كتب منصور الناصر
حاول كثيرون الجمع بين العقل والدينولكن هل “يُعقل” الإيمان؟.. وما قيمة عقل “مؤمن” ..وما حاجة هذا المؤمن للعقل، بعد الإيمان؟.
الكل يعرف أن العقل السليم من الشك العميم، هكذا تطورت الأمم فعقل لا يعرف الشك لا قيمة لهلأنه عقل مُصادرٌ ومعتقل سلفا
عقل واحد أم عقلان؟ وهل يمتلك المؤمن “عقلا” نقديا فعلا؟
….اعتقد ان كل متدين يملك عقلان لاعقل واحد احدهما عقل منطقي لدحض الاديان والمذاهب الاخرى….والاخر عقل جدلي (خرافي) ليدافع به عن دينه ومذهبه بأي سلاح ممكن، بالضبط كما يفعل المقاتلون في معركة كلامية أو فعلية.
ولكن لم لا يوجد عقل واحد بدلا من عقلين؟ السبب معروف وهو أن الإنسان يولد ولا يرضع من صدر أمه غذاءه فقط انما يتغذى ايضا ثقافيا من “مشيمة المجتمع” الذي يولد وسطه..ويهيمن عليه رجال الدين...أما دور هؤلاء فيكون بتشكيل وعي الجميع وحسب ما يشاؤون وبالاتفاق مع القوى الفاعلة في المجتمع وبما يخدم مصالحهم.الخلاصة: لن يستطيع الخلاص من قفص الأنساق الدينية التي نولد خلف قضبانها إلا بمعجزة لا يحققها الا المبدعون والعباقرة .
الدين، الفرد، الجماعة
يقول فرويد في كتابه مستقبل وهم، (1927)، ص 28– 49:
“الإنسان من دون الدين سيصير في وضع مأساوي، إنه سيكون مجبرا على الوعي بمدى قهره، ومدى تناهيه قياسا للكون في مجموعه…إنه سيجد نفسه في وضع الطفل حين يخرج لأول مرة من بيت أبويه“.
وهذا صحيح فيما إذا نشأ هذا الإنسان في مجتمع بدائي أو متدين..حيث إن وجوده وبقاءه قائم على مدى تخليه عن فرادته الشخصية وتفانيه في العمل لصالح “الجماعة” وقيمها والدفاع عنها وعن معتقداتها ولو تطلب ألامر باستماتة..
السؤال ماذا لو نشا الإنسان في جماعة منفتحة وتعيش في جو آمن وضمن مجتمع متقدم وعلمي، هل سيكون شعور أفراده شعور طفل خرج من دفء حضيرة الجماعة إذا ما تصرف وفقا لربغباته الشخصية وليس تنفيذا لحاجات وأعراف الجماعة؟
الأمر بالطبع سيختلف كثيرا، لأسباب عديدة منها أن شروط نجاح مجتمعات “ما بعد الحداثة”، لم تعد قائمة على توحد أفرادها “الإيماني” أو الديني..بل على ما هو عكس هذا إلى حد بعيد، أي على مدى خصوصية هؤلاء الأفراد وقدرتهم على الإبداع والابتكار الفردي..
لم تعد الحاجة إلى مشاركة الجماعات في عقيدة واحدة، لضمان عدم تفرق كلمتها وبالتالي الحفاظ على بقائها، قضية أساسية
مبدأ الحفاظ على البقاء الدارويني سيبقى عاملا مهما في تطور المجتمع البشري، لكن تنفيذه لم يعد ناجحا بالطريقة القديمة..بل أن هذه الطريقة القديمة بدأت تعمل عكس المطلوب..فمجتمعات لا تنمي طاقات أفرادها الإبداعية والمتفردة، أصبحت قدرتها على ضمان مستقبلها مشكوكا فيهTop of Form
الايمان واصطياد العقل
ما الغاية من الإيمان الديني “ الغيبي “ ؟
اصطياد العقل وإقفال جميع أبوابه لكي لا يرى كل أمر على حقيقته انما على حقيقة يلقنها كاهن ما وفقا لتعاليم دينية، كانت دائما نتاج تحالف تاريخي بين رجال السلطة ورجال الدين.
الإسلام وبقية الأديان
يقول المؤمنون دائما: لن ترضى عنك اليهود و النصارى حتى تتبعوا ملتهم
ولكن السؤال الأصلي: هل انت كمؤمن راض عنهم كي تطالبهم بالرضا عنك؟
هنا يتجاهل صاحب الخطاب نفسه ويتهم الآخر بعدم رضاه عنه..مع أنه مؤمن بدرجة قطعية بأنه غير راض عنهم ..ليس لخلاف وقتي معم..إنما هو خلاف جوهري..لا يعترف بشرعية وجودهم أصلا..
هذا النوع من الخطاب يكشف سياسيّة الدين..و”لا دينيته”.. وهو خطاب يتكرر إلى درجة أنه يشكل قاعدة أساسية في الذهن الديني، تبنى على أساسها معظم أركان عقيدته..
وسأضع هذا الخطاب تحت باب مفهوم جديد هو مفهوم اللادينية الدينية.
يقول ريكور: إن الفلسفة هي إعادة الإنسان إلى إنسانيته
وأضيف: إن الدين هو إعادة الإنسان أو “المخلوق” إلى ربه أي انه عمليا يحارب الإنسانية وكل إنسان
الحالة الأولى تحاول البحث عما هو مفقود أو غير مكتمل وهو “الإنسانية”
أما في الثانية فتسعى لتجريد الإنسان منها لصالح سلطة ما تدعى الله..
