ولد “لودفيج جوزيف يوهان فتجنشتاين” في 26 ابريل 1889، من اسرة نمساوية تنحدر من اصل يهودي، وقد تلقى تعليمه بالمنزل حتى الرابعة عشرة من عمره، وواصل دراسته العليا في الهندسة بالأكاديمية العليا للصناعة في برلين والتي مكث فيها الى غاية 1908. وارتحل الى انجلترا وسجل كطالب بحث في قسم الهندسة بجامعة مانشستر، حيث كرس جهده في الملاحة الجوية. وبشغفه بدراسة الرياضيات تقدم”فتجنشتاين” للالتحاق بكلية “ترينتي ” بجامعة “كمبردج” في اواخر عام 1912. ومع نشوب الحرب العالمية الاولى تطوع”فتجنشتاين” بجيش النمسا كمحاربا ومقاتلا، فوقع في الاسر اثناء الحرب. وقد تمكن اثناء اسره من الاتصال ب”رسل” حيث ارسل اليه مخطوط مؤلفه “رسالة منطقية فلسفية ” . وبعد ان خرج من الاسر عمل بالتدريس لمدة طويلة، لكنه ترك المهنة عام 1926 وقرر ان يتابع دراسته للحصول على الدكتوراه، والتي حصل عليها في عام 1930 ، والتي كان موضوعها مخطوط الرسالة.
وقد احدثت الرسالة بعد ان ترجمت الى الانجليزية دويا هائلا في دوائر الفكر الفلسفي و الاوساط العلمية. وحتى وفاته في عام 1951 لم ينشر في حياته سوى كتابه المعروف ” رسالة منطقية فلسفية ” ومقال تحت عنوان ” بعض الملاحظات على الصورة المنطقية “. وقد تمخضت عن كتابه حركات فلسفية متعددة كحركة الوضعية المنطقية و مدرسة “اكسفورد” و”كمبردج ” في تحليل اللغة، وذلك لما يحتويه من قضايا واراء جذبت انتباه المفكرين على اختلاف مذاهبهم.
فكرة الاشياء في ” الرسالة” :
اقام “فتجنشتاين” رسالته على اساس منهج التحليل المنطقي الدقيق وفقا للأصول و القواعد. واستخدام منهج التحليل يتجلى في تطبيق دقيق للمنطق الحديث بالمعنى الذي ذهب اليه “رسل” و”فريجه”، والذي اصبح سمة اساسية للاتجاه اللوجستيفي المعاصر.
ان اهمية “فتجنشتاين” تكمن في طريقة صياغته الدقيقة لأفكاره المعروضة في الرسالة من خلال منهج التحليل ذاته، واستطاع ان يغزو مباحث مختلفة كالأنطولوجيا و الابستمولوجيا ، كما تكمن من تحليل اللغة تحليلا دقيقا من خلال استخدامه لذلك المنهج.
ركزت الرسالة على مبحث الانطولوجيا، حيث نجذ “فتجنشتاين” يضع الوجود الخارجي ككل او العالم، تحت مجهر التحليل المنطقي ليقف على المكونات النهائية التي يرتد اليها تحليلنا للعالم. ان اتجاه “فتجنشتاين” في استخدام التحليل منهجا لتفسير الوجود الخارجي غايته تتجلى في رفضه للميتافيزيقا، حيث ان الوظيفة الاساسية و المشروعة للفلسفة تكمن في نقد اللغة. وتناول”فتجنشتاين” تحليل العالم عن طريق فكرتين: فكرته عن الوقائع الذرية، وفكرته عن الاشياء، حيث ان العالم الخارجي في مذهبه ينقسم الى وقائع التي توضع تحت مجهر التحليل المنطقي الدقيق نجدها تنقسم في النهاية الى وقائع ذرية، وكل واقعة ذرية هي في اساسها بناء قوامه اشياء متشابكة. وهنا نجذ ان “فتجنشتاين” يذكر الوقائع الذرية قبل الاشياء.
تعتبر كل من رسالة “فتجنشتاين” ومجموعة المحاضرات التي اطلق عليها رسل ” فلسفة الذرية المنطقية ” تكونان معا المذهب الاساسي لمذهب الذرية المنطقية. ومن ادق الامور التي تختلف فيها رسالة “فتجنشتاين” عن فلسفة الذرية المنطقية لرسل فكرة كل منهما عن مكونات النهائية للعالم.
