حول لقاء المرجع الشيعي السيستاني-البابا تساءل الكاتب منصور الناصر: أهو احتفال بانتصار ورثة إبراهيم على أرض أور؟ وهل أصبح سؤال الهوية لعنة تصيب شعوب المنطقة؟ وما العلاقة بين ولاية الفقيه و الصهيونية؟
وإليكم المقال مع الفيديو المتعلق به.
كل ما تبقى لنا سوى حلم واحد هو الهرب من الوطن الذي أصبح مقبرة
هناك جدل كبير حول زيارة البابا
هذا طبيعي وأراه أمرا مهما، نعيد فيه النظر إلى أنفسنا العميقة تاريخيا، ومن ثم تحديد هويتها.
هذا الأمر غير مسبوق وهو علامة صحة.
لكن مع هذا ولكي تكون “مراجعة الذات” مفيدة، لاحظت ان هناك أمورا كثيرة مختلطة على كثيرين ومنها.
youtube.com/watch?v=UBdDXUbXU7s
أولا: ثامنا حفلة أديان!
– جميع الأطياف العراقية استقبلت البابا بالفرح والزهور وحتى الرقص والسيوف، مسيحيون بروتستانت ، ارثوذوكس ، رومان، مسلمون سنة وشيعة من الذين يعتبرون أن المسيحيين مشركين فما علاقتهم بالبابا ؟
فلماذا كل هذه الحفاوة ؟
الجواب لأن المسيحية نزعت أنيابها.. والأصح جرى نزع أنيابها عنوة، بمعنى آخر لم تعد تخيف أحدا!
فقد خلصت العلمانية الدين المسيحي واديان أخرى من أدران السلطة وشهواتها، وباتت متفرغة لنفسها.فهل فرح الأديان الاخرى بزيارة البابا هو فرح الخلاص من منافس شرس، أم رغبة بالتحالف معها لمواجهة أعداءها من “العلمانيين”؟.
ثانيا أنها أثارت تساؤلات خطيرة عن إشكال الهوية
وأقول أن الهوية ليست معطى ثابتا كما يظن المعترضون، إنما هي مظهر لجوهر شديد التنوع ثقافيا ودينيا وتاريخيا،
وهذا ما كشفت عنه زيارة البابا، بغض النظر عن رأينا بها، سلبا أو إيجابا، الهوية عملية تشكل وصيرورة متواصلة، مع الزمن.
ومن يتحدث عن هوية ثابتة، لا يفهم أو لا يريد أن يفهم شيئا. الهوية أيا كان نوعها ليست أكبر من الحياة وحق الحياة.
وعلى الدول والاحزاب والأديان التي ترفع شعار الهوية والحفاظ على الهوية. أن تعرف أن الهوية لم تعد شعارا كافيا، ولا مقدسا.
ثالثا التنافس الديني
أن من يخشى على الهوية الشيعية المهيمنة اليوم، يكشف بطريقة ما عن احتجاجه، دفاعا عن مصادره الدينية الهووية التي استولى عليها من التراث اليهودي-المسيحي السابق عليه.
وهو بهذا يخشى على “سوقه” وبضاعته التي تحتكر كل شيء فيه.
رابعا حجة العراقية
أن تحجج أغلب المشككين والرافضين بالعراقية كأمة وهوية موحدة، ورفعهم لها كشعار. يتضمن في جزء كبير منه خشية دينية، من منافس “ديني” عظيم الشأن وزعيم لملياري مسيحي،.
بهذا المعنى هو ينفي عراقيته، لكنه يستعملها كذريعة سياسية ونوع من انواع النفاق المفضوح.
البابا نفسه، في هذه الحالة، عبر عن احترامه للتنوع العراقي اكثر منه، وذلك بحرصه على زيارة جميع الأطياف.
.بعض هؤلاء يحتج على العراق بصفته قطرا عربيا، ويعول على الفكرة القومية.
خامسا : من الطارئ على العراق؟
أن الطارئ على العراق تاريخيا، هو الإسلام ومذاهبه، المسيحية سبقته، لا أكثر،
ونحن كعراقيين بالنسبة للإسلام، مجرد علوج ورعايا لأحفاد دولة قريش أو بني هاشم. “بالمناسبة: هاشم هو اسم إله اليهود يهوى”.
