة مظاهر البذخ.
ومن بين مواقفه المتداولة، موقف إقالة مجلس إدارة المستشفى الأكبر في بلاده بعدما زارها فجأة ووجد المرضى يفترشون الأرض. وهي مواقف خلقت منه شخصًا محببًا للأوساط التنزانية، لدرجة أن المعارضة في تنزانيا قد أقرت بدوره، ورأت أنه بينما تسعى هي لاجتثاث الفساد صار هنالك رئيسًا يسير معها على نفس الخط.
وكان الرئيس التنزاني قبل شغله منصب الرئيس وزيرًا للأشغال العامة، واشتهر بزياراته المفاجئة والمباغتة لمواقع العمل، وهي المباغتات والزيارات التي يقوم بها الآن أيضًا ويعاقب كل المقصرين فورًا، حتى أنه اعتقل رئيس هيئة الموانئ وخمسة من كبار مساعديه لاكتشافه فساد بلغت قيمته نحو 40 مليون دولار. ومن المتداول عنه إقدامه على بيع سيارات الدولة الجيب في مزاد علني واستبدالها بسيارات صغيرة.
ورغم أن تنزانيا تتقدم في قائمة حرية الصحافة على دول مثل مصر وأوغندا. إلا أن منظمة مراسلون بلا حدود قد كشفت عن أنها تأتي في المرتبة الثالثة والثمانين.