ان “رسل” في فلسفته الذرية المنطقية يرد العالم بصفة نهائية الى اربعة مكونات هي: الجزئيات، الصفات، العلاقات، والوقائع. وما جعل رسل يقوم بتصنيف الوقائع جنبا الى جنب مع الجزئيات والعلاقات، لأنه يعتبرها بمثابة مكونات للوقائع، حيث ان المكون الواحد يمكن ان يرد في وقائع مختلفة وينتج عن هذا ان واقعتين مختلفتين فد تحتويان نفس المكونات تماما. لكن “فتجنشتاين” في تحليله للعالم الى مكوناته النهائية، يختلف عن” رسل”، حيث انه يرد تحليله للعالم بصفة مباشرة الى الاشياء في تشكلها. ورسل لا يتحدث في فلسفته الذرية عن الاشياء، بل يتحدث عن الجزئيات التي تكتسب صفة كونها متقومة بذاتها أي ان كل جزئي هو في حقيقته عاك قائم بذاته، وهذه الجزئيات تنتسب الى الجواهر وليست لها صفة الدوام خلال الزمان.
ويثبت لنا “فتجنشتاين” ان من الضروري للأشياء ان تكون مكونات ممكنة للوقائع الذرية، حيث ان هذه الاخيرة هي اتحاد للأشياء معا، والشيء ليس له وجود مستقل عن غيره من الاشياء، كما ان للشيء خاصية من ادق الخصائص في مفهوم الرسالة، فالأشياء في حد ذاتها بسائط ازلية وغير متغيرة أي انها ثابتة و متقومة بذاتها، اما تشكلها فهو المتغير وغير الثابت. والاشياء التي يتحدث عنها “فتجنشتاين” هي ذاتها الذرات التي قال بها “ديمقريطس” و “ليوقيبوس” والتي تكون جوهر العالم في الذرية اليونانية. ففكرة”فتجنشتاين” لا تخرج عن فكرة “ديمقريطس” و “ليوقيبوس” في الشيء البسيط الثابت الموجود على الحقيقة. في حين ان الواقعة الذرية في حد ذاتها بناء متغير ومتحول ليست له صفة الدوام و الثبات في الزمان.
وما اراد “فتجنشتاين” ان يثبته ان الاشياء تؤسس جوهر العالم، لان جوهر العالم لا يكون باي حالة الى ما يتغير وما يفسد، بل يكون بالاستناد الى ماله صفة الدوام وعدم التغير والبقاء في الزمان. ويرى “فتجنشتاين” ان لكل شيء صورة ومحتوى، حيث ان صورة العالم تتكون من التشكلات الممكنة للأشياء، اما المحتوى هو ما يتكون من التشكلات الفعلية. كما ينسب “فتجنشتاين”للأشياء نوعين من الصفات: اشياء ذات خصائص داخلية واخرى ذات خصائص خارجية او هي ذات خصائص صورية ومادية، حيث ان الخصائص المادية للشيء تتضح من دخوله في علاقة معينة مع غيره من الاشياء ليشكلا معا واقعة ذرية أي تنشا نتيجة لتشكل الاشياء وارتباطها معا. اما الخصائص الصورية للأشياء تنشا نتيجة لإمكانية دخول الشيء الواحد مع شيء اخر في علاقة. ففكرة “فتجنشتاين” عن الاشياء باعتبارها جوهر العالم وما تتكون منه الوقائع الذرية ينبغي علينا ان نعرف الخصائص الداخلية للشيء لا الخارجية.
الوقائع و الوقائع الذرية:
يذهب رسل في مقدمته التي اعدها لرسالة “فتجنشتاين” الى تقديم تفسير للوقائع و الوقائع الذرية، حيث يرى ان الوقائع لا تتكون من وقائع اخرى هي ما يسميه “فتجنشتاين” بالواقعة الذرية، اما الواقعة التي تتكون من واقعتين او اكثر فهي ما يسميه بالواقعة المركبة، كسقراط حكيم فهي واقعة ذرية بينما سقراط حكيم وافلاطون تلميذه فهي واقعة مركبة وليست ذرية.
