تقديس الماضي أم تقديس المستقبل؟ وهل يمكن القول إن تقديس الماضي هو خيانة كبرى للحاضر؟ ثم لماذا وبصفتنا بشرا أي كائنات بيولوجية نميل إلى التسلفن أو السلفية وبما يجعلنا وبشكل شبه طبيعي، نكره التغيير ونعشق الثبات؟ نقدس الماضي ولا نقدس المستقبل؟
عن هذا الموضوع المهم كتب الكاتب منصور الناصر مادة موسعة، مع فيديو حول الموضوع، كما في ادناه.
.. يجب تقديس المستقبل
والسؤال لماذا 85% من البشر يكرهون (بالتكوين) يميلون للتعصّب للماضي وممانعة التغيير. بل إن 13.94% من المتبقين القابلين للتغيير يجرفهم التيار الغالب الذي يتثبّت حول الماضي.
نحن مجبرون على مقاومة التغيير. يفسر جزء من الدماغ – اللوزة – التغيير على أنه تهديد ويطلق الهرمونات للخوف أو القتال أو الهروب. يحميك جسمك في الواقع من التغيير.
يسميها البعض تغييرًا ، وبعض التقدم ، وهناك أيضًا من يسميه التكيف. ينشأ لدى بعض الأشخاص خوفًا من التغيير تقريبًا بينما يكاد الآخرون يدمنون على الجدة التي ينطوي عليها ذلك. السابق يفضل الانتظام والقدرة على التنبؤ والأشياء القديمة. مدمن حب الجدة والاختلاف والريبة.
على أي حال ، الحياة نفسها هي تغيير. قال شوبنهاور ، ‘التغيير هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن تغييره’. هذا هو السبب في أنه من الضروري تطوير مستوى من التسامح للتغيير يسمح لنا بالتعامل مع التحولات دون المساس بالكثير من توازننا النفسي.
التغيير يتعارض مع الاستقلالية ويجعل الناس يشعرون بأنهم فقدوا السيطرة. الأمر ليس سياسيًا فقط ، كما هو الحال في من يملك القوة. غالبًا ما يكون إحساسنا بتقرير المصير هو أول الأشياء التي يجب حلها عند مواجهة تغيير محتمل قادم من شخص آخر.
نحن نقاوم التغيير لأننا نعلم أنه سيحدث شيئ مختلف شيئ غير متوقع. … لا نعرف ما الذي سيحدثه تغيير معين، ولأننا نخشى عدم معرفة ذلك ، سنقاوم التغيير لأطول فترة ممكنة.
رابط البوست على الفيسبوك مع التعليقات والردود
إذا سارت الأمور على ما يرام، فقد يقاوم بعض الموظفين التغيير لأنهم يخشون ألا يؤدي التغيير إلى التحسن. بالتركيز فقط على الجزء الخاص بهم من العملية ، فإنهم يفشلون في إدراك أن التغيير ضروري حتى تظل المنظمة قادرة على المنافسة
تساعدنا التغييرات في الحياة على المضي قدمًا وأن نصبح محترفين أفضل وشخصيات أفضل ، ولهذا السبب حتى الاختلافات الصغيرة في الحياة يمكن أن تجعلنا ننظر إلى الآخرين ونفسنا بشكل مختلف ويمكن أن يجلب لنا السعادة والرضا عن الحياة.
لكن كيف نقدس المستقبل.. أهذا ممكن؟
الجواب ببساطة: نعم. شريطة أن لا نقدسه فعلا! ..يكفينا فقط أن نرفع القداسة عن الماضي كي نقدس المستقبل. وهكذا
لأن الماضي هو تاريخ أخطائنا، وحماقاتنا
إنه سيرة ممتازة توثق لنا حقائق كانت اغلبها تقريبا عمليات توثيق دامية ومؤلمة جدا، لآلاف الخطوات الغبية التي ارتكبها البشر قديما وحتى حاضرا.
أعتقد أن جزءا من خطط تقديس المستقبل. يجب أن تتضمن تأسيس علم جديد هو علم الغباء البشري. لأننا من خلال هذا العلم سنفهم سر الغباء المتأصل فينا وسنعرف المناهج التي يتبعها الإنسان أو دماغه والتي تقوده إلى ارتكاب الأخطاء الشنيعة.
