ثوار الشرق الأوسط يشتركون جميعا في خطأ واحد
كتب الصحفي البريطاني مراسل الإندبندنت روبرت فيسك قبل أيام مقال بعنوان (ثوار الشرق الأوسط يشتركون جميعا في خطأ واحد هو عدم وجود قيادة لهم.
ورأينا في أزاميل أن العامل المهم الذي يفسر عدم وجود قيادة، هو افتقاد الشعوب العربية لأرضية فكرية جديدة قادرة على فرز تنظيمات ايديولوجية مختلفة عن السائد كي يمكن للمؤيدين الانضواء تحت لوائها،وهذا يسهل على ورثة العقائد القديمة القضاء على أي انتفاضة تحمل شعارات عامة وأغلبها فما زال الصراع السياسي يدور بين جماعات توجهها الفكري ديني أو قومي عنصري..وإليكم نص المقال
يقول فيسك المقيم في بيروت منذ عقود أن الشباب المثقف في كل من العراق ولبنان والجزائر، وبشكل أخف في مصر، خرجوا يطالبون بنهاية للنظام الطائفي المحاصصاتي، وسيطرة الجيش، ولحكومات المافيا الدينية، التي تتمتع بكميات هائلة من الثروة والسلطة والغطرسة. لكنهم جميعا كرروا نفس الخطأ الذي وقع فيه المصريون عام 2011، وهو غياب القيادة، والمأساة الكبرى أنهم لا يبدون مهتمين بإيجاد قيادة لهم أو شخصيات معروفة بالنزاهة يمكن أن تمثلهم. يعتقدون ان شجاعتهم وحدها ستضمن لهم النصر. وهذا غير منطقي بالمرة. بدون قيادة سيتعبون بسرعة وتتمكن منهم السلطة بسهولة. صرختهم تتلخص في: ليسقط النظام، لتسقط الحكومة التي تمثل مركز القوة السرطانية. المتظاهرون في لبنان مثلا ينادون بسقوط الحكومة وانهاء النظام الطائفي ومحاربة الفقر. هم بالتأكيد محقون في هذه المطالب، لكنها ليست كافية.
لدى النخب والملوك الذين يحكمون العالم العربي مخالب حادة. سيقدمون تنازلات تافهة، كأن يعدوا الجماهير بوضع حد للفساد، وإلغاء الضرائب المفروضة حديثًا، واستقالة بعض الوزراء. سوف يمتدحون الثوار. سيصفونهم بأنهم “الصوت الحقيقي للشعب” و “الوطنيون الحقيقيون”. من المحتمل حتى ان تصل التنازلات حد استقالة الحكومة، والقيام بانتخابات جديدة – لكن مع نفس الوجوه القديمة سيئة السمعة، بالطبع، التي تغادر لتعود من جديد الى الميدان في الانتخابات المقبلة. لكن إذا أصر الثوار على مطالبهم وواصلوا اعتصاماتهم، فسيصبحون في نظر السلطة”غير وطنيين” و”خونة متعاملين مع قوى أجنبية”.
لكل بلد ظروفه، في العراق تم التعامل مع جموع الفقراء المتعبين الذين أرادوا استرجاع وطنهم من قبضة الوزراء الفاسدين الذين أساؤوا ادارته، تم التعامل معهم على أنهم مجموعة من الرعاع، حشد من الغوغاء، خطر على أمن البلاد، عملاء للأجنبي، يجب التعامل مع مطالبهم بالرصاص الحي.لقد سقط في انتفاضة العراق اكثر من 200 شهيد، ولازال الرقم في تصاعد، وهو أكبر من عدد الشهداء الذين راحوا ضحايا قمع السلطة في أغلب انتفاضات الدول العربية. مصدر القمع وإن كان لا يزال غير واضح تماما، لكن اذا كان الأمر كما يروج له الغرب وكان وراء القتل الميليشيات المدعومة من ايران، فتلك الميليشيات هي نفسها التي كان أعضاؤها مستعدين للشهادة قبل سنوات دفاعا عن وطنهم! اليوم هم على ما يبدو مستعدون لقتل رفاقهم في الوطن من اجل قمع ثورتهم.