باختصار، نحن كشعب ما زلنا رازحين تحت رحمة الغرباء والطارئين على العراق وارضه وشعبه. والمتنعمين بخيراته.
الوطن الذي يتحدث عنه البعض ما زال حلما، فلم يصبح احد منهم “مواطنا” ولو بأبسط الاشكال. أصبح الوطن بل الدولة بلا معنى. بل أصبح الخير كله في الهرب من الوطن الذي أصبح مقبرة.
سادسا أنها أم الزيارات
فهي تبدو لكثيرين أنها مجرد زيارة “بروتوكولية” لكنني لا أستطيع أن أقول إلا أنها حقا أم الزيارات.. مع الاعتذار لأم المعارك
فلماذا حدثت هذه الزيارة بعد أربعة آلاف سنة من الهجرات المتواصلةفهل حان وقت العودة؟
وأعني بالهجرات تلك التي بدأت بهجرة إبراهيم من أور سومر وأكد، وتواصلت مع هجرات موسى والمسيح ومحمد وعلي.. وانتهت بهجرات ملايين العراقيين والسوريين منذ نصف قرن وحتى الآن.والسؤال إلى أين انتهت كل هذه الهجرات وهل ستتوقف؟.ثم لماذا التوقيت؟ألأنها رغبة من البابا للقيام بهجرة معاكسة للمهاجر الأول في التاريخ “المكتوب” أم عودة للاحتفال بالنصر للدين الذي خرج من اجله إبرام ؟أم لأنها إعلان بأن الهجرة متواصلة، ولن تقف في اي محطة ولن تصل أبدا؟.وأعني تلك الهجرة التي بدأها ابن اور الكلدانيين قبل 4000 عام، وجرنا خلفه، ولم تنته أبدا..تلك الهجرة التي مازالت تديم نزغ الحاضر وتنشطه، وكأنها جزء لا يتجزأ منه ولا مناص لأحد عداه.كما لو أنها هجرة كانت الغاية منها أن تخبط التاريخ مع السياسة مع الجغرافيا مع الدين، وتخبطنا نحن معها، “بصفتنا بشر طبيعيين”.
مفردتا الدين والدَين بفتح الدال .. ربما يختصران حقيقة الزيارة.. فهي تبدو وكأنها نوعا من انواع إيفاء الدَين، أو استرداد الدين!.. لأنها هجرة معاكسة، أو عودة إلى حيث المكان الذي لا يعود له أي مكان ولم يعد مكانا حتى.دعونا من كل ما سبق..فأن السؤال ما زال قائما وهو: منذ هجرة أو هرب الخليل من أرض السواد.. وحتى الآن: هل هناك عراقي واحد يستطيع أن يقول إنه توقف عن ارتكاب حلم الهجرة إلى الأبد، ولم يعد يحسب نفسه مهاجرا؟ ..شخصيا.. أشك في وجود من يدعي هذا!.ملاحظة متأخرة بسبب اعتراضات الأصدقاء.. أود التأكيد أن القصة التوراتية لا دليل عليها، بل ان كل حكايات التوراة كذلك.. وكلامي يتناول الاسطورة على طريقة هوسرل.. اي بوصفها حقيقة ذهنية رسخت في ذاكرة وثقافة الشعوب.
سابعا : الهوية فقدت قيمتها
أن الهوية التي يتغنى بها الجميع أيا كان نوعها وطنية او مذهبية أو دينية، ويختلفون حولها، ما عاد لها معنى أصلا.. فجميعها كانت سببا لهجرتنا ودمارنا. إنها لا تمثلنا. الجميع ما عدا “المحتفلين” ضحيا هذه الهويات القاتلة.
علينا أن نعترف كعراقيين وحتى كعرب : نحن مجرد قرابين.. والقرابين لا هوية لها!
