! Alaa Abdel Ameer 4 أيام مضت أجتماع 0 Comments 87 زيارة
كتبه لموقع “ذي اتلانتك”: سيغال صموئيل منشور بتاريخ 2018/5/31 ترجمة: أحمد طريف المدرّس تدقيق: عقيل صكر تصميم: مينا خالد
يُعتبر الشعب الأمريكي من الشعوب المتدينة، حتّى بملحديه. ويُعتبر الأوروبيون الغربيون كشعوب علمانية، حتّى المسيحيين منهم. صحيح أن هذه تعميمات، لكنها تعكس اكتشاف مذهل؛ في دراسة جديدة حول الهوية المسيحية في أوروبا الغربية، من خلال استطلاع شمل ما يقرب من (25000) شخص، في (15) دولة في المنطقة، وبمقارنة النتائج مع البيانات التي تم جمعها سابقاً في الولايات المتحدة؛ اكتشف مركز (بيو) للأبحاث؛ ثلاثة أشياء:
أولاً – أكّد الباحثون على حقيقة أن الأمريكيين عموماً أكثر تديّناً من الأوروبيين الغربيين. حيث قاموا بقياس الالتزام الديني باستخدام الأسئلة القياسية، مثل، هل تؤمن بالله ايماناً مطلق؟ وهل تصلي يوميا؟
ثانياً – وجد الباحثون أن الأمريكيين (اللادينين الملحدين) واللاأدريين أكثر تديّناً من الأوروبيين. قد يبدو هذا متعارض مع مفهوم عدم التديّن، ولكن إذا كنت تنفر من نظام ديني، فهذا لا يعني بالضرورة أنك تخليت عن الإيمان بالله، أو الصلاة.
النتيجة الثالثة المذكورة في الدراسة؛ هي الأكثر إثارة، حيث اتضح أن الأمريكيين اللادينيين ملتزمون دينيّاً أكثر من المسيحيين؛ في العديد من البلدان الأوروبية، بما في ذلك فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة.
قالت (ناها ساجال)، مديرة البحث والدراسة (المفاجأة كانت أن (23%) فقط من المسيحيين الأوروبيين يقولون إنهم يؤمنون بالله إيمان مطلق، في حين يوافقهم في ذلك (27%) من الأمريكيين).
وتصعد في أميركا “الكنائس الملحدة” التي تلبي احتياجات الأميركيين الذين فقدوا ثقتهم في الآلهة الخارقة للطبيعة ولكنهم ما زالوا يحنون إلى المجتمعات والتجمع، ويتمتعون بالغناء مع الآخرين، ويريدون التفكير بعمق في الأخلاق. إنها ديانة!، لكن بدون إله. وتنتشر هذه الظاهرة في جميع أنحاء البلاد، من كنيسة (سياتل) الملحدة إلى كنيسة (فريتشوت شمال تكساس). وتقوم شبكة (أويسس) بجمع غير المؤمنين للغناء والتعلّم صباح كل يوم أحد في تسع مدن بالولايات المتحدة.
في الشهر الماضي، تدفّق ما يقرب من (1000) شخص إلى كنيسة في (سان فرانسيسكو) لحضور حدث غير مسبوق؛ تم تسميته بـ “بيونسيه ماس”. وكان معظمهم من الأشخاص ذوي البشرة الملوّنة وأعضاء مجتمع المثليين. وأغلبهم كان من العلمانيين. واستخدموا أغاني (كوين بك)، التي تزخر برموز دينية، كأساس للاحتفال الطائفي الذي كان قد زُيّن بزخارف دينية، وقد أعجب ذلك أحد القساوسة وقال: (بيونسيه ماس لاهوتياً أفضل من العديد من القساوسة والكهنة في كنيستنا اليوم).
كانت مجلة “ميت غالا” الكاثوليكية قد وضّحت كيف أن الديانات ملتصقة بالثقافة الأمريكية العلمانية. حيث شهدت أكبر ليلة في عالم الموضة، عدداً من المشاهير يكتسحون السجادة الحمراء مرتدين تيجان البابا، والهالات، وأجنحة الملائكة، والصلبان التي لا تعد ولا تحصى. وقد أثارت هذه الملابس غضب بعض المسيحيين. ولكن الجدير بالذكر أن العديد من المشاهير كما الأمريكيين العاديين، قد احتضنوا هذا الحدث بحماسة. من الأسهل تصور هذا يحدث في أمريكا لكنه صعب جدا في فرنسا شديدة العلمانية.
ووجد المسح الذي أجرته مؤسسة (بيو)، أنه على الرغم من أن معظم الأوروبيين الغربيين لا يزالون يُعتبرون مسيحيين، فإن المسيحية بالنسبة للكثير منهم هي هوية ثقافية أو عرقية وليست دينية. وتطلق عليها (ساجال) “مسيحيو ما بعد المسيحية”، وعلى الرغم من أن تلك التسمية قد تكون مضلّلة بعض الشيء؛ لكن هناك ميل إلى وضع المفاهيم المسيحية كعلامة عرقية قديمة على الأقل؛ قديمة مثل الحروب الصليبية، خاصة عندما يتم تصوّر سكان شمال أفريقيا والشرق الأوسط غير المسيحيين على أنهم ” الآخرين” بالنسبة إلى البيض الأوروبيين المسيحيين. ووجد الاستطلاع أيضاً أن (11%) من الأوروبيين الغربيين؛ يُطلقون على أنفسهم الآن روحيانيين ولكن ليسوا دينيين.