الحالة الأولى: تحرر عقل الإنسان..تخرجه من القطيع وقتدم له سلاحي العقل والحرية لمواجهة العالم
أما الثانية: فتسحقه تماما ولا تسلمه أي أداة بل تجعله أداة بالكامل..لا تتحرك إلا بإشارة من راعي القطيع وإلا انهالت عليه عصاه الفاشية.
***
حين تحارب قوى سلطة ما الفلسفة والثقافة والعلم
..فماذا تتبقى من خيارات أمام مجتمع هذه السلطة؟
ليس سوى التخلف والتعصب الآيديولوجي-الديني والعنف
..ليس سوى الفساد والخراب.
اقتران الدين بالسياسة 25/9/2018
لو تأملنا في “سيرة” جميع الأديان الكبرى لوجدنا بسهولة أنها لم تصبح “كبرى”، من تلقاء نفسها، انما جرى “تكبيرها” قصدا وعنوة.
فهي جميعا وبلا استثناء انتشرت بحد السيف والسلطة القاهرة، أنها جميعا جرى إرغام شعوب كاملة على الإيمان بها و”السجود” لها، إثر تحالف ديني-سلطوي ما، بين كاهن أكبر من جهة وحاكم أطغى وأشرس من جهة أخرى.
وهذا ما حصل مع المسيحية وقبلها الزرادشتية والتاوية والبوذية وبعدها المانوية والإسلام..ولكن بعد فترة من رحيل اصحابها
ولم يتم الجمع بين ثنائية الكاهن/الحاكم في شخص واحد إلا في حالتين حالة زرادشت وحالة نبي الإسلام، الذي حقق ما لم يفعله أي نبي قبله، بأن يكون المصدر الأساس للسلطات كلها التشريعية والتنفيذية، وفي الوقت نفسه صاحب النص “الشرعي” الذي يجب العمل وفق تشريعاته حرفيا، وهو القرآن الذي نطق به وحيا.
في كل الحالت تلك كان الدين مجرد أداة خاضعة للسياسة، مجرد أداة ملبية لحاجاتها وحاجات من يتولى امرها.
ولكن: هل هناك أدوار أخرى يقوم بها الدين غير ممارسة لعبة التشريع وإضفاء الشرعية على أية سلطة؟
ماذا عن القيم “الروحية” التي يحرص على الترويج لها جميع رجال الدين؟
لن أجيب عليها ولكن أكتفي بالتذكير بآلاف الفتاوى التي كفرت كل من حاول أن يقرأ نصوص الدين وفق اجتهاده الشخصي، بهدف تلبية حاجاته الروحية..وهو تكفير ونبذ وتهميش وإقصاء يتضح خاصة مع المتصوفة، على الرغم من عزلتهم وزهدهم وامتناعهم عن الانشغال بقضايا الحكم والسياسة.
وهنا لا بد ان اذكر بان بعض “المتنورين” يشيرون محتجين إلى أن احتكار رجال الدين لتفسير وتأويل النص الديني، يجعلهم يتصرفون وكانهم يمتلكون سلطة إلهية، او توكيلا إلهيا خاصا بهم ولا يمكن لأحد سواهم “المتاجرة” به.
أقول أن هذا الاحتجاج ما كانت هناك حاجة له، لو أنهم لم يسلموا مقدما بفكرة انفصال الدين عن السياسة..كما أن تصرف هؤلاء باعتبارهم “نوابا” عن الإله صحيح، لأنهم يعرفون حقيقة الأمر، فلا يوجد هناك من لا يعرف أسرار مهنته!
هذا الخطأ المنهجي الذي أسفر عن تأسيس بارادغمات لا حصر لها عبر التاريخ..وبشكل غير قابل للإصلاح بسهولة..لأنها أنتجت عشرات المذاهب والتوجهات الفكرية والسياسية والدينية والثقافية.
الدين لا ينفصل عن السياسة بأي شكل، بل أننا إذا ما تمعنا في معنى مفهوم الدين الدقيق، سنكتشف أن السياسة لا يمكن لها أيضا أن تنفصل عن الدين..كلاهما يتواجدان معا دائما ولا يمكن أن يوجد أحدهما بمعزل عن الآخر..
هكذا أصبح كل ناشط في أحد هذين المجالين بحاجة لتحالف الآخر معه لكي يضمن النجاح لنفسه ومشروعه “الدين” أو “السياسي”..
“توحيد” الديني بالسياسي..اللاهوت بالناسوت، الدولة الأرضية بالشريعة “الإلهية”..هو ما أضفى على فكرة التوحيد جاذبية وسحرا لا يقاوم لدى كبار الكهنة والطغاة..وهو توحيد أسفر دائما عن وظيفة معاكسة لما يدعيه، على أرض الواقع!..فقد أدى لتفتيت المجتمعات وتناحرها وتدمير كل منجزات شعوبها.
أي انه وحد السماء فيما جعل الأرض تنشطر إلى جهات متصارعة ومتناحرة..شرقها يبطش يغربها وغربها يسلب شمالها وشمالها يطعن جنوبها وحتى بعضه بعضا أحيانا!
هذا الصراع كله يجري باسم الدين و”التوحيد”..والمقصود بالتوحيد هنا، أساسا، ليس توحيد الله..انما توحيد نظرة “الموحد” لوحدانية الله..وفرضها على الجميع..أي أنها واحديته هو..هيمنته وسلطانه الواحد الأوحد هو..وليس الله..
الله نفسه هنا بالمناسبة، مجرد لفظة لغوية..شعار وأيقونة ضرورية لتمرير وشرعنة و”شيطنة” أي شيء باسمها..