نجذ اقدم ترجمة للرسالة تلم التي اعدها ” اوجدن ” وشاركه فيها ” رامزي ” وبعض اتباع ” فتجنشتاين” عام 1922، حيث نجذ ” اوجدن ” يتفق مع الترجمة التي ذهب اليها ” رسل ” . اما ” فاينبرج ” ذهب في تفسيره للرسالة في مقالة نشرت له عام 1935 في مجلة ” فلسفة العلوم ” الى انه توجد وقائع تتكون من وقائع اخرى التي تنقسم بدورها الى وقائع مستقلة، ويضع فكرة التركيب في النوع الاول من الوقائع، وخاصية البساطة و الاستقلال في النوع الثاني. فتفسير ” فاينبرج ” للرسالة باعتباره ” فتجنشتاين” على انه وضعي منطقي، الا انه تدارك خطاه وفند ما وقع من خطا في تفسيره للرسالة. اما ” ماك جينس ” في مقالة ” الرسوم والصورة في رسالة فتجنشتاين ” سنة 1956 يترجمها بالواقعة الذرية ، حيث يوكد ” ماك ” ان كل واقعة اما انها واقعة ذرية او انها تتكون من وجود او عدم وجود الوقائع الذرية ومن ثم فانه اذا ما عرفنا الواقعة الذرية على انها الواقعة ، فان هذا لن يضفي عليها صفة كونها تتكون من وجود او عدم وجود وقائع اخرى. ومع ” كوبي ” نجده يستخدم الوقائع الذرية بدلا من الوقائع الممكنة، والوقائع بدلا من الوقائع الفعلية. لكن ” بيرنشتين ” يقترح ترجمة مختلفة تتمثل في الحالة الذرية للأشياء. في حين ” انسكومب ” فيتفق مع رسل- اوجدن على مصطلح الوقائع الذرية ويذهب الى ترجمة المصطلح ذاته بالكلمة موقف. اما “شفيدر ” فانه يذهب الى ترجمة نفس المصطلح بالعلاقة بين الاشياء موكدا على ان هذا المصطلح ليس هو الواقعة او الواقعة الممكنة. و “دفيد كيت ” يقبل بترجمته المصطلح بعبارة حالة الاشياء الذرية الممكنة، ويأخذ بفكرة رسل في تصنيفه للوقائع. اما ” بتشر ” يستخدم ترجمة ” رسل ” للكلمة ذاتها بالواقعة الذرية ونجذه يتحدث عن الوقائع الذرية عند ” فتجنشتاين” ويعرض لها بالتحليل كموضوع قائم بذاته، ولكن حينما انتقل الى مبحث القضايا ذهب الى الاتفاق مع تصور “ماك” و “بيرز” في ترجمتهما لنفس المصطلح بحالة الاشياء.
وهذه هي اهم الترجمات التي ذهب اليها شراح الرسالة لكل من الكلمتين. وقد اكد ” فتجنشتاين” لرسل عندما سأله هذا الاخير عن الاختلاف بين كل الكلمتين، فرد عليه ” فتجنشتاين” ان المصطلح الاول يناظر ابسط قضايا اللغة، وهو القضية الاولى أي الواقعة الذرية. اما المصطلح الثاني فهو ما يناظر الناتج المنطقي للقضايا الاولية عندما تكون صادقة أي الواقعة بالمعنى المركب. وبهذا تكون الترجمة التي ذهب اليها ” رسل ” صحيحة و تتوافق لما يعنيه ” فتجنشتاين” وفلسفته الذرية.
