اعتذر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة، الاثنين، على مقال صحيفة “كيهان” الإيرانية الذي انتقد المرجع الاعلى علي السيستاني، فيما أعربت اوساط عراقية مؤثرة عن دهشتها من هذا النقد الصريح لمرجعية شيعية عليا.
وقال زادة في مؤتمره الصحفي الاسبوعي، (28 ايلول 2020)، إن “الانتقادات التي وجهتها صحيفة كيهان للمرجع الديني اية الله السيد علي السيستاني، لاعلاقة للسلطات الرسمية بالجمهورية الاسلامية بها”، موضحاً أن “النظام الاسلامي في ايران بني على اساس المرجعية، وأن المرجعية في إيران والعراق هي حامية السلام والأمن والاستقرار في البلدين”.
وأكد خطيب زادة أن “دور السيستاني في العراق ليس له بديل كما ان سماحته يتمتع بمكانة رفيعة بين شيعة العالم ، مشدداً على أن ما قلناه ونقوله اليوم أن موقف اركان النظام الاسلامي هو الاحترام الكبير لهذا الركن الشامخ وليس لدينا كلام آخر في هذا المجال ولن نطيق تعرض أي شخص لمنزلة المرجعية”.
وأثار مقال صحيفة كيهان موجة غضب سياسية وشعبية في الشارع العراقي والأوساط السياسية.
المالكي لم يصدق الخبر
وكان رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي قد شكك بالخبر ولم يصدّق أن مقرباً من خامنئي انتقد السيستاني وطلب التأكد عبر ’واتساب’ . لأن “المقال وحسب تقارير إعلامية أحرج أنصار ومقربي خامنئي في العراق، حتى أن زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي لم يصدق أن صحيفة مقربة من المرشد قد نشرت هذا المقال، وطلب من مساعديه في مجموعة واتساب التحقق من أصل المقال” وفقاً للتقرير.
ويذهب تقرير صحيفة “الجريدة” الكويتية إلى أن “خطيئة شريعتمداري تعكس استمرار الفراغ الذي خلفه غياب قائد فيلق القدس قاسم سليماني”. نص التقرير: حتى نوري المالكي، رئيس وزراء العراق السابق، لم يصدق أن صحيفة إيرانية تابعة للقيادة العليا ستنتقد المرجع الشيعي الأعلى في النجف السيد علي السيستاني، إذ راح في مجموعات (واتساب) العراقية يطلب من مساعديه أن يتأكدوا من ذلك، بعد أن نشر حسين شريعتمداري، وهو مستشار مقرب للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، مقالاً عنيفاً في فحواه، يقول إن مرجعية النجف ارتكبت خطأ، ويدعوها إلى العودة عنه.
وقدم مستشار خامنئي نصيحة للسيستاني؛ مفادها أن من غير الصحيح جعل الأمم المتحدة تشرف على الانتخابات العامة في العراق.
وهذا أمر يعد خطيئة كبيرة عند المجتمع الشيعي، إذ لا يصح نقد المرجع الأعلى بهذه الطريقة، كما أنه يعد خطيئة سياسية بين العراقيين الذين يتحسّسون جداً هذه الأيام من تدخلات إيران.
وكان السيستاني التقى، في النجف، ممثلة الأمم المتحدة جينين بلاسخارت، وكتب بياناً وُصف بأنه تاريخي، جدد فيه احترامه لحركة تشرين الاحتجاجية، ووصف الانتخابات المقررة الصيف المقبل بأنها فرصة للشعب كي يعيد النظر في نوع السياسيين الذين يمثلونه، وطلب من الامم المتحدة رسمياً أن تشرف على الانتخابات، من خلال مكتب خاص يؤسس لهذا الغرض، لكي يضمن فرصة الشعب في تغيير السياسيين. وقال السيستاني إن أحزاب العراق ستندم حين لا ينفع الندم، إذا زوّرت الانتخابات وشعر الشعب بأن نتائجها لا تمثله.
نص الترجمة لمقال شريعتمداري “برخاسته از ارادت” (من منطلق الإخلاص):
قبل سنوات عدة أردت تقديم ملاحظة إلى أحد علماء الدين الأفاضل وإحاطته ببعض المخاطر، لكن التحذير من هذا الحقير (الكاتب) إلى مرجع ديني وعالم بارز لم یكن تصرفاً مؤدباً.
فكرت بهذه القضية، وبفضل الله خطرت لي قصة قرآنية أذكرها الان قبل أن أشرع في الحديث عن موضوع مماثل.
في سورة النمل وقصة الهدهد والنبأ الذي جاء به الى النبي سليمان (ع) قال الله: “وتفقدَ الطيرَ فقالَ ماليَ لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين. فمكت غير بعيد فقال أحطت بما لم تُحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين”.
كان الهدهد مجرد طائر، ولايمكن قياس مقام الطير بمقام النبي سليمان عليه السلام، ولكنه جاء لسليمان بنبأ لم يعلمه النبي بكل مقامه.
كاتب هذا المقال ومن خلال تخصصه في العمل، أطلع على قضايا ورأى بعض الملاحظات التي ربما غابت عن أنظار العظماء والعلماء. وأود التذكير بأن طرح هذا النوع من المواضيع لايرفع مقام أمثال الكاتب ًولا يقلل من مقام الشخصيات العظيمة.
