منصور الناصر
رهان باسكال لا أخلاقي و استخفاف بالإنسان
رهان باسكال هو حجة تدعي الحكمة لكنها ليست إلا دليلا على افتقاد هذه الفكرة لرصانتها الأخلاقية.. بل أنها تكشف شخصية من يناصرها وأنه عاجز عن امتلاك أي رصانة أخلاقية.. فيضطر لإيجاد مخرج يبرر افتقاره لها.وهذا سلوك يزيد الأمر سوءا ضاعف من مدى الإيغال في الاستخفاف بالعقل الإنساني بل الإنسان نفسه.والحجة وضيعة جدا. إلى حد مقزز ..
إنها لا تحترم الإنسان فقط بل لا تحترم الإله نفسه! والغاية معروفة ومفضوحة.. وهي تقبل الأمر الواقع أي الإله المنتصر!وهنا يصيب الفساد فكرة الإله نفسه..إنه التفاف على فكرة الله العظيمة نفسه. فبدلا من أن يستلهم الإنسان كل ما هو سام وعظيم في هذه الفكرة-المثال، ويتعلم منه، راح يشوه الفكرة نفسها ويضفي عليها صفات شيطانية و تسلطية ونرجسية، خاصة به هو. وهذا بالضبط ما فعله كبار الطغاة والأنبياء ورجال الدين.
..أمر مهم جدا حول مناقشتي لهذا الرهان.. وهو أنه رهان تصح تسميته رهان الأنذال وليس باسكال!فنحن نعمل به كمسلمين ومسيحيين وحتى لا دينيين سلفا وقبل ظهور الرسول بل منذ كتابة أول سفر من اسفار التوراة!
الديانات التوحيدية هي في الحقيقة ديانات باسكالية.. لا تنكر تهافت منطقها.. وفي الوقت نفسه لا تنكر استعدادها لإرهاب كل من لا يراهن على شكل واحد من أشكال الرهان الأربعة!هل هناك احتمال خامس؟ كلا !! جميع آيات الدين وكتبه تؤكد ذلك! افتحوا أي صفحة إلهية مقدسة وسترون روح ومنطق الرهان متغلغل فيها كليا.بالمناسبة هذا يؤكد أن باسكال لم يفكر بالرهان من وحي ذاته .. بل من وحي إيمانه.. وهو إيمان قائم وفقا لهذا المنطق.. لهذا كان من الطبيعي أن يكتشفه بسهولة عند مواجهته لأي أزمة “إيمانية”. بدليل أنه لم يفكر بوجود خيار عدم دخول الرهان أصلا !!هذا الرهان كان أيضا هو رهان عمر بن الخطاب.. حين قبّل الحجر الأسود!!كان رهان الغزالي بعد أزمته الشكية كذلك رهان الشافعي حين خرج من سجنه وأصبح “شافعيا” منضبطا، يعمل في بلاط الخلفاء.كان رهان معاوية وجميع خلفاء بني أمية.. رهان أئمة الشيعة الاثني عشر..وهنا أشير لأمر مهم.. إن كشف حقيقة أن هذا الرهان غير أخلاقي .. لا يعني أولا: إدانة كل من عمل به.. على العكس.. إنه يكشف عن صعوبة الحياة بصفتنا بشرا في عالم متغير و مخيف وشرير بطبعه!
ثانيا: هذا لا يعني التغافل وعدم إدانة كل من يعمل به في زمننا الحالي.. فتفهم ظروف الحياة قديما.. لا يعني قبول ترحيل ما أسفرت عنها من قيم وأعراف في زمننا الراهن. تحت رداء مزيف اسمه القداسة والتراث والدين.
ما هو الرهان؟
الرهان يقول ببساطة
1-من يؤمن هو شخص مقامر سيربح كثيرا ويخسر قليلا. أما من لا يؤمن بالله فهو شخص سيخسر كثيرا ويربح قليلا.
الصيغة الأصلية له عرضها (باسكال) من بين عدة رهانات مشابهة. فكرة الرهان تتعلق بنظرية اللعبة ومن خلالها استنتج أن الخيار الأفضل هو الإيمان بالله فهو الخيار المربح! بغض النظر عما إذا كان الله موجوداً حقيقة أم لا:وخلاصته في أربع خطوات
- إن آمنت بالله – كان موجوداً === جزاؤك الجنة ==> ربح لا محدود
- إن لم تؤمن بالله – كان موجوداً === جزاؤك جهنم ==> خسارة لا محدودة.