Sachverhalt– :هو المصطلح الاول
: هو المصطلح الثانيTatsache–
تحليل الوقائع الذرية:
ينظر ” فتجنشتاين” للعالم في فلسفته الذرية على انه ينقسم الى وقائع، وكل واقعة من الوقائع الموجودة في العالم تنقسم بدورها الى وقائع ابسط منها، لتصل الى الواقعة الذرية التي لا يمكن ان تنقسم الى ما هو ابسط منها. كما ان الواقعة الذرية تتكون من عناصر اخرى ابسط منها
لا منقسمة عي الاشياء. وهذا ما جعل ” فتجنشتاين” يؤكد لنا ان الاشياء تؤسس جوهر العالم. ويتفق “رسل” مع فكرة ” فتجنشتاين” عن الوقائع و الوقائع الذرية، حيث اكد “رسل” في مقدمته للرسالة ان هناك فارقا بين هذين النوعين من الوقائع يتجلى في ان واقعة سقراط حكيم تختلف عن الواقعة سقراط حكيم وافلاطون تلميذه، فالأولى بسيطة أي ذرية في حين ان الثانية مركبة تنقسم الى واقعتين ذريتين بسيطتين. فالواقعة المركبة عند ” فتجنشتاين” هي ما يقابل الواقعة الجزئية عند “رسل” ، وان طريقة ” فتجنشتاين” لتناوله للوقائع الذرية بالتحليل تختلف عن طريقة “رسل” لها.
ان الاشياء تترابط و تتحد معا لتكون الواقعة الذرية وتصبح هذه الاخيرة معبرة عن تشكل للأشياء، وهذا التشكل هو كترابط حلقات السلسلة الواحدة منها بالأخرى. وهذا الترابط الذي يقوم بين الاشياء من خلال العلاقات و الطريقة التي تتشابك بها الاشياء في الواقعة الذرية هي التي تشكل بنية الواقعة الذرية. وان إمكانية ترابط الاشياء معا يطلق عليها ” فتجنشتاين” صورة الواقعة، حيث ان الصورة هي امكان قيام هذه البنية، فمثلا (الكتاب فوق المنضدة) هذا الارتباط يعبر عن واقعة ذرية، حيث ان البنية تتمثل في كون الكتاب مرتبط بالعلاقة فوق المنضدة.
وتتميز الوقائع الذرية بصفة الاستقلال التام، فالوقائع الذرية مستقلة عن بعضها البعض مما ادى بأصحاب الذرية المنطقية الى تحطيم فكرة السببية واصبحت العلية في مذهبهم خرافة.
ويصنف ” فتجنشتاين” الوقائع الذرية اما موجبة او سالبة أي هناك ما يسمى بالواقعة الموجبة والتي هي وجود الوقائع الذرية، اما عدم وجودها يسمى بالواقعة السالبة. وفيما يبدو ان ” فتجنشتاين” استعار تصنيفه لوقائع الذرية من “رسل” الذي اثبت كيفيتان للواقعة. وهذا التمييز الذي اقامه “رسل” بين الواقعة الموجبة و السالبة هو تمييز من حيث الصورة المنطقية. وهذا ما ذهب ب “بيتشر” في الحديث عن الواقعة الموجبة التي ليست لمر من امور الواقع الموجودة، حيث ان العالم ينقسم بصفة نهائية الى الوقائع الموجبة ، وانه يشمل كل الوقائع الذرية الموجبة، وكل امور الواقع في حالة وجودها. ولكن “انسكومب” تخالف ما ذهب اليه “بيتشر” ويتفق معها “ستينيوس” ويؤكدان القول بوجود وقائع سالبة يعني فقط عدم وجود الوقائع الذرية، وان ما يعنيه ” فتجنشتاين” هو امور الواقع الحقيقية.
ان ” فتجنشتاين” ذهب الى تصنيف الوقائع لضرورة منطقية تقتضيها تحليلاته للغة من اجل اثبات فكرته عن التحقق، حيث ان القضية الاولية لا تكون صادقة الا في حالة وجود الواقعة الذرية فقط. ويؤكد ” فتجنشتاين” ان البناء الذي قوامه اشياء مترابطة على نحو معين أي الواقعة الذرية متغير وغير ثابت. وهذا نجده عند “رسل” في فكرة الوقائع، حيث واقعة (سقراط يحب افلاطون) يمكن ان تتغير لتصبح ( افلاطون يحب سقراط)، فالمكونات في كلتا الواقعتين هي ذاتها، الا ان المواضع المختلفة التي تأخذها قد تغيرت. وهذا ما اكده ” فتجنشتاين” بان كل شيء يشغل جزءا من مكانه قوامه الوقائع الذرية الممكنة، أي انه لا بد ان يكون لكل شيء من الاشياء التي تشكل الواقعة الذرية موضعه او مكانه.
