أزاميل/ متابعة: قدم الدكتور خزعل الماجدي في (لاهاي) في هولندا المحاضرة الثانية و العشرين من سلسلة محاضراته عن وحدة وتنوع حضارات العراق في 24 من شهر نيسان – أبريل 2015 وكانت بعنوان (متصوفة العراق : نداء الروح ) في النادي الثقافي المندائي في لاهاي ، وانقسمت المحاضرة الى ثلاثة أقسام أساسية هي :
القسم الأول : مقدمة في التصوف والتصوف الإسلامي
وأورد فيها المحاضر تعريفات كثيرة للتصوف (لغوياً واصطلاحياً ) وعلى لسان المتصوفة والمختصين بالبحث العلمي في التصوف ، ورأى أنه واحد من الحقول الباطنية للإنسان في كل حضارة وديانة في تاريخ البشرية ، وامتاز التصوف بأنه السير في طريق الزهد، والتجرد عن زينة الحياة ومغرياتها، وأخذ النفس بأسلوب من التقشف، حتى يضعف في الإنسان الجانب الجسدي، ويقوى فيه الجانب النفسي أو الروحي سعياً إلى تحقيق الكمال الأخلاقي للنفس.
فالمتصوف يبحث عن الله في روحه ويطلق لها العنان لتعرف طريقها إلى الله وتتصل به . ورأى أن التصوف هو القاسم المشترك لكل الأديان في العالم وهو نزعة عابرة للأديان وتتسامى فوق الأديولوجيات الدينية وتعبر على تزمتها وتبتكر اتصالاً مباشراً مع الله ، وناقش المحاضر علم التصوف ( مستكولوجيا ) الذي رأى بأنه علم يدرس التصوف وكل مايتعلق بالباطنية والاسرار ، لأن التصوف جزء من الاهتمامات الباطنية للإنسان ولكل واحد من هذه الاهتمامات علم خاص به رغم أنها تنضوي جميعها تحت باب علوم الدراسات الباطنية (إيسوتريكولوجي ) وهي في حدود 23 حقلاً منها الغنوصية والهرمسية والخيمياء والتنجيم والثيوصوفيا والتصوف وغيرها .
وناقش المحاضر وجود التصوف في أديان العالم القديم في العالم كله ومسمياته الكثيرة وأكد على حضوره في الدين اليهودي من خلال الكابالا وفي الدين المسيحي من خلال الرهبنة ، لكنه أكد على خصوصية التصوف الإسلامي وفرادة تكوينه ونشأته المحلية حيث يقول الباحث ترامنكهام : التصوُّف أمر طبيعي، ظهَر ونَما ضمن الإسلام نفسه، ولا يَدينُ إلا بالقليل لمُعطيات الثقافات الأجنبيَّة، وعلى الرَّغم من خضوع التصوُّف لإشعاعاتٍ فكرية صادرة عن الحياة الزُّهدية الصُّوفية المسيحيَّة الشرقية – فإنَّ النتاجَ كان نسيجًا إسلاميًّا، يتَّبع طرازًا إسلاميًّا متمايزًا، ومن ثَمَّ فإنَّ نظامًا صوفيًّا مُتقنًا، نشَأ وتَبَلور بصورةٍ ذاتية داخل الإسلام، ومهما كان الأثر الذي ترَكته الأفلاطونية المُحدثة، أو المذاهب الغنوصية، أو التصوُّف المسيحي، أو غير ذلك من الثقافات الأجنبية، فإنَّنا وبحقٍّ نعتبرُ التصوُّفَ – كما اعتَبره أهلُه – العقيدةَ الرُّوحية للإسلام، والسرَّ الجوهري الحقيقي للقرآن”
القسم الثاني : تاريخ التصوف في العراق
يمثل القرن الثاني الهجري (8 ميلادي ) البداية الفعلية حيث ظهر في العراق إلى المشرق الإسلامي، وكان من دوافع انتشار الطرق الصوفية العزوف عن الدين السياسي والممارسة الشكلية للدين ونضوج الهيكل الروحي الإسلامي وتفتح العقل لقبول النزعات الفلسفية والروحية . وقد ظهر من بين المسلمين من وضع كتباً مهمة في التصوف وطبقاته وأعلامه وتاريخه وقد قسم المحاضر تاريخ التصوف في العراق وعامة بلاد المسلمين الى أربعة فصول كبرى سماها بأسماء فصول السنة وكل منها ينقسم إلى مراحل حسب القرون الهجرية وكما يلي:
أولاً : ربيع التصوف (1- 500 ) هجري
1.مرحلة الزهاد (القرن الأول الهجري) حيث ظهر مؤمنون تعلقوا بالزهد والتعبد وتخلوا عن الدنيا وانقطعو الى العبادة ، وكان يسمون بأسماء مختلفة مثل ( الزهاد ، الفقراء، البكائون) ومنهم حذيفة بن اليمان.
