الأربعاء 10-02-2010 00:00 |
اشترك لتصلك أهم الأخبار
لا يمكن الكلام عن بدائع الأدب الصوفى، كما لا يجوز استعراض النصوص «الفصوص» التى تلألأتْ فى كتابات الأولياء، من دون التوقُّف طويلاً عند أعمال شيخ الصوفية الأكبر (ابن عربى) الذى بلغت مؤلفاته المئات، من الكتب الطوال، والرسائل القصار، والأشعار. ولذلك، فسوف نُلقى فى هذه المقالة بعض الضوء، على اثنين من مؤلفاته البراقة بفصوص النصوص.. لكن دعونا أولاً نتعرف إلى ابن عربى.
يعدُّ الشيخ الأكبر، محيى الدين محمد بن على الطائى الحاتمى المرسى (المتوفى 638 هجرية) هو أشهر صوفية الإسلام على الإطلاق. وقد عُرف بـ«ابن عربى» فى حياته وبعد مماته، واشتهر فى تاريخ التصوف بلقب «الشيخ الأكبر» تقديراً لمكانته الروحية المتميزة.. كان مولده سنة 560 هجرية فى بلدة (مُرْسية) بالأندلس، وهى البلدة التى يُنسب إليها، فيقال له (المرسى) مثلما ينسب شيخ الإسكندرية الشهير: أبوالعباس.
وكانت نشأةُ ابن عربى، وسنواتُ شبابه المبكر، فى المدن الأندلسية (الإسبانية/ البرتغالية) الشهيرة، التى لا تزال إلى اليوم تعبق بالرحيق العربى الإسلامى: مرسية، إشبيلية، لشبونة، قرطبة.. وقد ارتحل عن الأفق الأندلسى فى وقتٍ مبكر من حياته، فنـزل المغرب والتقى هناك بشيخه «أبى مدين الغوث» الذى كان يقيم فى بلدة (بجاية) المغربية، ثم قدم إلى مصر وأقام بها حيناً، إلى أن رحل عنها إلى الحجاز للحج، واستقر حيناً بمكة..
وفى مكة وقع له أمران مهمان، الأول أنه هام بحبِّ فتاةٍ اسمها (النظام) هى ابنة شيخه، شيخ الحرم فى وقته: زاهر بن رستم الكيلانى. وقد وصف ابن عربى محبوبته بعباراتٍ بليغةٍ، سوف نوردها بعد الإشارة إلى أنه كان قد قال شعراً فى حبيبته هذه، فانتقده بعض معاصريه، وأنكروا عليه أن يكون صوفياً وعاشقاً فى الآن ذاته.
وقد جمع ابن عربى أشعاره (الغزلية) التى استوحاها من النظام بنت رستم فى ديوان بعنوان: تُرجمان الأشواق. فلما انتقده معاصروه وضع شرحاً للديوان، أبان فيه عن المقاصد الروحية لأبياته الغزلية، مؤكِّداً أن حُسْن (النظام) كان نافذةً، أطلَّ منها العاشق (ابن عربى) على الجمال الإلهى المتجلِّى فى الكون.. وجعل الشيخ الأكبر شرحه لأشعاره، بعنوان: ذخائر الأعلاق فى شرح ترجمان الأشواق.
وفى مقدمة (ذخائر الأعلاق) يصف لنا ابن عربى محبوبته، فيقول إنها: «بنتٌ عذراء، طفيلةٌ هيفاء. تقيِّدُ النظر وتزيِّن المحاضِرَ والمُحاضِر، وتحيِّر المناظر. تُسَمَّى بالنظام، وتُلَقَّب بعين الشمس.. ساحرةُ الطَّرْف، عراقية الظُّرْف.. إنْ أسهبت أثعبتْ، وإن أوجزت أعجزتْ، وإن أفصحت أوضحتْ. إنْ نطقتْ خَرِسَ قسُّ بن ساعدة، وإن كرمتْ خَنَس معنُ بن زائدة، وإن وفَّتْ قصَّر السموألُ خُطاه..
ولولا النفوس الضعيفة، السريعة الأمراض، السيئة الأغراض، لأخذتُ فى شرح ما أودع الله تعالى خَلْقَها من الحسن، وفى خُلُقِها الذى هو روضة المزن. شمسٌ بين العلماء، بستانٌ بين الأدباء. حقةٌ مختومة، واسطةُ عقد منظومة. يتيمةُ دهرها، كريمةُ عصرها. سابغةُ الكرم، عاليةُ الهمم. سيدةُ والديها، شريفةُ نادييها. مسكنها جياد، وبيتها من العين السواد، ومن الصدر الفؤاد. أشرقت بها تِهامة، وفتح الروض لمجاورتها أكمامه.. إلخ».
