كم مرة سمعت مَن يسخر من النظرية التي تقول إن الإنسان أصله قرد؟ كم خطبة في دور العبادة هاجمت العالم البريطاني تشارلز داروين Charles Darwin، الذي تُنسب إليه هذه المقولة، لأنه “ملحد يريد أن يهدم صروح الإيمان”؟
الطريف أن واحداً من أهم الأدلة التي يستدل بها “مفكرون” مسلمون وعرب على لا معقولية فكرة تطور الكائنات هو أن القردة لا تزال موجودة إلى اليوم، فإذا كان الإنسان قد تطوّر عنها فلِمَ لَمْ تتطور بقية القردة كذلك؟
الحلقات المفقودة وتزخر مواقع التواصل الاجتماعي بتساؤلات “إسلامية” ساخرة عن سبب عدم عثور العلماء على “الكائنات الوسيطة”، أو ما يطلق عليه الحلقات المفقودة بين الكائنات الأدنى (كالقردة) والأعلى (كالإنسان).
أقوال جاهزة
ليس بالضرورة أن تكون غير مؤمن بوجود الله ان كنت مقتنعاً بنظرية التطور
لا داروين ولا تلاميذه قالوا إن الإنسان أصله قرد..
بالطبع ليس هناك من مشكلة في مناقشة ما قاله داروين عن تطور الكائنات ونقده علمياً بل الهجوم عليه إذا توفرت ضده أدلة علمية أقوى من تلك التي كانت متاحة له في زمانه. لكن المشكلة هي أن تُنفق كل هذه الساعات وتسوّد كل تلك الصفحات في مناقشة ما لم تقل به نظرية التطور أصلاً.
وبالفعل عندما انتهى داروين من كتابه الشهير “أصل الأنواع”، عام 1856، لم تكن نظرية التطوّر قد اكتملت كما هي اليوم بين أيدينا. كانت تنقصه الكثير من الأدلة للبرهان على أن كل الأنواع قد تطورت من أصل واحد. لكن ما يجدر فهمه هو أن هذا الموقف قد تغير تماماً بعد ما يقرب من مائة وخمسين عاماً. فالحلقات المفقودة بين الكائنات، شئنا أم أبينا، لم تعد مفقودة، بل صارت موجودة ومتمثلة في حفريات متنوعة تصل كل فرع من الكائنات بأصله السابق زمنياً وتمتلئ بها صالات المتاحف المتخصصة وأروقة الجامعات، وبعضها معروض للمشاهدة العلنية.
القرد ليس أصل الإنسان لكن الحقيقة أن لا داروين ولا تلاميذه قالوا إن الإنسان قد تطور عن القردة. بل الصحيح حسب النظرية أن الإنسان والقردة العليا تطورت عن سلف مشترك وهناك فرق كبير بين القولين.
فببساطة، لو اعتبرنا أن تطور الإنسان والقردة عن سلف مشترك يعني أن القرد هو السلف المباشر للإنسان أو جده، لصحّ إذن أن نتحدث عن كائنات أخرى كثيرة، كالأسماك والزواحف والبرمائيات، باعتبارها أسلافاً لنا. وكلها كائنات ظهرت قبلنا على كوكب الأرض وهذا كله غير دقيق علمياً.
ويشرح عالم التطورية المعروف ريتشارد دوكنز Richard Dawkins في أقل من دقيقتين هنا لماذا لا يعتبر البشر أحفاداً للقرود ويجيب على السؤال حول سبب استمرار وجودها حتى اليوم:
ويبدو أن اللبس هنا قد جاء من تعبيرات لغوية شهيرة تتناول التطور باعتباره سلماً تترتب عليه الكائنات، فيقول قائل مثلاً: يوجد الإنسان في أعلى سلم التطور. ولأن عقولنا تستحضر صورة السلم الذي نعرفه في الواقع، فإننا ربما نتخيل أن كل ما هو أدنى يقع قبلنا في خط مباشر يبدأ من الخلية الوحيدة وتقود نهايته إلى الإنسان، وهذا خطأ كبير في فهم النظرية. ربما يصحح هذا الخطأ تشبيهاً آخر يصور التطور مثل شجرة تتفرع منها فروع عدّة ويثمر كل منها ثمراً يختلف قليلاً أو كثيراً عن الفروع الأخرى كما في هذه الصورة التي يمكن أن نطلق عليها شجرة الحياة:
البقاء ليس للأقوى ليست تلك هي المغالطة الوحيدة الشائعة حول التطور. فمن أشهر المقولات التي تنسب إلى النظرية أنها تتلخص في أن “البقاء للأقوى”، وهذا أيضاً خطأ فادح لم يقل به أحدٌ. فالصواب هو أن “البقاء للأصلح” وليس للأقوى، وإلا لكانت الديناصورات مثلاً هي الأقدر على البقاء. غير أن العكس هو ما حدث وكانت من أوائل الكائنات المنقرضة نتيجة لسلسلة من الكوارث (في أرجح النظريات المفسرة لإنقراضها). بينما بقيت الحشرات إلى يومنا هذا وأغلب الظن أنها سوف تبقى ربما أكثر من معظم الكائنات الحية الأخرى، لأنها الأقدر على التكيف بسرعة شديدة. حتى أنه يمكن ملاحظة هذا في الحياة اليومية كمثل قدرتها على تطوير وسائل للتصدي للمبيدات التي يستخدمها الإنسان ضدها.
نظرية التطوّر لا تنفي وجود الله وأخيراً، لا بد من التفرقة بين الموقف العلمي لأصحاب النظرية ومؤيديها وبين موقفهم العقائدي أو الديني. فليس بالضرورة أن أنصار التطور حين يثبتونه ينفون وجود إرادة عاقلة مدبرة حكيمة خلفه.
