الإسلام والثراء الفاحش ، مأزق الاقتصاد الإسلامي by Timur Kuran, تيمور كوران نبذة الناشر: ساهمت أزمة الرهون العقارية والديون السيادية التي يتخبط فيها العالم، والربيع العربي الذي تعيش على وقعه هذه الأيام دول عربية عدة، في عودة “الإقتصاد الإسلامي” إلى واجهة النقاش، بإعتباره بديلاً إقتصادياً وحلاً وإكسيرا سحرياً – من وجهة نظر البعض – لإنقاذ العالم من ويلات ما يعيشه من أزمات.
لكن مقابل هذه الحماسة المبالغ فيها إتجاه “الإقتصاد الإسلامي”، يفاجئ المتتبع بإفتقار المكتبة العربية إلى أدبيات عقلانية أكاديمية، تحلل وتقيم تداعيات تطبيق هذا النوع من المقاربات على المجال الإقتصادي.
في هذا الإطار يأتي كتاب المفكر الإقتصادي التركي تيمور كوران، فمراسه الإقتصادي وخبرته في أكبر الجامعات والمعاهد الدولية وتمكنه من الأدبيات الإسلامية الأصيلة، يجعل كوران مؤهلاً أكثر من غيره لإماطة اللثام عن الآليات المؤسساتية المفسرة لركود البلدان العربية الإسلامية.
فبعد سنين من الدرس والتحليل والتمحيص، وإطلاع كبير على آخر الكتابات الإقتصادية الرزينة والأكاديمية، أنتج إثرها عشرات من الأبحاث الرصينة، وعدد من الكتب التي تدِّرس في كبرى الجامعات العالمية، يخلص المفكر الإقتصادي التركي بقوة تحليلية وإستدلالية معتمداً على معطيات تاريخية خالية من أحكام قيمية إلى ما مفاده أن بعض المؤسسات الإسلامية، كانت ولا تزال عقبة في طريق التطور الإقتصادي.
ومن أهمها: 1-قانون الوراثة الإسلامي الذي حال دون تراكم رؤوس الأموال، 2-فردانية القانون الإسلامي الصارمة وإفتقاره إلى مفهوم الشركة، مما أعاق التطور المؤسساتي، وأسهم في إبقاء المجتمع المدني ضعيفاً، 3-الوقف، الشكل الإسلامي المميز للوديعة، الذي حبس موارد جسيمة في مؤسسات أصبحت عاطلة أو مختلة وظيفياً مع مرور الزمن.
لم تكن لهذه المؤسسات – في نظر كوران – سلبيات أو أضرار إقتصادية لدى ظهورها، ولم تتسبب في تدهور مطلق للنشاط الإقتصادي، ولكن مكمن الخلل كونها تحولت تدريجياً إلى عقبات من خلال إستمراريتها لفترات زمنية طويلة، وعدم مواكبتها لتطور العصر وإكراهات واقع متغير، في حين لم يتوان الغرب عن الإنتقاد والتطوير والتجويد الدائم لمؤسساته الإقتصادي
في مآزق الاقتصاد الإسلامي: قراءة في كتاب الإسلام والثراء الفاحش محمد طيفورينشر في لكم يوم 22 – 05 – 2013
تم مطلع هذه السنة ترجمة إلى اللغة العربية لكتاب من الأهمية بمكان، وتتمثل في الظرفية التي يعيشها العالم العربي والمتسمة بصعود تيار الإسلامي السياسي إلى سدة الحكم والتسيير في بعض الدول (المغرب، تونس، مصر)، وقبله عودة خطاب الحديث عن الاقتصاد الإسلامي إلى الواجهة منذ الأزمة الاقتصادية العالمية. هذا دون إغفال أصل وتكوين وسيرة مؤلف الكتاب، ما يجعل مقولة “أهل مكةأدرى بشعابه” تنطبق والحالة هذه.