وبهذا يمكن القول بدأ “فتجنشتاين” رسالته لا بتحليل اللغة بل بتحليل العالم لان العالم منطقيًا اسبق من اللغة التي هي رسم وتصوير لوقائع العالم وصدق قضايا اللغة يتوقف على وجود وقائع العالم، و رغم الصعوبة التي تعتري رسالة “فتجنشتاين”من حيث المصطلحات المستعملة ومعانيها، فإننا نستطيع القول ان العالم بالنسبة لفيلسوفنا يعني العالم الواقعي وايضًا ما يطلق عليه اسم “الوجود الخارجي”. ويعني هذا المصطلح “وجود وعدم وجود الوقائع الذرية”، اي ان العالم يغدو بذلك “وجود وعدم وجود الوقائع لذرية، اي هو من ناحية العالم الفعلي المتحقق (الموجود بالفعل بالمعنى الارسطي) اضافة الى الوقائع الذرية الممكنة منطقيًا (اي الموجود بالقوة على حد قول ارسطو). هذا ويتضمن معنى الوقائع الذرية الموجودة الوقائع الذرية الموجودة بالفعل وغير الموجودة او الممكنة، اي الموجبة والسالبة، وبالتالي اذا عرفنا الوقائع الموجبة الفعلية فإننا نستطيع تعريف القضايا السالبة بنفي الوقائع الموجبة، هذا على الرغم من ان الوقائع السالبة غير موجودة بالفعل.
بالاضافة الى هذا التعريف للعالم يعتبر “فتجنشتاين” ان “الوقائع في المكان المنطقي هي العالم” والمكان المنطقي يشير الى الروابط المنطقية، اي ان الوقائع ترتبط فيما بينها بروابط منطقية وهذا ما يشكل المكان المنطقي. و تتحدد الواقعة الذرية بناءًا على العلاقات التي تربط الاشياء بواسطتها، وبالتالي فالواقعة الذرية ليست مجرد تراكم اعتباطي للأشياء بل ان الاشياء تترابط ضمنها كحلقات سلسلة.
ويعتبر “فتجنشتاين” ان الوقائع الذرية مستقلة عن بعضها البعض، ويرفض مبدأ السببية حيث اننا لا يمكننا ان نستدل على شيء من معرفة شيء آخر، فلا يمكننا تأكيد شروق الشمس غدًا لمجرد شرقها دومًا، فالضرورة السببية ما هي الا ضرورة منطقية في المنطق والرياضيات لا في العالم الواقعي.
ولا يقصد “فتجنشتاين” بالشيء عالم الاشياء المادية الجزئية لأنه مركب دومًا، و يعتبر ان الشيء البسيط لا يمكن معرفته تجريبيًا ابدًا ولكنه يسلم به على اساس اعتبارات منطقية ضرورية. وهنا نلاحظ التشابه بين “فتجنشتاين” وبين كنط الذي ينفي بدوره معرفة الشيء في ذاته.
اما بالنسبة لصفات الشيء، فانه لا بد لنا من معرفة صفات الشيء الداخلية منها والخارجية. اما بالنسبة للصفات الداخلية فهي ما لا يمكن تصور الشيء بدونها، وهي ان يكون الشيء ممكنًا (موجود بالقوة) لواقعة ذرية ما (الصفات الصورية)، فهي تشكل صورة العالم.
فيما الصفات الخارجية للشيء تنشأ نتيجة تشكل الاشياء اي ارتباطها في علاقات معينة ودخولها في واقعة ذرية (الوجود بالفعل)، انها تشكل محتوى العالم. وامكانية دخول الشيء في واقعة ذرية ما ليست امكانية منطقية، بل امكانية تحدد بناءًا على صورة الشيء التي تجعله متميزًا وتجعله يدخل في واقعة دون اخرى.
اذن يعتبر”فتجنشتاين” ان الاشياء تشكل جوهر العالم، والجوهر هو ما يوجد مستقلاً عن الوجود القائم، ويعتبرها ثابتة اما الوقائع فهي المتغيرة وهنا يتشابه مع فلسفة “ديمقرطس” الذرية.