الوضع في لبنان أقل دموية لكنه أكثر خزيا. حين يتم الاعتداء المتظاهرين السلميين وسط بيروت من قبل رجال تابعين لنصر الله، فهذه الحادثة تسجل ربما أول عمل مخز بحق يرتكبه هؤلاء الرجال الشجعان في لبنان. هؤلاء الأبطال الذين طردوا الجيش الإسرائيلي قبل سنوات من الجنوب، مستعدون اليوم للاعتداء على أشقائهم اللبنانيين من اجل الحفاظ على السلطة، التي يتقاسمونها مع بعض أكثر رجالات بيروت فسادا. كان على نصر الله ان يقف الى جانب هؤلاء الشباب اللبنانيين والفلسطينيين الذين انضموا اليهمفي وقفتهم. كان عليه ان يختار جبهة الشعب الفقير، لا جبهة السلطة الفاسدة. وكان ذلك سيسجل له كموقف تاريخي حقيقي وفاصل.بدلاً من ذلك، حذر نصر الله من “الحرب الأهلية”، البديل المروع الذي استخدمه السادات ومبارك والديكتاتوريون الآخرون لإبقاء شعبهم الفقير في حالة من الخوف. السلطة والامتيازات كانت أهم، في النهاية، لأولئك الذين قاتلوا واستشهد إخوتهم من أجل الحرية ضد قوة الاحتلال الإسرائيلية، أهم من حقوق الشعب المغلوب على امره.البعض يتساءل هذه الأيام إن كان حزب الله أصبح معني بالحفاظ على وضعه السياسي أكثر من اهتمامه بتحرير الأرض. شخصيا أعتقد انه سؤال غير عادل. حزب الله واحد من التنظيمات العسكرية القليلة التي حافظت على النزاهة. لكن اذا لم يقم نصر الله بدعوة رجاله الى الوقوف الى جانب الجماهير، بدل مهاجمتها، فإنه سيجد صعوبة كبيرة في محو العار الذي سيلحق به.الثوريون وخاصة المسلحون منهم، يجب ان يدافعوا عن كل فئات الشعب، لا أن يكونوا جاهزين للدفاع عن بعض الفاسدين، ويصبحوا الذراع العسكرية لحكومات فقدت شعبيتها، يتمتع عدد من أعضائها بعمالة مكشوفة لبلدان أخرى.هل يمثل حزب الله اليوم وحليفه حركة أمل مصالح اللبنانيين الشيعة، الذين انضم معضمهم الى الانتفاضة؟ ام يمثلون مصالح سوريا؟ أم ايران؟ ماذا حل بحركة المقاومة البطولية العتيدة التي واجهت اسرائيل وهزمتها؟!في الجزائر هناك طبقة من الشباب المثقف العاطل عن العمل، الذي وصل الى مرحلة من اليأس وهو يرزخ تحت حكم ديمقراطية الجيش المزيفة. تخلص الشباب بفضل جهودهم من عبد العزيز بوتفليقة وغيبوبته التي دامت سنوات، فقط ليواجهوا قائدا عسكريا جديدا، ووعدا بانتخابات في ديسمبر. عرض سخيف وغير ذي قيمة، ما دام الرئيس الجديد سيستمر بالعمل ضمن نفس الأطر، وفي أحضان المؤسسة العسكرية ذاتها، ونفس الجنرالات الفاسدين، الذين لم تمس الثورة حساباتهم في فرنسا وسويسرا بأي أذى. الجزائر مملوكةعمليا للجيش. اقتصاد مدمج فعليًا داخل الثكنات، لذلك يرى الجنرالات أن أي مطالبة بالتغيير هي تهديد لهم ومحاولة لسحب أموال الجيش. إنه نظام مشابه لما هو موجود في مصر، حيث يتحكم الجيش بكل قطاعات الاقتصاد، البناء، التجارة، البنوك. الولايات المتحدة تدفع اكثر من 50 بالمئة من ميزانية الدفاع، لكن دور الجيش المصري لا يتمثل بمواجهة الأعداء التقليديين لمصر، بل بقمع الإسلاميين، حماية اسرائيل، والحفاظ على الاستقرار بالنسبة لأمريكا وحلفائها في المنطقة، وكذلك بالنسبة لاستثماراتها. ملايين المتظاهرين الذين خرجوا عام 2011 (اعتقد ان فيسك يقصد 2012) والذين اصيبوا بالرعب من الفترة التي حكم فيها مرسي وجماعة الإخوان، كانوا جاهزين ليقعوا ضحية الجيش من جديد. لم يجدوا قيادة حكيمة تحذرهم من حماقتهم، ومما كانوا مقبلين عليه. فخرج يومها صحفيو القنوات المصرية مرتدين لباسا عسكريا. المعارضة أصبحت مجموعة من الإرهابيين (وهو الوصف الذي يستخدمه اليوم حكام العراق ولبنان لوصف المعارضين الشباب). أما قادة الثورة الذين كان يمكن ان يخلقوا مصر جديدة فتم تغييبهم في سجن تورايختتم فيسك مقاله بدعوة الشباب الى مشاهدة مشهد من فيلم دكتور جيفاغو، حيث يراقب فيكتور كوماروفسكي، الذي كان رجل أعمال فاسد انتهازي أيام حكم القيصر وتحول بعد الثورة البلشفية الى وزير اشتراكي، يراقب الجماهير المنتفضة وهي تهتف خارج المقهى الذي يجلس فيه، شباب بسيط بلا قيادة ولا توجيه، ويهمس بابتسامة (بلا شك سوف يغنون بتناغم بعد الثورة).