يحمل الكتاب عنوان “الإسلام والثراء الفاحش– مأزق الاقتصاد الإسلامي”، الصادر عن دار الأهلية، والذي تمت ترجمته من قبل فريق منبر الحرية، مع مراجعة وتدقيق الخبير الاقتصادي المغربي نوح الهرموزي. نشر الكتاب في الأصل بالإنجليزية سنة 2004 تحت عنوان”Islam and Mammon: The Economic Predicaments of Islamism” للاقتصادي التركي تيمور كوران، الذي يشتغل أستاذا للاقتصاد بجامعة ديوك بالولايات المتحدة الأمريكية. تمكن كوران في مؤلفه من تقديم قراءة لموضوع قديم جديد، خرجت عن الثنائية التي درجت عليها الأبحاث – المناصرة أو المعارضة- حول الموضوع؛ ألا وهي ثنائية الاقتصادي والديني إلى مقاربة تداخلية للتخصصات اعتمد فيها على الاقتصاد والفكر الديني والتاريخ وعلم الاجتماع وعلم السياسية والمصرفية… وجاء الكتاب في ستة فصول متداخلة فيما بينها، يصل فيها السابق اللاحق في محاولة تأسيسة من هذا الخبير الاقتصادي التركي لأطروحته. إن مقالة من هذا النوع تنأى عن تقديم قراءة في كل مضامين هذا الكتاب، بيد أن هذا لن يحول دون التوقف عند كل فصل على حدى، لطرح الخطوط العريضة لما يقدمه من أفكار. خص الباحث أولى فصول الكتاب بعنوان “التأثير الاقتصادي للأصولية الإسلامية” للبحث في جينالوجيا الاقتصاد الإسلامي، أي النبش في الأساطير المؤسسة لهذا “التخصص”. وذلك بالتأكيد على أنه هذا المفهوم كتخصص مستقل بذاته هو مفهوم جديد، ويستدل على ذلك قائلا: “إن الفلاسفة العظام الذين عاشوا في العصور الإسلامية الوسطى، جالوا بحرية خارج القيود الفكرية للنصوص الإسلامية، ولم ينشأ عن أي عمل لهم تخصص اقتصادي مستقل (ولا حتى المقدمة الشهيرة لابن خلدون)”. يُرجع كوران التأسيس للاقتصاد الإسلامي إلى كتابات الباكستاني أبي الأعلى المودودي، وما تلاها من أعمال كل من سيد قطب ومحمد باقر الصدر. وذلك على أساس مزدوج يقوم على بداية انحصار فعالية النظام السائد من جهة، وتفوق النظام الاقتصادي الإسلامي في بداياته (مجتمع المدينة) على باقي الأنظمة من جهة ثانية. هذا الأساس ما تولى الكاتب دراسته بالنقد والتحليل اعتمادا على أبحاثه وأبحاث اقتصاديين متخصصين مثل ولي رضا نصر. وفي نفس السياق يشير الكاتب إلى ملاحظة جوهرية مفادها أن العمل المصرفي الإسلامي هو ابتكار حديث للغاية؛ فلا الحضارة الإسلامية الكلاسيكية ولا القروسطية قد شهدت وجود مصارف بالمعنى الحديث للكلمة، فكيف يمكننا بالأحرى الحديث عن “مصارف إسلامية”. فالتشريع الإسلامي الكلاسيكي قد وضع قواعد مفصلة لتنظيم التعاملات المالية بين الأفراد، لا ترقى إلى مستوى تقديم رؤية متكاملة كبديل اقتصادي. ومن نافلة القول الإشادة بأن تحليلات كوران للاقتصاد الإسلامي لم تتوقف عند حدود تحريم الفائدة – كأبرز فكرة يطرحها أنصار هذا الاقتصاد -، بل تعدى ذلك إلى تحليل كافة أدوات إعادة التوزيع داخل دائرة التشريع الإسلامي؛ مثل القوانين المنظمة للإرث ونظام الزكاة وآلية الوقف. أما في الفصل الثاني فقد سعى الباحث طيَّهُ إلى تفصيل وتوضيح بعض الأفكار التي طرحها في الأول، وتدعيمها بأمثلة من الواقع العملي، مع إثارة أسئلة تجعل فكرة الاقتصاد الإسلامي في فقص الاتهام، بل والعجز أحيانا عن تقديم أجوبة لإشكالات دقيقة في علم الاقتصاد. جاء الفصل الثالث بطابع سجالي تحت عنوان “الأصولية