وهناك بين علماء اليوم من جميع الأديان تقريباً مَن يؤمنون بالتطور ويؤمنون في الوقت نفسه بالخالق، على اختلاف تصوراتهم له. وهناك أمثلة كثيرة لعل أشهرها العالم الأمريكي الشهير فرانسيس كولينز Francis Collins الذي عمل كقائد للفريق العلمي الذي أنجز رسم الخريطة الجينية للبشر وألف كتاباً نُشر في عام 2006 بعنوان “لغة الإله”. يشرح كولينز في كتابه موقفه كرجل يشتغل بالعلم ويعمل على أساس النظريات الحديثة ويؤمن في الوقت ذاته بوجود الخالق.
وفي المقابل، هناك علماء كبار مثل تشارلز داوكينز، ينكرون وجود الإله ويصرون على تعارض الفكرة مع التفكير العلمي. ويبقى أن وجود الفريقين هو دليل على أن الاعتراف بمكتسبات العلم الحديث لا يعني التخلي عن عقائد إيمانية غيبية. فقط يحتاج الأمر إلى الدقة في القراءة والتناول حتى لا تختلط الأفكار وتتوه الحقائق.
الأسبوع الماضى أعلن العلماء أنهم اكتشفوا عضوا جديدا فى شجرة العائلة البشرية، من نوع هومو ناليدى، وهى من الأنواع التى يعتقد أنها نشأت بين قبل 2.5 و 2.8 مليون سنة، وتم استخراج حفرياتها من جنوب أفريقيا، وهى عبارة عن مزيج بين الإنسان الحالى والقرد، وتحتوى على مزيج غريب من الميزات التى يعتقد أنهم ينتمون إلى مراحل مختلفة من التطور، ولكن على الرغم من ذلك السر وراء أصل الإنسان لا يزال لغزا كبيرا، وبذل العلماء خلال السنوات الماضية مجهودات مضنية فى البحث فى هذا المجال، ومن خلال 6 اكتشافات هامة بدأوا التوصل خطوة بخطوة إلى أصل الإنسان وبدايته وشكله الأولى وكيف تطور من البداية وحتى الشكل الذى يوجد عليه الآن.
ولكى تتعرف أكثر على كيف تطور الإنسان وكيف وصل إلى شكله الحالى عليك التعرف على أهم 6 اكتشافات فى هذا المجال، رصدتهم مجلة time الأمريكية:
– رجل الثلج
فى 26 أكتوبر من عام 1992 تم العثور على حفريات تعود إلى فصيلة من البشر يطلق عليهم “رجل الثلج” وجدت الحفريات فى انصهار كبير فى جبال الألب الجليدية، واكتشاف تلك المواد أوضح بعض المفاهيم حول أواخر العصر الحجرى، وأعطى نظرة للعلماء عن طريقة الحياة والفصيلة التى عاشت فى تلك الفترة 330.000 قبل الميلاد .
– حقائق عن بداية البشر
فى مارس من عام 1994 توصل العلماء إلى عدد كبير من النتائج والاكتشافات فى أسس علم الإنسان والتى أظهرت أن البشرية تطورت ليس فقط فى مكان واحد، ولكن فى أماكن كثيرة حول العالم، وأن قبل ظهور الإنسان العاقل كان يوجد فصائل أقدم بكثير وهذا فرض إعادة كتابة بعض الخطوط الرئيسية فى كتاب التطور البشرى لأن تم التوصل إلى البداية التى سبقت الإنسان.
– تطور الإنسان
فكرة أن الجنس البشرى متعدد هى القاعدة وليس الاستثناء، وهذا أكدته الاكتشافات العلمية الكبرى منذ عام 1994، فتم إضافة أربعة أنواع جديدة من اسلاف الانسان لشجرة العائلة البشرية، عاشوا قبل 4.4 مليون سنة قبل الميلاد، واكتشف العلماء أيضا حفريات جديدة من الأنواع المعروفة مما ساعدهم فى العثور على العلاقات المعقدة بين الأجداد والفصائل المتعدددة.
– كائنات تشبه الإنسان
بعد البحث لسنوات طويلة توصل العلماء إلى بعض الاكتشافات الحديثة التى أكدت أن فى عصور ما قبل التاريخ عندما بدأت كائنات شبيهة بالإنسان أن تخطو مسار تطورى كان لها شكل يشبه يختلف عن الشمبانزى ويقترب من ملامحنا الحالية، وتلك الحفريات التى تم العثور عليها ظهرت فى منطقة ساحل جنوب الصحراء الكبرى فى تشاد، أكثر من 1500 ميلا إلى الغرب، مما اضطر إلى إعادة النظر فى أين نشأ البشر، وهذا كان فى عام 2002.
– كيف أصبح القرد إنسانا
فى العام 2001 تم العثور على رفات كائنات عاشت قبل الإنسان الحالى ، فى حجم الشمبانزى وكانت تعيش فى الغابات الإثيوبية منذ قرابة 5.8 إلى 5.2 مليون سنة، وكانت إلى حد كبير لها بعض خصائص البشر وطريقة تعاملهم مع الأشياء ولكن الشكل الخارجى مال أكثر للقرود.
– الرجل الأمريكى الأول
فى عام 2006 تم العثور على رفات أقدم مرتين من الرفات الذى عثر عليه عام 1991 فى المنطقة الجبلية الجليدية، ويعتبر أقدم وأكمل الهياكل التى وجدت فى الأمريكتين، فوجد العلماء حوالى 50 من الهياكل العظمية من العصور القديمة، وهذا جعل العلماء يعيدون التفكير والبحث فى من استعمر هذه المنطقة قبل التاريخ وكيف كان شكلهم وحياتهم.