الإنسان يتطور بالتوازي مع تطور العلوم. فمثلما يمكن اعتبار أن العلم هو تاريخ أخطائه.
يمكن القول إن الإنسان المعاصر لنا حاليا هو خلاصة لتاريخ أخطائه.
وبالتالي فإن كل ما يفعله البشر الآن هو خاطئ. ولكنه حتى الآن يسير في الطريق الصح.
ولو لم يكن كذلك لانقرضنا جميعا ولما كنت أتحدث معكم الآن!
العودة للماضي نفسيا هي عقدة (نكوص) راسخة في التكوين البشري
الماضي يوحي بالأمان العميق في اللاوعي البشري لأنه لا يمكن ان يستعاد ، ولم يُعش، ولم يُختبر، ولهذا يوصف بأنه كامل، وأصحابه ليسوا من صنف البشر الذين نعرفهم: أخلاقيين أتقياء وكرماء ونبلاء وأقوياء. وسرعان ما يغدو الماضي موئل أمان… ومُقدّساً بدرجة ما.
والواقع أن تقديس الماضي وأصحابه، هو (نكوص Regress) وهرب من صعوبة ومعاناة الحاضر القاسي فلا يبقى سوى الماضي لتحقيق التوازن الحياتي / لا النفسي بالضرورة. ويصبح مقامه بالضبط مقام أحلام اليقظة.
أحلام اليقظة وفقا للمختصين هي محاولات لتعديل واقع الحاضر الصعب ورسم لمعالم مستقبل يلبي جميع الرغبات،
وهذا يُساعد على تنشيط القسم الشعوري والحدسي والجمالي في المُخ، لكن المبالغة في أحلام اليقظة تسبب الابتعاد عن الواقع، وهذا يُهبط مستوى الإنجاز الوظيفي، لكن كل نكوص نحو الماضي يلغي تقريباً تلمّس الواقع إيجابيا ويُعطّل المستقبل. فاستعادة جثة الماضي ووضعها في الحاضر إحياء لها. وهذا ما يحول البشر إلى جثثٍ متنقلة وقادرة على التكاثر مستقبلا.
الحقيقة أن 85% من البشر (بالتكوين) يميلون للتعصّب للماضي وممانعة التغيير. بل إن 13.94% من المتبقين القابلين للتغيير يجرفهم التيار الغالب الذي يتثبّت حول الماضي.
فما يفعل هؤلاء لمقاومة التغيير حين يشعرون بأن أفكار الأمس لا تفيد الحاضر وأن أفكار اليوم لا تصلح لجيل الغد؟
يحاولون إلغاء واستبعاد الزمن وحصره في أوقات مقتطعة من الماضي فقط. وهذا مقاومة مجنونة لواقع يتغير وينجح فيه فقط من يستحق الحاضر ويهيء للمستقبل، لكن هذا التصرف سيدمر الحاضر ويعطّل المستقبل.
ولكن ما معنى الحياة في الماضي ونحن نعيش في الحاضر؟
1. أن الماضي لم يُقرأ ويفهم جيدا وأن من يتبناه إما جاهل أو معتاش على الماضي مثل رجال الدين ورجال السياسة.
2. سحق الحاضر والمستقبل فعلا وسلوكا وعملا.
3. أسطرة الماضي تؤدي لأسطرة الحاضر والمستقبل وكل شيء.
4. يصبح عقيدة إيديولوجية الغاية الكبرى منها جعلها قناعا “مقدسا” يخفي الواقع.
5. جعل الحاضر مكانا بديلا للجحيم فيدمر المستقبل. ويوقف حركة الزمن عند أصحابه وضحاياه.
الماضي حين يصبح عقبة بدلا من الحاضر
قد يقال لا حاجة لتقديس الماضي ولا المستقبل، ابتكار الحاضر الجيد هو الذي يبني المستقبل الجيد. وأقول هذا خطأ فمهما حاولنا فلا مستقبل دون التأسيس للحاضر على أرض الماضي..