2.مرحلة المؤسسين الأوائل للتصوف (القرن الثاني الهجري) حيث ظهر التصوف كسلوك واضح وسمي بهذا الإسم واتبع العزلةالصوفية في الغارات والمعتزلات وظهرت الأخلاق الصوفية ومازال الإبداع قليلاً فيه ، وتنافست البصرة مع الكوفة في ريادته لكن الصرة تفوقت في بدايات التصوف والحب الإلهي وقد ظهر في هذه المرحلة المتصوفة ( الحسن البصري، أبوهاشم الكوفي ، رابعة العدوية ، معروف الكرخي).
3.مرحلة الرسائل والمفاهيم والمصطلحات الصوفية (القرن الثالث الهجري) حيث احتك التصوف بعلوم اخرى مثل علم الكلام والفلسفة وظهر جهاز اسطلاحي خاص بالتصوف ومفاهيم صوفية وظهرت الأدب الصوفي والشطحات وسمي التصوف بعلم القلوب . من أعلام التصوف في العراق في هذه الفترة ( البسطامي، الجنيد ، الخراز ).
4.مرحلة خفة التكاليف الشرعية (القرن الرابع الهجري) حيث ابتعد التصوف عن الشريعة وتزمت الفقه والأصول وحلّقوا في سماء الروح ، ومن أعلام هذه المرحلة (الحلاج ، الخلدي، الشبلي، الواسطي، الترمذي، الروزباري، الخوّاص، الحصري، الطوسي ).
تدوين تاريخ وطبقات التصوف والصوفية (القرن الخامس الهجري) حيث ظهرت المؤلفات التي تدور حول التصوف وطبقاته وتاريخه وفلسفته مثل كتاب طبقات الصوفية لأبي عبد الله السلمي والرسالة القشيرية لأبي القاسم القشيري وإحياء علوم الدين لأبي حامد الغزّالي والإنسان الكامل لعبد القادر الجيلي (الكيلاني) . ثانياً :صيف التصوف (500- 1000) هـجري
الطرق الصوفية (القرن السادس الهجري) حيث ظهرت الخوانق والأربطة والزوايا بكثرة في العالم الإسلامي ، وهي بداية ظهور الطرق الصوفية وهي الجماعات الصوفية المنتظمة مثل القادرية والرفاعية والمولوية وغيرها ومن أعلام هذه المرحلة الكبار (أحمد الغزالي، حماد الدباس، أبو الفتوح الإسفراييني ، عـــدي بن مسافر، النجيب السهروردي،علي بن الهيتي، أحمد الرفاعي،الشاطبي، القنائي الشهاب السهروردي ) .
2.انتشار التصوف الإسلامي وظهور المتصوفة الكبار في العالم الإسلامي (القرن السابع الهجري) ويمكن اعتبارها فترة النضة الروحية الصوفية الثانية بعد مرحلة القرن الرابع الهجري حيث النهضة الروحية الاولى ، ومن أكبر أعلامها (البدوي، الدسوقي، المرسي ابو العباس، الرومي، العطار، سعدي الشيرازي، حافظ الشيرازي، ابن عربي، البوصيري ،الشاذلي، عز الدين بن عبد السلام، السكندري، السهروردي، ابن سبعين الأندلسي، ابن دقيق العيد، ابن الفارض ) .
مرحلة القرن الهجري الثامن ومن أهم أعلامها (تقي الدين السبكي، البلقيني ).
مرحلة انتشار التصوف السنّي ومن أهم أعلامها (الحنفي، السيوطي، ) . مرحلة القرن العاشر الهجري ومن أهم أعلامها (زكريا الانصاري، الدمياطي، السنباطي ، الشعراني ) . ثالثاً : خريف التصوف (1000-1500) هجري
المجذوبون والدراويش (القرن 11 هجري) حيث ظهر التصوف الشعبي وبدأت طقوس التصوف تنزل من عليائها لتتحول الى دروشة ودراويش ومجذوبين وهائمين يجوبون الأسواق والمدن بدل عزلتهم الروحية والفكرية . 2.التصوف والتشيع (القرنان 12و13 هجري) : حيث انتقلت ايران من خلال التصوف الى التشيع بعد ان نشأت الدولة الصفوية في إيران وتحولت طريقة القزلباش التركية الشيعية إلى الطريقة الصفوية ، كانت صلة التشيع بالتصوف نوعية من خلال مايجمعهما من الغنوصية لكنها هنا تحولت الى مرحلة نوعية وهو مايشرحه مفصلا كتاب الدكتور مصطفى كامل الشيبي (الصلة بين التصوف والتشيع ) .