- إن آمنت بالله – وكان غير موجود، === لا جزاء ==> هذه خسارة محدودة.
- إن لم تؤمن بالله – كان الله غير موجود === لن تُعاقب للأبد لكنك عشت كما تشاء ==> ربح محدود
الأرباح والخسائر في النقاط 3 و4 يمكن اعتبارها كخسارة الفرص الناتجة عن ادعاء الإيمان والعيش حسب قوانين الدين كونها في أغلب الأحيان أكثر صرامةً من القوانين المدنية. هذه الخسائر محدودة لأن الإنسان سيموت
محمد ورهان باسكال
أول من طبق هذا الرهان هو النبي محمد
وهي تطبيقات ما زال معمول بها، ومستمرة حتى يومنا هذا .. بل أن هذه التطبيقات تتلقى التبجيل والتقديس والمديح المستمرادخل أي مؤسسة أو قناة دينية أو حكومية فتجد هذا التبجيل العجيب للدين والله والرسل بل وحتى رجال الدين وكل ما اشتق عنهما..فلا يعقل أن يكون هناك مليار ونصف مليار مسلم ولا نسمع بوجود تلفزيون أو قناة أو مؤسسة واحدة يدعمها المجتمع للحديث عن المشاكل الهائلة التي يخلفها الدين للمجتمعات المسلمة وغير المسلمة..
ج2
ما علاقة التوكل على الله رهان باسكال؟
جميع ايات التوكل هي آيات مراهنة على الله وهي بمعنى ما آيات باسكالية
ربما الذين يسلمون حديثا يكن عندهم بعض الشك ولكن الاستمرار على الطاعات يولد الايمان ( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) – وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ- تفيد انهم ان استمروا على اسلامهم سيدخل الايمان في قلوبهم .
وكي نكون واقعيين ولا نحمل الدين المؤسساتي، وزر استعماله لسبل النفاق لفرض شريعته. لابد أن نقول إن النفاق الإنساني ضروري ومفيد في جانب منه، وإلا لما أصبح صفة من صفات الإنسان الأساسية..
النفاق هو الوسيلة الأفضل لجعل كل فرد عضوا متعاونا داخل الجماعة.النفاق هكذا هو الخطوة الأولى التي تجعل الفرد منضويا داخل الجماعة. لابد من النفاق إذا لتعالي الفرد على ذاته وعبور المنطقة الفاصلة بينها وبين الذات الكلية الافتراضية للجماعة.
تأتي بعدها الخطوات اللاحقة والتي تسحق فيها الذات بذاتها ذاتها لكي تعبر الخط الفاصل بين الإنسان وجماعته الجديدة.. ويتحقق من ثم الحلم الكبير وهو الذوبان الكلي في الجماعة.لكن هذا الحلم الكلي في الذوبان بالجماعة صعب جدا. مثل البقاء في حالة انفصال عنها. ولا يحققه إلا كبار المتصوفة. ولهذا يعتبرهم عموم الناس شخصيات مبروكة. فيما عدا طبعا أنصاف الذائبين من رجال سلطة ودين.
طبعا الجماعة الكلية تتخذ اسم الدين الصحيح.. ورمزها الإله الرحيم الحكيم
يمكن مقارنة تحولات الرحلة بين الفرد الأناني والجماعة الإيثارية.. بتحولات الشيطان إلى رحمان نحلة في مملكتها.
شواهد تطبيق محمد لرهان باسكال
حديث أبو ذر..
حديث بنات الأصفر..
حديث مرض أبو طالب عن الإيمان بإله سيجعلنا نملك قصور كسرى والرومتكفير وقتل تارك الصلاة..
اختراع الفرائض وفرضها..مبدأ أسلم تسلم..
التلقين المستمر للأطفال..
الحجاب والتحجيب ونشر ثقافة الاجتناب لأي شيء يتعلق بالدين والسلطة وأكابر القوم..
منع النقد منعا باتا والقضاء على أي محاولة لنشر الثقافة النقدية
نشر ثقافة القناعة كنز لا يفنى.. وأطع الحاكم ولو سرق مالك وجلد ظهرك ..وما إلى ذلك..