لكن الحنين إلى الماضي هو حنين إلى السلفية. أي أن من يعيش في الحاضر يقتات تماما على ما جاء من الماضي. والسلفيّة حالة جماعيّة متأصّلة في اللاوعي الجمعي بفعل الثقافة السائدة، والأمر لا يشمل السلفيّة الدينية، إنا هناك سلفية شعرية تعتبر أن لا شعر سوى الشعر العمودي أو قصيدة النثر. وهذا إضفاء فعل التقديس على ما اعتاد عليه من الشعر أو الدين لا فرق. وكأن من صنعوا الدين او الشعر كانوا آلهة. ولم يمروا بمراحل وتطور وتغيّر
هناك سلفية حضارية ولغوية تعتبر أن اللغة العربية كاملة مكملة. جثة هامدة لايمكن الاضافة لها. أو أن تعتبر أن الغرب ما كان لينهض لولا ما أخذه من العرب. و كأن العلوم والمعارف التي قدمها العرب لم تكن بمثاقفة مع كل الحضارات الأخرى. وهذه هي السلفيّة الشوفينيّة.
-هناك من يعيش على أوهام وذكريات العائلات الماضية، وقصص الآباء والأجداد الذين لا نظير لهم في الحكمة والكرم والأخلاق والعظمة والكمال وكأنهم لم يكونوا من البشر، ولا يخطئون، كي يستمد من عظمتهم (الماضويّة) قيمته. فيرسمون شجرة العائلة كي تكون حرزاً لهم من الحاضر.
وهذه تسمى سلفيّة (الخصاء الذاتي) و(الاستمناء الماضوي).
-هناك من يفرض على زوجته تسميّة ابنهما باسم أبيه، ويمارس الأبناء الفعل نفسه. وهذه تسمى سلفيّة (الأوديبية المعكوسة). وهناك من يمارس تربية أبنائه بطريقة أبويه، رغم عيوبها وهذه (سلفيّة تربوية) تمسخ الأجيال وتحرمهم من التفرّد والمغايرة والإبداع.
ماذا نفعل مع النزعة السلفية الطبيعية داخلنا؟
طبعا هناك من يجد بعض هذه الأنواع من السلفية داخل نفسه وهذا طبيعي. وهنا امامه طريقان أو حلان رئيسيان إما أن يلجأ لإحدى هذه الأنواع من السلفية. أو يراجع نفسه بهدف التغيير. أي إما أن يقرر البقاء عاطلا ذهنيا وإنسانيا. ويواصل ممانعة التغيير، أو التفكر والتمعن في الأفكار الجديدة المبتكرة التي تقطع مع الماضي وتُوقف تدحرج (الزمن الأفقي) لتشكّل (الزمن العمودي)؛ أي التفكير خارج الصندوق.
وهذه الطريقة وحدها توقف تدحرج وانسياب أفكار الماضي، وتؤسس لأفكار جديدة ولكن المشكلة أن البشر عندما يتداولونها تتحوّل بدورها إلى عقبات معرفيّة. وإن إن ادعى أصحابها الرغبة بالتجديد) المفارقة الكبرى هو النكوص المتكرر فهناك من حين يشعر أن التجديد (يُهدد) ما اعتاد عليه سرعان ما يرتد إلى الماضي ويرفض الجديد. والبعض يصير شيعيا مرتين ثم يتراجع وهكذا..
الجديد يُحدث فعلا تغييرات سريعة لكن فشله ولو بنسبة بسيطة يجعل الأغلبية تتراجع عنه.
وهذا يفسر لماذا ينقلب الناس على الثورات عندما (تهدم) ولا تؤسس بسرعة وعندما يفسد روادها ولايضربون قيمة بأنفسهم وسلوكهم. الأمر ينطبق على العلم أيضا فلا تنجح النظريات العلمية على ما سبقها إلاّ إذا حققت إنجازاً علميّاً
ونظرية اينشتاين العلمية رغم مُخالفتها للحس العام نجحت رغم لا منطقيتها من حيث عدم التزامن لحدثين والتشكيك بمطلقيّة الزمن.
لكنها أدت لبناء المفاعلات والتفجير النووي واختراعات لمس فائدتها البشر فعلا فنسوا ما تحججوا به في البداية من انها تخالف المنطق والحواس.
نظرية داروين المهمة جدا والتي تفسر التطور البشري وجميع الأحياء. تعرضت دائما للتشكيك لأسباب كثيرة وهو أمر طبيعي في العلم، لكنها ما زالت تتعرض لهجمات السلفيّة الماضوية الدينية وخاصة في المجتمعات المتخلفة.