الإسلامية والاقتصاد: مقترحات من أجل مجتمع حر” لكشف أثر القواعد المؤطرة للاقتصاد الإسلامي على الحرية والمبادرة الفردية التي تعد عصب الحياة في الاقتصاد. إذ بإصباغ الطابع الديني على الممارسات الاقتصادية، تتحول من نطاق اليومي العادي إلى إضفاء طابع التقديس عليها. لم يكن سؤال نشأة الاقتصاد الإسلامي ليمر دون إيلائه ما يستحق من بحث وتحليل، ما جعل الكاتب يعود إليه في الفصل الرابع الذي توقف فيه عند الدوافع وراء هذا التأسيس. وفي سبيل ذلك قام الباحث بجولة سريعة على مختلف العصور- الأوج أو الأفول- التي مرت منها “الدولة الإسلامية”، ليخلص إلى حقيقة مفادها أن الاقتصاد الإسلامي جاء كرد فعل على سؤال الهوية الذي كان يواجه المسلمين في القارة الأسيوية. وعن ذلك يؤكد في خاتمة هذا الفصل على أن: “الاقتصاد الإسلامي ظل حتى اليوم منشغلا بتعريف الهوية الإسلامية الحديثة. لذلك ليس بوسع المرء أن يفهم الفكر الإسلامي المعاصر فيما يتعلق بالاقتصاد، دون الانتباه إلى أصول الاقتصاد الإسلامي قبل نصف قرن من الزمان. فقد كان الحافز الرئيسي لبروز الاقتصاد الإسلامي هو إدراك المودودي وأصحابه الهنود بأن المجتمع الهندي المسلم أخذ يفقد هويته”. أما الفصلين المتبقيين من الكتاب وهما على التوالي؛ “مفهوم العدالة الاقتصادية في الفكر الإسلامي المعاصر” و”الإسلام والتخلف: عودة إلى لغز قديم”، فهما محاولة للكشف عن الغموض والضبابية التي تلف الاقتصاد الإسلامي، الشيء الذي يساهم في تبيان الكثير من تناقضاته. ومن هذه الأخيرة – أي التناقضات – الحرص على توظيف مؤسسات وممارسات متجذرة في التاريخ والأصالة لحل مشاكل وأزمات العصر الحديث، وهو ما يثير سلسلة من الألغاز التاريخية على حد تعبير تيمور كوران. تكشف هذه القراءة السريعة لمختلف فصول الكتاب عن غير ما قليل من الأسئلة والعديد من الإشكالات، التي يفرض المقام على أنصار “الاقتصاد الإسلامي” تقديم جواب عنها. ونعرضها بتركيز شديد؛ إذ تفصيل كل واحدة على حدى يحتاج إلى مقالة مستقلة. – إن الاقتصاد الإسلامي- مبدأ وممارسة – أقل شمولية مما يعتقد مؤيدوه، فتطبيقه الفعلي يقتصر بشكل أساسي على العمل المصرفي وإعادة توزيع الثروة (الإرث والزكاة). – لقد فشل الاقتصاد الإسلامي في توفير منهج تحليلي عملي وهو نظري في مجمله، وكل المحاولات التي قدمت لرفده بالآليات التحليلية، ما تنفك تفقد الكثير من طابعها الإسلامي. – لا يوفر الاقتصاد الإسلامي إطارا شاملا لاقتصاد عصري، فكل ما يطرحه لا يعدو أن يكون سوى رزمة من سياسات مترابطة بطريقة فضفاضة، وليس مخططا لإصلاح شامل. – يعتمد شيعة هذا الاقتصاد دعما لمواقفهم على الكثير من الاقتباسات المنتقاة من الكتاب والسنة، ما يجعل الباب مفتوحا على مصراعيه أمام مسوغات إسلامية لطائفة واسعة من السياسات غير المتجانسة فيما بينها. إنها بعض مما يثار من استفهامات أمام دعاة الاقتصاد الإسلامي الذي لم يتوانى تيمور كوران على وَصمِه بأنه “عودة إلى الماضي البعيد بقدر ما هو محاولة لتبني الحداثة، فهو يعمل لتحقيق أهداف اقتصادية معاصرة من خلال مؤسسات متجذرة في التاريخ الإسلامي”. ملحوظة : لتحميل الكتاب http://fr.scribd.com/doc/141398787/Islam-and-Mammon-pdf *باحث من المغرب هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.