وكل ما تبقى لنا سوى حلم واحد هو الهرب من الوطن الذي أصبح مقبرة
ثامنا الشيعة والصهيونية
المذهب الشيعي في الحقيقة، هو النظير الإسلامي لأسطورة العودة اليهودية. أما ولاية الفقيه فهي النسخة الشيعية للحركة الصهيونية.. أي أن ولاية الفقيه الوجه الآخر للصهيونية.. ولا أعني التناظر السياسي او وجود علاقة بينهما.. إنما التناظر الهائل بين أسس العقيدتين.
واتوقع وجود تناظر ولكن بنسبة أقل مع مذهب السلفية
اي ان من يريد معرفة فكرة ولاية الفقيه عليه أن يقرأ فكرة الصهيونية. لا فرق كبير.
وهذا الأمر ليس غريبا فكلها أديان إبراهيمية
تتشابه فكرة ولاية الفقيه مع الفكرة الإسلامية التوحيدية عموما والفكرة الصهيونية خصوصا، فهي عقيدة تستقطب شيعة العالم حول مدينة قم، والولي الفقيه تحديدا، وتتجاوز الفكرة الصهيونية، في طموحاتها، وبدلا من جعل العالم رهين نفوذ الصهيونية، جعل الولي الفقيه من الناس على اختلافهم اتباعا له، وعليهم الإيمان بعقيدته.
فيما يقول المفكرون الصهاينة أن الحاجة لإقامة وطن قومي يهودي قديمة ظهرت خاصة بعد الأسر البابلي على يد نبوخذ نصر وكذلك اعتقاد المتدينين اليهود أن “أرض الميعاد” (التسمية اليهودية لأرض فلسطين) “قد وهبها الله لبني إسرائيل فهذه الهبة أبدية ولا رجعة فيها” إلا أنهم لم يتحمسوا كثيراً للصهيونية باعتبار أن أرض الميعاد ودولة إسرائيل لا يجب أن تُقام من قبل بني البشر كما هو الحال، بل يجب أن تقام على يد المسيح المنتظر.
بمغادرة أحد أكبر الخصوم أسواق السلطة والجبروت والنفوذ
.. أم أنه إحساس بالمصير المشترك؟
تاسعا معضلة العقل العربي
على الصعيد العربي الإسلامي: هناك معضلة واضحة تحدد أسس العقل العربي
وهو عقل قائم على محيط شاسع من الأحلام والأساطير والطموحات الدينية، ربما كلمة قائم فيها مجاملة والحقيقة انه غارق في هذا المحيط إلى حد يصعب علاجه. إلا بتبديل المحيط برمته، وضخ مياه جديدة له !
لقاء البابا الكاثوليكي بالبابا الشيعي، رسالة مهمة لواقعنا العربي المشظى، فحوى الرسالة، إنكم غارقون في هذا المستنقع، أما نحن فالتقينا.. ونشعر بالقوة والمكانة والقدرة على التأقلم مع شروط الواقع والراهن. أنتم أي العرب ما زلتم قدماء.
..لا تتطورون. بل ترفضون التطور، مؤمنون بثقافة الاجتناب وتأجيل أي مواجهة، ولو الإقرار بحقوق الطفل مثلا!
الإسلام السني وحده بات معزولا، ويزداد انشطارا، صدام وعبد الناصر خير نموذجين.. الاول قضى على رموز الشيعة، والثاني أعدم الأخوان وسيد قطب.. ماذا بقي منهما الآن؟
هل تجدون اتباعا لعبد الناصر الآن أم لسيد قطب وللخميني والصدرين وورثة ملكهما؟
العلة في العرب تختلف عن العلة بين غيرهم وخاصة من الفرس والاتراك. نحن لا نصنع مجتمعا، انما نتحارب من اجل الكراسي..
والنتيجة ننتقل من حال سيء إلى حال أسوأ.
زيارة البابا.. أثارت كل هذه الهواجس والأفكار، فهي تذكرنا بأسوأ لحظات التاريخ الذي يقف متربصا خلفنا منذ خمسة آلاف عام.
عاشرا
لقاء السيستاني-البابا هل هو لقاء أم احتفال؟
ما معنى هذه الزيارة العميق؟
إنه معنى يتضمن حتما نوع من الإحساس بالانتصار، التغلب على مشاق هجرة طالت أربعة آلاف عام، وانتهت بعودة الأحفاد والورثة ليلتقوا في النجف.