وعادة تعيش المجتمعات المتخلفة تحت رحمة السلفيين من جميع الاشكال والالوان فهي تعيش بلا مستقبل على جميع المستويات. وفي دائة مفرغة Vicious cycle تدور حول الماضي ومحاولات التوفيق بين الماضي والعلم والحاضر، وفيما ما يصب فقط في اتجاه واحد وهو العداء للجديد، والانتصار للماضي. وتكون النتيجة معروفة مقدما وهي العودة والانغلاق على نفسها في كهوف الماضي.
هذا الحال مشابه لما جرى مع الفيزياء الكوانتيّة التي احتج عليها اينشتاين نفسه (الذي رفض ظاهرة التشابك الكمومي Entanglement) ودعاها بالظاهرة الشبحية بل أن فيلسوف العلم بوبر اتهمها بأنها محض تجارب ذهنية.
تأويلي الخاص لنزعة التسلفن .. أو التثبيت..
هو ان الإنسان بحاجة لأن يؤسس منطلقاته الفكرية وبالتالي العملية في الصغيرة والكبيرة. حتى لو كان يرغب بتناول الطعام خارج البيت مثلا. أو الذهاب في سفرة إلى المريخ!
من هنا نفهم حاجة الإنسان للانطلاق من موضع ما، قبل أن يقوم بأي عملية ذهنية أو حركية. فماذا يفعل؟ ينظر إلى داخل ذلك الصندوق الذي في رأسه ويدعى الذاكرة. وحين لا يجد ما ينفعه فيه. يسأل من حوله أو يطلع على ما هو متوفر. وفي تلك اللحظة. تنهال عليه العروض! وأغلب هذه العروض تقدم منتجات ذهنية مجربة وكاملة بل ومقدسة! وسوقها رائج طبعا. لكنها كلها تطمح لجذب أنصار وأتباع جدد لها من الثوابت القديمة المنافسة. الشيعي يسرق من السني والسني يسرق من العلماني وهكذا!!
وهنا سنعود إلى نقطة الصفر من جديد.
والآن نبذة عن الاعتراضات وردودي عليها
قال: لا تقديس لا للماضي ولا للمستقبل، عمل الحاضر الجيد يبني مستقبل جيد.
فقلت: ولكن لا مستقبل دون التأسيس للحاضر على أرض الماضي.. فماذا ستفعل؟
2
قال: الحاضر مرتبط بالماضي وهو امتداد له . ولكن نحن نختلف على التقديس فلا مقدس الا الذات الإلهية
قلت: صحيح بدليل حاضرنا العظيم حاليا
قال أنا قلت طريقة، وهناك طرق أخرى بالتأكيد، وقصدي كان آلة الزمن، والذاكرة هي الحقيقة المحضة، أما من ناحية أن الماضي تعيس والحاضر أتعس والمستقبل غامض فهذا لا مناص منه في بلدان الشرق ككل. شكرا لك
قلت: من حقك صديقي عكس الفكرة.. واعتبارها طريقة من بين طرق اخرى. ولكن الواقع يقول أننا لم نفعل شيئا سوى تقديس الماضي. لم تكن لدينا طريقة اخرى أبدا. بل منعنا اي فرصة لصناعة مستقبل مختلف عما هو مرسوم لنا دينيا أو ماضويا. بمعنى انك أتيت بما هو موجود اصلا.. ومنذ قرون طويلة
3
قال آخر: الحاضر مرتبط بالماضي وهو امتداد له . ولكن نحن نختلف على التقديس فلا مقدس إلا الذات الإلهية
قلت: لا بأس.. قدسها حين تعرفها.. وحين تعرفها لا تحاول فرضها على أحد غيرك. أنا شخصيا لا أعرف معنى هذه الكلمة “الذات الإلهية”.
4
قال إذن التقديس كمفهوم شي طبيعي؟
قلت: التقديس ظاهرة بشرية لها شواهدها .. وليس دينية بالضرورة.. فيها السيء والجيد وقد يكون الوطن والأرض والعلم أمرا مقدسا.. والقول أدبي يتحدث عن تقديس المستقبل وهو أمر مضاد لمعنى التقديس.. فلا يقدس المتغير في كل حال..
5
قالت التقديس بمعنى المعايشة والقبول
قلت كيف؟ التقديس عملية وضع حدود بين مقدس محرم ومدنس مباح او مكروه
6
قال: نعم ..واول الخيانات هي تعطيل العقل
فقلت: هذه أبرز وظيفة للمقدس