لقاء مهم مع المؤرخ الدكتور روبرت هويلند Robert G. Hoyland لمن لا يعرفه هو صاحب كتاب الإسلام كما رآه الآخرون seeing islam as others saw it و الذي يقع في حوالي 850 صفحة جمع فيه اكبر عدد من الروايات غير الاسلامية عن تاريخ الإسلام المبكر.
كما ان لديه حوالي 16 كتابا آخر و 35 مقالا حول تاريخ الإسلام المبكر و هو ايضا أستاذ لتاريخ الإسلام و الشرق الأدنى في عدة جامعات: – جامعة سانتا اندروز باسكتلندا – معهد الدراسات الشرقية بجامعة اكسفورد في بريطانيا – معهد دراسات العالم القديم بجامعة نيويورك حيث لا يزال استاذا للتاريخ الإسلامي
يعني انه من أكثر المؤرخين إطلاعا على تاريخ الإسلام المبكر
و في هذا الحوار الذي نشر بتاريخ 2018/09/09 يجيب على الكثير من الأسئلة التي تطرح على هذه المجموعة و يقدم تفاسير للكثير من الالتبسات التي تواجه قارئ التاريخ و بعض تلك الاجابات ستكون 👈صادمة و محبطة للكثيرين من المشككين في السردية.
نص الحوار :
كنت طالبا في جامعة أكسفورد بقسم الدراسات الشرقية حيث درسنا عدد من اللغات الشرقية كالعربية , الفارسية , الآرامية. ثم توسعت إهتماماتنا في دراسة مواضيع أخرى في الشرق الأوسط كالآداب , الثقافة و التاريخ. و قد أحببت التاريخ بشكل خاص و زاد اهتمامي اكثر بدراسة ذلك التغير الذي حدث في تلك المنطقة منذ العصور القديمة المتأخرة و حتى ظهور الإسلام، إذ حدث تغير إجتماعي قاد إلى ظهور الإسلام و الذي انتشر بسرعة في الشرق الأوسط .
كان وراء ذلك الاهتمام شخص واحد و هي مشرفتي في مرحلة الدكتوراة باتريشيا كرون و هي شخصية ذات كاريزما خاصة و عالمة رائعة بحق و أفكار جديدة و ملهمة لي.
كان كتابها التي ألفته مع مايكل كوك : “الهاجرية , تكوين العالم الإسلامي” و الذي تبنى منهجا مختلفا تمثل في تبني السؤال القائل: لماذا لا نستبعد ما قالته المصادر الإسلامية تماما و ننظر في ماذا قالت المصادر المعاصرة عنهم كاليهودية , النصرانية , الزرادشتية ؟
أما في أطروحتي فكان سؤالي :كيف نبرر استخدامنا فقط للمصادر الغير اسلامية لإعادة بناء قراءة البدايات المبكرة للإسلام ؟
ليس القصد الحصول على تأكيداتهم أو مشاكلهم 👈أعتقد انني في النهاية أدركت لا نستطيع عزل المسلمين عن غير المسلمين (أهل الذمة) لأنهم عاشوا في مجتمع واحد، حتى في العالم الحديث يصنعون شيئا من تلك الفوارق الدينية.
في ذلك الوقت لم يكن من الجيد لأولئك الذين عاشوا مع بعضهم في تلك البيئة و الثقافة و هذا هو الرابط المباشر إذا أردت ان تقرأ كتاب الهاجرية لباتريشيا كرون و مايكل كوك حيث درست نفس المصادر التي اعتمدا عليها و تساءلت ما إذا كنا حقا نستطيع استخدامها بنفس الطريقة.
👈 فعلى سبيل المثال قام (كرون و كوك) بدراسة (دوكترينا كوبي) و هو نص يوناني يعود إلى سنة 634 م تقريبا انه نص رائع حقا و هو يعود إلى حاخام يهودي و مجموعة من الطلاب سمعوا بظهور نبي من العرب و دعوته إلى بامتلاكه نهاية العالم (حسب تصورهم) و امتلاكه لمفاتيح الفردوس (الجنة).
لفد أخدوا تلك الدعوة على محمل الجد انها في الحقيقة إحدى عقائد محمد و لكن المشكلة تكمن في العقائد اليهودية أي إلى اي مدى كان هذا المعلم اليهودي قادرا على تقبل فكرة محمد صلى الله عليه و سلم أو إلى اي مدى كانت فكرة محمد صلى الله عليه و سلم.