طبعا عشرات الآيات التي تحث على النفاق..وايضا يكفي مثلا أن تسمع أي مسلم وهو يزعم أن مكانة العقل أساسية في الإسلام و أنه دين العقل والعقلانية الخ،ثم تفاجأ بأن إعمال العقل في الدين محرم ليقول لك المسلم نفسه، إن من اعتمد على عقله ضل وأن من تمنطق تزندق، وان الدين لو كان بالعقل لكان المسح على باطن الخف لا ظاهره؛ إلخأي أن المسلم وغير المسلم بين شعوبنا يتلون كما الحرباء. المهم أنه يبقى محافظا على رهاناته الباسكالية. فأي مس بها. ستحول حياته إلى جحيم!لهذا فإن المسلم لا يؤمن بالإسلام إلا شكليا.. هو مؤمن في الحقيقة بدين باسكالي يراهن على نتيجة واحدة فقط من رهان باسكالوهذا الأمر بالنسبة له منهج و أسلوب حياة، وهو مبرمج مثل أي مسلم آخر على مُدارات عقائده من باب التقية لكي لا يتم فضحها ووضعها تحت مجهر المناقشة، المسلم مأمور بان يداري حقيقة عقائده حتى لا يبدأ الناس في الحديث عنها و يطالبوا بتغييرها،وعليه انزعج جميع الأصوليين من أفعال داعش، رغم أنها عقيدتهم نفسها، لكنهم عابوا على داعش أفعالها، وطبعا ليس اهتماما بالحقوق و الحريات، وإلا لآمنوا بما يخالف معتقدات داعش، لكن كل القضية هي أن داعش صدقت الشكل الخارجي للعقيدة والتي تسمى إسلام ولم تدرك ما يدركه علية القوم من أن المسألة كلها مجرد رهان على حل واحد من حلول رهان باسكال وإرغام الناس على اتباعه.
لهذا سارع أغلب هؤلاء للتبرؤ من داعش ومنهجها، وهنا يصبح النفاق مزدوجا إلى حد مثير للضحك، فكبارهم أشاروا عليهم بالتبرؤ من داعش وهم يعرفون أن الأأمر يتعلق بدينهم الباسكالي الخفي. أما الصغار.. فهم ما زالوا مؤمنون بالعقيدة السطحية التي تسمى إسلام. وأكثر ذكاء وسطحية يقول.. نختلف مع داعش في قضية واحدة فقط وهي معصية ولي الأمر.
والأمر مشابه للتعامل مع الأحاديث المحرجة جدا في البخاري، مع هذا تمت الاستعانة برهان باسكال.. وذرف الدموع دفاعا عن البخاري وعن قردته الزانية وثعبانه الأقرع، وهكذا مع كل شيء مماثل مثل الصلب والجلد والتكفير إلخ.
هذا يوضح لنا كيف أن تجليات وتطبيقات هذا الرهان هي الحاكم الآمر الناهي في جميع البلدان العربية الإسلامية منذ 1500 عام!
وهذا مشروع بحوث كبير أتمنى أن يتبناه عدد من الباحثين.. فمن خلاله سيجدون مفاتيح الذهن العربي الإسلامي الأساسية.. والتي بقيت مقفلة منذ قرون على أصحابها.
كيف هو الآمر والحاكم؟
بصراحة اكتشفت هذا الأمر حين اطلعت على تفاصيل رهان باسكال ثم حاولت بعدها أن أرى ما قيل عنه إسلاميا في المواقع .. فوجدت وعبر غوغل رضي الله عنه، شيئا مذهلا.. يصح تعميمه على أي تناول لنا لفكر أو فلسفة يأتيان من الغرب..وهو أننا نتعامل معه بمنطق وطريقة هذا الرهان نفسها! بما في ذلك التعامل مع الرهان نفسه!
انهم يتحدثون عنه وكأن هذا الرهان مسألة فكرية طريفة ولا علاقة لها بالممارسة على الأرض والحياة اليومية..
لم أجد أحدا يتحدث عن الرهان ويحاول ولو تلميحا إيجاد مظاهره التي لا تحصى في حياتنا ولغتنا وجميع مناحي تاريخنا أفرادا وجماعات..شرعت في مناقشة الموضوع.
- النقد كثير جدا على هذا الرهان.. تهتم أكثر في توكيد أيمان المؤمنين وليست لإقناع غير المؤمنين.