تيمور كوران.. قراءة في “مأزق الاقتصاد الإسلامي”!
خلال عقدي السبعينات والثمانينات من القرن المنصرم أصبح تأثير أسلمة الاقتصاد واضحًا في الشرق الأوسط، فمنعت حكومتا باكستان وإيران أخذ الفائدة على الادخار والقروض، وأصبحت الزكاة إلزامية في مجموعة من الدول الإسلامية، وانتشرت المصارف التي تدعي لنفسها هوية إسلامية في معظم الدول الإسلامية، بل وحتى في بعض الدول الغربية. كان في خلفية هذا كله مجموعة واسعة من أدبيات “الاقتصاد الإسلامي”، وتأسست في هذا السياق مراكز أبحاث عديدة للترويج له، وجادل الاقتصاديون الإسلاميون منذ مطلع السبعينات بأن الإسلام يمتلك جوابًا لكل مشكلة اقتصادية، وبدا للإسلاميين وكأنهم يدشنون تحولاً هامًا في الاقتصاد العالمي، إلا أن هذا الصعود الحالم سرعان ما اصطدم بالتفاوت بين المبادئ التي تحمس للدفاع عنها رواد هذا الاقتصاد والواقع الذي تعمل فيه المصارف الإسلامية والمؤسسات التي تأسست لجباية الزكاة.
في عمله الهام “الإسلام والثراء الفاحش.. مأزق الاقتصاد الإسلامي” يتتبع “تيمور كوران” -أستاذ السياسة والاقتصاد في جامعة “ديوك” وفي كرسي الملك فيصل للفكر الإسلامي والثقافة في جامعة جنوب كاليفورنيا سابقًا- جذور نشأة أدبيات هذا الاقتصاد في منتصف القرن العشرين في الهند عند مشارف استقلالها، وانفصال باكستان عنها، ومستطلعًا كيف وسمت هذه النشأة هذا الاقتصاد بتحويله أداة للحفاظ على الهوية لم تحقق أي نجاح فعلي في إحداث تغيير في نمط الاقتصادات التي ادعت منافستها. ويحاول كوران من خلال رسمه لخارطة تفرعات الاقتصاد الإسلامي توضيح كيف يرتبط حضور هذا الاقتصاد كاقتصاد فرعي بإشكالية الفساد المستشري في الشرق الأوسط من ناحية، وحاجة الإسلاميين له كأداة تمويل وصراع سياسي في نفس الوقت.