والأمر الآخر المهم الذى وقع لابن عربى فى مكة، بل لعله الأهم، هو ابتداؤه هناك فى تأليف (الفتوحات المكية) التى سوف تعدُّ بعد اكتمالها، أشهر كتاب فى تاريخ التصوف الإسلامى. وقد أشار ابن عربى فى مقدمة هذا الكتاب إلى سبب تأليفه، وأبان عن طريقته فى كتابته، بقوله: «كنت نويتُ الحج والعمرة، فلما وصلتُ إلى أمِّ القُرى، مكة، أقام الله سبحانه وتعالى فى خاطرى، أن أعرِّف الولىَّ بفنونٍ من المعارف، عند تطوافى فى بيته المكرَّم..».
وفى الباب الثامن والأربعين من الفتوحات، التى تقع كاملة فى خمسمائة وستين باباً، يقول ابن عربى: اِعلمْ أن ترتيب أبواب الفتوحات، لم يكن من اختيارٍ، ولا عن نظرٍ فكرىٍّ، وإنما الحقُّ تعالى يُملى لنا على لسان ملك الإلهام، جميع ما نَسْطُره.
وفى الباب الخامس والستين والثلاثمائة، يقول: «واعلمْ أن جميع ما أتكلَّمُ به فى مجالسى وتصنيفى، إنما هو من حَضْرة القرآن ومن خزائنه، فإننى أُعطيت مفاتيح الفهم والإمداد منه..» ويقول فى الباب الثالث والسبعين والثلاثمائة: جميع ما كتبته وأكتبه فى هذا الكتاب، إنما هو من إملاءٍ إلهىٍّ أو إلقاءٍ ربانىٍّ أو نفث روحانى فى كيانى، بحكم الإرث للأنبياء والتبعية لهم، لا بحكم الاستقلال.
والفتوحات المكية تتألف من سبعة وثلاثين سِفْراً، نُشرت قديماً فى أربعة مجلدات كبار، وقد حاول (د. عثمان يحيى) نشرها محققةً فى طبعةٍ جديدةٍ تصدرها هيئة الكتاب بالقاهرة. لكنها طبعةٌ لم تكتمل، ولن تكتمل، فقد تُوفِّى المحقِّق وتوقَّف نشر (الفتوحات) بعدما صدر منها خمسة عشر مجلداً (سِفْراً) من جملة المجلدات أو الأسفار السبعة والثلاثين، التى كان من المفترض أن تكتمل بها هذه النشرة المحقَّقة.
ولكن حالَ دون اكتمالها عوائقُ كثيرةٌ، منها الصخبُ المفتعل الذى ثار، والضجةُ التى هاجت بوسائل الإعلام فى السبعينيات، ضد نشر الفتوحات. فقد ثارت نفوسُ وأقلامُ بعض الفقهاء ورجال الدين والسياسيين! وردَّ عليهم بعض المشايخ والمثقفين الذين كانت على رأسهم الدكتورة بنت الشاطئ.. وتصاعد الأمر، حتى نوقش منع إصدار الكتاب فى «مجلس الشعب» ثم انحسم هذا الخلاف لصالح نشر الكتاب محقَّقاً، رغم أنف المعترضين الذين كان أغلبهم من الأزهريين. والعجيبُ أنه بعد سنوات من الضجَّة والصخب ضد ابن عربى وفتوحاته، صار رئيسُ جامعة الأزهر الحالى، وهـو أيضاً مفتى الديار المصرية السابق (د. أحمد الطيب) أحد أهم الدارسين المتخصصين فى تراث الشيخ الأكبر، وقد حصل على رسالته للدكتوراه من جامعة السربون، فى مؤلفات ابن عربى.
ومؤلفات شيخ الصوفية الأكبر، بحسب «الإجازة» التى كتبها بنفسه قبل وفاته بستة أعوام (سنة 632 هجرية) تبلغ واحداً وخمسين ومائتين.. وهى تبلغ خمسمائة مؤلَّف، حسبما ذكر عبدالرحمن جامى فى كتابه الشهير: نفحات الأُنس.. أو تبلغ أربعمائة، حسبما أحصاها الإمام الشعرانى فى: اليواقيت والجواهر.