وقالت (ليندا ودهيد)، أستاذة السياسة والفلسفة والدين في جامعة (لانكستر) في المملكة المتحدة: أن كونك روحانياً قد يكون موقفاً انتقالياً بين كونك مسيحاً ولا ديني، وتوفّر الروحانية فرصة للناس للحفاظ على ما يحلو لهم في المسيحية؛ دون الأجزاء التي لا يحبونها.
أشارت (ودهيد) إلى اكتشاف آخر في دراسة (بيو)، حيث ما زال معظم الأوروبيين الغربيين يؤمنون بفكرة الروح. وقالت أن ذلك لا يعني أننا نشهد علمنة واضحة، حيث يتنحى الدين للإلحاد؛ ويتم رفض جميع جوانب الدين. حيث أصبحت الأمور أكثر تعقيداً، ففي أوروبا، يتعلّق الأمر بأشخاص غير منتسبين إلى مؤسسة الكنيسة؛ وشخصيات السلطة القديمة … ويتجهون نحو مجموعة متنوعة من المعتقدات ذات التفكير المستقل.
لم تكن الولايات المتحدة علمانية على نحوٍ عميق؛ مثل أوروبا، وتاريخها عامل مهم لفهم السبب. يقول (جوزيف بلوكولم) الأستاذ في جامعة (كاليفورنيا ) في (سانتا باربرا) والذي يركز على الإلحاد والعلمانية، بأن الحرب الباردة كانت نقطة انعطاف هامة بشكل خاص. وقال: إن الخمسينات من القرن العشرين كانت الأكثر تديّن في أمريكا. حيث أصبح شعار “بالله نثق” هو الشعار الوطني الرسمي. ويتم الحلفان بالله خلال التعهّد بالولاء. تم تشكيل هذه الهوية عن وعي؛ من قبل جهات محدّدة، مثل (ترومان وآيزنهاور)، اللذان روّجا لهوية مسيحية في الداخل والخارج، ضد الشيوعية الملحدة. فكان تنصير أمريكا كأداة في الحرب الباردة.
ومع مرور الوقت، خف هذا التفكير قليلاً والآن ربع الأمريكيين غير منتسبين دينياً، كما يمكن للعلمانية أن تعني مجموعة واسعة من الأشياء. وأوضح بلوكولم أنه هناك طرق لتكون العلمانية أكثر ملاءمة للهجين، وهناك طرق لتكون علمانية أكثر تطلّباً للنقاء”. واستشهد بالحركة اليهودية الإنسانية التي نشأت في الولايات المتحدة؛ في ستينيات القرن الماضي، والتي ترفض الإيمان؛ ولكنها تحتضن التاريخ والثقافة اليهودية، و يمكن لمصطلح: مثل الروحانية؛ أن يناسب هذا الهجين.
يُظهر استطلاع (بيو) أن (27٪) من الأمريكيين يطلقون على أنفسهم: روحانيين بدون ديانة. على الرغم من أنهم تركوا الدين، فإن كثيرين لا زالوا يصلون بانتظام؛ ويؤمنون بالله. وهذا يثير قضية مهمة للباحثين؛ لأنه يشير إلى أنه لم يعد من الممكن الوثوق بالمقايس التقليدية للتديّن؛ لتحديد الأشخاص المتدينين بدقة. وقال (بلوكولم) إن الناس يفعلون أشياءً لا تعكس المسيحية بما يكفي؛ لدرجة بقاء الفئات واضحة كما كانت في السابق.
قالت (ساجال): إنها كانت على دراية بهذه المشكلة، وسعت إلى جعل أسئلة الاستبيان أكثر دقة، حتى يمكن إيجاد الحقيقة بدقة أكبر من الأسئلة التقليدية، فعلى سبيل المثال، لم يتوقّف الاستبيان عند سؤال المستجيبين عما إذا كانوا يؤمنون بالله؛ بل سأل عمّا إذا كانوا يؤمنون بالله كما هو مذكور في الكتاب المقدس؛ أو ما إذا كانوا يؤمنون ببعض القوى العليا الأخرى. ونظراً لأن التديّن يتّخذ بسرعة أشكالاً من فهمنا القديم لهذا المصطلح، فإنه يجبر الباحثين على طرح الأسئلة من جديد لفهم عن ماذا نتحدث؛ عندما نتحدّث عن الدين.
وقال (بلوكولم) أن هذه التحديات ستزداد سوءاً، وهي معروفة، وأنه يحب أن يتم تطوير مفردات جديدة، لأن هذا هو بالضبط ما نحتاجه.
المقال باللغة الإنجليزية: هنا