مستعينًا بخبرته في الأدبيات الإسلامية، يكشف كوران عن مدى حداثة أدبيات الاقتصاد الإسلامي والمصارف التي بنيت عليها، فمن ناحية يلاحظ أنه بالرغم من وضع التشريع الإسلامي لقواعد مفصلة لتنظيم التعاملات المالية بين الأفراد فإن هذه القواعد لم تؤد لنشوء نظام مصرفي فيما قبل العصر الحديث. ومن ناحية أخرى، يستخلص أنه فيما قبل المودودي -المنظر للإحيائية الإسلامية (١٩٠٣-١٩٧٩)- لم يبد أي من الشخصيات الفكرية المهتمة بإحياء الدعوة إلى الإسلام في العصر الحديث -كمحمد إقبال والأفغاني ومحمد عبده- اهتماماً بتطوير شكل من أشكال الاقتصاد الإسلامي، وليس لهم أي كتابات تذكر في هذا الشأن. فأدبيات الاقتصاد الإسلامي برزت أواخر الحكم الاستعماري في الهند على يد المودودي وأتباعه كجزء من حملة واسعة للحفاظ على الهوية الدينية والثقافية للمسلمين في الهند، فجراء مخاوف من التمييز العنصري من الهندوس تبنى مجموعة من القادة السياسيين المسلمين فكرة الدولة المنفصلة – باكستان – إلا أن بعض الشخصيات المسلمة رفضت الفكرة وكان جوابهم على هذه المخاوف هو التأكيد على الهوية الثقافية للمسلمين داخل الهند دون انفصال، وكان من أبرزهم المودودي، والذي سارع للتنظير للإسلام باعتباره طريقة حياة متكاملة للمسلين الهنود. لاحظ المودودي كيف يكتسب الاقتصاد أهمية متزايدة في شؤون الحياة اليومية في كل مكان، وأنه إذا كان الخيار الاقتصادي اليومي للفرد يعتبر نشاطًا علمانيًّا، فإن التقدم الاقتصادي سيجعل حياة المسلمين تبدو علمانية بصورة متزايدة، فإذا تم تحويل التنمية الاقتصادية لنشاط ديني فإن الدور المفهوم للإسلام في حياة المسلمين سيتزايد.
يستطرد كوران في فصل كامل من فصول الكتاب الستة، في شرح كيف “أصبح إدخال الدين في مجال الاقتصاد أمرًا مركزيًّا في هدف المودودي الأوسع لتعريف نظام إسلامي قائم بذاته” متعرضًا لعلاقة المسلمين الهنود المضطربة مع الحداثة ومشاغل الإسلاميين تجاه التغريب وضياع الهوية، وأدوات المودودي لإثبات التفوق الاقتصادي للإسلام عبر التأكيد على العصر الذهبي في صدر الإسلام، ومقارنة المنظور الإسلامي بالاشتراكية والرأسمالية، ومنتقلاً لملاحظة التطورات لهذه الأطروحة على يد باقر الصدر وسيد قطب، وكيف كانت الثورة الإيرانية تدشينًا لمرحلة مهمة في اعتبار المنظور الاقتصادي الإسلامي عنصرًا هامًا في الهجوم المعاكس ضد التغريب.
غلاف الكتاب – اسم الكتاب: الإسلام والثراء الفاحش.. مأزق الاقتصاد الإسلامي – تأليف: تيمور كوران – ترجمة: نوح الهرمزي – منبر الحرية – الناشر: الأهلية للنشر والتوزيع 2012 يتسم عرض كوران لمبادئ الاقتصاد الإسلامي ومسيرته ومآلاته بالانتباه للفرق بين دعاوى الإسلاميين حول ميزات هذا الاقتصاد، وبين ما يحققه فعلاً في العالم الإسلامي ضمن أجندة الإسلام السياسي. فدعاوى الإسلام السياسي حول قدرة الاقتصاد الإسلامي بمنتجاته (أدوات التمويل كالمشاركة والمضاربة، ونظام الزكاة) على منافسة الأنظمة الاقتصادية الأخرى، لم تلبث أن اصطدمت بالواقع، فلم تستطع أنظمة الزكاة تجنب الفساد عند تحصيلها، وبسبب نشوء فقه الزكاة ملائمًا لاقتصاد الجزيرة العربية في القرن السابع، أصبحت تطبيق هذا الفقه تعسفيًا في الدولة الحديثة يؤدي لنتائج معاكسة، فالسلع التي يغطيها النموذج التقليدي تلعب اليوم دورًا