ونحن نعرف منها اليوم ستين مؤلَّفاً منشوراً، (ما بين كتاب ورسالة) ومائة مؤلَّف لم تزل بعدُ مخطوطة، ولم تأخذ طريقها إلى النشر.. ومن بين هذه المؤلفات جميعها، تبقى (الفتوحات المكية) بالإجماع، هى أهمَّ وأشهرَ مؤلفات ابن عربى.
تقع الفتوحات فى خمسمائة وستين باباً، تضمها الأسفارُ السبعة والثلاثون التى تتألف منها الفتوحات. والباب الأخير، هو (باب الوصايا) الذى يبدو كملحق للفتوحات، ولذلك فقد نُشر فى بعض الطبعات منفرداً. أما الباب التاسع والخمسون والخمسمائة، فهو خلاصة (الفتوحات) كلها، وهو المعروف عند الصوفية باسم (باب الأسرار) نظراً لأن كل فقرة منه تُفصح عن (سر) كل باب من أبواب الفتوحات، وتقدِّم خلاصته.. ومن هذا الباب المفعم بالأسرار، نقتطف ما يأتى من فقراتٍ بديعة وفصوصِ نصوصٍ، ثم نتلوها بمقتطفاتٍ من رسالة ابن عربى، فى: ما لا يُعَوَّلُ عليه.
ونظراً لأن عبارات ابن عربى التالية، مفعمةٌ بالرموز والإشارات؛ فسوف نلحق بها كلمات شارحة، نضعها بين القوسين (للتوضيح).
■ ■ ■
سِرُّ الافتتاح بالنكاح:
القولُ من القائل فى السامع، نكاحٌ.. ينـزلُ الأمرُ النكاحىُّ، من مقام الافتتاح إلى مقام الأرواح. ومن المنازل الرفيعة، إلى ما يظهر من نكاح الطبيعة. ومن بيوت الأملاك، إلى نكاح الأفلاك. ومن حركات الأركان، إلى ظهور المولَّدات التى آخرها جسم الإنسان.. (للتوضيح: المرادُ بكلمة النكاح عند ابن عربى، الخلْقُ والإيجاد بالأمر الإلهى).
سِرُّ إطفاء النبراس بالأنفاس:
لما كان القائلُ له مِزَاجُ الانفعال، كان للنَّفَسِ الإطفاء والإشعال. فإن أطفأ أمات، وإن أشعل أحيا، فهو الذى «أضحك وأبكى» فيُنسب الفعل إليه، والقابل لا يُعَوَّلُ عليه.. لولا نَفَسُ الرحمن، ما ظهرت الأعيان. ولولا قبولُ الأعيان، ما اتَّصفَتْ بالكيان، ولا كان ما كان. الصبحُ إذا تنفَّس، أذهب الليلَ الذى كان قد عَسْعَس.. (للتوضيح: المرادُ هنا، بيانُ أن الله وحده هو شرطُ الإيجاد وإفناء العدم).
سِرُّ الجرس واتخاذ الحرس:
الجرسُ كلامٌ مجملٌ، والحرس بابٌ مقفلٌ. فمن فصَّل مجمله وفتح مقفله، اطَّلع على الأمر العُجاب والتحق بذوى الألباب. وعرف ما صانه القشرُ من اللباب، فعظَّم الحِجاب والحجَّاب. الإجمالُ حكمةٌ، وفصلُ الخطاب قسمةٌ. والحرسُ عصمةٌ، فهم أعظم نعمة لإزالة نقمة. صلصلة الجرس، عينُ حمحمة الَفَرس.. (للتوضيح: الحرسُ هنا يعنى الشريعة، وصلصلةُ الجرس حالةٌ تسبق هبوط الوحى والتجليات).
سِرُّ وجود النَّفَس فى العَسَس:
بالعسس يطيبُ المنام، وبالنَّفَس تزولُ الآلام. ما أضيف إلى غير الرحمن، فهو بهتان. ظهر حُكْمُهُ، فزال عن المكروب غَمُّهُ. من قِبَلِ اليمن جاء، وبعد تنفيذ حُكمه فاء. وإليه يرجع الأمر كلّه، لأنه ظلّه. لا ينقبضُ الظلُّ إلا إلى مَنْ صَدَرَ عنه، فإنه ما ظَهَرَ عينه إلا منه. فالفرعُ لا يستبد، فإنه إلى أصله يستند. (للتوضيح: فى الحديث الشريف «إنى أجد نَفَس الرحمن يأتينى من قِبَلِ اليمن».. وفى آى القرآن: ألم تَرَ إلى ربك كيف مَدَّ الظل).