كانت هذه المشكلة من خلال كتابهم التوراة فنحن نستطيع فقط ان نفهم ماذا قالت المصادر اليهودية و النصرانية و الزرادشتية , ربما كان عند هؤلاء منظورهم الخاص عن محمد ربما لم يكن لديهم ذلك بسبب عدم امتلاكهم معرفة جيدة عنه لعدم قدرتهم الوصول إلى ذلك👈 فمحمد يعيش بعيدا في مكة التي تفصلهم عنهم آلاف الأميال فقد كان لدى هؤلاء معرفة جيدة بمحمد أو من خلال ما يصلهم من معلومات،
هذه بعض أسئلتي، كان ذلك هو الرابط الضيق غير انه ثمة سؤال اكبر من ذلك بدأ منذ فترة طويلة و تحديدا خلال السبعينات مع باتريشيا كرون و مايكل كوك و جون وانسبرو في جامعة لندن.
لقد تساءل هؤلاء هل نصدق حقا الصورة التي قدمتها لنا المصادر الإسلامية التي دونت في القرن التاسع الميلادي ؟عادة فإن التاريخ يكتب المنتصرون فإنهم يميلون إلى تبني وجهة نظرهم هم (اي المنتصرين) و يتجاهلون ما يقوله اهل البلاد المفتوحة المغلوبين فهم أهل الحق و هم الفاتحين.
يمكنك ان تجادل وجهة النظر هذه تحديدا فقد لا تكون صحيحة فعلى سبيل المثال و هنا أعطيك مثال بسيط ,في قضية الفتوحات فإن المصادر العربية عادة ما تقول ثم إن الله اعان العرب فانتصروا.
هناك نوعان من المصادر المختلفة
إذا اردت ان تقول : مصادر إسلامية أو مصادر غير إسلامية غير ان الامر المهم هو ان المصادر الغير اسلامية دونت في فترة مبكرة للغاية ما بين 630 م – 640 م بينما كان أول تاريخ عربي إسلامي مكتوب وصل إلى إيدينا يعود فقط إلى 822 م اي بعد قرابة الـ 200 عام من الهجرة النبوية.
و هذه المشكلة الدائمة و منها بدأ الجدل الحقيقي بين مؤيدي النظرية التشكيكية و الفريق الذي يميل إلى قبول الرواية التقليدية (المصادر الإسلامية) . لا يوجد لدينا كتاب تاريخ عربي واحد مكتوب يعود إلى القرن السابع او الثامن الميلادي .
الفريق الذي يميل إلى قبول الرواية التقليدية يقول بوجودها، أما المشككون فيزعمون انه ذهبوا إلى تلك الفترة فوجدوا ان التدوين التاريخي لم يبدأ إلا سنة 820 م أي 200 عام بعد ذلك و بالتالي فلا يوجد أي كتابة تاريخية على الإطلاقلذلك تبقى المشكلة انه لا يوجد لدينا شيء عن ذلك و لا نعرف شيء عن ذلك كله.
هذا هو السبب في وجود شيء من التضاد في هذه الآراء 👈و لا يوجد شيء لحله، في البداية لا تستطيع ان تصدق المصادر الغير اسلامية و لا تصدق المصادر الاسلامية.
إنها مسألة معقدة للغاية فالمسلمون لهم روايتهم و غير المسلمين لهم روايتهم الأخرى، اما وجهة نظري الثانية 👈فلا يمكن الفصل بين تلك المصادر ستجد أن باتريشيا كرون و مايكل كوك استخدموا العبارة التالية في مقدمة كتابهم الهاجرية : سنخرج بعيدا عن الرواية الاسلامية التقليدية بالاعتماد على الرواية غير الاسلامية
لا يمكن لنا الخروج عن الرواية الإسلامية
لكن وجهة نظري هي اننا👈 لا يمكننا حق الخروج عن الرواية الاسلامية في مجتمع عاش فيه المسلمون و اليهود و المسيحيين مع بعضهم البعض و كتاباتهم لم تكن منفصلة و بالتالي يجب ان تأخد كل هذه الكتابات جميعا و هذا ما فعلته مع عدة حالات شهيرة .
فعلى سبيل المثال نجد أن إحدى تلك المصادر غير الإسلامية أن مكة يجب ان تكون في الشمال كواحد من أشهر تلك المزاعم لقد دخلت هذه الحالة و درستها بعناية 👈 و أدركت انه لا يمكننا القول أن كل ما تقوله تلك المصادر الغير الاسلامية على حق هناك حقائق اخرى يجب النظر إليها و أعني انه سؤال هام للغاية كيف اعتقد المسلمون ان يقومون في الواقع بالصلاة .
يبدو انهم كانوا يصلون في اتجاه واحد ففي بغداد بالعراق كانوا يصلون بالجنوب أو إلى الشرق، ومع حلول القرن التاسع الميلادي كان الحكام المسلميون قد وضعوا إطار قانوني لحكم الأقليات غير الإسلامية قد منحوهم وضعا قانونيا سمح لهم بفعل هذا و ذاك.