ولكن انتصار على من؟ انتصارٌ على أهل هذه البلاد، بل وكل بلاد، وكل إنسان.
لأنها لم تكن هجرة من أجل الإنسان إنما من أجل الرحمان ..
وماذا كانت النتيجة؟ حروب ومجاعات وهجرات متواصلة بين شعوب المنطقة جميعا، ليس بحثا عن الله إنما بحثا عن الإنسان.
أنا أحد هؤلاء المهاجرين الآن وقبلي خمسة ملايين في العراق ومثلهم في سوريا وفلسطين وغيرها.. لماذا نحن مهاجرون؟
لأننا فقدنا الإنسان.. وهربا بحثا عنه، المصيبة أن أغلبيتنا لا تعرف سر هذه الكوميديا السوداء، وأعني أنها هربت وهي تحمل معها ما هربت منه، وكان سببا أول في مصيبتها، وأعني حكاية الرحمن أو الإله الإبراهيمي!!
النتيجة اصبحنا نحن قرابين هذا الإله البشرية.. أما حفدة الخليل فهم الوارثون الوحيدون وهم المنتصرون كما وعدهم “ربهم”.
هذه الزيارة لا نظير لها في طول التاريخ وعرضه.. ولن ينتهي الحديث عنها.
فهي إعلان على انتصار هائل في معركة تاريخية اشتركت فيها عشرات المذاهب والأديان الإبراهيمية.. وبعد أربعة آلاف عام.
هذا هو الإعلان الذي كان ينتظره اليهود والمسيحيون والمسلمون .. مشيا أو المسيح او المهدي ..
أما نحن كشعوب “ومخلوقات” كما تسمينا هذه الأديان. فلم يعد لنا داخل.. فرصتنا الوحيدة هي ف ي الخارج.. فقد انتهى فيلم السهرة .. وتم إعلان الهدنة بين أحفاد إبراهيم وأعلن الانتصار.
هناك مفارقة اكبر وهي أن العائدين عادوا على أنقاض المغادرين اي المهاجرين.. ليس من المسيحيين، بل المسلمين..هناك الملايين منهم، طردوا من ارضهم ..
من احتج جرى قتله او طرده.. لم تعد الدولة دولة مواطنين، إنما دولة كهنة ورجال دين..اي إنها دولة بلا دولة ولا حتى مواطنين، دولة بلا مضمون ولا شكل ولا لون..
الأرض ليست هي الارض.. والمواطن مقموع مطرود يبحث عن نفسه ولا يجدها.. فكيف يجد إلهه؟ماذا يفعل مع ربه إن فقد الأرض التي يقف عليها وظل العمر كله مهاجرا ضائعا، وبلا أرض يقف عليها ولا سماء تحنو عليه، بل تقرعه وتطالبه بالإنصات لها؟
في النهاية هذا احتفال بين ورثة إبراهيم بنجاحهم في قتل الإنسان أي ابن هذه الارض .. وجعله مهاجرا لا يشعر بإنسانيته. إنما بذنوبه وأنه ليس أكثر من قربان.
إنسان حاربته دولته وأديانه، وبات مستعدا للتضحية بها وبكل الأديان.
أحد عشر:كيف أصبح الوطن لا يصلح للسكن
بعد تراث الاديان التوحيدية الذي يستحق “الفخر”، على اراضينا، أصبح الوطن مكانا لا يصلح للسكن..والعلة الأصلية أن الوطن فكرة حديثة، لا تستسيغها الاديان جميعا، الاديان تؤمن بوجود الحياض والحضائر، والسلطنات، ولا يقطنها سوى الاتباع والعبيد والرعايا.
والحقيقة الجديدة التي على الاديان مواجهتها، هي أنها فقدت القدرة ليس على مواجهة الحداثة وآثارها، إنما القدرة على توفير أساسيات الحياة. فهي لم تكن يوما مشغولة بها! إلا من نافذة السلطة وممارساتها القمعية.