سِرُّ الهرب من الحرب:
مَنْ مال، متحيِّزاً إلى فئة أو متحرِّفاً لقتال، فما مال. كُنْ قارّاً، ولا تتبع فارّاً. لا تضطره إلى ضَيْق، فيأتيك ما تكرهه من فَوْق. إذا نزل القدرُ، عمى البصرُ. نزول الحمام، يقيِّد الأقدام. لا جناح، لمن غلبه الأمرُ المتاح. من راح، استراح، إلى مقرِّ الأرواح.. (للتوضيح: معانى هذه الفقرة يضيق المقام هنا عن عرضها، لرمزيتها الشديدة، ولقبولها أكثر من تأويلٍ ممكنٍ).
سِرُّ تعشُّق القوم بالنوم:
الخيالُ عينُ الكمال، ولولاه ما فُضِّل الإنسان على سائر الحيوان. به جال وصال مَنْ افتخر وطال، وبه قال من قال: سبحانى! وإنى أنا الله، وبه كان الحليم الأوَّاه.. (للتوضيح: الذى قال «سبحانى» هو أبويزيد البسطامى، وقال الحلاج: أنا الله! والقومُ هم الصوفية، وأقوالهم المشار إليها هى الشطحات).
سِرُّ الشَّطْح من الفَتْح:
مَنْ شَطَحَ عن فناءٍ شطح، وهذا من أعظم المنح. إلا أنه يُلتبسُ على السامع، فلا يعرف الجامع من غير الجامع.. ولا يظهر الشطحُ من صاحب هذا الصَّف، إلا إذا كان فى حاله ضعف.. «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» انظرْ إلى أدبه فى تحلِّيه، كيف تأدَّب مع أبيه. وما ذكر غير إخوته، فالأديبُ مَنْ أخذ بأسوته. فإن ربه أدَّبه. ومَنْ أدَّبه الحق، أنزل الناس منازلهم لـمَّا تحقَّق.
سِرُّ الشوق والاشتياق:
الشَّوْقُ يَسْكُنُ بِاللِّقَاء، والاشتِيَاقُ يهَيِجُ بالالْتقَاء
لا يَعْرفُ الاشْتيَاقَ إلاَّ العُشَّاق.
مَنْ سَكَنَ باللِّقَاءِ، فَمَا هُوَ عَاشق عِنْدَ أَرْبَابِ الحقَائِق.
مَنْ قَامَ بثِيَابه الحريقُ؛ كَيْفَ يَسْكُن؟
وهَلْ مثْلُ هَذَا يَتَمَكَّن!
للْنَار التْهَابٌ ومَلْكَة.. فَلاَ بُدَّ مِنَ الحرَكَة.
والحرَكَةُ قَلَق، فَمَنْ سَكَنَ مَا عَشِق.
كَيْفَ يَصِحُّ السُّكُونْ؟ وهَلْ فى العِشْقِ كُمُونْ! هُوَ كُلُّهُ ظُهُور، وَمَقامُهُ نُشُور.
والعَاشِقُ مَا هُوَ بحُكْمِه، وإنَّمَا هُوَ تَحْتَ حُكْمِ سُلْطَانِ عِشْقِه.
وَلاَ بحُكْمِ مَنْ أَحَبَّهْ.
فَمَا حَبَّ محُبٌّ إلاَّ نَفْسَهُ. أوْ، ما عَشِقَ عاشِقٌ، إِلاَّ مَعْنَاهُ وَحِسَّهُ. لِذَلِك،
العُشَّاقُ يَتأَلمونَ بِالْفِراق، وَيَطْلُبُونَ لَذَّةَ التَّلاَق.
فَهُمْ فى حُظُوظ نُفُوسِهمْ يَسْعَوْن.
وَهُمْ فى العُشَّاقِ الأَعْلَوْن.
فَإنهَّمْ العُلَماءُ بالأُمُور، وبالَّذى خَبَّاهُ الحقُّ خَلْف السُّتُور.