يعني (ممارسة شؤونهم الحياتية) كما قيدوهم من فعل أشياء أخرى لقد كان كل شيء واضحا لهم لقد كنت بشكل عام أكثر إهتماما في تلك العملية , في الكيفية التي قادت إلى حدوث ذلك بسبب ان في البداية لم تكن وضعا دينيا فعلا (الفتوحات الإسلامية).
لقد كانت👈 غزوا و فتوحات عسكرية و كحال كل الفاتحين كان العرب المسلمون يميلون إلى تمييز أنفسهم عن هؤلاء المغلوبين فهؤلاء يجب أن يدفعوا الضرائب كما يجب ان يكونوا موالين للدولة و يجب عليهم تقديم المساعدة و الدعم لجيوش الفتح الإسلامي .
لقد حدثت تغييرات تدريجية مع اعتناق المزيد من الناس الدين الإسلامي و بالتالي يتضح لنا وضع جديد فلم يكن هناك غزاة أو فاتحين و لكن أصبح هناك مسلمين و غير مسلمين لقد كانت هناك عملية انتشار اسلام بطيئة وراء هذا التغيير لقد كانت عملية انتشار الإسلام هذه مثيرة بالنسبة لي .
باحثون آخرون: الإسلام كان راسخا من البداية
بينما يعتقد باحثون آخرون ان الإسلام كان راسخا منذ البداية، و بالتالي نحن نستطيع فقط دراسة ذلك مثلما فعل برنارد لويس.
أنا احب الفكرة التي تميل إلى التغيير فكل الأديان و الأيديولوجيات تتغير و هذا سؤال تقليدي (كلاسيكي) دائما ما تجده عند الطلاب او في أوراق الإمتحان، هل كان الإسلام او المسيحية أكثر تسامحا من الأديان الاخرى؟
إنها تعتمد على الطريقة التي تتعامل بها معه (أي هذا السؤال)👈 فالإسلام هنا يختلف عن المسيحية فقد أعطي إطارا قانونيا (لغير المسلمين) فقد سمح للنصارى فقط مثلا بأن يمارسوا شعائر عبادتهم.
هل تستطيع إيقاف ذلك كمسلم ؟ بالتأكيد هذا خطأ 👈 ففي الإسلام يجب ان توفر الحماية لهؤلاء اليهود و المسيحية و غيرهم و لكن على قدم المساواة هناك قانون آخر يسمح لك بمنع المسيحيين من بناء كنائس جديدة و بالتالي فهذا القانون لا ندري ان كان جيدا او سيئا غير ان الجيد هو 👈وجود إطار قانوني واضح لم يكن موجودا في اوروبا المسيحية. و لمدة طويلة كان هناك رأيان ظلا عالقان في الأذهان فقد كان هناك من كان يشكك اي لا يمكننا تصديق ذلك فقط يمكننا ان نثبت صحته أما التقليديون فيقبلون ذلك كله , فقط نستطيع ان نثبت انه خطأ و هذا النوع من التمسك في الرأي.
أما الآن فهناك أشخاص يحاولون اتخاد اتجاه آخر في بحوثهم لكن ليس لقول هل هذا صحيح او خطأ و لكن كيف على سبيل المثال كيف لمجموعة من القصص ان تتشكل ؟ و كيف لأفكار مختلفة ان تصبح ذات تفاصيل كثيرة ؟
و الأكثر إثارة هنا يتمثل في عملية التغيير هنا و ليس فقط بالقول هل ذلك صحيح ام لا ؟ (يقصد تاريخ الإسلام المبكر) لقد أردت القيام بشيئين رئيسيين :
الأول ان أسمع من أطياف مختلفة شاركت في التأريخ للفتوحات العربية الإسلامية و ليس فقط المصادر التي تمثل وجهة الفاتحين المسلمين العرب ,👈 لقد كان هناك في الحقيقة فئات كثيرة و مختلفة فهؤلاء ذهبوا إلى جانب غير المسلمين و هؤلاء ذهبوا إلى جانب العرب المسلمين هذا شيء معتاد فعندما احتل الجيش البريطاني الهند استخدموا حوالي 80% من السكان المحليين اي جندتهم هذا ما تفعله الإمبراطوريات.
لقد أردت ان أنظر إلى مثل هذا الشيء عند مجموعات شعوب أخرى كالخزر و أمم أخرى كثيرة , هؤلاء الذين انضموا إلى الجيوش و الحملات العسكرية كمجندين حققوا نجاحات كبيرة و أصبحوا جزءا من تلك الجيوش أريد ان أفهم مرة أخرى عملية , على سبيل المثال في الغالب حسنا حدثت فتوحات و قد تأخد من خمس إلى عشر سنوات و لكنها في الواقع أخدت وقتا اطول فهناك مناطق كثيرة كالقوقاز وسط آسيا.