وحسب ويكيبيديا
لودفيغ فتغانشتاين، واحد من أكبر فلاسفة القرن العشرين، ولد في فيينا بالنمسا ودرس بجامعة كمبردج بإنجلترا وعمل بالتدريس هناك. وقد حظي بالتقدير بفضل كتابيه “رسالة منطقية فلسفية” وتحقيقات فلسفية. عمل في المقام الأول في أسس المنطق، والفلسفة والرياضيات، وفلسفة الذهن، وفلسفة اللغة.
اعتقد فتغنشتاين أن معظم المشاكل الفلسفية تقع بسبب اعتقاد الفلاسفة أن معظم الكلمات أسماء. كان لأفكاره أثرها الكبير على كل من “الوضعانية المنطقية وفلسفة التحليل”. أحدثت كتاباته ثورة في فلسفة ما بعد الحربين. ورغم أسلوبه النيتشوي المربك، فقد غير وجهة التفكير الفلسفي وطرق التعامل مع المسائل الفكرية. استقال فتغنشتاين من منصبه في كامبردج في عام 1947 للتركيز على كتاباته. وقد خلفه صديقه يوري هنريك فون فريكت بمنصب الأستاذ. نزل في دار الضيافة في البيت كيلباتريك في شرق مقاطعة ويكلاو في عام 1947 وعام 1948. أنجز الكثير من أعماله اللاحقة على ساحل إيرلندا الغربي في عزلة ريفية يفضـّلها مع باتريك لينش. بحلول عام 1949، عندما شُخِّصت حالته بأنها سرطان البروستاتا، كتب معظم المواد التي نـُشرت بعد وفاته مثل “(تحقيقات فلسفية)”.
الحرب العالمية الثانية[عدل] خلال الحرب العالمية الثانية ( بعد أن اصبح مواطناً بريطانياً )، في الخدمة العسكرية مرة أخرى (1940) ليعمل لحساب الجيش الإنجليزي في محل استشفائي في لندن. اكتشف أنه مصاب بسرطان البروستاتا سنة 1949م وكان قد أتم الجزء الأول من كتاب “تحقيقات” وحرر أغلب فقرات الجزء الثاني وتوفي لودفيغ بكمبردج بعد 3 أيام بعد احتقاله بعيد ميلاده الستين اي يوم 29 نيسان/أبريل، سنة 1951.[2]
مهمة الفيلسوف في فلسفة اللغة[عدل] يذكر بنّور في مقدمته، بحسب فتغنشتاين، أن هناك عمليتين في استخدام اللغة: الأولى خارجية تتمثل في التعامل مع العلامات، والثانية داخلية تتمثل في فهم تلك العلامات وتكمن مهمة الفيلسوف، في إحباط ألاعيب اللغة والتفطن إلى أفخاخ النحو في مستويي الاستعمال: الداخلي والخارجي. ونحن، يتحدث فتغنشتاين، نهتم باللغة على أنها عملية خاضعة للقواعد البيّنة، لأن المشاكل الفلسفية عبارة عن سوء فهم يزيله توضيح القواعد التي نستعمل الألفاظ بموجبها، فنحدد الفلسفة باعتبارها مقاومة فتنة تفكيرنا بواسطة لغتنا. ولم يعد المهم بالنسبة إلى الفلسفة والمنطق أن نبين ماهي القضايا الصادقة والقضايا الكاذبة، في علاقتها بالواقع، بقدر ما يهم النحو (قريب من علم الدلالة) باعتباره ما سيمكننا من تمييز القضية ذات المعنى من القضية عديمة المعنى، فالفلسفة هي قبل كل شيء مقاومة الفتنة التي تحدثها فينا بعض أشكال التعبير. إن المشاكل الفلسفية ليس سببها نقص في المعرفة، بل خلط وتراكم غير منتظم للمستويات.