عليها ان تفهم أن الهوية حتى الدينية ليست كافية، بل أن الدين والعقيدة لم تعد كافية للرفع من شان الإنسان.فماذا يفعل الإنسان المعاصر بإله الاديان؟ هل يوفر له عملا؟ مستقبلا سكنا خدمات حقوق الخ؟
الوطن والهوية وحتى المواطنة والحقوق لم تعد تكفي كلها للاستجابة لتطلعات الإنسان.
لأن هذه “الامتيازات” مقدسة.. وما عاد لها معنى يفوق معنى الحياة والعيش بكرامة إنسانية .
ملاحق
تمهيد أو يستخدمهم ضد مجتمعاتهم، كحزب الله في لبنان الذي يعتبر وحدة حرس ثوري تحتل بلادها لصالح إيران، التي تتكفل بتمويل شيعة من مختلف البلدان،
الزيارة
البابا أعلن في كلمته الفيديوية القصيرة الموجَّهة إلى الشعب العراقي أنه “سيحجّ” إليهم، مستذكراً آلام هذا الشعب عبر الحروب والصراعات الماضية، وأنها زيارة محبّة وسلام، ولكن بما أنه الحبر الأعظم لأمة مسيحية من مليار ومئتَي مليون إنسان حول العالم، فإن هذه الزيارة/الحجّ تستهدف المجتمع المسيحي في العراق بدرجة كبيرة، الذي تقاسم، ولا شكّ، المحن والآلام مع أبناء المجتمع العراقي المسلم طوال العقود الماضية، ولكنه عاش معاناته الخاصّة أيضاً، خصوصاً بعد عام 2003، وانهيار الدولة وانفلات الأوضاع الأمنية، فتعرّض العديد من العوائل المسيحية للتهجير، إن كان من قِبَل المليشيات السنّية أو الشيعية على حدّ سواء.
سيرافق ساكو البابا فرنسيس في جولته التي تتضمن لقاءات بروتوكولية سياسية، ثم زيارة إلى منزل المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني في النجف، وإقامة قداس وصلاة قرب زقّورة أور وبيت النبي إبراهيم في الناصرية، ثم لقاءات وصلوات أخرى في سهل نينوى والموصل وكنيسة النجاة ببغداد.
لقاء المآذن والأجراس
وقال مراقبون إن البعد المسيحي الروحاني للزيارة لم يكن هو النقطة الأساسية التي أثارت الجدل في العراق، بل الإعلان عن اللقاء مع المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني، فهو لقاء تاريخي بكلّ المقاييس، ويُعَدّ الأول من نوعه من رأس الزعامة المسيحية لأكبر الشخصيات الدينية نفوذاً في العالم الإسلامي الشيعي.
بل إن البعض عدّ هذا اللقاء “ما بين المئذنة والصليب” على حدّ قولهم، نوعاً من التكريس لزعامة النجف الروحية للشيعة في العالم، في غمز واضح من قناة إيران.
إنها ربما رسالة من العالم، ممثَّلاً بأكبر شخصياته الدينية، أن ما يمثّله خطّ النجف الروحي والأخلاقي هو المرحَّب به عالمياً من حضور شيعي، لا سياسات التمدّد وتجنيد المليشيات وإثارة الحروب في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط.
هذه الزيارة تاريخية ومهمة على أكثر من صعيد، لعلّ منها جذب الانتباه إلى التنوّع الاجتماعي والديني في العراق، (22 طائفة دينية حسب سعد سلّوم)، وأن العراق بالمعنى الرمزي والتاريخي ليس ملكاً صرفاً لمكوِّن أو جماعة دينية أو عرقية محدَّدة، وأن الغطاء الأكثر واقعية لاستيعاب حقيقة التنوع في العراق هو المظلّة الوطنية، لا الآيديولوجيات القومية أو الدينية ذات الطابع الطائفي.
إنها فرصة لإعادة الضوء على قضايا حيوية، منها أن خسارة التنوّع، بسبب هجرة الأقليات الدينية من مسيحيين وصابئة مندائيين وأيزيديين وغيرهم إلى خارج العراق، ستحرم البلد من عمقه التاريخي، ومن آخر الجماعات البشرية المتواترة بحضورها منذ فجر التاريخ، الذي هو، للمفارقة، فجر التاريخي العراقي والعالمي في الآن نفسه.