- لماذا يفترض المراهن أن مشاركته في الرهان حتمية وأن لا يوجد خيار ثالث؟هذا يكشفأولا حقيقة الرهان الأصلية. وهي أنه رهان إجباري!بل يكشف ما هو أكثر. أن هناك سوقا واحدة فقط تسمى سوق الله وأن على الجميع أن يبيع ويشتري فيها حصرا!وهذا أمر لا أفترضه إنما هو الحقيقة.فالبشرية كلها ما عدا شرق الهند وآسيا وجنوب إفريقيا. مرغمة على “التداول” في هذه السوق بمختلف أنواع هذا الإله .. فهو يأتي بعملات مختلفة منها الله المحمدي والله اليسوعي.. والله اليهودي. ولكل منهم أنواع فرعية..وكلها في المحصلة تشترك في بورصة إلهية يقودها أولياء الأمور.. والطامعين في مناصبهم. ووفقا لأنماط وحدة هذا الصراع “بين العملات” والمضاربات بينها، يعلو شان أحدها على الأخرى.. تاريخيا.. أثبتت عملة إله محمد و إله عيسى وبولس.. إنها العملة الأقوى. لكن هناك منافسون أشداء أيضا.. فضلا عن إصدارات خاصة منها عملات شيعية وأخرى سنية و كاثوليكية وبروتستانتية .. وهي ترتفع وتهبط بين فترة وأخرى.
- ثانيا: أن من يطرح هذا الرهان يفترض أن وجود الله محسوم سلفا.. وهناك خيار وحيد هو الاعتراف بوجوده أو العكس. وأنه سيربح الرهان في النهاية!
- طبعا هناك مؤمنون يقولون أغلب المؤمنين الذين سألتهم أثناء كتابة هذا المقال أن الإيمان يجب أن يبتغى لذاته، وليس لأرباح وخسائر ثمّ أنّ الإيمان شيء روحي وليس قرارًا عقليًّا. وهذا كلام غامض.. كما أنه رهان غير مفتوح لكل الأديان التي تفترض قوة عليا تكافئ على الإيما
- الرهان على أي إله؟ يهوى أو المسيح أم محمد أو حتى أهورا مزدا؟ هذا معناه أن احتمال نجاح الرهان اقل حتى من احتمال نجاح المقامر في الكازينو! فهناك مليون إله فأيهم الرابح؟ الفرق بين الملحد والمؤمن هنا واحد بالمليون فقط! ثم أي إله هذا الذي يدخلك الجنة فقط لأنك راهنت عليه!! ماذا عن ملايين البشر غيرك؟ (فيديو ديفيد)
- قد يقول البعض انا أرتاح مع ربي.. أنا مرتاح بإيماني هذا.. الله يعمل لي مساج على حد تعبير ديفيد رجل الكهف
- أن صاحب الرهان مخادع وقفاص حقيقي! يريط شيئا ويخفي عنك أهم شيء! أو يجعلك تغفل عن أهم شيء وهو حياتك وتصرف اهتمامك كله لما بعد موتك! وهذه قمة اللا أخلاقية فهذا المراهن يفتقد إلي الشفافية والصدق: فهو لا يجري عملية تقييمية لنتائج هذا الرهان في حياة المراهن نفسه. بل أنه يلقي حجر الرهان فيما بعد الموت.وكان هذا الإنسان لا يعاني من أي شيء في حياته وكل ما تبقى له أن يضمن “مستقبله” في جنة الآلهة بعد مماته!لو امتلك هذا المراهن أدنى درجة من الأخلاق والالتزام الإنساني، لقال لمن يطالبه بالرهان. أن عليه أولا أن ينتبه إلى حياته ومن يهيمن عليها..
- أن صاحب الرهان يكون دائما، من الطبقة الحاكمة أو الحاشية المرتبطة بها. غالبا ما يكون هؤلاء هم أكبر المستفيدين منه، فيما يكون المؤمنين العادجيين أكبر المتضررين منه
- إن الرهان على الإلحاد أو عدم الإيمان سيكون أفضل.. فهو سيضمن للإنسان حق ممارسة حياته كما يشاء. ودونما الحاجة لخسارة وقته وجهده وماله وربما حتى حياته على قضية الإيمان.. وفي الوقت نفسه فإن أكبر الخاسرين هم الحريصون على فرض هذا الإله على الناس
- ثم لو راهن باسكال على إلهه وفجأة وجد نفسه في الآخرة أمام الإله إيل وهو أب الإله يهوى مثلا.. فماذا سيقول له؟ تركتك وعبدت إله آخر؟ سيكون حاله أفضل بكثير لو قال إنه لم يعرف أي إله يعبد.. البقاء على الحياد بين الآلهة أفضل في هذه الحالة بكثير.. وهو الوحيد الذي سيحظى بفرص متعادلة وأكثر واقعية من جميع الجوانب.