اللغة – اللعبة[عدل] اللغة عند فتغنشتاين هي الطريق إلى المعرفة باعتبارها وسيلة لفهم تكوين المعنى في الخطاب. ونظرا لعلاقة التضمن أو التوازي بين اللغة والتفكير فلا سبيل إلى فلسفة التفكير والمعرفة والفهم دون اللغة إذ أن “كل شيء يحدث داخل اللغة”. يقول جون سيرل في كتابه “العقل” أن التطور اليوم يعكس المعادلة ففهم اللغة لا بد أن يمر أولا بفهم العقل وهذا ما يجعل لفلسفة العقل الأولوية على فلسفة اللغة. فهو يعتبر أن اللغة تتمثل في مجموع الألعاب اللغوية الممكنة. وأوجه الاستعارة متعددة فاللعبة تتضمن القواعد تماما مثل اللغة. واللعبة فعل مثل اللغة. واللغة مكونة من الألفاظ مثلما تتكون اللعبة من قطع وأشكال. واللغة نظام يأخذ فيه كل لفظ مكانه باعتبار محيطه، كذلك تكتسب كل قطعة أو شكل في اللعبة قيمتها من القطعة الأخرى. وأخيرا فإن كل من اللغة واللعبة مؤسسات اجتماعية.
حدود المنطق[عدل] في فصل المنطق عن الخيال، وفصل التمثيل الرياضي للفيزيائي عن استعارة الشاعر، واللغة الوصفية المباشرة من “التواصل غير المباشر”، كان فيتجنشتاين مقتنعا بأنه حل “مشكلة الفلسفة”. وأوضحت نظرية النموذج كيف تصبح معرفة العالم ممكنة. وأوضح الأساس الرياضي (المنطقي) لتلك النظرية كيف أن بنية المقترحات نفسها تظهر حدودها- أي كيف يحدد هيكل المقترحات حدود البحث العلمي (العقلاني). وكان من نتائج نظرية النموذج أن “معنى الحياة” يقع خارج نطاق ما يمكن قوله.
يجب أن يشار إلى “معنى الحياة” على النحو الصحيح على أنه لغز، بدلا من أن يكون رمزا محتملا، لأنه لا يوجد امكانية لحله أو الإجابة عليه. لذا فإن نظرية النموذج تؤكد فكرة كريكجارد بأن معنى الحياة ليس موضوعا يمكن مناقشته من خلال فئات المنطق.
أعمال[عدل] من أبرز أعمال فتغنشتاين كتاب “مصنف منطقي فلسفي” الذي يحتوي على مقاربة للفلسفة تنسف إمكانية التفلسف وتعيدها إلى نقطة الانطلاق وتدعو للسكوت عمّا لا ينبغي قوله. إلا أنه انتقد لاحقا هذا الكتاب بسبب “الدوغمائية التي نقع فيها بسهولة عندما نتفلسف” كما عبر هو عن ذلك. اعتقد فتغنشتاين أنه قد حلّ بكتابه الأول(مصنف منطقي فلسفي) كل مشاكل الفلسفة الكبرى، ولم يعد هناك مزيد لما يقال في الفلسفة. مما أدى به إلى الانقطاع عن الانشغال بالفلسفة ليتفرغ لتدريس الصغار في بعض القرى النمساوية ويطبق بعض نظرياته التربوية كان هذا بين عامي (1920-1926) ثم عمل بعد ذلك بعض الأعمال الصغيرة، بوابا وعاملا في حديقة أحد الأديرة ومهندسا معماريا بارعا أنجز بيتا لإحدى أخواته أصبح بعد ذلك نموذجا في البناء.
إلا أن محاضرة سنة 1928 في أسس الحساب قد أعادت استفزاز عقل فتغنشتاين ليعود مرّة أخرى للبحث الفلسفي. وفي إنجلترا ألف كتابه تحقيقات فلسفية الذي لم ينشر إلا بعد وفاته. فلسفة الألعاب اللغويّة التي عرت نضجها في كتابنا هذا (تحقيقات فلسفية). ولكن هذه الفلسفة تم إنضاجها قبل “التحقيقات” في ما يعرف ب “الكراسة الزرقاء” و”الكراسة البنية”. اللتان لم يتم نشرهما إلا بعد وفاة فتغنشتاين سنة 1958، أيضا يعتبر كاتب “ملاحظات في أسس الرياضيات” من أهم كتبه بالإضافة إلى أهم كتبه على الإطلاق وأكثرها شهرة وتأثيراً كتابه “تحقيقات فلسفية”.