العرب في باكستان و العرب في شمال افريقيا , و في اي مكان كان هناك حلفاء للعرب من البربر و الخزر و الترك و الذين كانوا مقاتلين أشداء و جيوشا قبلية قاتلت العرب بشراسة و هو ما جعل العرب يؤخدون وقتا طويلا لتوطيد الامور في البلاد المفتوحة.
و كحال الكثير من الفاتحين فان العرب لم يريدوا من أهل البلاد المفتوحة الإنضمام إلى جيوشهم فكما تعلم البريطانيون لم يقولوا للهتود كونوا بريطانيين و الرومان سمحوا لهؤلاء المغلوبين ان يصبحوا مواطنين رومان و لكن ببطئ
هناك ما هو مثير مع الفاتحين العرب
👈هناك شيء مثير للغاية في حالة الفاتحين العرب المسلمين , لقد كان الناس قادرين ان يصبحوا مسلمين و يشعرون بذلك.
لقد منح الإسلام تلك الآلية الإجتماعية التي جعلت من الفاتحين و أهل البلاد المفتوحة قادرين بسرعة على العمل مع بعضهم البعض لصنع هذه الحضارة الجديدة، و سبب ذلك جزئيا ينمثل في 👈 عدم وجود تسلسل طبقي كذلك الموجود في المسيحيية كطبقة القساوسة مثلا فقد كان سهلا للجميع ان يعملوا مع بعضهم البعض في إطار الدين الإسلامي فقد كان من السهل للجميع ان يعملوا مع بعضهم في إطار الدين الإسلامي .
أما المسألة الثانية فتتمثل في 👈 أن محمد صلى الله عليه و سلم لم يضع القيود لإعتناق الإسلام كما كان الحال في اليهودية على سبيل المثال حيث يجب عليك عمل عدة أشياء لإعتناق اليهودية , لم يكن هناك قيودا لإعتناق الإسلام فقد كان من السهل على أي خلفية (دينية , إجتماعية أو عرقية) اعتناق الإسلام.إذا قرأت كتب التاريخ العربي ستجد ثلاثة شعوب لطالما أشارت إليهم : الإسرائيليون (بني إسرائيل) بسبب أنبيائهم الذين وردوا في القرآن , العرب ثم الفرس.
انه من المثير جدا ان نجد الفرس في كتب التاريخ الإسلامي ذلك انهم زرادشت (مجوس), ربما أرادوا أن يصبحوا أكثر بروزا أو انتشارا و السبب في ذلك اعتناق الكثير من الفرس الإسلام منذ وقت مبكر و تحديدا منذ بداية العصر العباسي بعد قيام ثورتهم بني العباس في خراسان , لقد أصبح المسلمون الفرس أكثر اهمية في هذه الفترة من التاريخ الإسلامي.
لقد أرادوا ان يضعوا لهم تاريخا كجزء من التاريخ الإسلامي، و لكن السؤال الذي يدور من اين أتت كل تلك المعلومات حول تاريخ إيران قبل الإسلام ؟
من أين أتت هذه المعلومات عن الملوك , معاركهم أو مبانيهم ….الخ كيف انتقلت إلينا تلك المعلومات ؟
هذا سؤالي الرئيسي : من أين أتت كل تلك المادة التاريخية و كيف تم تناقلها مع مرور الوقت , لذلك هناك ثلاثة كتب تاريخية لحمزة الأصفهاني , اليعقوبي , المسعودي قمت بترجمتها و في بعضها أتساءل : ما هي هذه المادة التاريخية ؟ ما الرابط المشترك بينها في الكتب الثلاثة ؟ كيف وصلت إلينا من تلك الحقبة التي سبقت الاسلام ؟
انتهى
الخلاصة :
المؤرخ روبرت هويلند 1- لا يكذب السردية الإسلامية فقد قال لا تستطيع ان تصدق الرواية غير الاسلامية و تكذب الرواية الاسلامية2- يخدم السردية عن طريق ترجمة كتب الأصفهاني و اليعقوبي و المسعودي 3- لا يشكك في حجازية الإسلام فقد قال محمد يعيش في مكة4-يعارض نظرية دان جيبسون التي تقول ان مكة في الشمال و سماها مزاعم
نلاحظ ان كبار الباحثين يتحدثون بلهجة يشوبها نوع من الشك و التساؤل رغم سعة علمهم في حين ان البعض يطرح أفكار خيالية بكل ثقة و اصرار