الثوريون وخاصة المسلحون منهم، يجب ان يدافعوا عن كل فئات الشعب، لا أن يكونوا جاهزين للدفاع عن بعض الفاسدين، ويصبحوا الذراع العسكرية لحكومات فقدت شعبيتها، يتمتع عدد من أعضائها بعمالة مكشوفة لبلدان أخرى.هل يمثل حزب الله اليوم وحليفه حركة أمل مصالح اللبنانيين الشيعة، الذين انضم معضمهم الى الانتفاضة؟ ام يمثلون مصالح سوريا؟ أم ايران؟ ماذا حل بحركة المقاومة البطولية العتيدة التي واجهت اسرائيل وهزمتها؟!في الجزائر هناك طبقة من الشباب المثقف العاطل عن العمل، الذي وصل الى مرحلة من اليأس وهو يرزخ تحت حكم ديمقراطية الجيش المزيفة. تخلص الشباب بفضل جهودهم من عبد العزيز بوتفليقة وغيبوبته التي دامت سنوات، فقط ليواجهوا قائدا عسكريا جديدا، ووعدا بانتخابات في ديسمبر. عرض سخيف وغير ذي قيمة، ما دام الرئيس الجديد سيستمر بالعمل ضمن نفس الأطر، وفي أحضان المؤسسة العسكرية ذاتها، ونفس الجنرالات الفاسدين، الذين لم تمس الثورة حساباتهم في فرنسا وسويسرا بأي أذى. الجزائر مملوكةعمليا للجيش. اقتصاد مدمج فعليًا داخل الثكنات، لذلك يرى الجنرالات أن أي مطالبة بالتغيير هي تهديد لهم ومحاولة لسحب أموال الجيش. إنه نظام مشابه لما هو موجود في مصر، حيث يتحكم الجيش بكل قطاعات الاقتصاد، البناء، التجارة، البنوك. الولايات المتحدة تدفع اكثر من 50 بالمئة من ميزانية الدفاع، لكن دور الجيش المصري لا يتمثل بمواجهة الأعداء التقليديين لمصر، بل بقمع الإسلاميين، حماية اسرائيل، والحفاظ على الاستقرار بالنسبة لأمريكا وحلفائها في المنطقة، وكذلك بالنسبة لاستثماراتها. ملايين المتظاهرين الذين خرجوا عام 2011 (اعتقد ان فيسك يقصد 2012) والذين اصيبوا بالرعب من الفترة التي حكم فيها مرسي وجماعة الإخوان، كانوا جاهزين ليقعوا ضحية الجيش من جديد. لم يجدوا قيادة حكيمة تحذرهم من حماقتهم، ومما كانوا مقبلين عليه. فخرج يومها صحفيو القنوات المصرية مرتدين لباسا عسكريا. المعارضة أصبحت مجموعة من الإرهابيين (وهو الوصف الذي يستخدمه اليوم حكام العراق ولبنان لوصف المعارضين الشباب). أما قادة الثورة الذين كان يمكن ان يخلقوا مصر جديدة فتم تغييبهم في سجن تورايختتم فيسك مقاله بدعوة الشباب الى مشاهدة مشهد من فيلم دكتور جيفاغو، حيث يراقب فيكتور كوماروفسكي، الذي كان رجل أعمال فاسد انتهازي أيام حكم القيصر وتحول بعد الثورة البلشفية الى وزير اشتراكي، يراقب الجماهير المنتفضة وهي تهتف خارج المقهى الذي يجلس فيه، شباب بسيط بلا قيادة ولا توجيه، ويهمس بابتسامة (بلا شك سوف يغنون بتناغم بعد الثورة).
المقال الاصلي