فَلاَ مِنَّةً لُمحبٍّ عَلَى محْبُوبِهِ، فَإنَّهُ مَعَ مَطْلُوبهِ.
وَلاَ عنْدَهُ محْبُوبٌ ومَرْغُوب سِوَى مَا تَقِرُّ بِهِ عَيْنُه، وَيَبْتَهجُ بِهِ كَوْنُه.
وَلَوْ أرَادَ المحِبُّ ما يُريدُهُ المحْبُوبُ مِنَ الهَجْرِ، هَلَكَ.. بَينْ الإرَادَة، وَالأَمْرِ ! وَمَا صَحَّ دَعْوَاهُ فىِ المحَبَّةِ، وَلاَ كَانَ مِنَ الأَحِبَّةِ..
■ ■ ■
الوجدُ الحاصلُ عن التواجد، لا يُعَوَّلُ عليه.. الخاطرُ الثانى، فما زاد، لا يُعَوَّلُ عليه.. الواردُ المنتظر، لا يُعَوَّلُ عليه. الاطلاعُ على مساوئ العالم، لا يُعَوَّلُ عليه.. كُلُّ علمٍ من طريق الكشف والإلقاء أو اللقاء والكناية، بحقيقةٍ تخالف شريعة متواترة، لا يُعَوَّلُ عليه.. خرقُ العوائد والمزيدُ من الفوائد، مع استصحاب المخالفات، لا يُعَوَّلُ عليه.. كُلُّ فنٍّ لا يفيد علماً، لا يُعَوَّلُ عليه.
الأنسُ بالله فى الخلوة، والاستيحاشُ فى الجلوة، لا يُعَوَّلُ عليه.. الحالُ، عند الأكابر، لا يُعَوَّلُ عليه.. وجودُ الحق عند الاضطرار لا يُعَوَّلُ عليه، لأنه حال، والحال لا يُعَوَّلُ عليه.. الجوع، لا يُعَوَّلُ عليه.. صحبةُ أهل الله، مع عدم احترامهم، لا يُعَوَّلُ عليها..
الصبرُ الثانى لا يُعَوَّلُ عليه، فإن الصبر الذى يُعَوَّلُ عليه، هو الذى يكون عند الصدمة الأولى، لأنه دليل الحضور مع الله تعالى. القناعةُ فى العلم، لا يُعَوَّلُ عليها.. الظنُّ لا يُعَوَّلُ عليه.. التوبةُ من بعض الذنوب، لا يُعَوَّلُ عليها.. كُلُّ محبةٍ، لا يُؤثر صاحبها إرادة محبوبه على إرادته، فلا يُعَوَّلُ عليها.. كُلُّ حُبٍّ يكون معه طلب، لا يُعَوَّلُ عليه.. كُلُّ حُبٍّ لا يفنيك عنك، ولا يتغير بتغيُّر التجلِّى، لا يُعَوَّلُ عليه.. كلُّ حال يدوم زمانين، لا يُعَوَّلُ عليه.. كُلُّ ورعٍ مقصورٍ على أمر دون أمر، لا يُعَوَّلُ عليه..
كُلُّ سُكْرٍ لا يكون عن شُرب، لا يُعَوَّلُ عليه.. كُلُّ صحو يكون بعد سكرٍ، لا يُعَوَّلُ عليه، لأن سكران الحق لا يصحو. كُلُّ إسلام لا يصحبه الإيمان، لا يُعَوَّلُ عليه.. كُلُّ شوقٍ يسكن باللقاء، لا يُعَوَّلُ عليه.. كُلُّ فِراسة لا تكون عن نور الإيمان، لا يُعَوَّلُ عليها.. السَّفَرُ إذا لم يكن معه ظفر، لا يُعَوَّلُ عليه.. التصوفُ بغير خُلُق، لا يُعَوَّلُ عليه.. المحبةُ إذا لم تكن جامعة، لا يُعَوَّلُ عليها. الاحترامُ بغير خدمة لا يُعَوَّلُ عليه، والخدمة بغير الاحترام لا يُعَوَّلُ عليها.. المكانُ إذا لم يؤنَّث، لا يُعَوَّلُ عليه.
■ ■ ■
وهناك إشارةٌ أخيرة، لابد منها هنا، مفادها أن هذه (النصوص الفصوص) السابقة، يمكن قراءتها على عدة أوجه، بحسب تَعدُّد وجوه ضبط الكلمات.. فتأمل!