ازاميل/ متابعة: نشرت إيلاف مقالا جريئا ويفند بموضوعية الكثير من القضايا الإسلامية المثيرة للجدل تشريعا وفقها، والتي مازال يعمل بها حتى الآن وأدت فيما ادت إلى سفك دماء مئات الألاف وبحجج وتاويلات فاسدة ومتعسفة.
ولأهمية هذا المقال..نعيد نشره هنا أملا بان يحظى بالمزيد من النقاش والتعقيب من قبل زوار الموقع الكرام..
فضلا عن نشر شريط فيديو للتسجيل الكامل لكلمة “نائب الخليفة” في عشائر من الموصل.
الخليفة نائب الله
عمار السواد
يقول مساعد أبو بكر البغدادي أمام تجمع عشائري لتجديد “بيعة الخليفة” في الموصل: “في أول يوم من الفتح فتحنا باب التوبات، وقبلنا الناس، كما قال أميرنا، مع انّا قدرنا عليهم، وقبل القدرة، كان باب التوبة مفتوح، ولكن بعد القدرة أصبحت منّة من أمير المؤمنين”.
(فتحنا باب التوبة ـ التوبة منّة من امير المؤمنين )… لا فرق بين معناهما و”صكوك الغفران” الكاثوليكية قبل ظهور مارتن لوثر، عدا إن التوبة هدية من “أمير المؤمنين” والصكوك تباع بالمال. وهناك أيضا صكوك إسلامية “تباع” عند أخذ الجزية للعفو عن “أهل الكتاب”. الأمر مثير للاستفزاز، حين يعطي الانسان لنفسه الحق بتقرير مصير الآخرين، بحسب تفسيره للنصوص المقدسة. وأحياناً يعطي لنفسه أهمية أكبر من النصوص، عندما يتفضل بالعفو عن الناس، باعتباره الماسك بحياتهم ومماتهم.
إن التيارات الدينية السلفية تتهم الكثير من المسلمين بالشرك، بينما تمارس هي ذلك. فـ”فتحنا باب التوبات منّة” ينطوي على مزاحمة “الله” على سلطته. التوبة في المفهوم المعروف “منة من الله”، لكن الخليفة ينافسه على هذا الفضل، يهبه متى شاء ويمسكه حين يريد. لا فرق بين هذا وما يقوله القران عن نمرود (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وأميت).
والكثير من المفردات السائدة في العقل السياسي الإسلامي وفي مقدمته العقل السلفي، تنبع من إعطاء بعض الأفراد حق النيابة عن “الله”. بذلك تتأسس مزاحمة المخلوق للخالق في شؤون خلقه، لتندلع الحروب المقدسة، وتباد الجماعات البشرية باسم الإله، ويقمع الإنسان بالنيابة عن الرب. ذلك يحصل اعتمادا على تفسير لنصوص دونت بعد مئتي سنة، او نص قرآني مختلف على تفسيره… فهذه الحروب وممارسة القتل، فعل بشري صرف، لا مكان فيه للبارئ، سوى أن القاتل يدعي النيابة، وبهذه الدعوى فهو ليس مجرد قاتل، بل مفترٍ على الله. وان مقولة “اجتهد فأخطأ” واحدة من أقبح المقولات في التاريخ، خصوصا حين تطبق على من قتل الناس او سلب أموالهم واعتدى على نواميسهم.
من سن مثل هذه المقولات شرعن القتل، وأعطى البشر حق سلب الحياة من البشر، تحت لافتة “الاجتهاد”. وكأن أحكام الخالق، وعقائد الدين، وشؤون الخلق، سبيل يتحكم به أي مدع. الثقافة التي تعطي هكذا حق، وتساعد عليه، مصنع من مصانع القتلة باسم السماء، يجب مراجعتها وتقويضها، لأنها خلاقة للقبح. ونفسها شكلت جيشاً من الناس يمارسون الوصاية على الاخرين، والنظر نحوهم بعين التكفير أو التفسيق، وإضفاء القداسة على مثل هذه النظرة. والانسان الذي يرى نفسه مؤمنا وملتزما، يرى نفسه أيضا صاحب سلطة على الآخرين، ينظر بفوقية، ويشرعن، بقصد أو دون قصد، لاستباحة الدماء او النبذ المقدس.
إعطاء هذه السلطة للانسان بالادعاء أنها حق رباني، سواء لكونه خليفة أو ولي فقيه او ملكاً ورئيساً، والتي تنسحب الى عموم الافراد، عدوان من الإنسان على الإنسان لا صلة له برب الانسان… فهؤلاء صناعة بشرية، وبتعبير أدق هم نتيجة لقوانين “وضعية” كما يعبر الاسلام السياسي عندما يصنف الثقافات والقوانين الى “ربانية” و”وضعية”. لأن الإسلام السياسي وعموم ما أنجزته منظومة الفقه والعقائد الاسلامية من شخوص وقوانين وعقائد هي سلوكيات وضعية، لأنها تفسيرات بشرية للنص (اجتهاد). وأكثر؛ القوانين والأحكام الوضعية، في بلدان الحضارة الديمقراطية، لا تصدر اعتباطاً او اعتمادا على ارتجال من شخص يهب لنفسه الحق المقدس بتفسير قاطع وجازم للنصوص، انما على ادوات ومنهجيات غير ارتجالية لا تثق بعقل واحد. بينما التفسير المقدس، في الكثير من نسخه، ينبع من “اجتهاد” فردي يطبق على الأمة وتخضع له الجماعات وتسفك به الدماء.
إنها الدكتاتورية بنسختها الأكثر خطورة. دكتاتورية تزعم النيابة عن الله.