اقتصاديًّا أقل أهمية -بالرغم من وجود مجموعة من الإسلاميين الحداثيين الذي يرون التجديد في مصادر الزكاة-، فمن المثير على سبيل المثال أن العبء الأكبر عند تطبيق نظام الزكاة في ماليزيا وقع على عاتق مزارعي الأرز الأكثر فقرًا (في ولاية بيرلس مثلاً شكلت عائدات زراعة الأرز ٩٣٪ من تحصيلات الزكاة لعام ١٩٨٥)، وكان متوقعًا أن تقل نسبة الالتزام بدفع الزكاة ( ٨٪ عام ١٩٨٨)، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فشلت أدوات التمويل التي تعبر عن المبادئ المعلنة من رواد الاقتصاد في الإسلام وهي المضاربة والمشاركة في تحقيق أي نجاح يذكر، فعلى سبيل المثال تراجعت حصة المشاركة في أحد أكبر البنوك الإسلامية من ٥٥٪ إلى ١٪ بينما ارتفعت حصة المرابحة من صفر إلى ٨٠٪ خلال إحدى عشرة سنة، هذا مثال لكل اتجاه التمويل في البنوك الإسلامية، والذي انتقل من الأحلام الواعدة بالمشاركة في التنمية المستدامة عبر مشاركة المستثمرين في مشاريعهم إلى الإقراض بالمرابحة والتي هي في حقيقتها فائدة مقنعة، لينتهي الحال -بحسب وصف أحد أهم مؤسسي المصارف الإسلامية- أحمد النجار “بأن هذه المصارف فشل ذريع، ولا تختلف عن عمليات المصارف العادية إلا سطحيًّا” فجزء ضئيل من أصول المصارف الإسلامية -أقل من ٥٪ بشكل عام- تتكون من قروض تعمل بنظام المشاركة في الربح والخسارة.
يصف مراقب ماليزي العمل المصرفي الإسلامي “الفرق الوحيد هو ما إذا كان الرجل الجالس خلف الشباك البنكي يرتدي عمامة دينية أم ربطة عنق”. فإذا كان الاقتصاد الإسلامي لم يستطع الالتزام بوعوده عبر تطهير الاقتصاد من أثر الفائدة، وتحقيق المساواة عبر الزكاة، فما هو النجاح الذي حققه فعلاً بحسب كوران؟ هذا النجاح مرتبط بما يؤكده كوران مرارًا بأن الاقتصاد الإسلامي كان أداة لتأكيد الهوية بأكثر منه وسيلة للتنمية الاقتصادية، فقد دعم انتشار المصارف الإسلامية دعوى الإسلاميين بأن الإسلام هو مصدر توجيه وإلهام في الحياة العصرية، ودعم تحدي الفصل الشائع بين الاقتصاد والدين، فهذا الحضور كان يعطي معنى لخطاب الحركة الإسلامية والتي تقدم نفسها باعتبارها طليعة لتطهير النظام الاجتماعي من التأثيرات العلمانية الضارة، وفي تعليق موحي قال الخميني بعد قيام الثورة الإيرانية :”لم تقم الثورة لإنتاج كميات أوفر من البطيخ” وكان يشير إلى أن التنمية الاقتصادية لم تكن هي الهدف الأساس للثورة في إيران، بل تأكيد الهوية الإسلامية في النظام السياسي والاجتماعي. وأيضًا يستخدم الإسلاميون انتشار أدبيات الاقتصاد الإسلامي للهجوم على معارضيهم الذين يحملون أجندة اجتماعية مختلفة، فهم عبر تأكيدهم على قطعية تحريم الفائدة المعاصرة ينتقلون لتقديم خطاب حاد دينيًّا ضد التيارات العلمانية، ففي باكستان على سبيل المثال تحجم الأحزاب العلمانية كحزب الشعب عن تأييد الفائدة علنًا نتيجة الهجوم الحاد من الإسلاميين، وكوران هنا يؤكد عدم معارضته لوجود اقتصاد إسلامي بشرط عدم سعيه لقمع الخيارات الأخرى.
يلاحظ في كتاب كوران -الذي نشر من جامعة برينستون، وترجم للعربية من الدار الأهلية بعمان- تكرار في بعض المواضع؛ نتيجة أن كوران كتب فصوله الستة كأبحاث جامعية متفرقة، وبالرغم من ذلك يقدم الكتاب رؤية متماسكة لا يمكن للباحثين في تطور الإسلام السياسي وعلائقه في الاقتصاد والاجتماع والسياسة.