- ما يلفت النظر في هذا الرهان أن من يؤمن به أو يتحجج به، لا يفكر بأن الإنسان كائن حر ويجب أن توضع مسالة إرادته قيد النقاش قبل أي رهان. لكن هذا غير ممكن.. والسبب كامن في طبيعة الدين نفسه. فهو لا يفترض حرية الإنسان منذ البداية. بل لا يفترض إنسانية الإنسان.
- ثم لماذا كل هذا الاهتمام بالإيمان؟ هذا أمر مثير للريبة والشك. لماذا نلاحظ أن هذا الإله لا يبالي إلا بالإيمان به على حساب ..الصدق والرحمة والعمل الطيب والسعي إلي المعرفة والتقدم .. ماذا سيقول هذا الإله حين يسأله برتراند راسل عن سبب شحة الأدلة على وجوده؟ دوكنز يتساءل ألم يكن راسل يستحق الاحترام على هذا الموقف، أكثر من موقف باسكال الجبان؟ألم يدخل راسل السجن. لأنه رفض ح ع الاولى؟
- ولو كان رهان باسكال صحيحا فلنمض أبعد في المراهنة.. ونقول إن هذا الإله يفضل أن تكذب عليه على أن تصرح بكفرك به!.. وهذا مؤشر على حقيقة هذا الإله النسبية والنفعية جدا. (السلطة لا تبالي إلا بدوام سلطتها، وإن تضرر المحكومون)
- الخلاصة أن حل المشكلة يتعلق بمعرفة حقيقة الله. فهو ليس ذلك الذي خلق كل شيء. إنما الذي خلق الجماعة ورزقها ورباها (ربى من الرب) وسهر على تربيتها.. وجعلها تؤمن بوجود رب يربي ويحمي ويعاقب ويدافع وينصر ويثيب الخ..الله هو السلطة الحاكمة
استنتاجات 1
- المهم في هذا الرهان أن صاحبه تجاوز مسألة وجود الله من عدمه! وأقر أن المسألة لن تحسم مهما حاولناوهذا يستدعي نتائج خطيرة.. أن الله لا يمكن الإيمان بوجوده! وأن الأنبياء غير صادقين في مزاعمهم! أي أن الله أوحى إليه!ولو لاحظنا أن هذا الحال يشعر به جميع البشر.. لكنهم يراهنون بالفطرة على رهان باسكال توخيا للسلامة!
- أيضا أن الله ناقص وغير كامل المواصفات.. أي أنه يقبل منك الإعلان عن الإيمان به زورا! وهذا يساوي بين الخالق بالدولة والمسؤول والقاضي والشرطي
- المهم أن تخدعه ولا تترك له فرصة لإثبات نقطة سيئة عليك!
- 4- في النتيجة ما يطلبه الله منك.. أن تكون منافقا للجميع لو لزم الأمر: لنفسك ولأهلك ولبلدك ولربك! كل هذا من اجل ماذا؟ من أجل الإيمان بإله لم يكلف نفسه تقديم دليل على وجود وينهي المشكلة!وهذا يكشف حقيقة أخطر وهي أن على الإنسان أن لا يخشى من شر أعماله كما يدعي رجال الدين، إنما من شر ربه!
الملحد أنزه وأكرم من المؤمن
- هذا الرهان يقدم شرعية أخلاقية كبيرة جدا للإلحاد. فهو يضفي صفة النفاق على الإله والمؤمنين به، فيما ينتقد الناس الصادقين الذين يقولون الحقيقة ويتحملون نتائجها الوخيمة عليهم. هكذا أصبح الملحد إنسان نزيها وكامل الإيمان أكثر من أي طرف ثالث.. اي أن من كسب هذا الرهان هو الملحد أو غير المؤمن في النهاية!– يبدو باسكال ملحدا في هذا الرهان.
