أعلنت قناة العربية عن عرض فيلم وثائقي عن الحرب العراقية الإيرانية بمناسبة ذكراها الأربعين من ثمان حلقات، وقد قدمت حلقتين ، وتوقفت عن الحلقة الثالثة بالأمس ، ربما لشأن يخص القناة ، لكنني أعتقد بأن الحلقة الثانية بالذات لم تكن لصالح السياسة العامة للقناة السعودية ، حيث تعرض تحرير المدن الإيرانية وأهمها (المحمرة) عبر موجات المتطوعين الفدائيين من الأطفال المعبأين بأيديولوجية الثورة الإيرانية وهم في مقتبل العمر.
رغم معايشتنا كجيل لهذه الحرب ، يوماً بيوم ، فلقد أحسستُ بالرعب من هولها وأثرها الذي لن ينمحي بسهولة ، كما أن الشخصيتين المتنازعتين ، فكراً وسلوكاً ، صدام حسين وآية الله الخميني ، قد يتشابهان من حيث العناد الأعمى ، وكذلك مطابقة تكوينهما السياسي للدولتين المتحاربتين ،
لقد حارب الرجلان بالتأريخ أولاً ومن ثم بكل الأدوات والمقدرات المشروعة وغير المشروعة ، صدام بالتجنيد البشع والخميني باستخدامه للأطفال عبر فتوى يسمح لهم بدخول الحرب من غير حاجة لموافقة الأبوين . لكن الرعب يتصاعد ويتعاظم عندما ترى الحرب من كلا الخندقين المتحاربيّن .
حارب الخميني بالوضع الجيوسياسي النوعي والخاص لإيران ، والذي جعلها محمية من التمدد العثماني لقرون وكذلك لجهة احتفاظها بوضع خاص في الحربين العالميتين ، والحرب التي بدأت كمظهر من مظاهر الصراع بين الفكر القومي (العربي) ممثلاً بالعراق وصدام حسين والأيديولوجية الشيعية مشخصةً بالخميني وجمهوريته الإسلامية الناشئة ، هذه الحرب والتي لم تنته بعد على ما يبدو ونفترض،
فقد يأتي اليوم الذي نشهد فيه تبادلاً بالأدوار رهيباً ، حيث ستتحول الجمهورية إلى مركز للفكر القومي (الفارسي) فيما يتحول العراق إلى دولة (شيعية) ، وقد نحتاج إلى صدام حسين شيعياً ليكتمل الكابوس.
رغم تواضع شخصية مصطفى الكاظمي سياسياً وقيادياً وتاريخيا ، لكنه يمثل لحظة مهمة ، وهي اعتراف الأحزاب الشيعية بعجزها عن الحكم ، رغم كل الجعجعة ، وقد تكون الحادثة الفريدة من نوعها في التأريخ على الإطلاق ، أن تترك مجموعة أحزاب الحكم ، السلطة لتقوم بضرب نفسها بالصواريخ ، وقد يكون هذا نابعاً من تقاليد الإيذاء للنفس الشيعية ، والحديث عن عودة لنوري المالكي أو حزب الدعوة هو ضرب من الطيش السياسي،
فلا عودة لحكم الأحزاب الشيعية وقد اختارت ضرب نفسها بالصواريخ ، ومادامت هذه الأحزاب قد قبلت ب(شيعي باهت) ، فهي سترضخ لرئيس يخرج من بذلة الكاظمي الزرقاء، قد يكون كردياً أو سنياً ، المهم أن تبقى قادرة على ضرب نفسها بالصواريخ ومهانة شعبها والتقليل من شأنه وحط قدره،
فهل سيتهيأ الميدان لظهور صدام حسين شيعي، يحارب الجمهورية (القومية) هذه المرة؟، المهم تستمر الحرب والصواريخ تسقط وأمراء الفصائل يتكاثرون ، وقد تكون ظاهرة أن أمراء هذه الفصائل ولدوا لعائلات بعثية، لها علاقة بظاهرة تحول الضرب بالزنجيل إلى ضرب النفس بالصواريخ .في لبنان ، يتقبل السيد حسن ….نصر….الله ، الوقوف أمام الرئيس الفرنسي ماكرون مثل التلميذ المشاكس وهو ينتظر عقوبته من معلمه فاتحاً يده لتقبل ضربات عصاه المجامِلة ، المهم أن يحظى السيد وحزبه بالشرعية السياسية ، وفي العراق ، وفيما تحتفظ الأحزاب ، وهي توأم لحزب السيد ، تحتفظ بكامل الاعتراف من الدولة السيد للرئيس الفرنسي وفرنسا نفسها ، وتقبل هذه الدولة الكبرى على التعامل كند لهذه الأحزاب ،
لكن هذه الأحزاب ، وبشكل مضحك ، تترك السلطة برمزيتها العملاقة ، لتقنع بالمقسوم الحرام وضرب نفسها بالصواريخ ومن ثم العويل والقول ، إنهم عملاء السفارة .
لا يعاني العراق من فراغ بالسلطة فقط ، بل مشكلته الكبرى هي في فكر (الدولة) ، فلا تقاليد ومرجعيات لهذا الفكر ، وهاهي الأحزاب الشيعية بشكل مضحك ، تستعير من هنا وهناك سرديات للحكم ،
وقد يأتي اليوم لظهور صدام حسين شيعي ، ولن يجد هذا غير إيران (القومية) نفسها ليحاربها من أجل (رمزية) سلطته ، ولتستمر حرب الألف عام ، مسرحها خالد وممثلوها متغيرون أبداً .
مقال بقلم الكاتب العراقي: كامل عبد الرحيم