في شأن استقبال سماحة آية الله السيستاني المرجع العراقي الکبیر للسیدة جينين هينيس بلاسخارت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق (13 ایلول 2020) وتطرق سماحته خلال اللقاء الى مواقفه المهمة في عدد من القضايا البارزة في الشأن العراقي والتي كانت إشارة على موقفه الحكيم والبنّاء من القضايا الحالية في البلد، سيما التأكيد على شفافية وسلامة الانتخابات البرلمانية المقبلة، وضرورة مكافحة الفساد بشكل جدّي، وتجنب الانتقاء والتمييز، والمحاسبة العادلة للمفسدین مهما كانت مناصبهم، وفرض سيادة الدولة وتجنب إنشاء مناطق تحت عناوين مختلفة وخارج إطار القانون ومعاقبة مرتكبي الاغتيالات الأخيرة.
ودعا سماحة آية الله السيستاني (دام ظله) في هذا اللقاء إلى اجراء الانتخابات بإشراف ممثلين عن الأمم المتحدة!
أعتذر لسماحته ولکن يجب القول إن هذا الطلب أولا دون شأن ومقام سماحة آية الله السيد السيستاني العالي والمحترم.
وفي الواقع، الأمم المتحدة هي التي تحتاج إلى شرعية سماحته لتحصل على صلاحياتها.
وثانيًا؛ يتعارض (هذا الطلب) مع مكانة العراق كدولة مستقلة نالت استقلالها وحريتها بالتضحیات والدماء ومعاناة المواطنين الشرفاء، وخاصة الشباب الشجعان في هذه الأرض المقدسة.
إن دعوة الأمم المتحدة للإشراف علی انتخابات دولة، هي بمثابة إعلان إفلاس لتلك الدولة، والخيبة تجاه الدولة، والترحيب بالأجانب. ومن البديهي أن هاتين القضیتین بعيدتان عن المرجع الدیني الاعلى في العالم الشیعي، سماحة آية الله السيستاني.
لا شك أن الأمم المتحدة اليوم، على عكس ما تدعي، لا تتحرك نحو السلام العالمي بل أصبحت ورقة ضغط بین أیدي القوى المستبدة لاسیما الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والعبريين والعرب.
وبنظرة خاطفة فقط علی أداء هذه المنظمة خلال العقود القليلة الماضية ،تظهر بوضوح هذه الحقيقة المرة:
صمت الأمم المتحدة تجاه جرائم الکیان الصهيوني في فلسطين وفي بعض الحالات اعترافها الصريح بهذه الفظائع وتجاهلها دعم الولايات المتحدة وحلفائها لصدام بالمال والسلاح في حرب السنوات الثمانية المفروضة، والاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق وقتل المسلمين في ميانمار وكشمير وتجاهل جرائم السعودية في اليمن من الرجال والنساء والأطفال والصمت المؤید في وجه حصار الشعب اليمني المظلوم براً وجواً وبحراً وتركهم عرضة للمرض والجوع بالإضافة إلی تسليح الإرهابيين التكفيريين وتمویلهم من قبل الحكومات المجرمة في الولايات المتحدة وأوروبا والسعودية والإمارات وغیرها.
الأمم المتحدة نفسها، التي دعا سماحة آية الله السیستاني ممثلتها للإشراف علی الانتخابات العراقية، اضطرت إلى وضع الحكومة السعودية على قائمة مجرمي الحرب بسبب ضغوط الرأي العام، لكن وبعد أن هدد آل سعود بقطع المساعدات المالية عن الأمم المتحدة، تراجع السيد الأمين العام بوقاحة!
وتجاهلت الأمم المتحدة فظائع ترامب في اغتيال القائدین الکبیرین في الإسلام، الحاج قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، اللذين يديهم لهما الشعب العراقي والمنطقة اليوم لجهودهما في بسط الأمن.
ووفقًا لشريعة الأمم المتحدة، کان يجب وضع الولايات المتحدة تحت المادة 42 من الفصل السابع لمیثاق المنظمة ومعاقبتها وهناك عشرات الأمثلة الأخرى التي لا يكفي المقام لذكرها.
لقد تعلمنا من عظماء مثل آية الله السيستاني، أن تفسير الآية 60 من سورة النساء هو منع الله تعالى بشدة المؤمنين من قبول حكم الطاغوت «ألم ترَ إلى الذين يزعمون أنهم آمنو بما أنزل إليكَ وما أنزل من قبلكَ يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، وقد أُمِرُوا أن يكفروا به”.
يعتقد الكاتب، بمعرفته العميقة والراسخة بآية الله السيستاني، وذكاء سماحته وحكمته، أن خطأ قد وقع في تقرير الاجتماع مع الممثلة الخاصة للأمين العام، من المؤكد أن مكتب آية الله كان متهاوناً في صياغة تقریر الاجتماع. ومن المتوقع أن يصحح المكتب هذا الجزء من التقرير، لأن سماحته من المراجع الشيعية الکبیرة في العالم الإسلامي.
وأتوقع أيضا أن يُسجل للكاتب شجاعته الناشئة من الاحترام الذي أكنه للمرجع.
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.