- كما رأينا الرهان يكشف لنا مآزق خطيرة ومحرجة جدا..وأقترح أن المسألة بأكملها، سببها عدم معرفتنا بحقيقة الإله والدين. واننا بمجرد أن نفهم حقيقة كل منهما ستتضح لنا الصورة تماما. كيف؟ لنفترض أن الله هو الكلمة التي كانت ترمز لسلطة الدولة أو الجماعة قديما. (أقترح دائما اعتبار فكرة الله فكرة سابقة على فكرة الدولة الحديثة بأشكالها المختلفة تحديدا)باسكال هنا يؤمن بأن الله هو صيغة من صيغ الدولة
- هنا سنفهم أن افتراض رضا الإله بالمؤمن حتى لو كان شكليا ومنافقا هو افتراض صحيح وعملي جدا!
- أي أن خيانة الرجل لزوجته أو الزوجة لزوجها أمر مقبول إن بقي سرا! المهم دوام العلاقة والإيمان المشترك بسلامة العلاقة بينهما! لماذا؟ لأن الغاية هي تربية الأطفال لجلب قوة إضافية للجماعة أو القطيع
- أن الدين يفعل هذا حقا! ولو زنيت أو سرقت! وأن الناس جميعا يفعلون هذا! هناك اتفاق عام على النفاق .. بسبب الدينوهذا يوضح كل المشاكل التي تعاني منها المجتمعات الدينية! المهم طاعة الله والحاكم وكل ما عدا هذا جائز ..وهذا هو الجاري فعلا!
- أن المؤمنين جميعا يفعلون هذا حقا! وحتى لو أنكروا هذا فهم يفعلونه ! طبعا هناك سورة خاصة بالمنافقين. لكن وجودها ليس دليلا على أنه الله يرفض وجود المنافقين. فهو يبشر المنافقين بعذاب أليم لكنه لا يمانع إن وجدوا
- أن الله نفسه وفقا للنصوص لا يؤمن بالإنسان! ولا حتى بنفسه! فهو يشتكي دائما من عصيان المؤمنين له! وكأنه يعترف بأن تعاليمه قاصرة ومعيوبة! وأن من ينقذ الله من مأزق إثبات وجوده هو الإنسان نفسه .. وكأن الإنسان يرأف بحاله ويقول له حسنا سأؤمن بك. ولكني مضطر لذلك وبسبب قوتك وقدرتك على فعل الشر !! وهذا التصرف بالضبط هو ما نفعله مع الدولة!ويكشف سبب الصراع بين الآلهة المختلفة. فهو صراع بين الحكام في الحقيقة وكبار رجال الدين.
- وما يؤكد هذا أننا نؤمن بالإله الشغال أي المتوفر والذي أثبت قوته وحضوره وسلطته. وهو ما يقوله رجال الدين وخاصة السلفية.. الطاعة للحاكم المتغلب! وطبعا لإلهه! وهو تبادل أدوار بين الطرفين. نعترف بسلطتك في القصر مقابل أن تعترف بربنا أي بسلطتنا في الشارع وعلى العامة المساكين فيه!
- هنا يكشف الرهان عريه الكامل ونستطيع رؤية الإله العاري لجميع الأديان. ليتضح أن كلا منهم يمثل السلطة المهيمنة على أناس محددين في حياتهم وليس بعد مماتهم. وأن في الرهان بالطبع على أحدهم السلامة وأن في تركه الندامة! حتى بعد الموت..والسبب هو أننا نشقى طوال حياتنا من أجل أولادنا وأهلنا. وأي تنصل من هذا الإله سينسحب عليهم..وقد لا يرثونا!
- في المحصلة لماذا لا نكشف حقيقة هذا الرهان ونحل المشكلة؟ لماذا لا نلاحظ الثمن الباهض الذي ندفعه للإيفاء بإلتزامات هذا الرهان على إله واضح أنه يعمل في خدمة القابضين عليه من رجال حكم ودين؟والسبب هو أن هؤلاء سيستولون عليك كليا باسم الإله وهذا الرهان المزعوم. ستقتنع بسبب جبنك وخوفك منهم ومن ربهم أن الخسارة ستكون قليلة المهم انك ستربح الربح الاكبر في النهاية أي بعد المماة!!وهذه هي المقامرة الأكبر!!وهي مماثلة تماما للمقامرين المدمنين في كازينوهات القمار.. فأحدهم يصرف كل ما لديه عسى أن يربح أضعاف ما يضحي ..