القرن الرابع عشرالهجري الذي ظهر فيه التصوف العثماني بقوة مسانداً السلطنة العثمانية ، واستمر التصوف بشكل عام بالهبوط والتداعي وتحول الى ممارسات شكلية وغلبت الطرق الصوفية على روح التصوف وفلسفته . 4.القرن الخامس عشر الهجري حيث ظهر التصوف مرتبطاً بالدول والحكومات ، بل ورافق بعضه ماعرف بالاسلام السياسي ، وللاسف الشديد ارتبطت الطريقة النقشبندية العربية في العراق بالإرهاب والعنف وتورطت في القتل والجريمة وسلمت قيادها لعزت الدوري فتبرأت منها النقشبندية في كل العالم لأن مثل هذا المنزلق الخطير للتصوف هو إنذار ببدء كارثة كبرى ستؤدي بالتصوف والطرق الصوفية الى الهاوية .
رابعاً : شتاء التصوف
توقع المحاضر ان شتاء التصوف سيكون قارساً وقد ينتهي التصوف في خاتمته الى ممارسات شكلية تخرج عن روح التصوف وتقفل بابه الى الأبد.
القسم الثالث : التراث الصوفي العراقي ونظم التصوف
ناقش الدكتور الماجدي مفصلاً الطرق الصوفية الموجودة الآن في العراق الحديث وهي :
الرفاعية ،القادرية (الكسنزانية ، البريفكانية) ، النقشبندية ، المولوية ، الردينية ، التيجانية ، النعيمية،
النوبية، النبهانية ، الابراهيمية.
ومن الطرق الصوفية الكردية في العراق : الكاكائية ، النقشبندية ،القادرية، الخلوتية، الطلبانية ، الجشتية ،السهروردية ، الكوبراوية ،الخالدية ، سادة النهري ، الارفاس.
ثم ناقش المظهر السياسي للتصوف وعلاقة المتصوفة بالسياسيين قديما وحديثاً ، والمظهر الإجتماعي حيث في البداية كانت العزلة عن المجتمع هي الأساس ثم شكلوا فئة اجتماعية لافتة للنظر من الفقراء والزهاد ، وانشرت الصوفية في كل العالم الاسلامي وسادت في مجتمعاته علنيا وسريا وهم في الغالب
جماعات مسالمة لكنها تشجع على الكسل وعدم حب العمل ، وتعرض لأماكن وجودهم في الخانقاهات والزوايا والتكيات والأربطة والأضرحة ، وتحدث عن حياتهم الروحية والدينية وتطورها عبر العصور ودور القطب والولي الصوفيّ في قيادة الطرق الصوفية .
تحدث عن تكوينهم الفكري ومعتقداتهم في الحلول والاتحاد ووحدة الوجود وغيرها . وشرح فلاسفتهم كالبسطامي الذي احتفى بفكرة الفناء والحلاج بنظرية الحلول والسهروردي بالفلسفة الاشراقية وابن عربي بنظرية وحدة الوجود .
ثم تحدث بإسهاب عن تراثهم الأدبي الذي يتضمن الشعر الصوفي (الحلاج ، ابن الفارض ، ابن عربي) والنثر الصوفي (النفري) والشطحات الصوفية (البسطامي) وأدب الحكايات الصوفية.
ثم أفاض في شرح الموسيقى الصوفية والغناء الصوفي وأسمع الحاضرين مقاطع من غنائهم وموسيقاهم على لسان فرق غنائية متخصصة ومغنين يؤدون الغناء الصوفي ببراعة مثل ياسين التهامي .
ثم ناقش الفن التشكيلي الصوفي ومرّ على العلاقة بين الصوفية والسريالية والتجريدية ، وذكر أجيال الفنانيين العراقيين التشكيليين الذين أثر بهم التصوف وعلى رأسهم شاكر حسن آل سعيد . وناقش فن الحروفيات الصوفية التشكيلي ونماذجه.
على مدى حوالي 140 سلايد ضوئي عرض الدكتور خزعل الماجدي محاضرته وحشدها بالكثير من المعلومات والصور المناسبة ،استمرت المحاضرة حوالي ثلاث ساعات ثم أعلن عن المحاضرة القادمة والتي ستكون (فسيسفساء نادرة : 15 مجموعة قومية ودينية واجتماعية نادرة في العراق) في نهاية شهر مايس من عام 2015