وفي النتيجة لا يفوز بأي شيء! وقد يبيع حتى ملابسه!وهنا سنكتشف المشكلة الأخطر لرهان باسكال وهي أنه رهان يشجع على الإدمان!وهذا ما نراه في المقامرين.. فهم رغم خسارتهم لكي شيء. يواصلون المراهنة! بل أنهم يرون القائمين على الكازينو كيف يتلاعبون بهم. كما يرى المؤمن كيف يتلاعب به رجل الدين! ولا يفعل شيئا!!
ثم لماذا العبادة؟
ما وجه المنطق في تلازم العلاقة بين وجود إله وعبادته؟.. هناك إله لا بأس ولكن لماذا يجب أن أعبده؟ وفوق ذلك ساعاقب إن ألتزم بالعبادة؟ هذا مضحك إلي حد يثير القرف!!
أي إله هذا يجازي وفقا للرهان هؤلاء الذين يعبدونه فقط لاتقاء ناره!!ما قيمة هذا الولاء للإله العظيم خالق مليارات المرات كما يقال؟
الأمر أشبه بمطالبة الإنسان بالإيمان به من قبل جميع النمل وعبادته!
فلو كان الهدف نبيل وهو صلاح العالم ونشر الخير، فهذا لم يفعله الله فأعظم العلماء الذي انقذوا حياة الملايين مصيرهم ناره الأبدية..وعليه نتساءل: ماذا يريد الله منا بالضبط؟ الحب الحقيقي والطاعة، أم الطاعة بسبب الخوف؟
وأخيرا ماذا لو كان هذا الإله الإفتراضي لا يحاسب أصلًا؟ أو ربما هذا الإله لا يأبه بالإيمان به؟ يحاسب فقط على الأعمال الخيّرة
وهنا الكارثة التي لم يحسب لها باسكال حسابا.. فإن كان لا يهمه الإيمان، يبرز هنا رهان مضاد:
إذا كان هذا الإله موجودا أم لا، فلن يخسر الملحد شيئا–لأنه كان خيرًا. أما المؤمن لن يكسب شيئا لأنّ هذا الإله لا يريد الإيمان،
فإذا كان موجودًا لا يكسب وإن لم يكن موجودًا لا يكسب.
عندها يتبين أن الملحد يربح في الحالتين.ومجرّد إمكانية وجود رهان الملحد ممكنًا بنفس القدر من الإمكانيّة المنطقيّة يضعف قوة رهان باسكال.
رهان باسكال
وأخيرا يناقش راسل رهان باسكال المشهور
وهي أنك إن لم تؤمن بهذا الإله مع إنه موجود، فستكون ملعونا إلى الأبد.. وعليه فإن الأفضل لك أن تؤمن.هذه لعبة غميضة .. يشتهر بها العقل البدائي.
لكن لنفترض أن هناك أحدهم قال: نعم هناك إله لكن هذا الإله تعمد حجب الادلة على وجوده، وخلق عالما تحرض الإنسان على نفي وجوده.. ومع هذا فإنه سيلعن كل من يفشل في الإيمان به وبوجوده!وهنا يبرز سؤال: أهذا تصرف إله يستحق العبادة؟
ويختم راسل حججه قائلا
واخيرا إذا كان هناك إله فمن المخزي إنه لم يقدم دلائل على وجوده.
الرهان على الله لم يعد خيارا إنسانيا مشرفا
خلاصة رأيي في فكرة الرهان باعتبارها مسالة يمارسها الإنسان بالفطرة في جميع مناحي حياته! وليس بالرهان باعتباره فكرة باسكالية أقرب منها للفلسفة أو الفذلكة وليس الواقع..
رأيي: أن حياة الإنسان أسمى من وضعها تحت رحمة أي رهان.
بما في ذلك المراهنة على الله الذي يوصف بأنه عادل ورحيم ورزاق ومحب إلخ..
الإنسان أصبح ناضجا واعيا وقادرا على العمل وفق نظام يضعه بنفسه ولا حق لأحد بالتحكم به..
- أن الرهان ينفع من يحث على التصديق به و”الارتهان” له و لنتائجه.. وهناك آية في هذا المجال..وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَخْشَ ٱللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ فائزون بماذا؟ بالرهان على الإيمان بالغيب.. والحساب والثواب والعقاب في يوم القيامة
المؤمن أكبر وأخطر أنواع المقامرين وأكثرهم مقامرة حتى بحياته..